آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
كلا إذا بلغت التراقي

كلا إذا بلغت التراقي

تاريخ الإضافة: 2007/06/01 | عدد المشاهدات: 7134

نعود إلى لطائف سورة القيامة، وقد وصلنا إلى قوله تعالى:﴿ كلا إذا بلغت التراقي* وقيل من راق* وظنَّ أنه الفراق* والتفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذ المساق﴾.

﴿ كلا إذا بلغت التراقي﴾ أي الروح ﴿ وقيل مَن راق﴾ أي مَنْ الذي سيرقي ويشفي هذا المريض ؟ وما أظن أن أحداً سيقول: أنا راقٍ لهذا المريض. لأن المريض أضحى إلى الآخرة أقرب ما دامت روحه وصلت إلى التراقي.

وهنالك تفسير آخر للآية، ولعله يذكر من أجل الفائدة:

﴿وقيل من راق﴾: أي أن الملائكة حينما تجتمع عند الميت - ولاسيما الكافر- يقول أحد الملائكة: من الذي سيرقى بروح هذا الكافر إلى ربه ؟ وكأن الملائكة تعتذر من أن ترقى بروح هذا الكافر إلى ربه، لأن هذه الروح هي لشخص كان ينكر ويكفر و يشرك و يفسد... فكأن الملائكة تبدي اعتذارها عن حمل هذه الروح الخبيثة لترقى بها إلى ربها.

وأحب أن أذكر هنا من باب العلم: أن في الآية﴿ وقيل من راق﴾ سكتة في قراءة حفص، أما عند جمهور القرّاء فليس هنالك سكتة وإنما يقرؤونها مدغمة...

﴿وظنّ أنه الفراق﴾ الميت هو الذي ظن، وكذلك من حول الميت. يروي مسلم عن السيدة عائشة أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) فقلت: يا نبي الله كلنا نكره الموت ؟ فقال: (ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه).

ولكن لماذا قال الله ﴿وظن﴾ ولم يقل (واعتقد) ؟

الجواب: لأن الله عز وجل يصف حال هذا المريض الذي وصلت روحه إلى التراقي، وأن هذا المريض لا يريد أن تخرج روحه من جسده. وعندما القرآن يستخدم كلمة (ظنّ) فإن المقصود بها (اعتقد)، لكن القرآن عبّر بـ (ظنّ) لتناسب الحالة المضطربة لهذا الإنسان المتمسك بالدنيا ولا يريد أن يكون هنالك فراق.

ما المقصود بـ﴿الفراق﴾ ؟  

الجواب: لما وصلت الروح إلى التراقي فإن هذه الروح ستفارق الجسد، والمقصود بالفراق هنا الفراق بين الروح والجسد. وقد استدلّ العلماء من كلمة ﴿الفراق﴾ على أن الروح جوهر قائم بذاته، لأن الفِراق لا يكون إلا بين شيئين مستقلين بذاتهما.

لذلك عندما أقول: هذا فراق بيني وبينك. لأنك أنت كينونة وجوهر قائم بذاتك، وأنا أيضاً كينونة وجوهر قائم بذاتي. فكلمة﴿الفراق﴾ تدلّ على أن الروح جوهر قائم بذاته، وليست الروح شيئاً لا وجود له أو شيئاً موهماً. الروح حقيقة وجوهر قائم بذاته.

وروي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه عندما بلغت روحه التراقي، وقد حدث بذلك المزني -وهو تلميذ الشافعي- قال: دخلت على الشافعي رحمه الله في مرضه الذي توفي فيه, فقلت له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟

فقال: أصبحت عن الدنيا راحلاً, وللإخوان مفارقاً, ولسوء عملي ملاقياً, ولكأس المنيّة شارباً, وعلى الله تعالى وارداً، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنئها, أم إلى النار فأعزيها.

ثم بكى وأنشأ يقول:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي          جعلت الرجا مني لعفوك سُلَّماً

تعاظمني ذنبي فلما قرنته               بعفوك ربي كان عفوك أعظماً

فهذا الإمام الشافعي وهو مجتهد في الشريعة، ومن أهل القانون، ويعدّ من عظماء الدنيا يقول عن نفسه: ولسوء عملي ملاقياً، فما بالنا نحن نعيش حالة ترفع وكبرياء، وكأن أعمالنا كلها حسنة وليس هنالك أي سوء عمل على الإطلاق، ونرفض النقد ولا نقبل النصح وكأننا معصومون ولا نخطئ أبداً.

التعليقات

شاركنا بتعليق