آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

كتب و مؤلفات

   
وطن ومواطن ومسؤولية

وطن ومواطن ومسؤولية

تاريخ الإضافة: 2018/12/22 | عدد المشاهدات: 5086

يمتاز السلوك الإنساني عمَّا سواه من سلوك الكائنات الحيَّة بأنَّه يستند إلى ما يسمَّى (التصورات)، فهو سلوك واعٍ لا يصدر عن فراغ أو عن غريزة مجرَّدة، فإذا اضطرب التصور عند الإنسان جاء سلوكه مشوَّشاً وغير متوازن.

وقد عوَّدنا الدكتور الشيخ محمود عكام مفتي حلب في خطبه ومحاضراته ومؤلفاته على الاهتمام بعالم الأفكار والتصورات، من أجل أن تكون موثوقة ومضبوطة، وهي الصفات التي تؤهلها ليصدر عنها سلوك إنسانيٌّ هادف.

في كتابه الجديد الذي يستجيب لمقتضيات الحال، والمعنون بـ (وطن ومواطن ومسؤولية) يحدد الدكتور محمود عكام المفاهيم ويضبط المصطلحات ويرسم معالم السلوك المطلوب في هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها سورية، منادياً (كلَّ ذي دِين، وهؤلاء الذين ينتمون للعقل والفكر والإنسان فحسب، وأولئك الذين يعيشون دُنياهم وحدها... أن يتعاونوا جميعاً على تحقيق وطنٍ عزيز مَحميِّ مَرعي، ومواطنٍ حُرٍّ يتقلَّب في عدالة ورخاء وأمان. ولن يتحقَّق هذا التعاون إلا إذا نما حسُّ المسؤولية الوطنية، ولن ينمو هذا الحسُّ إلا إذا أيقنَّا أنَّ "الوطن" هو "نحن"، ويمتدُّ ليكون "أولادنا"، وقد تجذَّر فكان "آباءنا وأجدادنا").

ينتقل الدكتور محمود عكام ليبيَّن بعدها قضيَّة أساسية طالما انتابها اللبس واعتراها الغموض فأنتجت سلوكيات غير راشدة، وهي قضية العلاقة ما بين مفهومي الدين والمواطنة، أمَّا الديِّن: فهو علاقةٌ بين الإنسان وربِّه تهدف إلى: رسم تصوُّر صحيح حَقٍّ عن الخالق، وإقامةِ العبادات الصِرفة التي يتوجَّه بها المؤمن إلى ربِّه، وإشاعةِ الأخلاق الصالحة، وأمَّا المواطَنة: فهي العَقد الذي يتمُّ بين الفرد وبين الدَّولة التي يعيش فيها وينتسب إليها ويأخذ منها جنسيَّته، وهو عقد يُسوِّي بين الجميع من حيث حقوقهم وواجباتهم، على أن يكفل في الوقت نفسه لكلِّ مواطن حريةَ الاعتقاد والتعبير والرأي والعمل. وهكذا يدعو الدكتور عكام من أجل أن (نعمل جميعاً على ترسيخ المواطنة عنواناً يحكم مجتمعنا، فالمواطن هو الرُّكن الرَّكين والموضوع المتين، له حقوقٌ وعليه واجبات، ولا فرقَ بين مواطن ومواطن في تلك الحقوق والواجبات، على أساسٍ منْ دينٍ أو عرق أو لون أو لغة أو جنس، بل الجميع متساوون وعليهم التنافس البنَّاء الإيجابي في خدمة الوطن حمايةً ورعاية، فالكلُّ مواطن وليس ثمَّة رعايا).

والحقيقة أنَّ هذه النتيجة التي يصل إليها الدكتور عكام هنا، ويؤكدها ثانية في الفصل التالي الذي عنونه بـ (مبادئ إسلامية في العيش المشترك بين مختلف أتباع الديانات والمذاهب في الوطن الواحد) تعدُّ فكرة متطورة جداً في ساحة التفكير الديني، لا شك في أنَّ لها جذوراً عميقة في الفكر الإسلامي لكن قلَّ من عبَّر عنها بمثل هذا الوضوح الذي نجده هنا، خاصة وأن الدكتور عكام طالما اعتنى ببيان المسائل المتعلقة بها عبر إنتاجه السابق، بل وفي خطبة الجمعة في مسجده، ونجد في هذا الكتاب عدة نماذج لهذه الخطب التي تصلح كل واحدة منها مقالاً مستقلاً، وقد جمعها المؤلف في فصل عنوانه: (منبر الجمعة والمسؤولية الوطنية)، ونجد من بين عناوين هذه الخطب: الحوار طريق الإصلاح، واجباتنا نحو الوطن، هكذا فلتكن تربيتنا الوطنية.

في القسم الثالث والأخير من الكتاب: كلمات على درب حبِّ الوطن العزيز، يقدم الدكتور عكام مساهمة في رسم معالم الدولة العزيزة ذات السيادة الجادَّة والسياسة الواعية التي نتطلَّع إليها جميعاً، ولكنه ينادي أيضاً جميع المواطنين في سورية ويطرح عليهم أسئلة لابدَّ من إجابات عليها:

( أين نحن من بلدنا ؟ وأين نحن من مسؤوليةٍ عنه، وإلى متى انشغالنا بما لا ينفعُ بل بما يضرُّ ؟! وتَرْكنا الاهتمام بالعمل النافع الصالح الذي يبني ويعمِّر... وهل تفكر النُّخبة من أمتي، وأعني النُّخبة في ميدان العلم والثقافة والفكر والدراسة والبحث، نعم، هل تفكِّر هذه النُّخبة بالحلِّ والخلاص ؟ وهل تهتمُّ بمصير الأمة كما تهتم بمصير مقالاتها وكتبها ومؤتمراتها وندواتها ومحاضراتها ؟!

ينادي الدكتور عكام أخيراً:        

(أيها المواطنون: إنِّي أحمِّلكم مسؤولية الوطن والأرض والتقدم والتطور والعلم والمعرفة والأخلاق، وأحمِّل نفسي معكم هذه المسؤولية، وسيعلم الغافلون منَّا أيّ منقلبَ ضياعٍ سينقلبون، وطوبى للتائبين).

صدر الكتاب عن دار فُصِّلت بحلب، حزيران 2011، في 160 صفحة.

عبد القادر كلزية

التعليقات

شاركنا بتعليق