آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الكلمة: منطلقها، صفاتها

الكلمة: منطلقها، صفاتها

تاريخ الإضافة: 2011/03/25 | عدد المشاهدات: 4258

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

ما منا أحد إلا ويحب أن يوصف مجتمعه بالحضاري، وما منا أحد إلا ويحب أن يوصف هو بالحضاري، لا شك بأنك تحب أن يقال عنك بأنك حضاري، ولا شك في أنك تحب أن يقال عن مجتمعك بأنه حضاري، ولا شك بأنك تبتغي لدينك أن يوصف بأنه حضاري على أنه دين الحضارة، إذا كانت الحضارة مطلوبة ومنشودة فما هي الحضارة أيها الإخوة ؟

ثمة تعريفات كثيرة للحضارة ولكنني اخترت من هذه التعريفات تعريفاً في هذه الأيام، الحضارة كلمة، كلمة طيبة تؤسس لعملٍ وسلوكٍ نافع يشغل أكبر مساحة ممكنة من الأرض التي نعيش عليها، نحن نقول عن أنفسنا ونخاطب أنفسنا بأننا أمة الكلمة، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيد الكلمة، ونحن أمة الكلمة، ونحن عُرفنا بأننا نتكلم كثيراً، ومعروفٌ عنا بأننا نتحدث كثيراً، وهذا المنبر هو منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو منبر الكلمة، وهذا الجامع وذاك المسجد هو مسجد وجامع الكلمة، فما هي هذه الكلمة التي تؤسِّس حضارة، والتي تشكل ركن الحضارة والتي امتزنا بها عن غيرنا ؟

أتريد أن تكون حضارياً في بيتك في جامعك في مدرستك في ثكنتك في مديريتك في وزارتك حيثما كنت أتريد أن تكون صاحب كلمة تجعلك تتسم وتتصف بالحضارة وبكونك حضارياً ؟ سأحدثك عن منطلق هذه الكلمة من خلال ما قرأته وعرفته في ديننا الحنيف في شخصية هذا السيد السند العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، منطلق الكلمة المنشودة المطلوبة لتؤسس عملاً صالحاً نافعاً وبالتالي لتكون أسَّ الحضارة، منطلق هذه الكلمة، نصحٌ وإصلاحٌ وإرادة خير، أنت تقول كلمة فما باعث هذه الكلمة لتوصيفها لتكون حضارية ؟ منطلق هذه الكلمة يجب أن يكون النصح، منطلق هذه الكلمة يجب أن يكون الإصلاح، منطلق هذه الكلمة يجب أن يكون إرادة خير: ﴿إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾ ويقول سيد الكلمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سيد المنابر سيد الكلمات والمشاعر يقول في حديث معروف مشهور يرويه الإمام مسلم: (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).

انظر كلمتك التي تقول إذا كان منطلقها الإصلاح والنصح وإرادة الخير فنعمَّا المنطلق، وإلا ابحث ومحِّص من أجل أن يكون منطلقها هذا الذي ذكرنا، فنحن لا نريد كلمة منطلقها التشهير والانتقام والفساد والإفساد والهوى والنزوة والشهوة وأن يرى الإنسان نفسه وأن يستعلي من خلالها على الناس، لا نريد للكلمة أن يكون المنطلق لها هذا الذي ذكرنا. هذا أولاً، محِّصوا أيها الإخوة، فلقد آن الأوان من أجل أن  يمحص كلٌ منا كلمته، آن الأوان من أجل أن نكون مسلمين في كلماتنا، لأن الكلمة أسُّ ديننا، ولأننا من خلال الكلمة إما أن نكون مسلمين وإما ألا نكون، ولأن القضية اليوم ليست قضية نثر كلمات في الفضاء وإنما القضية اليوم قضية مسؤولية عن الكلمة التي تخرج منك، فإن كانت هذه الكلمة ذات منطلق غير مقبول فإنها تؤسِّس للدمار والخراب، وإما أن تكون ذات منطلق مقبول فستؤسس لحضارة، إن أردتم أن نستعيد حضارة الإسلام، وإن أردتم أن نستعيد حضارة هذا الدين الحنيف، وإن أردتم أن نستعيد الحضارة التي سجلها بجهدٍ عظيم سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام. منطلق الكلمة هذا.

وأما صفات الكلمة التي تقولها والتي تحرص على أن تكون كلمة مؤسسة لحضارة، صفات الكلمة هي ما يلي:

أولاً: يجب أن تكون كلمتك حاملة حق مسددة: ﴿اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً﴾ وماذا تعني كلمة مسددة ؟ وماذا تعني كلمة أن تكون حاملة حق ؟ وأين الحق وما هو الحق ؟ الحق يتجلى في قيم إيجابية متفق عليها. من منا لا يقول عن المسلم بأنه حق ؟ من منا لا يقول عن الأمانة إنها حق ؟ من منا لا يقول عن العدل إنه حق ؟ من منا لا يقول عن الحرية إنها حق ؟ من منا لا يقول عن الوفاء إنه حق ؟ من منا لا يقول عن العبودية لله إنها حق ؟ من منا لا يقول عن هذه القيم الإيجابية إنها حق وإنها تجليات الحق ؟ وإنها محددات الحق، فالكلمة صفتها الأولى إن أردتم أن تكون كلماتكم وأنا أخاطب كل الناس في هذا المجتمع فكل الناس في مجتمعنا ووطننا معنيون. إن لم تكن كلماتنا حاملة حق يتجلى في القيم الإيجابية فلن تكون الكلمة نافعة وأسُّ حضارة، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أولئك الذين لا يتبينون فيما إذا كانت كلماتهم تحمل الحق، يقول في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين منها يزلُّ بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) وأنا أقول معلقاً على كلام سيدي وقائدي وسندي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: يزل بها إلى النار في الدنيا والآخرة. وانظروا إلى الكلمات التي لا يتبين منها كيف تجعل الناس يزلّون إلى نار الفوضى والخراب والدمار، وأنا لا أعني فئة دون فئة، وإنما أخاطب الجميع لأنني أريد الخير للجميع لأنني ناصحٌ، وأسأل الله أن أكون كذلك، وأنا أسعى من أجل أن أكون كذلك ولقد علمنا هذا المنبر وعلمنا مؤسس المنبر صلى الله عليه وآله وسلم أن نكون صادقين ناصحين، وواللهِ ما نريدُ إلا أن يكون الله راضياً عنا وأن يكون سيدي رسول الله راضياً عنا أيضاً.

الصفة الثانية للكلمة، أن تكون هذه الكلمة إحسانية الأسلوب، في الرفق والطيب والإتقان والإخلاص: ﴿وهدوا إلى الطيب من القول﴾ هل أنت في كلمتك هديت إلى الطيب من القول أم إلى القبيح من القول تبيّن هنا إن لم تسأل لكنك ستقف بين يدي ربك الذي تصلي له وستسأل أنت: ﴿وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد﴾ يجب على الكلمة أن تتصف بالإحسانية، والإحسانية رفقٌ وإخلاص وإتقان، وهذا ما يشكل الطيب من القول، أن تتصف بالإحسانية.

الصفة الثالثة للكلمة أن تكون الكلمة جريئة، وأريدكم أن تعُوا هذا الكلام وأن يكون في ذهنكم وأن تتذاكروه بعد الخطبة وأن يكون موضوع حوار بينكم وبين طلابكم بينكم وبين جنودكم بينكم وبين الموظفين عندكم بينكم وبين شعبكم بينكم وبين كل أولئك الذين يضمهم هذا الوطن الذي نحرص عليه حرصنا على أنفسنا بل أشدّ لأن الوطن نحن ولأننا نحن الوطن، الصفة الثالثة بعد الإحسانية وبعد أن تكون حاملة حق: أن تكون الكلمة جريئة، وماذا تعني كلمة جريئة ؟ أن تكون جريئة أن تكون واضحة، هذه هي الجرأة أن تكون واضحة، نحن نريد ولقد عاهدنا ربنا أن نكون جريئين في كلماتنا، أي أن تكون كلماتنا واضحة ولقد علمنا هذا سيدي رسول الله وأصحابه الأكارم رضي الله عنهم وأرضاهم علمونا هذا، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول كلمته بوضوح كان يمشي بين الناس ويقول: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) قرأت قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أراه الله في المنام أن يذبح ولده توجه إلى ولده بوضوح، ولم يخمخم - وحاشاه - عليه ألف صلاة وألف سلام توجه إلى ولده وقال: ﴿إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى﴾ الكلمة واضحة.

وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر وقال كلمته الواضحة ولم يكن هؤلاء الناس بدافع الإذعان خرجوا من غير رضا، وقف وقال بوضوح: أشيروا عليَّ أيها الناس. كونوا واضحين معي فقال من قام وقال الكلمات المشهورة: امضِ بنا يا رسول الله، لم يكونوا ليقولوا هذا الكلام إلا عن وضوح وجرأة، امض بنا يا رسول الله فو الله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، يا رسول الله لن نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون لكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.

لما وصل سيدي رسول الله إلى عين بدر وأراد أن ينزل في مكان ما هناك قربها، قام الحباب بن المنذر وقال بوضوح: أهذا منزلٌ أنزلكه الله أم الرأي والمكيدة والحرب ؟ قال بل الرأي والمكيدة والحرب، قال ليس بمنزل يا رسول الله. الجرأة تعني الوضوح.

الصفة الرابعة للكلمة التي نريد أن نؤسس من خلالها للحضارة أو نستعيد الحضارة: أن تكون حكيمة ومناسبة: وأنا لا أنظر إلى الكلمة وإنما أنظر إلى حديثٍ يتعلق بها، أن تكون الكلمة حكيمة ومناسبة ولذلك قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

أيها المتكلمون هنا وهناك، أيها المتكلمون في هذا المقام أو في ذاك، إما أن يكون كلامنا خيراً وإما أن نصمت، إما أن يكون كلامنا يصبُّ في مصب الإصلاح والنصح وإرادة الخير والحضارة والرقي والتطور وإما أن نصمت، فنبينا وحبيبنا وحبيب الجميع وحبيب الإنسانية على الإطلاق يقول في حديث يرويه البخاري أيضاً: (حدِّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله) إنها مسؤولية، وها نحن وبكل وضوح نخاطب أنفسنا ونخاطب الآخرين ونخاطب الناس كافة، نحن في هذا البلد في هذا الوطن أرباب كلمة نافعة، تنطلق من نصح وإصلاحٍ وإرادة خير، تتصف بحملها الحق، تتصف بالإحسان بالأسلوب، تتصف بالوضوح، تتصف بالحكمة، هذه صفات كلمتنا وها نحن نتواصى فيما بيننا أمام الله عز وجل الذي يريد لكلمتنا أن تكون كذلك، ولقد قلنا هذه الكلمة قلناها للدولة، وقلناها بكل اقتدار، قلناها منذ يومين، ومنذ أكثر من شهر، ومنذ ثلاثة أسابيع، ومنذ أكثر من سنوات، قلناها وأنتم تشهدون بأننا نقول هذه الكلمة المتصفة بهذه الصفات على منابرنا هذه، وأغتنم الفرصة هنا لأشكر كل الشيوخ في بلدي الذي يتكلمون هذه الكلمة التي تتصف بتلك الصفات التي ذكرتها، فالشيوخ وعلماء الدين، إياكم أيها الإخوة أن تتهموهم، فهم والله الذين يرسخون القيم في مجتمعكم شئتم أم أبيتم، ولولا كلامهم، ولولا جهدهم ما أنتج المجتمع أمة طاهرة ولا أمة عزيزة، كل هذا من إنتاج هؤلاء الشيوخ، وأنا أتكلم هذه الكلمة لله وللتاريخ، لأن الشيوخ، ولأن علماء الدين هم الذين يُتَّهمون من قبل هذا أو من قبل ذاك، يا من تتهم هذا الشيخ أو ذاك لأنه تكلم كلمة حكيمة وربما أخطأ فيها أو ربما حاد عن الجادة لسبب أو لآخر، وإذ بالمجتمع كله إلا من رحم الله ينهض لينقضَّ على هذا الشيخ أو ذاك ليقول له: أنت عنوان التخلف. كذَّبتم الشيوخ، والعلماء عنوان التقدم إن شاء الله، وعنوان ضبط الأمة، وعنوان الحرية والكرامة، أوليسوا أتباعاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أوليسوا أصحاب ولاء لهذا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ يا أمتي ولقد قلنا هذه الكلمات للدولة منذ سنوات، ومنذ أشه،ر ومنذ أيام، والتقينا من رجالات الدولة الرجالات الرفيعة، وأجابونا ونحن منصفون، وكانت إجابتهم طيبة، ووعدونا وها هم قد بدؤوا بترجمة ما كنا قد طلبناه على الأرض، التقينا رجلاً مسؤولاً رفيعاً فتكلم معنا كأنما أتكلم أنا، وكنت بصحبة ومعيِّة المفتي الجليل الأستاذ الشيخ إبراهيم السلقيني، تحدَّثنا وأفضنا في الحديث ولا تسامحونا إن كنا قد حدنا عن صفات الكلمة التي ذكرتها، وكانت الإجابة طيبة، وكانت الإجابة أننا سنسعى وسنعمل، وتبدَّت بعض البوادر التي تؤذن باستمرار ترجمة ما كنا قد قلناه وطالبنا به بترجمته على الأرض، فالحمد لله والشكر لله ولا نريد لأحد أن يُزاود علينا نحن الذين نقف على هذا المنبر، فلقد آن الأوان أن نصرِّح بما كنا لا نريد أن نصرح به تواضعاً، آن الأوان أن نصرِّح نحن نعمل لخدمة البلد ولخدمة الدين، نحن نعمل من أجل شبابنا نحن نعمل من أجل شعبنا، نحن نعمل من أجل الخير لمجتمعنا، نحن نعمل من أجل التعاون والتضامن والتباذل والتناصح، نحن نعمل من أجل البناء، نحن نعمل من أجل أن يبقى هذا الوطن عزيزاً كريماً رفيعاً يستظل بظل الدين الحنيف، يستظل بظل العدالة والكرامة والحرية.

أيها الأعزاء أيها الشعب الكريم:

انظروا كلماتكم لا أكثر ولا أقل، انظروا هذه الكلمات التي تنبعث منكم، محِّصوها، ولقد آن الأوان من أجل أن يقف كلٌ منا مستشعراً مسؤوليته أمام الله أولاً، ستُسأل، وأنا سأسأل، وهذا سيسأل، أدعو الشعب الكريم وأدعو الدولة بكل تجلياتها، أدعو الجميع من أجل كلمة منطلقها النصح والإصلاح وإرادة الخير والصدق، أدعو الجميع من أجل كلمة تحمل الحق، تحمل وتتصف بإحسانية الأسلوب، تتصف بالوضوح، تتصف بالحكمة، أدعو كل مجتمعي إلى هذا، وأسأل الله عز وجل، وسلوا ربكم أنتم أيها الشعب الذي أحب وأنتمي إليه وأريد منه أن يزداد وعياً وعزة وكرامة وحرية وعدالة، ادعوا ربكم في صلواتكم، ومن منكم يصلي ركعتين من أجل أن يوفق الله البلاد والعباد للصلاح ولما فيه الخير ؟ من منكم صلى ركعتين نفلاً في الليل أو في النهار وكان يقول عقبها: اللهم إني أسألك أن تحفظ بلادنا من كل مكروه، أسألك أن تجعل بلادنا عزيزة كريمة خيِّرة معطاءة حضارية كما تريدها أنت ؟ من منا توجه إلى ربه ؟ من منا صلى ركعتين في هدأة الليل وقال: اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه وحببني فيه، وأرني الباطل باطلاً وألهمني اجتنابه وكرهني فيه ؟ من الذي قال في هدأة الليل: اللهم إليك أتوجه من أجل ألا يكون في البلد اضطراب ولا دمار، أتوجه إليك من أجل أن يكون البلد عامراً بالكلمة التي وصفناها بالفعل والعمل الصالح.

اللهم إني أسألك ذلك يا رب العالمين يا مجيب السائلين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير، أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 25/3/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق