آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
خير الأمم من أنفقت وشرها من نافقت

خير الأمم من أنفقت وشرها من نافقت

تاريخ الإضافة: 2002/05/17 | عدد المشاهدات: 2240
أما بعد ، أيها الإخوة المسلمون المؤمنون :  بالأمس قرأت عبارة كانت بمثابة مَثلٍ عند الصينيين ، أو بمثابة حكمة هذه الحكمة أو المثل يقول : " خير الأمم من أنفقت وشرها من نافقت " . قلت في نفسي إنه مدخل جميل من أجل حديثٍ عن فضيلة دعانا الإسلام إليها أعني الإنفاق - لأنني كنت أتساءل بيني وبين نفسي لماذا لم نَعُد خير الأمم ؟! وجدت بعضَ الجواب في هذه الحكمة ، ووجدتني أرى تطبيقاً لعكس الحكمة التي قرأتها فيما يخص الشق الأول وقلت : أين الإنفاق في أمتي وهم يقرؤون آياتٍ في كتاب الله تحضهم عليه ؟! أين إنفاق الأغنياء ؟! ولئن سألت غنياً عن سبب عدم إنفاقه أجابك : الحال واقفة ، وآخر يجيبك : المصروف كبير ، وربما أجابك ثالث : أنفقت الكثير والآن عليَّ أن أستريح ، ولربما سمعت من رابع قوله : لا أحد يحتاج إلى هذا الذي أنفقه فكل الناس حالهم جيدة ، وهؤلاء الذين تراهم أمامك لا يَعْدُون أن يكونوا كذابين أو دجالين .  أيها الإخوة : خير الأمم من أنفقت ، وشرها من نافقت ، وربما إذا تحولت إلى الشق الثاني وجدت أن هؤلاء الذين أجابوني بهذه الإجابات رأيتهم في الميدان الثاني سباقين لا يُشق لهم غبار ، يصاحب الواحد منهم رجلاً مسؤولاً وينفق عليه ، وهنا الإنفاق ليس إنفاقاً ، وإنما منافقة ونفاق . سترى هؤلاء الذين يجيبون الإجابات التي ذكرتها حين يَدْعون مسؤولاً من أجل مواصلةٍ على فساد لا أكثر يصرفون عليه في مأدبة أكثر مما يُطالبون بإنفاقه لإحياء نفس أو لشفاء إنسان أو لإيواء مُشَرَّد أو لدعم إخوة لنا في فلسطين . يؤسفنا أن الأمة تكاد تخرج من رحاب خير الأمم إلى شر الأمم ، وأسأل الله أن تقطع هذا الطريق لتعود إلى ميدان خير الأمم .  تعالوا أيها الإخوة لأحدثكم عن الأنفاق لنسلك سبيله ، فالإنفاق ليس بذلُ مالٍ فحسب ، ولكن الإنفاق أيضاً بذلُ جاهٍ وبذل مال وبذل كلمة طيبة وبذل وقت ، وكل ذلك يجب أن يكون في سبيل الله لأن الإنفاق عبادة بل هو من أرقى العبادات والله عز وجل قال : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) .  تعالوا أحدثكم عن الإنفاق من خلال أحاديث واردة عن سيدنا الحبيب الأعظم ، عن صاحب شهر ربيع الأول عن الذي أَنفق وأنفَق وأنفق وقاتل المنافقين . يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم : " ما من يوم يصبح العبد فيه إلا ملكان ينزلان يقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً " ويروي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : قال الله عز وجل : " عبدي أَنفق أُنفق عليك " الله ينفق عليك إذا أنفقت ، وتسألني ويسألني وماذا ننفق ؟ يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم : " ابن آدم إن تنفق الفضل - الزيادة عن حاجتك - خير لك ، وإن تمسكه شر لك وابدأ بمن تعول ، ولا تلام في كَفاف واليد العليا خير من اليد السفلى " إذا ما كنت صاحب كَفاف لا تملك إلا حاجتك فلا تلام ، ولكنك تلام إذا لم تنفق الفضل من مالك . واسمحوا لي أيها الإخوة أن أُعلِّق على هذه الكلمة وابدأ بمن تعول لأجعل منها خطاباً للآباء وللأمهات وللأقرباء وللدولة أيضاً ، لأجعل منها خطاباً للدولة أقول - وأنا الناصح ليس إلا - نريد أن تنفق الدولة على هؤلاء الذين تعولهم ، ولقد فعلت أمراً جيداً فجاءت زيادة الرواتب فتستحق الشكر على هذا الأمر ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " أشكركم لله أشكركم للناس " لكننا نقول : أيتها الدولة جزيتِ خيراً عن هذه الأمة ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل عن رفع الأسعار وعن الغلاء الذي أَلَمَّ بنا جميعاً ؟ ألا يحق لنا أن نتساءل عن هذا الذي حدث وهل كان أمراً ضرورياً ؟! الناس اليوم ولاسيما الموظفون العاملون حينما ارتفع سعر المحروقات كان ذلك بالنسبة لهم مصيبة ، حينما ارتفع سعر الكهرباء كان ذلك بالنسبة لهم مصيبة ، نشكركم ولكن نسائل في الجانب الآخر . لا يعدو أن يكون أكثر من تعليق وابدأ بمن تعول . إن تنفق الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك . يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في الطبراني : " يا بلال مُت فقيراً ولا تمت غنياً " ووضعت عنواناً لهذا الحديث نصيحة غير مُلزِمة شرعاً لكنها ملزمة للمحبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال بلال : كيف لي بذلك ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : إذا رُزقت فلا تُخَبِّأ ، وإذا سُئلت فلا تمنع " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح ابن حبان ، - والأحاديث ليس فيها من ضعيف ولا حسناً لغيره وإنما هي صحيحة وفوق الصحيحة - : " والذي نفسي بيده لا يسرني أن أُحُداً تحوَّل لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه دينارين إلا دينارين أُعِدُّهما للدين " أي لا أريد أن يتحول جبل أحد إلى ذهب أنفقه أترك منه دينارين ، ولكن أنفقه كله في سبيل الله ، وإذا كان عليَّ دين فسأترك منه لوفاء الدين . يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي ابن حبان أيضاً : " إن في الجنة غُرَفاً يُرى ظاهرها من باطنها ، ويرى باطنها من ظاهرها أعدها الله عز وجل لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام " أطعم الطعام ليس لمأدبة لأغنياء القوم أو لمسؤوليهم ولكن أطعم الطعام وبذل الفضل من طعامه لمن احتاج الطعام ، وأفشى السلام ليس لإسرائيل ولا للعدو ولكن للمؤمنين المسلمين ، نحن لا نريد أن نفشي السلام لعدو يتربص بنا الدوائر ، يقتل أبناءنا ويستحيي نساءنا ويشرد أطفالنا ويعتدي على مقدساتنا ، لمن أطعم الطعام وأفشى السلام ، وأما العدو الصهيوني ومن شاكَلَه وشابهه فلا لقاء معه إلا مُسالحَة بالسلاح والجهاد والقتال لأن أولئك لا يستحقون أن يكونوا طرفاً في معاهدة نطلق عليها معاهدة سلام ولا يستحقون أن يكونوا ممن يخاطب بلهجة السلام لأنهم معتدون في أصلهم ومعتدون في وصفهم لأنهم مجرمون ولا نقول هذا تجنياً عليهم ، وكلنا غدا يعرف بل يوقن أن هذا الذي نقوله صحيح أكيد ، ترون بأعينكم وتسمعون بآذانكم .  واسمحوا لي يا شبابنا أن أعلق عليكم كما علقت على الدولة من خلال كوني ناصحاً أعلق عليكم لأقول لكم : هل تقومون بهذا ، وأخص الشباب بالذكر : هل تصلون بالليل والناس نيام ؟ هل تصلون رُكَيعات في الليل الهادئ الذي يَلُفُّ الناس بسواده ولكنه يحمل النور كله لمن وقف فيه يرفع يديه إلى رب العزة ليقول له أولا وآخراً : يا رب اقبلني عبداً صادقا في رحابك ، يا رب أنا عبد لك وحدك ، لا تُحِجني إلا إليك ، ولا تجعل اعتمادي إلا عليك ، ولا تجعل توجهي إلا إليك ، ولا تجعل ملاذي إلا بك .  هنالك حديث آخر يرويه ابن ماجه ، هذا الحديث قابل من أجل أن يكون مادة في دستور دولة ، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه - ويجب أن يُعطى هكذا مجاناً ؟ - قال : " الماء والملح والنار " قالت يا رسول الله : هذا الماء وقد عرفناه فما بال الملح والنار : قال : يا حميراء - صيغة وصفة تصغيرية يراد منها التدلل والدلال - من أعطى ناراً فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار " ولئن سألتني ما فهمت من النار ؟ أقول : أفهم من النار سلاحاً نقدمه لإخواننا في فلسطين ، أفهم من النار طاقةً نقدمها لإخواننا في فلسطين ، هي السلاح والقوة ، وليقل ما شاء من يريد أن يقول ، أفهم من النار هذا ، كما أفهم من النار الكهرباء ، وأنادي الدولة : إذا كان بالإمكان بدلاً من زيادة سعر الكهرباء أن تكون الكهرباء مجاناً مع مراقبة الصرف ، فأنا لا أريد من نسائنا ورجالنا وبيوتاتنا أن يكونوا مسرفين . هذه أمور ثلاثة لا يجوز منعها : الماء والملح والنار " من أعطى ناراً فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار " ونحن نقول أيضاً لدولتنا الفاضلة لكِ الأجر ، وإن كنت أقول - ودعونا أن نكون صرحاء - نحن بحاجة إلى أن نُرَشِّد وأن نكون أصحاب رشد في استخدامنا الكهرباء والمياه ، ولقد خطبت أكثر من خطبة قلت فيها للشعب نحن مقصرون لأننا مسرفون في الماء والكهرباء . من منا يستهلك الكهرباء كما كان يستهلكها من سبقه من آبائه وأجداده أعني يما يخص النور أولاً ، ثم بعد ذلك أصبحت شهية الاستهلاك عندنا مفتوحة من دون حدود ، انظروا بيوتاتنا وشوراعنا ، لذلك كما أخاطب الدولة أخاطبكم ، لأنني أعتقد أنه ربما أجابني بعض المسؤولين وقال لي : أتريد أن نعطي الكهرباء مجاناً لأناس لا يفهموا إلا بلغة الدفع ، أي إذا كانوا يدفعون ويسرفون فما بالك إذا أعطيناهم الكهرباء مجاناً . يجب أن نخاطب أنفسنا والجميع . " يا حميراء من أعطى ناراً فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار ومن أعطى ملحاً فكأنما تصدق بجميع ما طيبت تلك الملح ، ومن سقى مسلماً شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة ومن سقى مسلماً حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها " إخواننا في فلسطين بحاجة إلى الماء الذي نسرف الماء الذي نبذر الذي يفيض عنه حاجتنا ونرميه هكذا ونُسِيله هكذا من دون فائدة . أيها المسلمون : نداء للجميع من غير استثناء : الأمة المنفقة خير الأمم ، والأمة المنافقة شر الأمم . لذلك أسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن ينفق فهذا دليل رجولة ودليل إيمان ودليل حب لأن الرجولة تقوم على الإنفاق ولأن الإيمان يقوم على الإنفاق هكذا قال الله في أوائل سورة البقرة ، ولأن الحب يقوم على الإنفاق ، عبدي أَنفق أُنفق عليك . يا أمتي والله ما كان هذا الذي قلت من أجل أن أدعوكم إلى إنفاق ، ولكن حصل الأمر على سبيل التوافق ، كنت قد قررت أن أقول هذا منذ يوم أمس ولكني اليوم جئت إلى هنا فوجدت إيصالات وضعت هنا في هذا المسجد من أجل التبرع لإخوتنا في فلسطين للانتفاضة ، وقد خَصَّوا جامع التوحيد بإيصالات بمائة ألف ليرة سورية ، فأنا أقول لكم ولا أريد أن أجعل من المنبر سوق ترويج ، لكن بما أن الأمر يخص إخوتنا في فلسطين لذلك أقول لكم : نحن هنا نتجاوز الثلاثة آلاف شخص ، لو أن كل واحد أصر على أن يدفع مائة ليرة سورية لكُفِينا الأمر ، والذي لا يستطيع أعتقد أن جاره بجانيه يستطيع أن يكفيه هذا ، وأسأل الله أن يوفقنا .  وفي الختام يا سيدي يا رسول الله في شهر ربيع الأول وقد حَلَّ علينا : أتوجه إليك لأقول : صلوات الله عليك ، أنت أصدق الناس ، أنت أبر الناس ، أنت أكرم الناس ، أنت سيد الناس ، أنت سيد ولد آدم ، أتوجه إليك يا سيدي قائلاً : أنت سيدي أنت قائدي أنت ملاذي من الناس أنت ستكون بفضل منك بعد الله شفيعي يوم القيامة ، يا سيد الرسل يا من عمني كرمك ، يا صاحب الفضل يا رسول الله يا أشجع الناس إني أمامك أناديك وأقول : يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي إنا بغير محمد لا نقتدي اللهم اجعلنا فيما نقول صادقين ، نعم من يقول أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق