أمَّا بعد، أيُّها الإخوة
المسلمون :
منذ ثلاثة أيام عُقد مؤتمر في روما
العاصمة الإيطالية بين علماء مسلمين وبين رجال دين مسيحيين ، وكان همُّ المؤتمر
الذي دعت إليه منظمة كاثوليكية تدعى ( سانت إيجيبو ) الحديث وتبيان الموقف
الإسلامي من العنف والإرهاب وما شابه ذلك . وقد اتصل بي أول أمس مراسلٌ من
العاصمة الإيطالية وقال لي : حدِّثنا لنضم الحديث هذا إلى سجلات هذا المؤتمر ،
حدثنا عن الإسلام وموقفه من العنف والإرهاب والعنصرية والنازية إلى غير ذلك .
قلت له : سأرسل رسالة في صفحة من أجل أن يكون الأمر أكثر توثيقاً . وفعلاً أيها
الإخوة كتبت وأرسلت وبسرعةٍ كانت مطلوبة ، أرسلت هذه الصفحة . ولما كان الأمر
يعنيني ويعنيكم ، أحببت أن أقرأ عليكم هذا الذي سجَّلته للمؤتمر ، وأعتقد أننا
بحاجة ماسة من أجل أن نتعرف من جديد على مثل هذه الأمور ، لا سيما وأن العالم
كلّه يتحدث اليوم عن العنف والإرهاب والعنصرية والنازية .
أولاً : الإرهاب والتعصب والعنصرية والنازية والعنف كلها مصطلحات تقوم على أسٍّ
مشترك بينها هو الظلم ، " والظلم ظلمات يوم القيامة " ، فالإرهاب : ممارسة
اعتداء أو تهديد على آمن غير ظالم ، والتعصب : اجتماع قوة على غير حق ،
والعنصرية : اكتفاء فئة بنفسها لتكون وارثة الأرض وقَيُّوميتها بغير وجه عدل ،
والنازية : عدوان على آخر لمجرد كونه آخر ، والعنف : تسرع في اختيار السلاح
لمواجهة المخالف .
وعلى هذا فالإسلام لا يمت إلى كل هذه المصطلحات بصلة ، فالقرآن الكريم قال : (
ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) فأين الإرهاب ، والإرهاب : ممارسة اعتداء
أو تهديد على آمن غير ظالم . والقرآن الكريم قال : ( وتعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) فأين التعصب ، والتعصب : اجتماع قوة على غير
الحق . والقرآن الكريم قال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فأين العنصرية ،
والعنصرية : اكتفاء فئة بنفسها لتكون وارثة الأرض وقَيُّوميتها بغير وجه عدل .
والقرآن الكريم قال : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم
يخرجوكم من دياركم أن تَبَرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) فأين
النازية ، والنازية : عدوان على آخر لمجرد كونه آخر . والقرآن الكريم قال : (
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وقال : (
ادفع بالتي هي أحسن ) فأين العنف ، والعنف : تسرع في اختيار السلاح لمواجهة
الآخر .
ثانياً : في مشروعية الدفاع عن النفس في مواجهة الإرهاب والتعصب والعنصرية
والنازية والعنف ، يقول القرآن الكريم : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين
يقاتلونكم ) قاتلوهم لأنهم إرهابيون ومتعصبون وعنصريون ونازيون وعنيفون. ويقول
القرآن الكريم : ( أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير
الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) .
ثالثاً : ويأتي الإسلام ليؤصِّل العلاقة بين الناس كافة على أساس من الرحمة
والسلام والإحسان ،قال تعالى : ( وقولوا للناس حسناً ) وقال أيضاً : ( يا أيها
الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) ، وقال تعالى : ( تلك الدار الآخرة نجعلها
للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) ، وقال تعالى :
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس وخلق منها زوجها وبثَّ منهما
رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم
رقيباً ) .
رابعاً : الإسلام يدعو إلى صِلات بين الناس عامة تقوم على البر ، فما بالك
بنوعية الصلات التي يدعو الإسلام إلى إقامتها بين المسلمين أنفسهم ، والتي
نكتفي بذكر عنوانها فقط إذ يقول القرآن الكريم : ( إنما المؤمنون إخوة ) فما
بالك إذا رأيت كثيراً من المسلمين يستبدلون الذي هو قطيعة وظلم ونُفرة وعداوة
بالذي هو رحمة وأخوة وعدل وتعاون وتباذل وتناصح ؟؟!! ألا ساء ما يستبدلون .
خامساً : نحن الذين قدَّمنا المبرِّرات للآخرين من أجل اتهامنا بكل شرٍّ وبسرعة
، لماذا قدمنا المبررات ؟ لأن ما نفعله فيما بيننا يُستدل به على أنه من بابٍ
أولى يمكن أن نفعله بيننا وبين الآخرين ، بمعنى أن من كان نحو أخيه في الدين
والعروبة قاسياً محتقراً مغتالاً معتقلاً ، فهو نحو البعيد أقسى . يقول الغرب
بلسان حاله : هؤلاء مسلمون وعرب يقتل بعضهم بعضاً ، ويشنون حرباً على بعضهم ،
وتُقتحم المساجد ويَقتل المسلمون المسلمين ، ويذبحون بعضهم بسكاكين بعضهم ،
فإذا كان الأمر بينهم كذلك إذاً : فهم المرشح الأول من أجل أن يكونوا الفاعلين
لكل عمل إرهابي وعنيف في هذه الكرة الأرضية . أقصد بهذا أننا قدمنا إمكانية
اتهام لنا أمام الغرب من خلال مخالفتنا وصراعنا وخلافنا وقتالنا فيما بيننا ،
ولا أريد أن أعيد الكرَّة في الحديث عما يحدث في الجزائر وأفغانستان ، وهنا
وهناك في السودان ، وبين العراق والكويت ، إذ الاحتقار عنوان ، والاغتيال عنوان
، والضرب عنوان ، والكراهية عنوان ، والاعتقال عنوان ، والضرب عنوان ، والسّباب
عنوان ، وغابت من بيننا سحائب رحمة تمطر عوناً ومساعدة وتقوى وإخلاصاً وعلاقات
طيبة تقوم على كل المودة والرحمة والأخوة المطلوبة .
سادساً : قلت لهم : أريد أن أسجل عبارات قلتها في مناسبات شتى ، استوحيتها من
قرآني وسنة نبيي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هذه العبارات هي :
- " لسنا ضد أحد لكننا لا نسمح لأحد أن يكون ضدنا "
- " الحضارة لا تقوم على سب الحضارات ، وإنما الحضارة تقوم على تحمل شتم أشباه
الحضارات "
- " الإنسان هو الإحسان ، بيد أن النون في الإنسان فهي نون النشأة ، وأما حاء
الإحسان فهي حاء الحياة والحياء ، والحياة والحياء وجهان للإنسان ، أما الحياة
فتمثل المادة وأما الحياء فيمثل المعنى ، وإذا غاب حياء الإنسان فلا إنسان ،
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "
.
سابعاً : قتالنا الصهيونيَّ في فلسطين والجولان ولبنان ليس إرهاباً ولا عنفاً
ولا عنصرية ولا نازية بناء على ما تقدم ، بل هو محاولة جادة للقضاء على الإرهاب
والتعصب والعنصرية والنازية والعنف المتمثل بالصهيونية . وثقوا أننا نقول هذا
ليس من باب البلاغة أو العاطفة أو احتقار العدو ، فالصهيونية نازية وعنصرية
وعنيفة ومتعصبة ، وقتالنا لها قتال لكل هذه المصطلحات المرعبة التي أمر الإنسان
من خلال كل الديانات أن يقاتلها ، لأنها محتلة ظالمة ، ومن دَعَم الصهيونية فهو
كذلك ، ومن دَعَم الإرهاب فهو إرهابي ، ومن دعم النازية فهو نازي ، ومن دعم
العنصرية فهو عنصري ، ومن دعم التعصب فهو متعصب . فقتالنا مشروع وعادل وجهاد
ومقاومة ، جهادنا عادل لأن جهاد الإسلام يعني قتال الظلم .
وبناء على ما سبق فحرب تشرين التي تعيشون ذكراها غداً ، أو حرب رمضان - وأحب من
وسائلنا الإعلامية أن يقولوا عن حرب تشرين مرة بأنها حرب تشرين ولا بأس ،
ولكنني أريد من إعلامنا أن يسموها أيضاً حرب رمضان وليس هذا شهوة من أجل إرضاء
تطلع معين ، لكنني أقول هذا من أجل ربط الجهاد المشروع بشهر الجهاد وشهر القرآن
- . ونريد لشبابنا ولأبنائنا وضباطنا وعسكرنا أن يكونوا مرتبطين بالقرآن ،
وطلبنا هذا لا يصب في خانة النفع الفردي ولكنه يصب في خانة النفع للناس جميعاً
. حرب تشرين حرب رمضان كانت حرباً مشروعة ظهرت فيها الوحدة على استحياء ، وأدى
هذا الظهور إلى نتيجة طيبة ، لأن الصهيونية تذكرها بكثير من الأسى ، وإذا كان
الأمر كذلك إذاً حرب رمضان كانت حرباً مجدية ، وإن كانت النتيجة ليست كما يجب ،
ولكن النتيجة فيها انتصار . وإننا ندعو شبابنا لمتابعة حرب رمضان ، حرب تشرين ،
من خلال الوحدة ، من خلال رمضان والالتزام بما جاء في رمضان ، وإلى انتصارات
قادمة ، فيما بقي من جنوب لبنان ، وإلى القدس أولاً وآخراً .
أيها الإخوة : هذا ما أرسلته ، وأحب أن أعلق على ما يجري : سمعتم بالطائرة
الروسية التي سقطت في البحر الأسود وقُتل مَنْ فيها من الإسرائيليين ، وعددهم
ستة وستون إسرائيلياً ، أقول ولا ألام إن قلت لأنه محض رؤية أو محض رغبة أو
تصور وهو قابل للنقاش والحوار ، بحثت في المجلات والصحف عن أعداد الشهداء
الفلسطينيين في الشهرين الماضيين تقريباً فرأيت أن عدد الشهداء الفلسطينيين لم
يصل إلى السبعين ، فتصوروا أن حادثاً - ولا أريد أن أكون شامتاً - لكنني أقول :
هذا من ربنا ، فهو مدد من الله ، ولِمَ لا يكون كذلك وكل الذين قتلوا على
الطائرة إسرائيليون وكل إسرائيلي معتدٍ مدنياً كان أو عسكرياً ، لأنه يقف على
أرض قهراً للآخرين ، وبالتالي : انظروا إلى عطاء من الله عز وجل ( يمددكم ربكم
) لكنني أستدرك وأقول : لا أريد أن نعتمد على المدد المباشر فهذا كسل وتكاسل ،
فالله عز وجل إن رآنا نجاهد أمدنا ومدنا ، لكننا إن قعدنا فلن يكون هناك مدد
فالمدد لمن يعمل لا لمن يكسل .
فهيا - يا إخواننا في فلسطين - إلى متابعة الجهاد المشروع وأعتقد أن الصهيونيين
لا يمكن أن يقبلوا بالسلم والسلام لأنهم ليسوا بأمة سلام ، وليس في تعاليمهم ما
يشير إلى السلام ، فهم أمة مخادعة وهم أمة خداع ومكر وظلم وصَلَف ، وبالتالي
أسأل الله أن يوفقنا من أجل جهادهم لنتحقق بالجهاد المشروع إذ نجاهدهم .
أيها المؤتمِرون في روما ، يا رجال الدين المسيحي ، أيها العلماء المسلمون :
القرآن الكريم مصدر لكل علاقة خيرة بين الإنسان . يا من تبحثون عن سعادة وعن
علاقات وصيغ تعايش ، القرآن الكريم جاهز من أجل أن يقدم للإنسان أغنى وأروع ما
يناسب الإنسان . القرآن الكريم سيبقى أبد الدهور مرجع الإنسان الذي يريد الخير
ويبغي السعادة والاستقرار والإنسانية ، لأن ربي قال عن هذا الكتاب العظيم : (
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) .
اللهم اجعلنا من أهل هذا القرآن فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته ، تقبل منا ما
كن صالحاً ، وأصلح منا ما كان فاسداً وأصلحنا ظاهراً وباطناً .
أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات