آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
لا مهادنة ولا مبادرة فالانتفاضة مستمرة

لا مهادنة ولا مبادرة فالانتفاضة مستمرة

تاريخ الإضافة: 2002/03/01 | عدد المشاهدات: 2132

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون : 
لا يسعنا إلا أن نقول ونحن نسمع أخبار إخوان لنا في فلسطين حوصروا من قبل العدو الأثيم ، قُتل شبابهم ، واستُبيحت أعراضهم ، وهُدِّمت منازلهم ، ففي غضون أقل من أربع وعشرين ساعة ، سقط منهم خمسة عشر شهيداً ، وجُرح من إخواننا أكثر من مائة . لا يسعنا إلا أن نقول :

والمشركـون قد بغوا علينا

إذا أرداوا فتنـة أبـينـا

وقد تَـدَاعى جمعهم علـينا

طِبْقَ الأحاديث التي روينا

فارددهم اللهم خاسرينا

لا يسعنا إلا أن نقول : اللهم نَصركَ الذي وعدت ، اللهم إنا نريد لإخواننا نصراً مؤزراً قريباً عظيماُ ، إذ انقطعت السبل إلا منك ، وخابت الآمال إلا فيك ، لئن اعتمد غيرنا على غيرك فنحن الذين لا نعتمد إلا عليك ، ولئن لجأ غيرنا إلى غيرك فنحن الذين لا نلجأ إلا إليك ، ولئن لاذ غيرنا بغيرك فنحن الذين لا نلوذ إلا بك . اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم عليك بالصهيونية المجرمة ومن عاونها وساعدها ، اللهم عليك بكل عدو للإسلام والمسلمين ، يا رب العالمين : انصرنا على عدونا نصراً مؤزراً بحق الأطفال الرضَّع ، والشيوخ الرُكَّع ، والبهائم الرُتَّع ، نسألك النصر لإخواننا . 
وأنتم يا إخوتنا في فلسطين : اصبروا واصمدوا ، صابروا واحتسبوا ، ولا تغرنَّكم وعود ، ولا تلتفتوا إلى مبادرات ، ولا يغرنَّكم كلام ، ولا تلتفتوا إلا إلى كلام ربنا عز وجل ، وإلى هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا تعتمدوا إلا على الله ، واستيئسوا من الناس ، وأمّلوا بالله . ونقول أيضاً لكل العرب والمسلمين زعماء وشعوباً : لا يمكن أن يكون أحد وصياً على شعبنا في فلسطين ، ولا يمكن لأحد أن يتحدث باسم شعبنا في فلسطين ، وشعبنا في فلسطين هو الذي يتحدث باسم نفسه ، وهو الذي يقرر بناء على هدي الله مصيره ، فلا التفات إلى مبادرة سعودية أو غير سعودية ، ولا التفات إلى أطروحات تغاير تلك التي قرر شعبنا في فلسطين الذي قدم حتى الآن منذ سنة ونصف أكثر من ألف ومائة من الشهداء ، وأكثر من خمسة وثلاثين ألف جريح ، وهُدّمت له أكثر من عشرة آلاف بيت ، وجرفت له أكثر من عشرات الآلاف من الأمتار المربعة من الأراضي ، من هؤلاء الشهداء أكثر من ثلاثمائة طفل ، هذا الشعب الذي قدَّم هو الذي يقرر مصيره ، وإنا لنراه وقد أعلن بحاله استمرار الانتفاضة ، لأن استمرار الانتفاضة تعني أن تبقى الحكومة الإسرائيلية في مأزق ، وقد وقعت في مأزق . بالأمس استمعت إلى تقرير يقول نقلاً عن صحيفة إسرائيلية : إن شعبية رئيس الكيان الصهيوني تدنّت ونزلت . لأن هذا الخبيث وعد قومه بالأمن خلال مائة يوم من تسلمه سُدَّة الحكم ، لكن قد مضى على تسلمه أربعمائة يوم ولم يتحقق الأمن ، فقد قتل من الإسرائيليين حتى اليوم أكثر من مائتين وخمسين قتيلاً ، وجرح منهم أكثر من ألف ، وهذا بالنسبة لهم خسارة كبيرة ، ولذلك يحتج منهم من يحتج كما ترون ، ويطالبون بالسلام ، ولذلك يرفض بعضهم أن يكون جندياً في الأراضي المحتلة بعد عام سبعة وستين ، وحتى في أراضي ثمانية وأربعين ، وقد كثرت أيضاً طلبات الهجرة المعاكسة ، من أتى منهم من أوروبا يريد أن يعود إليها لأنه لم يعد يرى الأمن ، وهناك من صرَّح منهم بأن الخوف قد استحكم قلوبهم ، وأن الذعر قد ملأ إهاباتهم وجلودَهم ، وبأنهم أضحوا يعيشون القلق والاضطراب ساعة بعد ساعة ويزداد هذا الأمر ، لذلك نقول من الرؤية الصائبة - والله أعلم - أن تستمر الانتفاضة وأن يتابع أهلها القتال . نقول لإخواننا في فلسطين : أنتم من تقررون مصيركم لأنكم تقدمون ، واعذروني أيها الإخوة ، أيها العرب : لا نريد مَن يأتي منا لينقذ شارون من مأزقه ، فالمبادرة السعودية إنقاذ لشارون ، ولا نريد لها أن يُتحدث عنها ، وقد باركتها أمريكا ، وإذا كانت أمريكا قد باركت هذه المبادرة فعلينا أن نعلم تلقائياً أن هذه المبادرة ليست لصالح الشعب الفلسطيني ، وباركتها فرنسا وبريطانيا وروسيا ، وجاء الرجل الذي يحكم إسرائيل رئيس الجمهورية هناك ، وصرح بأنه على استعداد من أجل أن يلتقي السعوديين في الرياض ، كل هذا يؤشر على أن هذه المبادرة ليست في صالح الشعب الفلسطيني ، ولا في صالح الأرض المحتلة ولا القدس . 
أتوجه بعد كل ذلك إلى إخواننا ، إلى العرب ، إلى مؤتمر القمة الذي سيعقد في الأسبوع الأخير من هذا الشهر لأقول لهم : لا تكونوا على الانتفاضة بل كونوا لها ومعها ، لا تفكروا في أن تصدروا قراراً يحكم بإنهاء الانتفاضة ، بل كونوا لها ، والشجاع فيكم من يقول : إني مع استمرار أخذ الحق بالقوة حتى ولو كانت قوتنا بسيطة ، فتلك القوة البسيطة مع الاستمرار والمتابعة ستؤتي أكلها بإذن ربها ، وسيأتي النصر بإذن الله . وأنتم يا أبناءنا ويا شبابنا ويا رجالنا ونساءنا : أريد منكم أن لا تنسوا إخوانكم هناك ، ولعل قائلاً منكم يقول : كيف يمكنني الذكرى ؟ أقول : لا أقل من دعوة بينك وبين نفسك في ظهر الغيب ترسلها : يا رب السماوات والأرض انصر الحق على الباطل ، انصر إخواننا في فلسطين . لِتَقُلها أيها الطفل ، وأيها الرجل المسن والشاب ، وأيتها المرأة والبنت والطفلة . إننا نريد إن لم نعش الجهاد حقيقة أن نعيشه بدعاء ، فالأمة قسمان : قسم يجاهد بالفعل ، وقسم يدعم المجاهدين بالمادة والمعنى ، بالقتال وبالدعاء ، يجهز غازياً أو يكون غازياً ، وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام : " من لم يغزُ أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " . إن لم تمتلك التجهيز المادي فلا أقل من التجهيز المعنوي . 
هذا قِسم من خطبة أردت أن ألقاكم بها هذا اليوم ، وقد أثَّر على موضوع كنت أود أن أطرحه الآن ، ولكن اعذروني إن قلت بين القسمين كلمة قلتها منذ فترة على هذا المنبر وأكررها اليوم : هنالك بعض من الناس - وإني لمستغرب جداً أن يكون من شبابنا هؤلاء - إذ يقولون : لمَ الحديث عن فلسطين ؟! والحديث عن فلسطين حديثٌ عن سياسة . 
أيها الإخوة : الحديث عن فلسطين حديثٌ عن دين ، وعن هُوية ، وعن وجود ، وليس حديثاً عن سياسة . حديث عن إيمان ونصر للحق ، حديث عن وجود ينبغي أن نتبناه ، لأننا أُمرنا أن نكون أصحاب وجود معطاء ولا يكون هذا إلا بالتحرير ، حديثنا عن فلسطين حديث عن وجود أو لا وجود ، ومن يستنكر الحديث عن فلسطين إنه ورب الكعبة لجهول . هي قضية مركزية أساسية تحكمنا وتحكم اقتصادنا وأغلب دعائنا وجل خلواتنا ، لأنه إذا عزَّت فلسطين فقد عز الإسلام ، وإذا ذلت فلسطين - لا سمح الله - فقد ذل الإسلام ، إذا انتصرت فلسطين فذاك انتصار لكل العرب ولكل الإسلام ، ولكل القيم التي جاء بها الإسلام وحملتها العروبة في طياتها . 
أما الأمر الذي أردت أن أقوله فهو قراءة لبعض الأحاديث النبوية التي تتعلق بالفتن ، وقد أصبحت هذه الفتن تترى ، نعيشها ويعيشها أبناؤنا ، وأنا أريد أن أقدم أمامكم بعض الأحاديث من غير تعليق : 
- قال صلى الله عليه وآله وسلم : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة وقوم يحسنون القول ويسيئون الفعل " رواه أبو داود . 
- ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : " إذا اتُخذ الفيء دولاً ، والأمانة مغنماً ، والزكاة مغرماً ، وتُعلِّم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه ، وأدنى صديقه وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات في المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأُكرِم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ، وشُربت الخمور ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام بالٍ قطع سلكه فتتابع " رواه الترمذي . 
- وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " . 
- وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي البخاري : " يتقارب الزمان ، وينقص العلم ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج . قالوا يا رسول الله : أيما هو ( أي ما الهرج ؟ ) قال : القتل ، القتل " . 
- وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً " . 
- وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ستكون أمة منكم بعدكم يقهر سفهاؤها حلماءها " . 
- وروى أحمد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم ، أن تقول له إنك لظالم فقد تودع منهم " . 
- ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في مسند الإمام أحمد : " إن أمام الدجال سنين خدَّاعة ، يُصدَّق فيها الكاذب ، ويُكَذَّب فيها الصادق ، ويخون فيها الأمين ، ويُؤتمن الخائن ، ويتكلم فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الفويسق يتكلم في أمر العامة " . 
هنالك رباط ووصال بين ما قلته في الشطر الأول من الخطبة وما قلته في الشطر الثاني ، ولا أريد أن أعلق على ما قلت من أحاديث شريفة ، وأترك الكلام لكم ، وأسأل الله - كما بدأت الحديث أعيده - أن ينصر إخواننا في فلسطين ، وأن يعلي راية الإسلام في فلسطين ، وأن يحرر القدس من براثن أعداء الله والإنسانية والحق ، بل أعداء الخير ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت يا ربنا ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
 

التعليقات

شاركنا بتعليق