آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
كيف نحقق لوطننا الرفعة والمجد

كيف نحقق لوطننا الرفعة والمجد

تاريخ الإضافة: 2011/02/25 | عدد المشاهدات: 3257

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون:

كتب إلي طالبٌ في الجامعة سؤالاً قال لي فيه: أنا أريد أن يكون وطني وطناً متماسكاً، وطناً مجيداً، وطناً عزيزاً، وطناً يرفع جبهته من خلال قوته، من خلال رفعته، لا أريد لوطننا أن ينهار، ولا أريد لوطننا أن يُعبث فيه ولا أريد لوطننا أن يكون موضع تخريبٍ وما سواه، فكيف يمكننا أن نحقق ذلك ؟

أجبته أيها الإخوة بما يلي:

قلت له: إذا كنا نريد وطناً سليماً معافى رفيعاً عزيزاً مجيداً فلنتحقق بالآتي، وليتحقق الجميع في هذا الوطن بالآتي، وليتحقق المسؤول الكبير والمسؤول الصغير والعادي والفرد والموظف بهذا الذي سأقول، وأنا لا أخاطب الشعب دون الحكومة، ولا الحكومة دون الشعب، بل أخاطب نفسي وكل أولئك الذي ينتمون للوطن أقول لهم:

إذا أردتم البناء، وإذا أردتم الرفعة والمجد والعزة والكرامة للوطن، فعليكم أن تتحققوا بالآتي:

أولاً: علينا أن نكون متحققين بالإيمان بالله، بالإيمان بالحق حيثما كان الحق، بالإيمان بهذا الذي ينتمي إلى الله حقاً وصدقاً، والتحقق بالإيمان يفرز أمرين، فإن لم يفرز هذا الإيمان هذين الأمرين فلا إيمان، أما الأمر الأول الذي يفرزه الإيمان المطلوب فهو الأمن، إذا كنت مؤمناً فيجب أن ينبعث منك الأمن على نفسك أولاً وهذا محكُّ الإيمان، إن لم تكن أنت آمناً بذاتك فلا قيمة لإيمانك، ودليلي على ذلك ما جاء في الصحيح في رواية مسلم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). إذا أفرز الإيمان أمناً منك عليك فأنت متحققٌ بالإيمان أو بشطر الإيمان، وعلى هذا الإيمان الذي يقبع في داخلك أن يفرز أماناً ينبعث منك إلى غيرك وإلا فلست مؤمناً، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند أحمد بسند حسن: (والمؤمن من أمِنه الناس) إن لم يأمنك الناس فلست بمؤمن، حتى ولو قلت عن نفسك بأنك مؤمن، (والمؤمن من أمنه الناس) هل أنت آمِنٌ من نفسك على نفسك ؟ وهل مَن حولك آمنون منك ؟ إذاً أنت مؤمن، علينا أن نتحقق بالإيمان الذي يفرز أمناً وأماناً، أمناً منا علينا وأماناً منا على الآخرين، هذا أولاً. ولا أريد أن أكثر من هذه البنود وإنما أريد أن أجعلها قليلة حتى تركز في الذهن وحتى تُحفظ.

