آخر تحديث: السبت 04 مايو 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
العدل بدل الديمقراطية

العدل بدل الديمقراطية

تاريخ الإضافة: 2007/04/28 | عدد المشاهدات: 3666

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

لابد وأنكم تسمعون ونسمع كثيراً عن كلمة شوهت دلالتها، هذه الكلمة وقد فكرت في أن أتحدث عنها وعن بديلها هذا اليوم، هذه الكلمة هي الديمقراطية. ما أكثر ما سمعتم هذه الكلمة بالأمس وقبل الأمس، هنا هناك، في أمريكا، في فرنسا في الكيان الغاصب في كل مكان تقال هذه الكلمة الديمقراطية، تُقال وحين يقولها من يقولها، يقولها وهو مُعجَبٌ بنفسه إذ يطبقها على حد ظنه أو على حد تفكيره أو على حد زعمه، فكرت في هذه الكلمة ملياً وقلت: لقد شُوهت هذه الكلمة ولقد مسخت وأصبحت بمثابة جدار باطنه المغيب فيه الرحمة، وظاهرة من قبل الناس ملء بالعذاب، وأنا أفكر في هذه الكلمة قلت: لِمَ يعدل الناس ولا سيما المسلمون عن كلمة العدل إلى كلمة الديمقراطية ؟ والعدل مصطلح مستنبت في أرضنا في لغتنا في تراثنا في نصوصنا في قرآننا في سنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، لِمَ نعدل على الأقل عن كلمة العدل إلى كلمة الديمقراطية ؟ والديمقراطية أصبحت للتسويق والتسويغ وأصبح يقولها من يقولها ليمرر أهدافه وغاياته وأصبحت على مقاسات من يقولها، يقولها الأمريكي في العراق وهو غير صادق، ويقولها الغربي وهو يتعامل مع المسلمين أو مع الأقليات المسلمة هناك وهو غير صادق، ونكررها نحن ولا نعلم المراد منها أحياناً، أو أننا نريد أن نفرض دلالتها الطيبة علينا وعلى أنفسنا.

فلنعد إلى العدل كلمة ندعو إليها بكل وضوح ولنعد إلى العدل مصطلحاً من أجل أن يكون عنواننا، عنوان كل إنسان منا، عنوان الأب في أسرته، وعنوان الأستاذ في مدرسته، وعنوان الضابط في ثكنته، وعنوان المدير في مديريته وعنوان الوزير في وزارته، وعنوان الرئيس في رئاسته وعنوان كل ذي مسؤولية في مسؤوليته، لنعد إلى العدل، فالعدل أساس الملك، وبالعدل تقوم الأمة، وبالعدل تبتغى الحضارة، وبالعدل يبتغى المجد، وبالعدل تقوم القائمة الصحيحة، وبالعدل تستقيم الدنيا، وبالعدل يفلح العادل في الآخرة، وبالعدل تقوم السموات والأرض، وبغير العدل لا يمكن أن تقوم قائمة لأي كيان مطلوب ومرغوب وصحيح وسوي ومستقيم، فالعدلَ العدلَ يا أمتي، العدل العدل يا من تريدون أن تكونوا في مقامات المسؤولية، العدل العدل يا من تحبون أن تتسنَّموا ذرى مناصب، العدل العدل ضعوه في أذهانكم وضعوه أمام أعينكم، وتلمسوا كيفيات تطبيقه وابذلوا الجهد من أجل أن يكون صفة لكم دائمة، اكرر يا أيها الآباء يا أيها المدرسون يا أيها الضباط يا أيها الأطباء يا أيها التجار... أناشدكم الله وأناشد نفسي قبل أن أناشدكم بأن تكونوا من العدل بمكان، لعلكم تسألونني عن العدل ماذا يعني ؟ أترك تفسير العدل وتوضيح بيانه لكم أنتم لقلوبكم ولكن لا بد من طرح بعض الأسئلة عليكم، أليس العدل يفرز في ذهنكم نزاهة ؟ فالعدل نزاهة، أليس العدل يوقع في دواخلكم تكافؤ الفرص ؟ فالعدل تكافؤ الفرص، أليس العدل يدل على الأمانة ؟ فالعدل أمانة، ألا ترجون من الذي يدعي العدل في أن يكون ممن يعطي كل ذي حق حقه ؟ فإعطاء كل ذي حق حقه عدل، إذاً العدل هو الذي تستجمع فيه النزاهة والصدق وتكافؤ الفرص وإعطاء كل ذي حق حقه، العدل هو ذاك المعنى الذي يقوم في ذهنك عندما تنتهي من لفظه، من نطقه، عندما أقول لك عدل تهب لتقف مقدراً ومبجلاً، فيا أمتي اعدلي ويا أبناء أمتي كونوا قائمين بالعدل وكونوا ساعين لابتغاء العدل وتطبيقه في كل مكان تكونون فيه، العدل العدل.

دعونا –ولفترة- من كلمة الديمقراطية واتركونا تحت مظلة العدل، دعونا من كلمة الديمقراطية لأنها شُوِّهت ولأنها أصبحت مبتذلة، ولأنها غدت أداة للتسويق لا أكثر ولا أقل، يا من تقف وراء منصة الحكم في قصر العدل، تحدث عن العدل واحكم بالعدل وتذكر قول الله عز وجل: ﴿وأمرت لأعدل بينكم﴾، ويا من تسلمت مقاليد أمور أناس أصبحوا من رعاياك تذكر أن العدل هو السبيل لنجاحك في الدنيا ولفلاحك في الآخرة، تذكروا هذه الكلمة ودعونا من كلمة الديمقراطية التي أصبحت كما قلت لكم كلمة مستهجنة عند الصغار قبل الكبار، وأقول عند الصغار لأن الصغار يتكلمون ويفكرون ببراءة.

قرأت أحاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتعلق بالعدل وما أكثرها، فاخترت باقة من هذه الأحاديث من أجل أن أتلوها عليكم لا أكثر ولا أقل ومن غير تعليق، فيا أيها المعنيون بالعدل وكلنا معنيون لأن كلنا إما أن يكون أباً أو أستاذاً أو عاملاً أو معلماً أو مديراً أو وزيراً أو حاكماً أو قاضياً أو طبيباً أو... وهؤلاء كلهم معنيون بشكل مباشر بالعدل، ولكن ربما كان هناك تفاوت في قوة الالتزام أو قوة أو سعة المساحة التي يشغلها الإنسان ليكون فيها عادلاً.

يروي الطبراني بسند حسن أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تُقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع) أتريدون أن تقدسوا من غير رأسمال يقدم للتقديس ؟ انظروا أمتنا فإن كان القضاء فيها بالحق ولا أعني القضاء في قصر العدل فحسب ولكن أعني القضاء في كل تجلٍّ من تجليات مجتمعنا في الأسرة والإدارة والمسجد وحيثما حل المسلم فينا على اختلاف مسؤولياته ؟

يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي الطبراني بسند حسن أيضاً: (من ولي أمَة –أو أمَّة- من أمتي قلت أو كثرت فلم يعدل فيهم كبَّه الله على وجهه في النار) فلا تفرح يا ذا المنصب للمنصب ولكن عليك أن تستعد للعدل في هذا المنصب وأنا أنصحك وأنصح نفسي أولاً ويشهد الله فلا أريد لك النهاية التي ذكرت في الحديث الشريف وأنا لا أريد التقريع والتوبيخ وما هذه عادتي ولكن أريد النصح والله يعلم ما في نيتي وقلبي.

وقد ورد أيضاً عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه) أخاطب الشيوخ وطلاب العلم أقول لهم: أنتم تتولون بعض الأمور المتعلقة بدين الناس فإليكم هذا (من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي شيئاً من أمر أمتي فرفق بهم فارفق به) حديث صحيح يرويه الإمام مسلم يقوله سيد الكائنات سيد البشر فيا أمة تنشد العدل هيا إلى العدل، إنما بعثتم ميسرين، أخاطب كل الفئات وكل الأصناف.

جاء في صحيح الإمام مسلم أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إلى عامله في أذربيجان كلمة إليكم بعضها يقول رضي الله عنه: "يا عتبة بن فرقد إنه –أي ما تجمع لديك من جاه ومنصب ومال– ليس من كَدِّك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير" وأعتقد أن الديمقراطية ولو لفترة هي من زي أهل الشرك فلنتركها الان.

يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند الإمام أحمد والحديث صحيح: (من ولي من أمر الناس شيئاً فاحتجب عن أولي الضعف والحاجة احتجب الله عنه يوم القيامة) فلا تحتجبوا يا هؤلاء وإلا فسيحتجب الله عنكم يوم القيامة إن كانت القيامة لها اعتبار عندكم وإلا فستحتجب عنكم كل الفضائل وبالتالي فستتلقاكم الرذيلة واللعنة إلى يوم الدين.

يقول صلى الله عليه وآله وسلم عن جزاء العادل في النهاية كما جاء في البخاري ومسلم والحديث معروف ومشهور وانظر إلى مآلك عند ربك يا من تبتغي العدل وتسعى إليه: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل) أرأيت إلى المآل العظيم يوم القيامة يا من تعدل فيما تحكم يا من تعدل فيما تقضي يا من تعدل فيما تربي وتدرِّس يا من تعدل فيمن تطبب، (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل) ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي الإمام مسلم في صحيحه: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا).

فيا طوبى لمن كان عادلاً، ويا بؤس من استعجل الظلم فاتخذه لبوساً له في مجاله الذي يشغله.

اللهم بحق سيدنا محمد اجعلنا ممن يبتغي العدل في شؤونه كلها مع روحه مع جسمه مع أسرته مع نفسه مع مسجده مع ساحته مع جماعته مع وطنه مع الإنسانية كلها، يا رب اجعل لنا من أمرنا رشداً واكتبنا من الذين يسعون لعدل في أمورهم كلها، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 28/4/2007

التعليقات

سيد عبد المنعم

تاريخ :2007/07/03

أرى انه لامانع من استخدام اى اسم بشرط ان يتحقق الهدف منه فلا مانع من استخدام كلمة الديمقراطية إذا حققت العدل وكان جوهرها العدل فما فائدة من يستخدم كلمة العدل ليل نهار وهو يطبق عكسها وما الضرر ممن يستخدم كلمة الديمقراطية وهو يطبق العدل العبرة بالمسمى لا بالاسم

houdaifa

تاريخ :2007/12/07

أرى انه لامانع من استخدام اى اسم بشرط ان يتحقق الهدف منه فلا مانع من استخدام كلمة الديمقراطية إذا حققت العدل وكان جوهرها العدل فما فائدة من يستخدم كلمة العدل ليل نهار وهو يطبق عكسها وما الضرر ممن يستخدم كلمة الديمقراطية وهو يطبق العدل العبرة بالمسمى لا بالاسم التوقيع اكادير وشكرا

شاركنا بتعليق