آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
شبابنا والتدين

شبابنا والتدين

تاريخ الإضافة: 2004/12/03 | عدد المشاهدات: 2674

أما بعد ، أيها الأخوة المؤمنون :
يؤلمني ويؤلمكم بلا شك أن نرى شباباً من أبنائنا ، أن نرى يافعين من أبنائنا ، من أبناء إخواننا ، من أبناء وطننا الحبيب ، أن نراهم متسكعين في الليل نواماً في النهار . لعلكم رأيتم ما رأيت وما أرى من الشباب في المساء ، في أحياء إسلامية يسهرون في الشارع وينتمون لأسرٍ مسلمة غنية من حيث المال يصرخون . أتألم إذ أراهم ويصل الألم أحياناً إلى حد الخوف منهم . أأنصحهم ! فلعلهم يقابلونني بالسوء ، أم أسلط عليهم بعضاً ممن أعرف حتى ينبهوهم ، فإن لم ينتهوا قاتلوهم أو ضاربوهم . في الأمر مخاطرة أيضاً .
وأنا أرى هذه المناظر قلت : ما الذي يضبط مجتمعنا ؟ ما الذي يضبط شبابنا حتى يعود مجتمعنا مجتمعاً مؤنساً ، وحتى يعود شبابنا شباباً مؤنساً .
أيضاً تذكرت أياماً مضت كنا نمشي في الأحياء ، كنا نسلم على الكبار لنستمتع بردّ سلامهم ، تذكرنا فترات كانت الأحياء على ما تضم من أناسٍ لا يُصَلُّون ربما ولا يصومون ، لكنهم ينتسبون للحياء انتساباً جاداً ، فهم حييون ويستحون ويستحيون . قلت في نفسي ما الذي يضبط هؤلاء ؟ وأنا أتذكر بعضاً من الماضي أجابتني ذاكرتي : لا بد من التدين . بالتدين نضمن مجتمعنا ، فشبابنا وإن كانوا – لا تؤاخذوني بهذه الكلمة – وإن كانوا أحياناً يرتادون المساجد إلا أنهم غير متدينين ، فالتدين لا يعني أن يصلي شبابنا التراويح ، ولا يعني أن يفتح شبابنا القنوات التلفزيونية على درسٍ ديني أو على تحليل إخباري ، يلزمنا التدين الحق حتى نأنس بمجتمعاتنا ونأنس بشبابنا ، فشبابنا – لا أعني كلهم ولا أعمم – فشبابنا في الشوارع ، وأنتم ترونهم في المدارس وتشاهدونهم في الجامعة قد تحولوا إلى كتلٍ لحمية مستهلكة تفوح منها رائحة غير طيبة ، شبابنا أصبحوا جسوماً ، و:

لا خير في طول الجسوم وعرضها          إذا لم يزن حسن الجسوم عقولُ

شبابنا استُهلكوا واستَهلكوا ، ضاعوا وضيَّعوا .
لا بد من التدين الحق لشبابنا ، والتدين هو : عودةٌ صادقة للدين ، التدين الحق : تدين اللسان ، وتدين الفكر ، وتدين السلوك ، وتدين الاجتماع .
وتدين الفكر من أجل أن يكون الفكر فاعلاً ، من أجل أن يكون الفكر عاملاً فيما يعود عليه بالنفع ، فيما يعود على مجتمعاتنا بالنفع . أريد لشبابنا ، لعقولهم التي هي أدوات فكر أن تعمل حول القرآن الكريم ، وأن تدور في فلك القرآن الكريم ، أريد لشبابنا أن يكون القرآن الكريم همَّهم ، أن يحصلوا ثقافة لائقة ، ومن أجل أن يحصلوا معطيات معرفية واعية تنفعهم في دنياهم وأخراهم ، نريد تديناً فكرياً ، نريد تديناً عقلياً ، نريد لشبابنا أن يقفوا لحظات عند آيات من القرآن الكريم تطالبهم بأن يتعلموا ، نطالبهم بأن يصنعوا ، بأن يزرعوا ، أن يتاجروا التجارة الطيبة النافعة ، نريد من شبابنا أن يفكروا في عقولهم فيما يعود على حياتهم بالنفع وعلى أخراهم بالفلاح ، وبذلك يكونوا متدينين فكراً . يؤلمنا أشد الألم أن نرى شبابنا منعتقين من التدين حتى وإن تمظهروا في بعض الأحيان بمظهر التدين .
نريد تديناً في اللسان ، نريد لساناً نظيفاً لا يعرف الفحش ولا التفحش ، لا يعرف الطعن ولا اللعن ، فالمؤمن ليس بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ . كم تسمعون في مجتمعاتنا من فحش في كل أحيائنا ، كم تسمعون في بيوتنا من شبابنا وكبارنا ونسائنا وبناتنا ، كم تسمعون كلمات فحش . نريد تديناً في اللسان يقوم على نظافة اللسان من السوء وعلى تحلية اللسان بالخير ، نريد ألسنة ذاكرة ، يا أيها الشباب ، يا أبناء الحي الذي أقطن فيه ، يا أبناء الحي الذي لا أقطن فيه ، يا أبناء حلب حتى لا نتحدث عن غيرنا ، يا أبناء أحياء حلب على تنوعهم مادة ومعنى وثقافة وعلماً ومعرفة نريد تديناً لسانياً من خلال النظافة والطهارة والتخلية ومن خلال التحلية بذكر الله عز وجل ، فلا يزال لسانكم رطباً بذكر الله . إذا ذكرتم الله أنستم وآنستم ، أضحيتم عناصر خيرة تأنس بكم . لِمَ لا يستأنس بعضنا ببعض ؟ لأننا غير متدينين فكراً ولأننا غير متدينين لساناً . نريد التدين اللساني الذي يعني تخلية وتحلية بذكر الله عز وجل . أين استغفارك أيها الشاب ، وسيدك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم – رغماً عنك سيدك ، سيبقى سيدنا مهما أردنا أن نبحث عن غيره فهو سيدنا شئنا أم أبينا ، إنه الأفضل على الإطلاق – سيدنا يقول بأنه يستغفر في اليوم سبعين مرة ، كان يتوب إلى الله مائة مرة ، أين استغفارك أيها الشاب حتى يتعوَّد لسانك على الخير ، أين ذكرك ربك ، أين تسبيحك ربك ، أين ذكرك ربك عندما تخرج من بيتك ، عندما تؤوي إلى جامعتك ، عندما ترتاد مدرستك ، أين ذكرك ربك عندما تأتي محلك ، أين ذكرك ربك عندما تأوي إلى فراشك ، أين ذلك يا أخي حتى يكون لسانك متديناً ؟ لا بد من الذكر ، لا بد من التحلية بعد التخلية ، لا بد من الصلاة على النبي عليه وآله الصلاة والسلام . رحم الله أياماً كنا نتسابق على كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما في يوم الجمعة . إن الواحد منا يقول لأخيه في هذا اليوم الجمعة : صليتُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألف مرة ، ألفا مرة ، ثلاثة آلاف مرة ، مائتا مرة ، مائة مرة . يا شبابنا أين صلاتكم على الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، يا فلان يا ابن فلان ، يا من أبوك حجَّ واعتمر ، ويا من حجت أمك واعتمرت ، يا من تُعَنوِنون بيوتكم بعنوان الإسلام لكن التدين الحق مفقود . هؤلاء الذين أراهم وترونهم ينتسبون لآباء مسلمين حجاج مصلين ، ربما كانوا تلامذة لبعض الشيوخ ، وربما كانت أمهاتهم يرتدن أيضاً بعض المساجد لكنهم مهملون ، لا أقول لا ذنب عليهم ، الذنب الأكبر عليهم ، ولكن نحن بحاجة إلى أن نُذَكِّرهم إن بالحسنى تارة ، وإن بالشدة تارات وتارات ، وإلا فانتظروا نهاية لمجتمعاتنا وخيمة ، سيضيع شبابنا . هل ترضون لشبابنا ، لطلابنا ، لأبنائنا ، لطالباتنا هذا الذي هم عليه من تفسخ في الأخلاق ، ضياع وتضييع للقيم ، من تضييع للوقت . ما الذي تعمله وما الذي تفعله أنت أيها الطالب الشاب ؟ حاسب نفسك عند المساء ما الذي جنيته من خير ؟ ما الذي تركته من شر ؟ نحن بحاجة إلى تدين اللسان ، إلى تخلية اللسان من كل ما هو شائن ، وإلى تحلية اللسان بالذكر ، بالكلام الطيب ، بالكلام الجميل النظيف ، بالكلام الطاهر ، بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
نحن بحاجة إلى تدين في القلب ، وتدين القلب يعني حب الله ، يعني الإيمان بالله . جدد إيمانك ايها الشاب ، أيها الرجل ، أيتها المرأة في كل صباح أعلن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، كرر ذلك على لسانك ليتدين قلبك ، فنحن بحاجة إلى تدين في القلب يقوم على الإيمان والحب ، على الإيمان بالله وعلى محبة الله وعلى محبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومحبة الصالحين ، نحن بحاجة إلى هذا التدين الذي يجعل قلبك متديناً ، قراءة القرآن وتلاوته ، مجالسة الصالحين ، التوبة مما فعلت من ذنب ، كثرة اللقاء مع أولئك الذين يوصلونك إلى محبة ربك ، إلى محبة نبيك المصطفى ، نحن بحاجة إلى تدين في القلب يقوم على الإيمان والحب ، نحن بحاجة إلى تدين في السلوك من أجل أن نكون عاملين عملاً صالحاً ومن أجل أن نكون عابدين . أصبحنا نشتهي أن نرى شاباً في غير رمضان ، في غير التراويح ، أصبحنا في شهوة لرؤية شاب يقبع في زاوية من زوايا مسجد أو بيت يبكي ليُؤثِّر علينا ، أو ليؤثر فينا بحاله ، نحن بحاجة إلى سجدة نلمحها ، نلمح هذه السجدة وقد طالت وطالت ، هذا الذي يسجدها شابٌ من الكلية العلمية الفلانية أو من الكلية النظرية الفلانية ، يعمل تاجراً أو صانعاً ، نحن بحاجة إلى ذلك حتى نستأنس بمجتمعاتنا ، وإلا ، ثقوا بأننا نعيش من غير أنس ، ونعيش من غير لقاء على ود ، فقدنا الود الذي بيننا ، أصبحت لقاءاتنا متكلفة ، يتكلف الواحد فينا إذ يرى أخاه ، يرى صديقه ، لأننا نلتقي بجسومنا ، نلتقي بكتلنا اللحمية ، نلتقي فقط بتفكيراتنا الاستهلاكية ، نلتقي من أجل أن تنتافس على دنيا وعلى فتات دنيا من أجل أمور لا تقدم ولا تؤخر ، أما الأمور الهامة والجادة التي تنفعنا في دنيانا وأخرانا فما عدنا نتنافس عليها وما عاد شبابنا يتنافسون عليها .
نحن بحاجة إلى إلى تدين في العبادة ، ال عبادة نمعن فيها ونفكر فيها ، ركعتان - أيها الشاب - تركعهما بينك وبين نفسك تطيل القيام والركوع والسجود والدعاء ، تقول : رب اغفر لي ولوالدي ، تقول : ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، تقول : رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني ومخرج صدق ، تقول : رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني ، تقول : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، تقول : رب انصر المسلمين ، تقول : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً . نحن بحاجة إلى تدين سلوكي بتحسين العبادة وبتحسين العمل الصالح وبالحياء . نحن بحاجة إلى من يستحي ، فَقَدَ نساؤنا أو لا أقول الكل فَقَدَ كثيرٌ من نسائنا الحياء ، وكثير من رجالنا الحياء . أين الحياء في تعاملكم يا شبابنا مع بعضكم ، مع آبائكم ، مع مدرسيكم ، مع جيرانكم ، مع أثوابكم ، مع ما تلبسون ، مع ما تأكلون ؟ انظروا طريقة أكل شبابنا ، يأكلون في الشوارع ، انظروا طريقة لبس شبابنا كيف يلبسون وكيف يخلعون ما يلبسون ، انظروا إلى شكلية الأكل وكيفيته ، ما عاد الأكل مؤدَّباً ولا عادت طريقة الأكل على نسق تلك الطريقة التي علمنا إياها سيد المؤدبين ، سيد المهذبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم . انظروا شوارعنا عند الذين يبيعون الوجبات السريعة أو الطعام الذي يسمى السندويش ، انظروا إليهم كيف يأكل شبابنا هذه الأطعمة والطريقة التي يتناولون فيها طعامهم ، الطريقة التي يمشون فيها .
نحن بحاجة إلى تدين سلوكي يقوم على الحياء ، وإذا الحياء ضاع فلا قيمة لنا : " إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " وإن الحياء أهم شعبة من شعب الإيمان ، فللإيمان شعب أعلاها : لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ، والحياء لا يأتي إلا بخير . نحن بحاجة إلى تدين سلوكي ، إلى حياء ، أقول هذا وأنا أشعر بالألم ينتابني ، لقد ساهمت أجهزة ووسائل الإعلام في ذلك من خلال البرامج التي تعرض على شبابنا ، والبرامج التي تعرض بين رياضة مُهَيِّجة ، لسنا ضد الرياضة ولكننا ضد الغلو في ذلك ، بين رياضة مُهيجة ، وأغانٍ ماجنة لا تقدم ولا تؤخر ، أستغفر الله ، بل تؤخر وتؤخر ، بين تمثيليات لا تعود على شبابنا إلا بتكريس الغرام الفاشل والحب الذي لا ينبت قلباً نظيفاً ، ولا ينبت عقلاً لطيفاً مفكراً ، ولكنه يؤثر سلباً على القلب والعقل ، ويعيش الناس على أساسه في حبٍ ليس له نهاية ولا بداية ولا طعم ولا رائحة . شبابنا ضيعتهم بعض وسائل الإعلام ، ضيعهم الموجهون الشكليون المزيفون ، ضيعهم آباؤهم إذ دللوهم زيادةً على ما يستحقون ، ضيعتهم أمهاتهم إذ لم يعدن ينتبهن لبيوتهن ، والواحدة منهن أضحت تهتم بشكلها أو حتى بدينها لكنها لا تهتم بدين أولادها أو بناتها ، فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها . أقول هذا الكلام لعله يكون دعوة لأبنائنا الشباب ، لطلابنا ، لأجهزة إعلامنا من أجل عود حميد إلى التدين ، إلى تدين الفكر حتى يدور العقل في فلك القرآن الكريم ، إلى تدين اللسان حتى يتخلى اللسان عن الفحش وحتى ينعم اللسان بالذكر وتلاوة القرآن الكريم والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعلم النافع ، أقول هذا من أجل دعوة إلى تدين القلب ، حتى يكون القلب مفعماً بالإيمان بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، وكذلك حتى يكون القلب مفعماً بمحبة الله ومحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، لعل ذلك يكون دعوة .
تدين في السلوك من أجل أن يكون شبابنا عابدين حقاً ، من أجل أن يعطي شبابنا العبادة حقها ، من أجل أن يعملوا صالحاً ، من أجل أن يتجلببوا بجلباب الحياء .
هذا هو التدين المنشود . أرأيتم – يا إخوتي – إلى تدين في اللسان ، وإلى تدين في القلب ، وإلى تدين في السلوك ، وإلى تدين في العقل كل هذا يسمى بكلمة واحدة وبمصطلح واحد يسمى الاستقامة
﴿ فاستقم كما أمرت قل لي يا رسول الله قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك ؟ قال : " قل آمنت بالله ثم استقم " نحتاج إلى مستقيمين في مجتمعنا حتى نأنس بمجتمعنا ، ما أجمل كلمة مستقيم إذ تو صف بها أيها الشاب ، أرأيت إلى كلمة أفضل من هذه الكلمة ؟ هل هناك كلمة أجمل من هذه الكلمة حين توصف بها ويسأل عنك ليقال عنك بأنك مستقيم .
اللهم اجعل شبابنا مستقيمين ، واجعل حكامنا مستقيمين ، واجعل القائمين على وسائل الإعلام مستقيمين ، واجعل يا رب نساءنا وبناتنا مستقيمات ، واجعل موجهينا ومثقفينا وطلابنا وأساتذتنا ومعلمينا وكل أولئك الذين يعملون في زوايا هذا المجتمع ، اللهم اجعلهم مستقيمين متدينين يا رب العالمين ، نعمَ من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول واستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق