أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
بالأمس سُمي اليوم بيوم المعلم، ولا شك في أن لكل واحدٍ منا معلماً أو معلمين، كما لا شك في أن الإسلام عظّم العلم والعلماء والمعلمين من بابٍ أولى، ولعل أحدنا يتساءل فيما بينه وبين نفسه: لمَ المعلم ؟ وما الذي يمتاز به المعلم ؟
نقول أولاً للمعلم ولكلٍ منا معلم، نقول لمعلمينا بوركتم، جزاكم الله خيراً، أحسن الله إليكم، جعلكم الله في الدنيا والآخرة من الفالحين، نحترمكم، نجلّكم، نقدركم، نقف أمامكم مستشعرين الفضل الذي قُدّم منكم إلينا، ولو أننا تحولنا كلمة أو صرنا كلمة لجعلناها في خدمتكم ولجعلناها بعض وفاء لما لكم علينا.
ثانياً: المعلم صاحب شرف وصاحب فضل وهو منارة وذو نور، صاحب شرف لأنه يتخلق بأخلاق الله عز وجل، أوليس الله من حيثيةٍ ما معلماً ؟ أوليس الله عز وجل قال: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ وقال أيضاً لنبينا المعلم: ﴿وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً﴾ فيا أيها المعلم: أنت صاحب شرف وأنت شريف لأنك تتخلق بأخلاق الله ولأنك تسلك مسالك الأنبياء، فهم معلمون في النتيجة، وقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح الإمام مسلم: (إنما بعثت معلماً) وقال تعالى محدداً وظيفة الأنبياء والمرسلين: ﴿يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾.
فيا أيها المعلم أنت ذو شرف ويا أيها المعلم أنت صاحب فضل، وهل هنالك فضلٌ أعظم من العلم إذ تقدمه ؟ صاحب فضل لأنك تقدم أفضل القيم للآخرين، نعم العلم أفضل القيم ولذلك روي عن سفيان بن عيينه أنه قال: (أرفع الناس منزلة عند الله عز وجل وعند الناس من كان بين الله وبين الناس وهم الرسل والعلماء المعلمون).
أنت صاحب فضل لأنك تقدم للناس أفضل القيم، لأنك حامل نور، ولأنك موزع نور، ولأنك تجلي الأمور.
فيا أيها المعلم: بوركتَ وبورك الفضل الذي يقدم من خلالك.
العلم زينٌ وتشريفٌ لصاحبه فاطلب هُديتَ فنون العلم والأدبا
يا جامع العلم، نِعمَ الذخر تجمعه لا تعدلن به دراً ولا ذهبا
ثالثاً: المعلم منارة، وتصوروا بحراً من غير منارة، وتصوروا طريقاً من غير دليل، وتصوروا صحراء من غير معالم تدلك على ما تريد أن تصل إليه. المعلم منارة ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسند الإمام أحمد: (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة).
المعلم منارة بكل جدارة، إذن يا إخوتي يا طلاب العلم، أيها الطلاب في أي المراحل الدراسية كنتم، أيها العمال، أيها المثقفون، أيها الضباط، أيها المسؤولون، وكما قلت في البداية: لكلٍ منا معلم أو معلمون ما عليك إلا أن تستشعر بالنسبة للمعلم أن المعلم ذو شرف وذو فضل وهو منارة يهديك إلى مسارب النجاة بل يهديك إلى النجاة عينها، يهديك من أجل أن تكون ناجياً مما يؤذيك من الجهل الذي إن أصابكَ أصابك أذى أو أذى كثير وكثيرٌ جداً، المعلم شريف وفاضل ومتفضل ومنوِّرٌ وصاحب تنوير فما الواجب نحوه ؟
يا طلابنا يا أيها المتعلمون لحرفةٍ ما وصنعة ما وكلكم أمام معلمين يا أيها الطلاب في الجامعة في المدارس الثانوية في الإعدادية في المساجد، نحن الآن نعيش وقبل أن أتحدث عن واجباتنا نحو المعلم بشكل عام، إني لفي حالة أستشعر معها الحزن والكآبة للحال التي آل إليها وضع المعلم، فالمعلم يا إخوتي يُنتهر، والمعلم يا إخوتي مُحتَقر، والمعلم يا إخوتي مُسلَّطٌ عليه، والمعلم يا إخوتي خاضعٌ لاستجواب هذا واستجواب ذاك، والمعلم يا إخوتي لا يستطيع أن يأخذ حريته في تعليم الخير الذي يراه، المعلم يا إخوتي اليوم أصبح أداة لا أقول رخيصة ولكنها مُسترخصة، المعلم اليوم لم يعد يُقَدّر، المعلم اليوم لم يعد صاحب شرف في نظر الناس، أما أنتَ أيها المعلم إنك في ذاتك صاحب شرف وصاحب فضل ولا تيأس ولا تخشَ في الله لومة لائم، ولا تخشَ وأنت تبلّغ العلم لومة لائم.
فالواجب علينا أيها الطلاب على اختلاف الأعمار واختلاف العلوم واختلاف السنوات واختلاف المجالات يا أيها الطلاب أريدكم أن تقوموا بواجباتكم نحو المعلم:
فالواجب الأول: التقدير والتوقير، وها هو سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعلم الأعظم يقول كما في مسند الإمام أحمد: (ليس منا، وفي رواية ليس من أمتي، من لم يُجِلَّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه).
الواجب الثاني: الدعاء للمعلم، والثناء عليه، فهو الذي علمك هذه القيم المثلى العليا، ولقد كنا صغاراً نردد: من علمني حرفا كنت له عبداً، ولطالما كررنا بيت شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
ويدعم هذا ما نقلناه عن سفيان بن عيينة، لأن الذي بين الله وبين الناس هو أفضل الناس وأرفع الناس منزلة وهم الرسل والعلماء المعلمون.
إذن الواجب الثاني الدعاء للمعلم والثناء عليه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في الترمذي: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحيتان ليصلون على معلم الناس الخير).
فهيا من أجل أن تدعو لمعلمك وأن تثني عليه،.
الدعاء والثناء يعني الولاء، يعني في النهاية الانتماء يعني في النهاية أن تعترف بالفضل الذي قُدّم لك من معلمك لتقول لربك: اللهم اجزِ معلمي عني خيراً، ولتقول للناس بأن هذا الذي علمني صاحب فضلٍ علي، فاسألوا الله له أن يحفظه ويرعاه وأن يرحمه إن كان ميتاً.
روى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاثة لا يستخفُّ بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وإمام مقسط، وذو العلم).
فيا طلابنا مالي أراكم تستخفون بالمعلم ؟ مالي أراكم لا تحترمون هذه القاعة المقدسة التي يدخل فيها عليكم المعلم ليقدم لكم النور والشرف والفضل ؟ ما بالكم يا طلابنا بشكل عام تستخفونه ؟ ولمَ هذا الاستخفاف ؟ ألِأن راتبه قليل ؟ ألأنه ذو تحصيل مادي ضعيف ؟ ما ذنبه ؟ الذنب لم يكن في يومٍ من الأيام ذنبه وإنما ذنب أولئك الذين يقومون عليه أولئك الذين يُسألون عنه أولئك الذين وُضعوا في سدة المسؤولية عن المعلم. ما ذنبه إن كان راتبه قليلاً ؟ أتحترم الإنسان لماله وتترك احترام من يستحق الاحترام لأنه يحمل نوراً وشرفاً، ورسول الله قال: (ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام وإمام مقسط وذو العلم).
أخيراً: أنت أيها المعلم:
بعد الثناء والتقدير والتوقير، أريد أن أضع في أذنك همسة، أريد منك أن تتصف بصفة واحدة فقط، أريدك أن تكون متسماً بالرحمة، ولقد ذكرت تعريف الرحمة في يومٍ من الأيام، الرحمة يا معلمي: عطاءٌ نافعٌ برفق. إذا كنت تعطي عطاءً نافعاً بأمانة النقل وتحقيق العقل فلنعم ما تفعل، أنت عند ذلك رحيم، أريدك أن تتحلى بالرحمة والرحمة عطاءٌ نافعٌ برفق، فكن مع الطلاب أميناً في تقديم ما ينفعهم، في تقديم العلم النافع، في تقديم العلم الصحيح، في تقديم العلم الموثق والمحقق بلطفٍ ورفق، أريدك أن تكون رحيماً وأن تتبع في هذا المجال خطوات المعلم البشري الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام حيث وصفه ربه: ﴿لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم﴾.
لا أريدك أيها المعلم أن تستقوي بأصحاب القوة، أريدك أن تستقوي بربك وأن تستقوي فيما فضله ربك عليك بعلمك، أريد أن تستقوي بعملك لا أريد أن تستقوي بأحد ولا أريد أن تدخل على أحدٍ من ذوي السلطة ليكون لك داعماً، فإن دعم فلان من ذوي السلطة سيجعل منك معلماً كسولاً وسيجعل منك معلماً غير رحيم، وسيجعل منك معلماً اتِّكالياً، لذلك أريدك أن تستقوي بربك وأن تستقوي بعملك وأن تستقوي بجهدك وأن تستقوي بنشاطك، فإنك إن فعلت ذلك فرضت احترامك على الآخرين، على كل ذوي السلطة، على كل أولئك الذين يريدون أن يلجؤوا إلى القوة ليستقووا بها، إلى القوة المادية.
أيها المعلم: وكما بدأت الحديث أعيده: حفظك الله، وفقك الله، ثبتك الله على هذه الرسالة التي شرفت بها وزادك الله رفعة وشرفاً فضلاً وإنارةً وتنويراً. جزاك الله خير ما يجزي معلماً عن تلاميذه وعن طلابه وعمن أفادوا منه.
أيها المعلم: أنت هنا كالشمس، أنت هنا كالمطر، أنت هنا ككل الخير الذي ينتظره الناس ويستقبله الناس.
فاللهم وفقنا لأداء رسالة التعلم والتعليم، لأننا مهما بلغنا فنحن متعلمون ومعلمون، لأننا مهما صرنا فنحن متعلمون ومعلمون وليس بالضرورة أن يكون المعلم فقط هو ذاك الذي علمك يوم كنت صغيراً، لأن المعلم يمكن أن يكون ذاك الطفل أو يمكن أن يكون ذاك الإنسان الذي لا يحمل شهادة وقد أفدت منه كلمة أو أفدت منه عبارة أو أفدت منه معادلة أو أفدت منه قضية أو أفدت منه موضوعاً.
ألا فاللهم اجزِ عني كل خير ذاك الذي تعلمت منه عبارة أو ارتشفت منه كلمة أو أدى إلي تعريفاً أو قدّم إليّ شرحاً. اللهم إني أسألك أن تجعل هذا الذي قُدّم إليّ من هذا الذي قدّم من كان أسألك أن تجعل هذا نوراً في صحيفته يوم يلقاك، نعم من يُسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت بتاريخ 20/3/2009
التعليقات