آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


لوحــات

   
أمَّتي

أمَّتي

تاريخ الإضافة: | عدد المشاهدات: 2701
وتحولت فيك هاء " السَّكت " إلى تاء ، فارتبطتُ بكِ كما ارتبطتُ بأمِّي . والفرق بينكما، أن مَن سكتُّ بعد الميم فيها على هاء ، أنجبتني جسماً ؛ وأنك، يا أمتي ، أنجبتني فكراً وكياناً معنوياً ، فهل تذكرين ساعة الإنجاب ؟ أم نضبت الذاكرة، فصرنا، نحن من أنجبتِ، عبئاً عليك، فلم تعودي قادرة على الإرضاع والاحتضان ؟! هل تخليت عنا لتسلمينا إلى اصطناعيات الإنجاب، فتكفل التهذيب والتأديب . أم تواريت لتبقي أثراً تاريخياً محضاً لا صلة له بالحاضر، وغدوت متحفا فيه من المحنطين من لا يستطيع الإمداد، ولا يقدر على الإسعاد . أمتي، والكلمة تملأ الفم والعقل والقلب والفراغات المعطاءة إذ أتخيلك في الماضي، ولكنها اليوم كلمة ترتمي على شفاه راجفة خائفة خجلى، فغيرك من الأمم احتَضن كالكنغر، وأنت رفضت ، فتبعثر الأبناء في المهجر . لقد ضاعت لغتك في بلادك، وتاه شبابك في بلادهم عنك، واعوجَّ سبيل الرشد الذي أردتِه لهم، وتعمَّقت في دواخلهم آهات التشريد، وأماني التغيير والتبديل من أمة إلى أميمة . وقد رأيت من أبنائك من يضحك عليك، ونظرت من يفرح بالاستقالة من ميدانك، ويفخر بالانتساب إلى سواك، حتى ولو كان هذا الانتساب إلحاقا متأرجحا . أبكيك، أمتي، والبكاء بعض ندم وجب علينا تجاهك، وأناديك يا أمتي نداء المستغيث إلاَّ صرخت في وجه من عقَّك من أبنائك، فإما أن يعودوا راشدين جادين فاعلين، وإما أن يتحولوا إلى غيرك، وحينها فقد أعذرَ من أنذر. أمتي، لن أنفكَّ عنك، وسأعِدُ ربي بالتزامك، ونصح أبنائك، وسأبقى، يا أمتي، ما حييت بعضاً منك، وها نحن من بعد غَلَبنا سنَغلبُ ، ويومئذ يفرح المثابرون بالظفر، ويُسر الصامدون بالنصر، ويُفتح سجل جديد لأمة مستقيمة، لا تعرف الحقد ، ولا تبغي الانتقام، ولا ترى في قواميسها أيَّ حرف من حروف المكر والخداع، فمزيتك يا أمتي ، أنك قابلة للاتساع ، وإن غيركِ من الأمم يضيق حتى بأبنائه . كلنا يدرك أن الواسع هو الذي يمكث في الأرض، وما سواه زبد يذهب جفاء . ألمانيا/1996

التعليقات

شاركنا بتعليق