الأمر الثاني: لنلتقِ على فريضة التعاون، تسألني عن حكم التعاون أقول لك بكل وضوح: التعاون فريضة، أوليس الله قد قال: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ وتعاونوا فعل أمر: ﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾، لنلتقِ على أساس التعاون على البر والتقوى، وأؤكد ما كنت قلته مرات عديدة: التعاون أن تكون أنت في عونِ أخيك، أن تكون أيها الغني في تعاون مع أخيك الفقير، وهذا ما لا نراه في مجتمعنا، فكيف تريد يا سائلي أن يكون مجتمعنا وأن يكون وطننا وطناً كريماً عزيزاً، أن يكون الغني في عون الفقير، وأن يكون القوي في عون الضعيف وألا يكون على الضعيف. وفي وطننا اليوم نرى القوي على الضعيف ولا نراه في عون الضعيف، أن يكون العالم في عون الجاهل، أن يكون القادر في عون العاجز، أن يكون المليء في عون ذاك الذي خلا وِفَاضه من هذا الذي امتلأ به وِفاض الآخر، أن يكون الحاكم في عون الشعب، وأن يكون الشعب في عون الحاكم على البر والتقوى على العدل والحق على الصلاح والطمأنينة، على الخير العميم، على السعادة القائمة على ما ينفع الناس، أن يكون الطبيب في عون المريض، أن يكون المستشفى في عون المرضى، أن يكون المحامي في عون الضعيف ليأخذ حقه، أن يكون القاضي في عون المتهم حتى يأخذ حقه سواءٌ أكان هذا الحق سلباً أو إيجاباً. خطب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه خطبة بعد إذ استلم الخلافة فقال: "وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، القوي فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى آخذ له الحق، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم".

على كل واحدٍ منا أن يكون في عون بعضنا وإلا فلا قيمة لسعينا إن أردنا بسعينا الوطن المجيد العزيز الكريم. الأمر الثاني إذاً لنلتقِ على أساس من التعاون على البر والتقوى.

الأمر الثالث: ليكن همنا المشترك، ليكن همنا العام، ليكن همنا جميعاً الوطن نحميه ونفديه، نصونه ونرعاه نحميه من الفساد، وكلنا معنيٌ بهذا، نحميه من الفساد والطغاة والأعداء والخيانة والمكر والسوء والإيذاء وكل أولئك الذين يريدون البغي، نحمي وطننا، على كل مواطن أن يضع هماً في داخله هذا الهم هم إيجابي، وإنسانٌ من غير همٍ إيجابي إنسانٌ منقوص، ليكن همنا المشترك والعام الوطن نحميه ونبنيه نصونه ونرعاه، نحميه من كل مكروه ونرعاه ليكون وطناً زراعياً ممتازاً وصناعياً ممتازاً وتجارياً ممتازاً وأخلاقياً ممتازاً وتربوياً ممتازاً، فـ: (من قُتل دون أهله فهو شهيد) هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث الصحيح: (ومن قُتل دون ماله فهو شهيد) والأهل والمال جزءٌ من الوطن، وهل الوطن إلا الأهل والمال، فمن قُتل دون أهله دفاعاً أو بناءً، أنت تقتل نفسك بالمعنى الإيجابي حينما تبني وطنك فأنت شهيد، أنت تفني عافيتك من أجل وطنك وبالتالي فأنت شهيد. عندما تسقط منك خلايا تعبة ومائتة في كل يوم نتيجة التعب الذي تبذله من أجل الوطن فهذه الخلايا خلايا شهيدة: (من قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد).

أتدرون مَنْ أحب الخلق إلى الله ؟ كما جاء في الطبراني: (أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله). هل تقدم نفعاً لوطنك، لجيرانك حيثما كنت ؟ فأنت من المحبوبين إلى الل،ه وإلا حتى ولو كنت في منصب رفيع إن لم تكن تقدّم الخير لمن حولك فأنت بعيد عن الله، وبالتالي أنت بعيدٌ عن الحق وعن الطمأنينة وعن الاستقرار ولن تنفعك الدنيا بأسرها، الذي ينفعك هو ربك، واعلم أنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ولا يفرّق ولا يجمع إلا الله، لا تتكل على مالك فمالك إن لم يكن مشروعاً سيكون وَبالاً عليك، ولا تعتمد على جاهك وعلى منصبك أو على حرسك إن لم يحرسك الله عز وجل، إياك أن تغترَّ وأن يغرك الغرور الشيطان، عليك أن تسعى من أجل أن تكون مواطناً صالحاً، وأنا أخاطب كل الناس، كل المواطنين أبتدئ من نفسي وأخاطب المواطن الأكبر في المنصب الأعلى، وأخاطب المواطن الأصغر في المنصب الأصغر بحسب المنصب، والمواطن الأفضل هو ذاك الذي يقدّم لوطنه أكثر، نحن نتحدث عن مواطن أكبر ومواطن أصغر من حيث المنصب، لكننا إذ نتحدث عن المواطن الأفضل فلربما كان الأصغر أفضل من الأكبر لأنه يُقدّم خيراً أكثر، ولربما كان المواطن الأكبر أفضل لأنه يقدّم خيراً أكبر، ثمة مواطن أكبر ومواطن أصغر ومواطن أفضل، الأكبر والأصغر بحسب المنصب، والأفضل بحسب العطاء، كن الأفضل حيثما حللت.

إنا نقاتل كي يرضى الإله بنا ولا نقاتل كي يرضى بنا عمر

هذه هي المعطيات التي لدي من أجل أن يتحقق وطني بالعظمة والمجد والرفعة.

أرأيت يا سائلي أيها الأخ الكريم يا من كتبت إليَّ البارحة وسألتني هذا السؤال، لم أُرد أن أكثر عليك البنود، هي أمور ثلاثة بكل اختصار: لنتحقق بالإيمان بالله الذي يفرز أمناً وأماناً، لنلتق على أساس من التعاون على البر والتقوى، ليكن هنا المشترك العام الوطن نحميه ونبنيه نصونه ونرعاه. احفظ هذا يا أخي أيها السائل الكريم وابحث عن بنود أخرى من مختصين آخرين فلعلك تلقَ عندهم أيضاً ما ينفعك، وآمل من الإخوة المواطنين جميعاً على اختلاف مناصبهم أن يَعُوا بأنَّ الوضع بشكل عام أصبح وضعاً غير مُرضٍ، لذلك أسأل الله أن يوفقنا في البلد الكريم والوطن الغالي أن يوفقنا جميعاً من أجل أن نتحقق بالإيمان وأن نلتق على أساس من تعاون على البر والتقوى، وأن يكون الوطن همنا المشترك العام، أملي من الله أن يوفقنا لذلك، وأملي منكم أيها الإخوة أن تدعوا ربكم من أجل أن نتحقق جميعاً بذلك، اللهم حققنا بذلك، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في الجامع الأموي الكبير بحلب بتاريخ 25/2/2011

التعليقات

أختكم في الله

تاريخ :2011/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ أنا لا أعرف حتى اسمك فاعذرني، ولكن أحببت أن أشكرك على هذه الخطبة الجليلة التي إنما هي لهذه الأيام العصيبة. فجزاك الله عن الأمة كل خير، وعن سوريا الخير. أرجو أن يكثر الله من أمثالك في كل الميادين، فسلام الله عليك من امرأة في الخامسة والستين من عمرها ترجو لوطنها دوام الأمن والأمان الذي لا يتأتى إلا بإيمان خالص وإحسان دائم. أختكم في الله.

bassaamo

تاريخ :2011/03/15

حفظكم الله وسددكم واطال عمركم كما عهدناكم مخلصين اوفياء لله ورسوله وللوطن وللكبير وللصغير وعلى مسافة واحدة بلا مواربة ولانفاق دمتم لنا

الكيلاني وهبي

تاريخ :2011/03/15

شيخنا الكريم جزاك الله عنا كل خير وأطال الله في عمرك ومتعك بالصحة والعافية حتى ننهل أكثر ما يمكن مما أنعم الله به عليك من العلم الشرعي الذي نحن في حاجة إليه الآن أكثر من أي وقت آخر.. شيخنا الكريم: ما تقول في إمام خطيب يصعد إلى المنبر ويخطب من ورقة كان أعدها مسبقا لأنه يتهرب من الارتجال وربما يقلق به الكثير ؟

شاركنا بتعليق