آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مشاكل وحلول لأمراض في مجتمعاتنا

مشاكل وحلول لأمراض في مجتمعاتنا

تاريخ الإضافة: 2008/02/08 | عدد المشاهدات: 2683

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون:

لعلنا حين نتحدث عن مجتمعنا الإسلامي الكبير، والعربي الكبير، والمجتمعات العربية والإسلامية الصغيرة التي يتكون منها المجتمع الكبير إسلامياً وعربياً، لعلنا إذ نتحدث عن هذا المجتمع والمجتمعات نُقِر أن المجتمع والمجتمعات مصابة بأمراض، وأن كل واحد منا يعرف هذا، وها أنذا أقول لكم حديثاً قرأته صباح هذا اليوم في سنن أبو داود، يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم: (سيكون في أمتي اختلافٌ وفرقة، وقوم يحسنون القول، ويسيؤون العمل) قلت بيني وبين نفسي إن هذا توصيف دقيق لأمراض وقعنا في حبائلها، توصيف للأمراض الشديدة التي التهمت صحتنا، وكادت تقضي علينا لولا أننا مأمورون بالأمل، ولولا أنا نتطلع إلى كُوة يتجلى من خلالها ربنا عز وجل، هذه الكوة هي كوة الأمل.

(سيكون في أمتي اختلاف وفرقة وقوم يحسنون القول ويسيؤون العمل) انظروا بشيء من التمعن إلى المجتمع الإسلامي الكبير، والمجتمع العربي الكبير، والمجتمعات العربية والإسلامية الصغيرة التي تكون المجتمع الإسلامي الكبير عربياً وإسلامياً، فستجدون عناوين الأمراض هي: الفرقة والاختلاف، وقوم يحسنون القول ويسيؤون العمل، وما أظن أن أمةً اليوم تحسن القول كما تحسنه أمتنا العربية والإسلامية، فالخطباء على المستوى الديني كثيرون، والخطباء على المستوى السياسي كثيرون أيضاً، والمحللون الذين يتكلمون بلغاتٍ فصيحة ما أكثرهم، فعبر القناة الفلانية، وعبر القناة الأخرى تراهم كما يُقال عندنا (يصطفون على الدور)، يحسنون القول ويسيؤون العمل، ولو أن إنساناً نظر إلى أقوالنا لرآنا قمةً في الخُلق، في التعاون، في العلم، في المعرفة، لكنه سيراجع نفسه بقوة وسيقول لنفسه: بئسما ما رأيتِ، عندما ينظر الأعمال والأفعال لهذه الأمة. هذه هي الأمراض، ولعل بعضنا يتحدث عن أمراض أخرى لكنني لا أراها تخرج عن هذه الأمراض التي حدثنا عنها الطبيب والمعالج والرفيق الأعظم سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة وقوم يحسنون القول ويسيؤون العمل).

اسمحوا لي وباختصار أن أطرح على مسامعكم الطيبة دعوةً لحل أو حلولاً، هذه الحلول هي:

الأمر الأول: أنا أطلب من نفسي ومنكم ومن كل إنسان يعيش في مجتمعنا الإسلامي والعربي الكبير أن يتأكد كل منا من موقفه حيال ما يؤمن به، على سبيل المثال: أنت تؤمن بضرورة الوحدة، أنت تؤمن بضرورة تطبيق قول الله عز وجل: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾ فما موقفك حيال ما تؤمن به أنت أيها الإنسان، أيها المدرِّس، أيها الضابط، أيها الحاكم... ما موقفكم حيال ما تؤمن به ؟ إن كان موقفك تكاسلاً وابتعاداً وإعراضاً فحدثني بربك عن نفسك أو عن هذا الإنسان الذي لا يسعى إلى تنفيذ ما يؤمن به ومن فمك أدينك، على سبيل المثال حدثني عن موقفك من خلال ما تؤمن به حيال قوله تعالى: ﴿كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم﴾ عن موقفك من العدل، والعدل قضية مطلوبة مرغوبة، أنت تؤمن بها، وأنت تحدث الناس عنها وأنت تتباهى بأنك تقدمها أمراً مفروضاً في كتابك الكريم الذي تؤمن به، وتطرحها على الناس على أنها قيمة تسعى إلى تحقيقها لأنها واردة في صلب كتابك الكريم، وفي صلب سنة نبيك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فما موقفك حيال العدل ؟ هل موقفك هو موقف إنسان يسعى إلى العدل في أموره كلها أم أنك تطالب بالعدل من أجل حق تنتزعه، لا تملك مقومات الحصول عليه، ولا تملك مقومات حيازته، هل أنت تريد العدل من أجل أن تنال بعض المنافع، لأن هذا الذي أمامك تسلَّم سدة الحكم أو سدة الوظيفة وأنت تنازعه عليها، فها أنت تقوم بمطالبته بالعدل ليس من أجل العدل بذاته بل لأنك تريد وظيفته حتى تُشبع ما في نفسك من رغباتٍ شخصية، ومن تطلعاتٍ نفعية بحتة لا تَمُتُّ إلى نفع المجتمع بصلة. التأكد مما نؤمن به ومن موقفنا حيال ما نؤمن حل نظري نطرحه لأنه قابل للتطبيق، لأنه يبتدئ من كل فرد بذاته، لأنه يبتدئ منكَ ومني، يبتدئ من ذات الإنسان الذي يسعى إلى تقويم مجتمعه بعد أن أصابه الانهيار، وبعد أن أصابه الاضطراب، وبعد أن وقعت فيه الفوضى فافترشت كل أرضه وعمَّت أغلب سماءه.

الأمر الثاني النظري وهو قابل للتطبيق: أن تَعِيَ وأن نعي سنن التاريخ أو السنن الإلهية في الرفعة والقيادة والريادة. قلت لكم مرة لو قلت عن نفسك أو قدمت نفسك على أنك رئيس هل ستكون رئيساً فعلاً ؟ لو أنك سئلت أمام أناس لا يعرفونك فقيل لك من أنت ؟ فقلت بأنك ضابط، وأنت لست كذلك فهل ستكون ضابطاً فعلاً ؟ إن كان هذا الذي يقول عن نفسه بأنه ضابط أو رئيس أو أستاذ أو طبيب أو... وهو ليس كذلك، ثم اكتشفنا بأنه ليس كذلك نقول عنه بأنه ناقص العقل وربما كان وصف الجنون وصفاً لائقاً به.

مشكلتنا أننا نقدم أنفسنا بما ليس فينا، لو سئلنا نحن الذين نكوّن المجتمع الإسلامي والعربي عن أنفسنا عن أمتنا لقلنا نحن أمة التقدم، نحن أمة الازدهار، نحن أمة الحرية، نحن أمة الكرامة، نحن، نحن... وأتبعنا هذه الكلمات كلمات كثيرة لكن بالله عليكم هل إذا قلنا هذا الكلام يعني بأننا موصوفون بهذه الصفات التي قدمنا أنفسنا على أننا متصفين بها ؟ نحن نقول عن مجتمعاتنا نحن أمة القوة نحن أمة العلم نحن الذين علمنا الناس. لا تقل هذا، أأنت علمت الناس ؟ من علمت ؟ أنت جهّلت الناس، أنت الذي علمت العلم من أجل حفنة دراهم تبتغيها لتعود عليك بإرواء الرغبات والمنافع والشهوات، أنت الذي تقول للناس علمت الناس هل تعني بأنك علمت الناس من خلال أجدادك، إن كان الأمر كذلك، فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون، حدثني عن نفسك الراهنة عن وضعك الآني:

إن الفتى من يقول ها أنذا            ليس الفتى من يقول كان أبي

علينا أن نعي سنن التاريخ في الريادة والرفعة وأنه ليس من سنن التاريخ الادّعاء وليس من السنن الإلهية في الرفعة الادعاء أو التغني أو أن نقول بأننا أفضل الأمم وأقدم الدول وأعظم المدن وهكذا.. هل يكفي من أجل التحقق بالصفات التي نذكرها أن ندعيها ؟ ما السنن الإلهية في الرفعة والسيادة والقيادة ؟

السنن الإلهية أمور كثيرة اختصرتها بثلاثة أمور:

العلم: ذكر الله في القرآن الكريم آيات كثيرة حضنا فيها على العلم: ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ البارحة استمعت إلى محاضرة لأستاذ كبير حصل على جائزة نوبل وهو مصري الجنسية في محطة فضائية دينية تحدث فيها عن تقدم العلم والمعرفة في إسرائيل وقال: ثمة أمور ترتبط بالعلم ما أظن أن دولة إسلامية أو عربية تمتلك هذا الذي يمتلكه هذا الكيان المزعوم المزروع غصباً في جسمنا. لكنها تمتلك علماً ومعرفة، علينا أن نعي سنن التاريخ في الريادة والرفعة والقيادة وأن هذه السنن أولاً هي العلم.

والسُنة الثانية التعاون البنّاء: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ يا ناس هل تريدون أكثر من دعوة ربكم الذي تؤمنون به في أن تتعاونوا ؟ بعض الناس يقولون لي: يا شيخنا حدث الناس عن أمور تفشَّت فيهم، حدث الناس ونبههم إلى ضرورة عدم إزعاج بعضهم بعضاً، فأنا أجيب وأقول لهم لقد حذرهم ربي فما استجابوا وهم مؤمنون بالكتاب الكريم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، قال لي: حدث الناس عن ضرورة اجتناب الجشع والاحتكار والظلم في الأسعار قلت لهم لقد حدثهم قبلي القرآن الكريم، وحدثهم قبلي سيد الناس عليه الصلاة والسلام فما استجابوا، أتريدني أن أجعل من كلامي كلاماً غير موثوق عندي، أتريدني أن أردد كلماتٍ في صدى لا يُسمع من قبل آذان أخذت العهد على ذاتها أن تضع أصابعها في آذانها، وأن يكون الوقر هو هذا الزاد الذي تتمتع به الآذان؟ ماذا تريد مني ؟

السنّة الثالثة: السَّعة والصبر: في كل أسبوع تكون نهاية الخطبة: ﴿والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ وكلكم يقرأ قوله تعالى: ﴿اصبروا وصابروا ورابطوا﴾ وكلنا يطلع على آيات كثيرة تحدثت عن الصبر وأحاديث وافرة تحدثت عن الصبر، وكلنا يقرأ صبر النبي وصبر أولئك الذين بنوا وقدموا، ولكننا فهمنا الصبر خنوعاً وذلاً واستكانة، الصبر ثبات على المبدأ واستمرار في العمل وتضحية وأنت تعمل وتستمر، عهد بينك وبين نفسك على أن تنتج هذا الذي بدأته مستعيناً بربك الذي يحب من الناس أن يكونوا أصحاب عزائم لا يفلها الحديد ولا يفلها أي شيء يمكن أن يقف أمامها ما دمت مستعيناً بربك عز وجل: ﴿كلا إن معي ربي سيهدين﴾. الحل الثاني أن نعي السنن الإلهية في الرفعة والسيادة وأنها العلم والتعاون البناء والسعة والصبر والثبات.

الحل أو الأمر الثالث: قيادة راشدة تتمثل القرآن الكريم ومُحكَماته، وتتمثل سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنها المعيار العملي لما جاء في القرآن الكريم من محكمات ودعوات وفرائض ومحرمات، نحتاج إلى قيادة راشدة تتمثل القرآن الكريم منهاج عمل بإجمال، وتضع أمام أعينها شخصيةً هي بجدارة تستأهل أن تكون الأسوة المثلى، هي شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، العبارة مُجمَلة وأنتم تعلمون تفصيلها، وقادرون على شرحها وتوسيعها، وأنا لا أقصد بالقيادة الراشدة قيادةً سياسية فحسب، ولكنني أقصد قيادة على مستوى الأسرة، أيضاً قيادة على مستوى المدينة، قيادة على مستوى المكان الذي تعمل فيه أنت باعتبارك تاجراً أو باعتبارك طبيباً أو باعتبارك ضابطاً أو أستاذاً مدرساً... أنا أتوجه إلى كل إنسان يُنصِّب نفسه قائداً، ولا أنظر إلى المساحات التي يحاول أن يمد قيادته عليها، فسواء كانت هذه المساحات تضم عنصراً واحداً أو مخلوقات هي بمنأى عن الإنسانية أو تضم جغرافية ليس فيها شيء من رائحة الإنسانية، أتحدث عن كل منا، على الأقل أنت تقود نفسك ولا تُكلَّف إلا نفسك وحرض المؤمنين، على الأقل أنت قائد لأعضائك، لعقلك، هل أستطيع أن أتنفذ على عقلك وقلبك وأعضائك ؟ كل منا قائد على الأقل على نفسه، على جوارحه، فأين هذه القيادة الراشدة ؟ ونفسك تدعوك باستمرار ولا أستثني نفسي، تدعونا إلى شهوات ورغبات ولسان حالنا معها لبيك يا نفس هيا إلى تلبية ما تطلبه نفسنا الأمارة بالسوء، أما النفس الرضية أو المطمئنة فإن نفسنا بعيدة الصلة بهذه النفس التي نطمح أن نكونها ونسعى من أجعل أن نعيشها.

الحل الرابع: التحلي بصفاتٍ سميتها: صفات الأبواب، والتخلق بصفات التحبب، إن لم نتحلَّ بهذه الصفات فلن نكون قادرين على أن نستوعب الآخر أو أن نكون أمة ذات حضارة شئنا أم أبينا، إن لم نكن واسعي الصدر، أصحاب إيثار، إن لم نكن أصحاب تواضع، وحدثنا أنفسنا كثيراً عن التواضع، لكن التكبر يضرب أطنابه فينا، فكل إنسان إذا ما هيئت له الظروف رأيته المتكبر الأقوى، كل منا يشمخ على أخيه ولا ينظر إلى أخيه نظرة تواضع، ونظرةً كما وصفها القرآن نظرة ذل منبعثة من ذاتك ﴿أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين﴾  المؤمن هين لين ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ التحلي بصفات الأبواب التواضع ﴿ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير﴾ التواضع والسخاء والإيثار والعطاء.

أختم خطبتي لأقول: منذ أيام رأيت على قناة معروفة عربية لقاءً مع رجل أمريكي ثري هو ثاني ثري في العالم، يملك أربعين مليار من الدولارات، تحدث معه، أتدرون كم قدم من ماله تبرعاً لمؤسسات خيرية في كافة أنحاء العالم، وهو يمتلك أربعين ملياراً من الدولارات، تبرع بثمانية وثلاثين ملياراً ! أي بالمئة ستة وتسعين من ماله تبرع به، قلت بيني وبين نفسي: سبحان الله كاد هذا أن يذكرني بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، أليس فينا رجل رشيد يذكرنا بأبي بكر ونحن أولى بهذا في أن يذكر بعضنا بعضا بأبي بكر ؟ وقيل عن هذا التبرع بأنه أسخى تبرعٍ في التاريخ. في نفس اليوم أخٌ يحتاج لبيت وأخوه من أمه وأبيه، وكلاهما مسلم، الأول لا يملك بيتاً يسكنه، والثاني حسبَ ما قال هو عن نفسه يملك خمسمئة مليون ليرة سورية، وبعد طلبٍ ملؤه الإلحاح من أخيه، تفضل هذا الأخ على أخيه بمليون ليرة سورية، بعد طلب مُلحٍ استمر سنتين، أشكر لهذا الرجل فعلته لأنني أعلم أن كثيراً ممن يماثله أو يشابهه لا يعطي لأخيه ولو ألح عليه خمس سنين.

الواقع الذي نعيش فيه باختصار: اختلاف، وفرقة، وقوم يحسنون القول، ويسيؤن العمل، والحل في التأكد من مواقفنا حيال ما نؤمن هذا أولاً، والحل ثانياً أن نعي السنن الإلهية في الرفعة والسيادة والقيادة، والأمر الثالث قيادة راشدة على كل المستويات والصعد تتمثل القرآن الكريم الدستور العظيم وشخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر الرابع التحلي بصفات الأبواب.

أسأل الله أن يوفقنا لكل خير، وأن يعصمنا من كل شر، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 8/2/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق