آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
العنف والإرهاب

العنف والإرهاب

تاريخ الإضافة: 2001/10/05 | عدد المشاهدات: 3878

أمَّا بعد، أيُّها الإخوة المسلمون :
منذ ثلاثة أيام عُقد مؤتمر في روما العاصمة الإيطالية بين علماء مسلمين وبين رجال دين مسيحيين ، وكان همُّ المؤتمر الذي دعت إليه منظمة كاثوليكية تدعى ( سانت إيجيبو ) الحديث وتبيان الموقف الإسلامي من العنف والإرهاب وما شابه ذلك . وقد اتصل بي أول أمس مراسلٌ من العاصمة الإيطالية وقال لي : حدِّثنا لنضم الحديث هذا إلى سجلات هذا المؤتمر ، حدثنا عن الإسلام وموقفه من العنف والإرهاب والعنصرية والنازية إلى غير ذلك . قلت له : سأرسل رسالة في صفحة من أجل أن يكون الأمر أكثر توثيقاً . وفعلاً أيها الإخوة كتبت وأرسلت وبسرعةٍ كانت مطلوبة ، أرسلت هذه الصفحة . ولما كان الأمر يعنيني ويعنيكم ، أحببت أن أقرأ عليكم هذا الذي سجَّلته للمؤتمر ، وأعتقد أننا بحاجة ماسة من أجل أن نتعرف من جديد على مثل هذه الأمور ، لا سيما وأن العالم كلّه يتحدث اليوم عن العنف والإرهاب والعنصرية والنازية . 
أولاً : الإرهاب والتعصب والعنصرية والنازية والعنف كلها مصطلحات تقوم على أسٍّ مشترك بينها هو الظلم ، " والظلم ظلمات يوم القيامة " ، فالإرهاب : ممارسة اعتداء أو تهديد على آمن غير ظالم ، والتعصب : اجتماع قوة على غير حق ، والعنصرية : اكتفاء فئة بنفسها لتكون وارثة الأرض وقَيُّوميتها بغير وجه عدل ، والنازية : عدوان على آخر لمجرد كونه آخر ، والعنف : تسرع في اختيار السلاح لمواجهة المخالف . 
وعلى هذا فالإسلام لا يمت إلى كل هذه المصطلحات بصلة ، فالقرآن الكريم قال : ( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) فأين الإرهاب ، والإرهاب : ممارسة اعتداء أو تهديد على آمن غير ظالم . والقرآن الكريم قال : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) فأين التعصب ، والتعصب : اجتماع قوة على غير الحق . والقرآن الكريم قال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فأين العنصرية ، والعنصرية : اكتفاء فئة بنفسها لتكون وارثة الأرض وقَيُّوميتها بغير وجه عدل . والقرآن الكريم قال : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تَبَرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) فأين النازية ، والنازية : عدوان على آخر لمجرد كونه آخر . والقرآن الكريم قال : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وقال : ( ادفع بالتي هي أحسن ) فأين العنف ، والعنف : تسرع في اختيار السلاح لمواجهة الآخر . 
ثانياً : في مشروعية الدفاع عن النفس في مواجهة الإرهاب والتعصب والعنصرية والنازية والعنف ، يقول القرآن الكريم : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) قاتلوهم لأنهم إرهابيون ومتعصبون وعنصريون ونازيون وعنيفون. ويقول القرآن الكريم : ( أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) . 
ثالثاً : ويأتي الإسلام ليؤصِّل العلاقة بين الناس كافة على أساس من الرحمة والسلام والإحسان ،قال تعالى : ( وقولوا للناس حسناً ) وقال أيضاً : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) ، وقال تعالى : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) ، وقال تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) . 
رابعاً : الإسلام يدعو إلى صِلات بين الناس عامة تقوم على البر ، فما بالك بنوعية الصلات التي يدعو الإسلام إلى إقامتها بين المسلمين أنفسهم ، والتي نكتفي بذكر عنوانها فقط إذ يقول القرآن الكريم : ( إنما المؤمنون إخوة ) فما بالك إذا رأيت كثيراً من المسلمين يستبدلون الذي هو قطيعة وظلم ونُفرة وعداوة بالذي هو رحمة وأخوة وعدل وتعاون وتباذل وتناصح ؟؟!! ألا ساء ما يستبدلون . 
خامساً : نحن الذين قدَّمنا المبرِّرات للآخرين من أجل اتهامنا بكل شرٍّ وبسرعة ، لماذا قدمنا المبررات ؟ لأن ما نفعله فيما بيننا يُستدل به على أنه من بابٍ أولى يمكن أن نفعله بيننا وبين الآخرين ، بمعنى أن من كان نحو أخيه في الدين والعروبة قاسياً محتقراً مغتالاً معتقلاً ، فهو نحو البعيد أقسى . يقول الغرب بلسان حاله : هؤلاء مسلمون وعرب يقتل بعضهم بعضاً ، ويشنون حرباً على بعضهم ، وتُقتحم المساجد ويَقتل المسلمون المسلمين ، ويذبحون بعضهم بسكاكين بعضهم ، فإذا كان الأمر بينهم كذلك إذاً : فهم المرشح الأول من أجل أن يكونوا الفاعلين لكل عمل إرهابي وعنيف في هذه الكرة الأرضية . أقصد بهذا أننا قدمنا إمكانية اتهام لنا أمام الغرب من خلال مخالفتنا وصراعنا وخلافنا وقتالنا فيما بيننا ، ولا أريد أن أعيد الكرَّة في الحديث عما يحدث في الجزائر وأفغانستان ، وهنا وهناك في السودان ، وبين العراق والكويت ، إذ الاحتقار عنوان ، والاغتيال عنوان ، والضرب عنوان ، والكراهية عنوان ، والاعتقال عنوان ، والضرب عنوان ، والسّباب عنوان ، وغابت من بيننا سحائب رحمة تمطر عوناً ومساعدة وتقوى وإخلاصاً وعلاقات طيبة تقوم على كل المودة والرحمة والأخوة المطلوبة . 
سادساً : قلت لهم : أريد أن أسجل عبارات قلتها في مناسبات شتى ، استوحيتها من قرآني وسنة نبيي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هذه العبارات هي : 
- " لسنا ضد أحد لكننا لا نسمح لأحد أن يكون ضدنا " 
- " الحضارة لا تقوم على سب الحضارات ، وإنما الحضارة تقوم على تحمل شتم أشباه الحضارات " 
- " الإنسان هو الإحسان ، بيد أن النون في الإنسان فهي نون النشأة ، وأما حاء الإحسان فهي حاء الحياة والحياء ، والحياة والحياء وجهان للإنسان ، أما الحياة فتمثل المادة وأما الحياء فيمثل المعنى ، وإذا غاب حياء الإنسان فلا إنسان ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " . 
سابعاً : قتالنا الصهيونيَّ في فلسطين والجولان ولبنان ليس إرهاباً ولا عنفاً ولا عنصرية ولا نازية بناء على ما تقدم ، بل هو محاولة جادة للقضاء على الإرهاب والتعصب والعنصرية والنازية والعنف المتمثل بالصهيونية . وثقوا أننا نقول هذا ليس من باب البلاغة أو العاطفة أو احتقار العدو ، فالصهيونية نازية وعنصرية وعنيفة ومتعصبة ، وقتالنا لها قتال لكل هذه المصطلحات المرعبة التي أمر الإنسان من خلال كل الديانات أن يقاتلها ، لأنها محتلة ظالمة ، ومن دَعَم الصهيونية فهو كذلك ، ومن دَعَم الإرهاب فهو إرهابي ، ومن دعم النازية فهو نازي ، ومن دعم العنصرية فهو عنصري ، ومن دعم التعصب فهو متعصب . فقتالنا مشروع وعادل وجهاد ومقاومة ، جهادنا عادل لأن جهاد الإسلام يعني قتال الظلم . 
وبناء على ما سبق فحرب تشرين التي تعيشون ذكراها غداً ، أو حرب رمضان - وأحب من وسائلنا الإعلامية أن يقولوا عن حرب تشرين مرة بأنها حرب تشرين ولا بأس ، ولكنني أريد من إعلامنا أن يسموها أيضاً حرب رمضان وليس هذا شهوة من أجل إرضاء تطلع معين ، لكنني أقول هذا من أجل ربط الجهاد المشروع بشهر الجهاد وشهر القرآن - . ونريد لشبابنا ولأبنائنا وضباطنا وعسكرنا أن يكونوا مرتبطين بالقرآن ، وطلبنا هذا لا يصب في خانة النفع الفردي ولكنه يصب في خانة النفع للناس جميعاً . حرب تشرين حرب رمضان كانت حرباً مشروعة ظهرت فيها الوحدة على استحياء ، وأدى هذا الظهور إلى نتيجة طيبة ، لأن الصهيونية تذكرها بكثير من الأسى ، وإذا كان الأمر كذلك إذاً حرب رمضان كانت حرباً مجدية ، وإن كانت النتيجة ليست كما يجب ، ولكن النتيجة فيها انتصار . وإننا ندعو شبابنا لمتابعة حرب رمضان ، حرب تشرين ، من خلال الوحدة ، من خلال رمضان والالتزام بما جاء في رمضان ، وإلى انتصارات قادمة ، فيما بقي من جنوب لبنان ، وإلى القدس أولاً وآخراً .
أيها الإخوة : هذا ما أرسلته ، وأحب أن أعلق على ما يجري : سمعتم بالطائرة الروسية التي سقطت في البحر الأسود وقُتل مَنْ فيها من الإسرائيليين ، وعددهم ستة وستون إسرائيلياً ، أقول ولا ألام إن قلت لأنه محض رؤية أو محض رغبة أو تصور وهو قابل للنقاش والحوار ، بحثت في المجلات والصحف عن أعداد الشهداء الفلسطينيين في الشهرين الماضيين تقريباً فرأيت أن عدد الشهداء الفلسطينيين لم يصل إلى السبعين ، فتصوروا أن حادثاً - ولا أريد أن أكون شامتاً - لكنني أقول : هذا من ربنا ، فهو مدد من الله ، ولِمَ لا يكون كذلك وكل الذين قتلوا على الطائرة إسرائيليون وكل إسرائيلي معتدٍ مدنياً كان أو عسكرياً ، لأنه يقف على أرض قهراً للآخرين ، وبالتالي : انظروا إلى عطاء من الله عز وجل ( يمددكم ربكم ) لكنني أستدرك وأقول : لا أريد أن نعتمد على المدد المباشر فهذا كسل وتكاسل ، فالله عز وجل إن رآنا نجاهد أمدنا ومدنا ، لكننا إن قعدنا فلن يكون هناك مدد فالمدد لمن يعمل لا لمن يكسل . 
فهيا - يا إخواننا في فلسطين - إلى متابعة الجهاد المشروع وأعتقد أن الصهيونيين لا يمكن أن يقبلوا بالسلم والسلام لأنهم ليسوا بأمة سلام ، وليس في تعاليمهم ما يشير إلى السلام ، فهم أمة مخادعة وهم أمة خداع ومكر وظلم وصَلَف ، وبالتالي أسأل الله أن يوفقنا من أجل جهادهم لنتحقق بالجهاد المشروع إذ نجاهدهم . 
أيها المؤتمِرون في روما ، يا رجال الدين المسيحي ، أيها العلماء المسلمون : 
القرآن الكريم مصدر لكل علاقة خيرة بين الإنسان . يا من تبحثون عن سعادة وعن علاقات وصيغ تعايش ، القرآن الكريم جاهز من أجل أن يقدم للإنسان أغنى وأروع ما يناسب الإنسان . القرآن الكريم سيبقى أبد الدهور مرجع الإنسان الذي يريد الخير ويبغي السعادة والاستقرار والإنسانية ، لأن ربي قال عن هذا الكتاب العظيم : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) . 
اللهم اجعلنا من أهل هذا القرآن فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته ، تقبل منا ما كن صالحاً ، وأصلح منا ما كان فاسداً وأصلحنا ظاهراً وباطناً . 
أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق