أما بعد ،
أيها الإخوة المؤمنون :
عندما يتحدث الإنسان عن أوضاع المسلمين يقول له الآخر : عرفنا أن هذا الذي
تتحدث عنه قد أصيب به المسلمون ، هذه أمراض المسلمين ، ولكننا نريد الدواء ، أو
بعبارة أخرى يقول لك : عرفنا الداء فما الدواء .
اسمحوا لي إن قلت : إن هذا الذي يقول بأنه قد عرف الداء ، في رأيي معرفته ناقصة
، فليست القضية أن تعرف الداء لتنتظر الدواء ، ولكن القضية أن تعرف الداء وأن
تحس به بأنه داء يأكل جسمك وصحتك ويأكل ما أنت فيه من راحة . الأمر لا يقتصر
على معرفة الداء حتى تطلب الدواء ولكن الأمر يحتاج إلى أن تحس بالداء حتى تكون
طالباً للدواء ، وحتى يحفزك هذا الإحساس إلى أن تطلب الدواء ، ولذلك أقول :
تُرى هل يحسّ المسلمون بالداء ، أو بالأمراض التي وقعوا فيها أو أصابتهم أو
ألمَّت يهم؟
من خلال رؤيتي أقول : إن المسلمين لم يحسوا – وأنا لا أعمم ، ولكنني أتحدث بشكل
أغلبي – لم يُحِسُّوا بالداء والأمراض ، ولعل قائلاً يقول : وكيف حكمت عليهم
بذلك ؟ أقول : لأنني أرى طَلبهم للدواء ضعيفاً ، ولأنهم لم يَفروا إلى طلب
الدواء فرارهم من المجذوم ، ولأني أراهم هامدين حيث هم ، لا يسعون بكل قوة
أوتوها من أجل أن يطلبوا الدواء .
أتريدون أن تتعرفوا على بعض أو أهم أمراضنا ، وهذه الخطبة تكون من أجل التعريف
، وسأترك الإحساس بهذه الأمراض لكم ، وأنتم تتابعون أعمالكم في أيام الأسبوع
القادم ، فإذا ما أحسستم بهذه الأمراض فما عليكم إلا أن تلجؤوا إلى الدواء الذي
ذكرنا تفاصيله في أكثر من أسبوع .
المرض أو الداء الأول هو : الإهمال والتسيُّب وعدم الشعور بالمسؤولية . كلنا
يترك الحمل على الآخر ، وكلنا يُعفي نفسه من أن يقوم بما يجب عليه ، وأغلبنا
يسعى من أجل المطالبة بحقه ناسياً واجبَه ، كلنا لا يشعر بمسؤوليته عن الرعية
التي يرعاها أو التي أوكل بها ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما
جاء في صحيح الإمام مسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعيةً فلم يُحِطْها بنصيحة
لم يجد رائحة الجنة " وكلنا على ضوء هذا الحديث كلنا مسؤولون ، لكل واحد منا
رعية على مستوى البيت والصف والمتجر والمستشفى والعيادة والمكتب والصيدلية ،
على المستوى الذي يشغله " ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحة لم يجد
رائحة الجنة " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم
أيضاً عن السيدة عائشة رضي الله عنها : " اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً
فشَقَّ عليهم فاشقُق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به "
هكذا يقول عليه وآله الصلاة والسلام .
