أما بعد أيها الإخوة
المؤمنون :
لا يسعنا إلا أن نقول ونحن نسمع أخبار إخوان لنا في فلسطين حوصروا من قبل العدو
الأثيم ، قُتل شبابهم ، واستُبيحت أعراضهم ، وهُدِّمت منازلهم ، ففي غضون أقل
من أربع وعشرين ساعة ، سقط منهم خمسة عشر شهيداً ، وجُرح من إخواننا أكثر من
مائة . لا يسعنا إلا أن نقول :
والمشركـون قد بغوا علينا |
إذا أرداوا فتنـة أبـينـا |
وقد تَـدَاعى جمعهم علـينا |
طِبْقَ الأحاديث التي روينا |
فارددهم اللهم خاسرينا |
لا يسعنا إلا أن نقول :
اللهم نَصركَ الذي وعدت ، اللهم إنا نريد لإخواننا نصراً مؤزراً قريباً عظيماُ
، إذ انقطعت السبل إلا منك ، وخابت الآمال إلا فيك ، لئن اعتمد غيرنا على غيرك
فنحن الذين لا نعتمد إلا عليك ، ولئن لجأ غيرنا إلى غيرك فنحن الذين لا نلجأ
إلا إليك ، ولئن لاذ غيرنا بغيرك فنحن الذين لا نلوذ إلا بك . اللهم عليك
بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم عليك بالصهيونية المجرمة ومن عاونها
وساعدها ، اللهم عليك بكل عدو للإسلام والمسلمين ، يا رب العالمين : انصرنا على
عدونا نصراً مؤزراً بحق الأطفال الرضَّع ، والشيوخ الرُكَّع ، والبهائم
الرُتَّع ، نسألك النصر لإخواننا .
وأنتم يا إخوتنا في فلسطين : اصبروا واصمدوا ، صابروا واحتسبوا ، ولا تغرنَّكم
وعود ، ولا تلتفتوا إلى مبادرات ، ولا يغرنَّكم كلام ، ولا تلتفتوا إلا إلى
كلام ربنا عز وجل ، وإلى هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا تعتمدوا
إلا على الله ، واستيئسوا من الناس ، وأمّلوا بالله . ونقول أيضاً لكل العرب
والمسلمين زعماء وشعوباً : لا يمكن أن يكون أحد وصياً على شعبنا في فلسطين ،
ولا يمكن لأحد أن يتحدث باسم شعبنا في فلسطين ، وشعبنا في فلسطين هو الذي يتحدث
باسم نفسه ، وهو الذي يقرر بناء على هدي الله مصيره ، فلا التفات إلى مبادرة
سعودية أو غير سعودية ، ولا التفات إلى أطروحات تغاير تلك التي قرر شعبنا في
فلسطين الذي قدم حتى الآن منذ سنة ونصف أكثر من ألف ومائة من الشهداء ، وأكثر
من خمسة وثلاثين ألف جريح ، وهُدّمت له أكثر من عشرة آلاف بيت ، وجرفت له أكثر
من عشرات الآلاف من الأمتار المربعة من الأراضي ، من هؤلاء الشهداء أكثر من
ثلاثمائة طفل ، هذا الشعب الذي قدَّم هو الذي يقرر مصيره ، وإنا لنراه وقد أعلن
بحاله استمرار الانتفاضة ، لأن استمرار الانتفاضة تعني أن تبقى الحكومة
الإسرائيلية في مأزق ، وقد وقعت في مأزق . بالأمس استمعت إلى تقرير يقول نقلاً
عن صحيفة إسرائيلية : إن شعبية رئيس الكيان الصهيوني تدنّت ونزلت . لأن هذا
الخبيث وعد قومه بالأمن خلال مائة يوم من تسلمه سُدَّة الحكم ، لكن قد مضى على
تسلمه أربعمائة يوم ولم يتحقق الأمن ، فقد قتل من الإسرائيليين حتى اليوم أكثر
من مائتين وخمسين قتيلاً ، وجرح منهم أكثر من ألف ، وهذا بالنسبة لهم خسارة
كبيرة ، ولذلك يحتج منهم من يحتج كما ترون ، ويطالبون بالسلام ، ولذلك يرفض
بعضهم أن يكون جندياً في الأراضي المحتلة بعد عام سبعة وستين ، وحتى في أراضي
ثمانية وأربعين ، وقد كثرت أيضاً طلبات الهجرة المعاكسة ، من أتى منهم من
أوروبا يريد أن يعود إليها لأنه لم يعد يرى الأمن ، وهناك من صرَّح منهم بأن
الخوف قد استحكم قلوبهم ، وأن الذعر قد ملأ إهاباتهم وجلودَهم ، وبأنهم أضحوا
يعيشون القلق والاضطراب ساعة بعد ساعة ويزداد هذا الأمر ، لذلك نقول من الرؤية
الصائبة - والله أعلم - أن تستمر الانتفاضة وأن يتابع أهلها القتال . نقول
لإخواننا في فلسطين : أنتم من تقررون مصيركم لأنكم تقدمون ، واعذروني أيها
الإخوة ، أيها العرب : لا نريد مَن يأتي منا لينقذ شارون من مأزقه ، فالمبادرة
السعودية إنقاذ لشارون ، ولا نريد لها أن يُتحدث عنها ، وقد باركتها أمريكا ،
وإذا كانت أمريكا قد باركت هذه المبادرة فعلينا أن نعلم تلقائياً أن هذه
المبادرة ليست لصالح الشعب الفلسطيني ، وباركتها فرنسا وبريطانيا وروسيا ، وجاء
الرجل الذي يحكم إسرائيل رئيس الجمهورية هناك ، وصرح بأنه على استعداد من أجل
أن يلتقي السعوديين في الرياض ، كل هذا يؤشر على أن هذه المبادرة ليست في صالح
الشعب الفلسطيني ، ولا في صالح الأرض المحتلة ولا القدس .
أتوجه بعد كل ذلك إلى إخواننا ، إلى العرب ، إلى مؤتمر القمة الذي سيعقد في
الأسبوع الأخير من هذا الشهر لأقول لهم : لا تكونوا على الانتفاضة بل كونوا لها
ومعها ، لا تفكروا في أن تصدروا قراراً يحكم بإنهاء الانتفاضة ، بل كونوا لها ،
والشجاع فيكم من يقول : إني مع استمرار أخذ الحق بالقوة حتى ولو كانت قوتنا
بسيطة ، فتلك القوة البسيطة مع الاستمرار والمتابعة ستؤتي أكلها بإذن ربها ،
وسيأتي النصر بإذن الله . وأنتم يا أبناءنا ويا شبابنا ويا رجالنا ونساءنا :
أريد منكم أن لا تنسوا إخوانكم هناك ، ولعل قائلاً منكم يقول : كيف يمكنني
الذكرى ؟ أقول : لا أقل من دعوة بينك وبين نفسك في ظهر الغيب ترسلها : يا رب
السماوات والأرض انصر الحق على الباطل ، انصر إخواننا في فلسطين . لِتَقُلها
أيها الطفل ، وأيها الرجل المسن والشاب ، وأيتها المرأة والبنت والطفلة . إننا
نريد إن لم نعش الجهاد حقيقة أن نعيشه بدعاء ، فالأمة قسمان : قسم يجاهد بالفعل
، وقسم يدعم المجاهدين بالمادة والمعنى ، بالقتال وبالدعاء ، يجهز غازياً أو
يكون غازياً ، وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام : " من لم يغزُ أو يحدث نفسه
بالغزو مات على شعبة من النفاق " . إن لم تمتلك التجهيز المادي فلا أقل من
التجهيز المعنوي .
هذا قِسم من خطبة أردت أن ألقاكم بها هذا اليوم ، وقد أثَّر على موضوع كنت أود
أن أطرحه الآن ، ولكن اعذروني إن قلت بين القسمين كلمة قلتها منذ فترة على هذا
المنبر وأكررها اليوم : هنالك بعض من الناس - وإني لمستغرب جداً أن يكون من
شبابنا هؤلاء - إذ يقولون : لمَ الحديث عن فلسطين ؟! والحديث عن فلسطين حديثٌ
عن سياسة .
أيها الإخوة : الحديث عن فلسطين حديثٌ عن دين ، وعن هُوية ، وعن وجود ، وليس
حديثاً عن سياسة . حديث عن إيمان ونصر للحق ، حديث عن وجود ينبغي أن نتبناه ،
لأننا أُمرنا أن نكون أصحاب وجود معطاء ولا يكون هذا إلا بالتحرير ، حديثنا عن
فلسطين حديث عن وجود أو لا وجود ، ومن يستنكر الحديث عن فلسطين إنه ورب الكعبة
لجهول . هي قضية مركزية أساسية تحكمنا وتحكم اقتصادنا وأغلب دعائنا وجل خلواتنا
، لأنه إذا عزَّت فلسطين فقد عز الإسلام ، وإذا ذلت فلسطين - لا سمح الله - فقد
ذل الإسلام ، إذا انتصرت فلسطين فذاك انتصار لكل العرب ولكل الإسلام ، ولكل
القيم التي جاء بها الإسلام وحملتها العروبة في طياتها .
أما الأمر الذي أردت أن أقوله فهو قراءة لبعض الأحاديث النبوية التي تتعلق
بالفتن ، وقد أصبحت هذه الفتن تترى ، نعيشها ويعيشها أبناؤنا ، وأنا أريد أن
أقدم أمامكم بعض الأحاديث من غير تعليق :
- قال صلى الله عليه وآله وسلم : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة وقوم يحسنون
القول ويسيئون الفعل " رواه أبو داود .
- ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : " إذا اتُخذ الفيء دولاً ، والأمانة مغنماً
، والزكاة مغرماً ، وتُعلِّم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه ، وأدنى
صديقه وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات في المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان
زعيم القوم أرذلهم ، وأُكرِم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ،
وشُربت الخمور ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء
وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام بالٍ قطع سلكه فتتابع " رواه
الترمذي .
- وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى
يتباهى الناس في المساجد " .
- وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي البخاري : " يتقارب الزمان ، وينقص
العلم ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج . قالوا يا رسول الله : أيما
هو ( أي ما الهرج ؟ ) قال : القتل ، القتل " .
- وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الناس دخلوا في دين
الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً " .
- وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ستكون أمة منكم بعدكم
يقهر سفهاؤها حلماءها " .
- وروى أحمد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إذا رأيتم أمتي
تهاب الظالم ، أن تقول له إنك لظالم فقد تودع منهم " .
- ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في مسند الإمام أحمد : " إن أمام
الدجال سنين خدَّاعة ، يُصدَّق فيها الكاذب ، ويُكَذَّب فيها الصادق ، ويخون
فيها الأمين ، ويُؤتمن الخائن ، ويتكلم فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟
قال : الفويسق يتكلم في أمر العامة " .
هنالك رباط ووصال بين ما قلته في الشطر الأول من الخطبة وما قلته في الشطر
الثاني ، ولا أريد أن أعلق على ما قلت من أحاديث شريفة ، وأترك الكلام لكم ،
وأسأل الله - كما بدأت الحديث أعيده - أن ينصر إخواننا في فلسطين ، وأن يعلي
راية الإسلام في فلسطين ، وأن يحرر القدس من براثن أعداء الله والإنسانية والحق
، بل أعداء الخير ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت يا ربنا ، أقول هذا القول
وأستغفر الله .
التعليقات