نتيجة للإهمال والتسيب أصبح بعضنا يؤذي بعضاً من غير أن يشعر ، لأنه مهمل
ومتسيب ، كم نؤذي بعضنا في شوارعنا ، كم يؤذي بعضنا بعضاً في حيه ، وفي شارعه ،
وفي جواره ، وفي مكتبه ، ومديريته ؟! كم يهمل بعضنا بعضاً على مستوى شؤون
حياتنا ، والرسول عليه وآله الصلاة والسلام يقول كما جاء في الطبراني بسند حسن
: وليسمع المسلمون في هذا البلد وفي كل بلد ، وليسمع المسؤولون ، ولتسمع الشرطة
، وليسمع المسؤول الأول والثاني والثالث ، لأننا أهملنا واجباتنا ولم نعد نقوم
بواجباتنا يقول عليه وآله الصلاة والسلام : " من آذى المسلمين في طرقهم وجبت
عليه لعنتهم " أي فليلعنوه ، لأنه هو الذي استجلب هذه اللعنة ، جاء الصيف وجاءت
أذية الجيران عبر الأصوات المنبعثة من هذا البيت تجاه البيت الآخر . منذ يومين
أو ثلاثة أيام جئت بيتي في ساعة متأخرة ، وإذ بي بالبناية القريبة من بيتي سمعت
حفلاً يقام في ( الطابق الأرضي ) والأصوات مرتفعة منه ، والعنوان مولد ، واستمر
هذا المولد حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل إن لم يكن قد تجاوز ذلك لأنني
نمت مضطراً . كم تحدثنا عن عدم أذية بعضنا لبعض على مستوى الجوار ، وعلى مستوى
النظافة ، وعلى مستوى العلاقة بين الأستاذ وطالبه ، بين الشرطي وبين من يُرسَل
إليه ، بين القاضي وبين الخصم ، بين الطبيب وبين المريض ، بين المسؤول وبين
المسؤول عنه ، بين المدير وبين المدار . الإهمال ضَرَبَ أطنابه فينا ، والتسيب
وعدم المبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية .
المرض الثاني : روح الجماعة ضعفت فينا ، والأنانية تحكمت فينا . وسَلِ الناس
العاديين اليوم ، وحتى نكون صرحاء : هل هذا الذي أضحى مسؤولاً من حلب وصار في
دمشق هل يسأل عنك ، هل يستقبلك إذا ذهبت إليه ، هل إذا طرقت بابه يفتح لك الباب
، أم أنه يستخلص من بلده أغنياء ليبقي العلاقة معهم على أساس من تعامل . سل
التفرّق كم استحكم فيما بيننا ، هذا التفرق الذي نعيشه فيما بيننا ، وآثار
التفرق فَشَل ، آثار التفرق خسارة ، آثار التفرق خذلان : ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا
وتذهب ريحكم ﴾ الأنفال : 46 لقد تفرقنا وأصبحنا أيدي سبأ ، والمشكلة في أننا
تجاوزنا التفرق إلى ما هو أسوأ ، وأسوأ من التفرق أن الواحد منا صار يعادي أخاه
، وصار يحمل السلاح على أخيه ، وصار يغش أخاه ، وصار يتلاعب بمال أخيه ، وصار
يستدرج أخاه من أجل أن يضعه في بؤرة الذل ، والرسول عليه وآله الصلاة والسلام
يقول كما جاء في صحيح مسلم والبخاري : " من حمل علينا السلاح فليس منا " كم
نحمل السلاح على بعضنا على مستوى سكين إلى مستوى رشاش ودبابة " من حمل علينا
السلاح فليس منا ، ومن غشنا فليس منا " أين نحن ، ولنكن صرحاء أيضاً ، أين نحن
في بلدنا الذي نريد أن يكون محمياً ، وأن لا تأتيه أمريكا وأن لا تأتيه إسرائيل
، أين نحن من الوحدة التي طلبها منا رسولنا عليه وآله الصلاة والسلام : " ترى
المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له
سائر الجسد بالسهر والحمى " أين سهر الجسد من أجل أمر سيء أصاب بعض هذا الجسد .
أصبحنا متفرقين متمزقين ، قد تعرفون هذا ، ولكن المشكلة كما قلت في المستهل :
هل نحس بهذا .
المرض الثالث : الإسراف . وقد قلت في يوم من الأيام هنا أمام المحراب هل تعرفون
ما معنى الإسراف ؟ الإسراف عندما قال ربي عز وجل : ﴿ إن الله لا يهدي من هو
مسرف كذاب ﴾ غافر : 28 المسرف هو الذي لا يخطط ، المسرف هو الفوضوي ، المسرف هو
الذي ينفق ولو قليلاً ولكن حيث لا يخطط ، هو لا يدبر أمره ، لا يعرف كيف يضع
معايير لمصروفه المادي والمعنوي . الدولة مسرفة إذا لم تخطط ، وأنت مسرف إذا لم
تخطط ، وعليك أن تخطط بناءً على غايات وأهداف ، وهذه الغايات والأهداف هي أولاً
: أن ترضي ربك عز وجل وثانياً : أن تكفي نفسك بنفسك ، وأن لا تحتاج إلى أولئك
الذين يريدون إذلالك من خلال هذه الحاجة . هذان الأمران هما الغاية في تخطيطنا
، فهل نخطط نحن هنا في سورية من أجل أن نرضي ربنا ، ومن أجل أن نكفي أنفسنا ،
وبالتالي إن فعلنا ذلك فلسنا بمسرفين ، وإلا فنحن مسرفون والله لا يهدي من هو
مسرف كذاب : ﴿ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ﴾ الأعراف : 31 لا تكونوا في الفوضى ،
فالفوضى في الطعام والشراب والمصروف والعلاقات ستؤدي بكم إلى مرض في الجسم وفي
المجتمع وفي كل العلاقات التي تبنوها مع الآخرين هنا وهناك . من أمراضنا
الإسراف ، والإسراف لا تخطيط ، والإسراف فوضى ، والإسراف أن لا نعلم حاجتنا ،
وأن لا نعلم هذا الذي يغطي حاجتنا ، أن لا نعرف هذا الذي تشتغل به مؤسساتنا ،
وأن تكون الدولة غير عالمة بما يعمل الأفراد في مؤسسات كبيرة ، وفي مؤسسات
بادية للعيان وواضحة ، حتى إذا ما ألمَّ أمر من الأمور تنبهت الدولة وجاء
الوزير الفلاني والفلاني ، أين كنتِ أيتها الدولة عندما كان هذا العمل قائماً
على أشدِّه من حيث الفوضى.
المرض : الرابع الوهم والخوف والضجر والتذمر وعدم الأمل . نحن نعيش في وهم ،
سَل زوجتك وولدك ونفسك عن وهمٍ يلفُّك من أجل دعوة غداء تريد أن تقيمها لقريب
لك كم تنشغل بها ، سلهم كم تضيع من اهتمامات ومن هم من أجل دعوة غداء أو عشاء ،
سل نفسك : فقد أضحى الواحد فينا ومنا يفكر في عدد الأشخاص الذي سيخرجون في
جنازته ولا يفكر في حسن ختامه ، لا يفكر في حسن ختام والده المريض مرض الموت ،
ولكنه يفكر في كيفية إقامة مجلس العزاء ، وهل سيخبر المحافظ والوزير والرئيس أم
لا ، وكيف ستخرج السيارات وكيف سيكون الموكب مشهوداً يتكلم الناس عنه ، بغضِّ
النظر عن كلام الناس عن المتوفى وسؤال الله عز وجل في أن يجعل خاتمته على
الإسلام وعلى التوحيد . لفّنا الوهم من أمور لا تستأهل أن نخاف منها ، أصبحت
مخوفاتنا حقيرة لأننا تصاغرنا . سل الرجل منا كم يفكر في حفل زفاف ولده ولا
يفكر في سعادته وكيف يجب أن يكون سعيداً من خلال التزامه بدينه في حياته
الزوجية . أصبحنا في وهم . سل عن علاقة نريد أن نشيدها مع المسؤول الفلاني ،
لأن المسؤول الفلاني ربما أفادنا في يوم من الأيام ، ونسينا حقيقة إقامة
العلاقة مع الله ، وأنها تفيدنا حقيقة وفعلاً ، حقاً وصدقا . كم يحرص الواحد
منا على أن يلتقي مسؤولاً هنا ومسؤولاً هناك من أجل وهم نفع يريد أن يتصيّده
منه ، وكم يعدل عن علاقة قوية مع ربه ، وربك الفعال لما يريد . أضحينا واهمين
موهومين ، خائفين مما يجب أن لا نخاف، ضجرين متذمرين ، أغلقنا باب الأمل ،
ويئسنا ، وقعدنا نأكل ونشرب ، وانتفخت بطوننا ، فها نحن ننظر ما يحدث في العراق
، وما يحدث هنا وهناك ، ونقول : اللهم سلِّم . ندعو الله ونحن نأكل ، وما ندري
ما نأكل ، أنأكل من حلال ، أنأكل ما يفيدنا وينفع صحتنا . نحن نأكل ونحوقل ،
والحوقلة لا تمتُّ إلى جذور القلب بصلة ، والحوقلة من هنا ، تصعد من اللسان
والفم فحسب ولا تتجاوزهما إلى القلب ولا إلى الفؤاد ولا إلى اللبّ ولا إلى
العقل , نتغنى وهذا شيء جميل ، ولكن أين التبني لما نتغنى به . نتغنى بمقولة
سيد الكائنات عليه وآله الصلاة والسلام الذي لم يغلق باب ألأمل في أقسى لحظة
وأحرج وقت وفي أصعب مسافة زمنية ، يُلاحَق من قبل الأعداء في غار ثور ، يقفون
على باب الغار ومعه الصديق ، يلتفت إلى سيدنا أبي بكر بعد أن قال له سيدنا أبو
بكر : يا رسول الله : لو نظر أحدهم إلى أخمص قدمه لرآنا . وإذ بنبينا يفتح باب
الأمل ويشرع باب الرجاء لأنه متصل مع الحق ومع الحقيقة ، لأنه غير واهم ولا
متضجر ولا متذمر . يلتفت إلى الصديق ليقول له : ﴿لا تحزن إن الله معنا ﴾ التوبة
: 40 يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما . يأتي المشركون رسولَ الله وهو
ساجد فيضعون عليه التراب والأوساخ . تأتي الصديقة ابنته فاطمة رضي الله عنها
لتزيح عنه هذا الذي وضع إليه وهي تبكي ، وإذ بالنبي يقول لها بلسان الآمل
المؤمّل بالله " يا فاطمة : إن الله مانعٌ أباك " لا وهم يأكل أجوافنا ، لا ضجر
يدخل قلوبنا ، لا تذمر يسري على ألسنتنا ، بل إننا واثقون بالله ، وأنا أعلم
لماذا نحن واهمون . نحن واهمون لأننا غير مسؤولين ، ولأننا متفرقون ، ولأننا
مسرفون ، والوهم نتيجة طبعية لهذه الأمراض الثلاثة . نحن واهمون . رسول الله
عليه وآله الصلاة والسلام يلقى آل ياسر يعذبون بالنار من أجل إيمانهم وتمسكهم
بعقيدة حقة . ماذا يقول لهم ؟ يتوجه إليهم – وكلكم يعرف هذا – يقول لهم : "
صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة " هل نستطيع أن نقول لأحد منا : صبراً آل فلان
، لأننا نصبر على غير الحق والحقيقة ، لأننا نُصبّر أنفسنا على وهم ، والوهم في
الأصل لا وجود له ، فلا وجود لصبرنا ولا وجود لاصطبارنا . دخل سيدنا عمر على
النبي عليه وآله الصلاة والسلام فرآه نائماً على حصير ، وقد أثر الحصير في جنبه
، والقصة أيضاً معروفة ، لكننا نعيد ذكر الأحبة على ألسنتنا فعسى التكرار يحلو
، عسى التكرار يفيد . يبكي سيدنا عمر . " ما يبكيك يا عمر ؟ " يقول عمر رضي
الله عنه يا رسول الله : كسرى وقيصر ينعمان بالديباج والحرير وأنت على الحصير !
يلتفت النبي عليه وآله الصلاة والسلام المعلم الحق ، الذي يعلم الحق مستمداً من
الحق : ﴿وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ﴾ يلتفت إلى عمر ويقول له : " يا عمر : أما
ترضى أن يذهب أولئك بالدنيا وأن نذهب بالآخرة أولئك قوم عُجلت لهم طيباتهم في
الحياة الدنيا " ﴿ أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا ﴾ وقد قلت مرة لإخوة لي :
لو أننا كنا مكان رسول الله اليوم ، وجاء مثل عمر ليقول لنا هذا الكلام ،
أترانا نقول له ما قاله النبي لعمر . أنا أتكلم عن مؤمن ملتزم ، لا والله .
أتدرون ماذا سنقول لمثل عمر إذا جاءنا ولقينا على هذه الحال : سنقول له : لا
تحزن يا عمر ، سيأتي يوم إن شاء الله وسنجلس على أرائك ، وعلى زرابي ، وسنركب
أفخم السيارات . سنعمق في داخله التطلع إلى خط الدنيا ولن نلفته عنها كما لفته
النبي عن خط الدنيا إلى خط الآخرة ، فالدنيا يسعى فيها وإليها من أجل آخرة تدوم
وتستمر وباقية . نحن نعمل في الدنيا ليس من أجل بهرجة الدنيا ، وكما قال أحد
العارفين الصالحين : تطلبون جنة الدنيا ، فإني أراكم تستغنون بها عن جنة الآخرة
. إن من يسعى من أجل أن يبني جنة في الدنيا ، ستشغله هذه عن جنة الآخرة ، عن
جنة أعدت للمتقين ، نعم ، وستتعلقون بالدنيا التي بنيتم فيها جناناً ولا تريدون
أن تخرجوا منها إلى الآخرة ، وستكرهون الموت في سبيل الله . تلك قضية حتمية
ونتيجة طبيعية لأعمال نقوم بها ، ذلك بما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير .
نحن واهمون وغير واضحين ، رسول الله كان كالشمس واضحاً . أعداؤنا اليوم واضحون
، يقولون الذي يعتقدون بالرغم من أننا نقول إن ما يعتقده أعداؤنا باطل . بالأمس
- كما سمعتم - يقول وزير خارجة إسرائيل وأنا لا أريد أن أنقل الأخبار فالحمد
لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه ، أصبحتم جميعاً نقلة أخبار ومُسمَّرين أمام
التلفاز ، فما من يوم إلا وخمس ساعات منه على الأقل تقضونها أمام التلفاز ، من
أخبار إلى أخبار ، ومن حفلة إلى حفلة ، ومن برنامج إلى برنامج ، أما القراءة
فلقد أصدرت منظمة غربية تُعنَى بشؤون القراءة فقالت - قبل أن أقول كلمة الوزير
الاسرائيلي - أتدرون كم معدل قراءة الفرد العربي في السنة ؟ آخر إحصاء كتب في
صحيفة تشرين بأن معدل قراءة الفرد العربي في الوطن العربي ربع صفحة في السنة
كلها ، هذا معدل قراءة الفرد العربي في السنة كلها ، وأما في العالم الغربي ولا
أريد أن أقول الرقم فإن الفرق شاسع وواسع ، وحسبنا صَغاراً أن معدل قراءة الفرد
منا في السنة كلها ربع صفحة ، ولا أريد أن أتحدث أيضاً عن مضمون هذه الصفحة
التي نقرؤها وعن مضمون هذه الأسطر التي تنظر إليها عيوننا . أعود لقولي الذي
كنت أتحدث عنه : نحن واهمون وأعداؤنا صريحون . صرح الوزير الإسرائيلي قائلاً :
إذا نجحت حماس في الانتخابات البرلمانية فلن ننسحب من غزة . وصرح وزير الدفاع –
أظن - نفس التصريح . يصرحون ولكن ، ليس من قائد عربي ، أو حاكم عربي يصرح أنه
يريد إرضاء ربه ، هل استحييتم يا هؤلاء من أن تقولوا هذه الكلمة الحقة ؟! لماذا
لم تُصرحوا في اجتماعاتكم فيما بينكم ، في مؤتمراتكم ، في برازيليا حيث انعقد
مؤتمر العلاقات بين الدول العربية والإسلامية وبين دول أمريكا اللاتينية
الجنوبية ، لماذا لم تصرح ؟ أتريد أن لا تصرح حتى تبقى في كرسيّك ، فكرسيك
سينهار شئت أم أبيت ، فانظر من سبقوك ولا تفرح بما أنت فيه فالقادم إذا بقيت في
الوهم الذي أنت عليه فالقادم ليس بذاك الأمر المفرح .
سنة الله قضت : من كان مع الله كان الله معه . حُدثت عن الرئيس الأمريكي وحدثني
خبير بشؤون ذلك فقال لي : إن الرئيس الأمريكي يستيقظ صباحاً ، الساعة الخامسة
فجراً ، وقبل أن يدخل مكتبه يمر بكنسية أقيمت خصيصاً له في البيت الأبيض - هذا
الذي ندعو عليه – يمر بالكنسية هناك ليؤدي بعض شعائر عبادة ، بغض النظر عن
عبادته فيما إذا كانت صحيحة أم لا وعن تصوره فيما إذا كان مشوهاً أم لا لله عز
وجل ، لكنه يعبد الله ويصرح بهذا ، فأين تصريح لا أقول الزعماء والحكام ، لكن
أقول أين تصريحنا نحن الذي ندخل المساجد ، أين تصريحنا في بيوتاتنا في محالّنا
، في متاجرنا ؟! فلنكن صرحاء وواضحين ، وهل تبغون غير ذلك ؟ كونوا صريحين ،
قولوا نريد أن نرضي ربنا عز وجل ونريد أن نكون مسلمين الإسلام الصحيح المستقى
من كتاب الله ، ولا تحتجّوا بأن هنالك بعض المسلمين الذين يشوشون عليكم ، صحيح
إن هنالك من يسئ إلى الإسلام باسم الإسلام فصححوا أنتم من خلال التزامكم ومن
خلال دعوتكم لهذا الدين ، هؤلاء الذين يسيؤون إلى الإسلام باسم الدين فيقتلون
ويرهبون ويقومون بأعمال لا يقرها الإسلام إذاً أنتم قدموا للناس صورة الإسلام
الحقة المشرقة ، أنتم أيها المسؤولون ، ممَّ تخافون ، كنا نخاف في يوم من
الأيام منكم أنتم ، أما اليوم فالقضية يجب أن تكون واضحة ، والعالم كله غدا
واضحاً ، المعتدون واضحون ، الآثمون واضحون ، أصحاب الباطل واضحون ، فلم لا
نكون واضحين ونحن في وضوحنا محاوِرون ، لا نحمل سيفاً ولا نحمل مسدساً ، ولا
نحمل دبابة ولا نريد أنن نقتل الآخر الذي أمامنا ، بل نعترف به ، لا نلغيه ،
وما كنا في يوم من الأيام نقوم على ذاك الذي يخالفنا فنقتله ، حاشا لله ما كنا
كذلك ، لئن فعل بعض منها هذا فنحن فنقول عنهم إنهم مخطئون ومجانبون للحقيقة ،
لكننا بنفس الوقت نريد أن نكون واضحين في مراداتنا . أنا إذ أتكلم على هذا
المنبر فأنا واضح في أنني أريد أن يرضى الله عني ، وواضح في أن يكون القرآن
الكريم الكتاب الذي يهديني ، وأن يكون محمد أسوتي ، وعلى الآخرين أن ينصحوني ،
وأن يقدموا لي نصحاً برفق وأمانة وصدق ومن غير ردة فعل ، ومن غير غش ولا حمل
سلاح . نريد أن نعيش مسلمين ، نعلن إسلامنا ، وأنتم في مختلف الأماكن التي
تشغلونها : هيا إلى إعلان الوضوح حتى يعرف بعضنا بعضاً ، فالوضوح يعرفنا بعض ،
والغموض يجعلنا كحاطب بليل لا يعرف الذي يفعل ما يفعل ولا الذي يقول ما يقول .
يا أمتي أمراضنا كثيرة ، لكنني لخصتها بهذه التي ذكرتها ، آملاً أن نحسّ بها ،
فإذا ما أحسسنا بها ، عندما يحس المريض بمرضه ، عندما يتألم المريض وقد أحس من
خلال الألم بالمرض سوف يسعى ويركض إلى الطبيب والى الدواء . آمل أن نشعر وأن
نحس بأمراضنا ، حتى نركض إلى الدواء ، إلى كتاب فيه هدايتنا ، نتدبره ، نقرؤه ،
نتلوه ، فاللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همومنا
وغمومنا يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول
وأستغفر الله .
التعليقات