آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


نــــــــــــدوات

   
ندوة تجسيد العيش المشترك ما له وما عليه/ المركز الثقافي بحلب

ندوة تجسيد العيش المشترك ما له وما عليه/ المركز الثقافي بحلب

تاريخ الإضافة: 2011/10/19 | عدد المشاهدات: 5544

شارك الدكتور الشيخ محمود عكام في الندوة الحوارية التي أقامتها جمعية الوفاق الاجتماعي "معاً نحيا" بالاشتراك مع مديرية الثقافة بحلب بعنوان: تجسيد العيش المشترك (ما له وما عليه)، وشارك فيها إلى جانب الدكتور عكام كل من: الأب إلياس زحلاوي، والدكتور محمود مرشحة، والدكتور شعيب عبد الهادي، وأدراتها الإعلامية هناء الصالح، يوم الأربعاء 19/10/2011 في قاعة المحاضرات بمديرية الثقافة بحلب، وقد ألقى الدكتور عكام مداخلة عنونها بـ: (مقامات)، فيما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

سيادة الأستاذ الدكتور موفق خلوف محافظ حلب، السادة الأفاضل الكرام الأعزاء الإخوة الحضور، يا أهل حلب الغيارى على دين الله وعلى العروبة والوطن والإنسان.

هذه المداخلة عنونتها بعنوان: (مقامات) كلام غير مباشر عن العيش المشترك، قد تكون بعض المقامات كلاماً مباشراً لكن جُلَّها سيكون كلاماً غير مباشر عن العيش المشترك بشكل عام.

نظرتُ إلى هذه اللوحة "جمعية الوفاق" أشكرهم، وأشكر مديرية الثقافة، جمعية الوفاق الاجتماعي (معاً نحيا) قلت في نفسي: كان بالإمكان أن يكتبوا أيضاً (معاً نحيا ومعاً نموت)، لأن الموت في رأيي فنٌ كالحياة، ومن لم يختر الموت النبيل فسيختاره الموت الوضيع، لذلك معاً نحيا ومعاً نموت، نحن لا نحب الموت لكننا - إذ يأتي - نأتيه بكرامة وعزة ورفعة، وهذا هو فن الموت.

المقام الأول: الله عز وجل قال: (الحمد لله رب العالمين) والعالمون في رأيي هم الناس، أنا لا أقول إن العالمون هم عالم الحيوان وعالم الإنسان وعالم النبات... أقول: (الحمد لله رب العالمين) رب الناس، لأنك أنت أيها الإنسان عالم، فكل إنسانٍ منا عالم قائم بذاته، وهذا ما قاله الإمام علي رضي الله عنه عندما توجه إلى الإنسان قائلاً: "أتحسب أنك جُرمٌ صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر ". لذلك: (الحمد لله رب العالمين)، الله جمع الناس وكان ربهم فلمَ يا أيها الإنسان تحاول أن تَشذَّ لتكون عالماً مستقلاً عن العالمين الآخرين ؟ لمَ ؟ الله جمعك معهم ونسبكَ إليه فلماذا تريد أن تنفرد وتتفرد فهذا لا يليق بك.

المقام الثاني: المبادئ تؤسّس للمصالح، ولا يجوز للمصالح أن تكون بديل المبادئ، المبادئ هي التي تنادي بالعيش المشترك، والمصالح المفهومة بمعزل عن المبادئ هي التي تؤذي العيش المشترك، فهل تريدون مصالح مؤسسة على غير المبادئ التي بها تكونون إنسانيين بكل ما تعنيه هذه الكلمة، إن أردتم أن تنتموا للمصالح من غير المبادئ إذاً هذا لا يكون من الإنسان، وحينما يريد الإنسان أن يلتفت للمبادئ ويترك لهذه المبادئ أن تؤسس المصالح عند ذلك المبادئ تفرض عليك وتدعوك من أجل عيشٍ مشترك مع هذا الذي يسمى مثيلك وشبيهك، مع هذا الذي يُسمى الآخر، والآخر لا يعني أنت الأول وهو الثاني، بل هو الآخر عندما تتحدث إليه، وأنت الآخر عندما يتحدث إليك، وهذا الكلام ليس إنشاءً بل هو تأصيلٌ يستقى من تاريخ طويل ومن مبادئ ديني الذي أنتمي إليه، ومن رأى في هذا الدين الذي أنتمي إليه غير الذي أقول، فليأتِني به فأنا جاهز من أجل حوار معه مستفيض.

المقام الثالث: التعاليم هي التي يجب أن ترعى التقاليد، ولا يجوز أبداً أن تهزم التقاليدُ التعاليمَ، مشكلتنا أن تقاليدنا هزمت تعاليمنا، أتريدون الإصلاح ؟ علينا أن نعود للتعاليم، التعاليم تنادي بالعيش المشترك، لكن التقاليد عندما طغى عليها غير التعاليم أصبحت تقوم بعملية جرحٍ وخدشٍ للعيش المشترك، لذلك آمل ان ننتبه لهذه القضية.

المقام الرابع: المواطنة هي الرباط فيما بيننا، المجتمعات ارتقت وتدرّجت في العلو والارتقاء فوصلنا إلى رباط المواطنة، سعادة الأب إلياس مواطن وأنا مواطن، هو يحمل هويةً سورية وأنا أحمل هوية سورية، هذه الهوية هي عهدٌ بيني وبينه هي وثيقة وقّعنا عليها كلانا من أجل أن يكون هو في حصانة مني ومن أجل أن أكون أنا في حصانةٍ منه، ولذلك لا نريد أن نضع محل المواطنة شيئاً آخر.

المقام الخامس: تعريف الوطن: (أرض

حرية)، عندما تنتفي الحرية عن الوطن يصبح الوطن أرضاً جرداء لا قيمة لها، وإذا كان الوطن أرضاً
حرية فهذا يعني أن أولئك الذين يتمتعون بالعيش على أرض واحدة ويتنسمون نسيم الحرية سيعيشون معاً متآلفين متضامنين متعارفين.

المقام السادس: الإصلاح بالنسبة لي تحويل القيم إلى مؤسسات، العيش المشترك ينبغي أن نحوِّله إلى مؤسسة لها ضوابطها وقواعدها، العدل ينبغي أن نحوِّله إلى مؤسسة، الحرية ينبغي أن نحولها إلى مؤسسة، كل هذه القيم إن لم تتحول إلى مؤسسة وبقيت رهينة الأشخاص فلا قيمة لأي إصلاح يمكن أن يُنادى فيه، نريد أن نتحول من مجتمع أفراد طيبين طاهرين عادلين إلى مجتمع مؤسسات تتحول فيه القيم إلى مؤسسات، وعند ذلك يتحول العيش المشترك إلى مؤسسات ولا يبقى في حيّز التطلع المزاجي الإيجابي وإنما يغدو العيش المشترك مؤسسات ونورِّث هذا للأجيال التي ستأتي.

العيش المشترك في النهاية أمرٌ واقع، ومن أشكل المشكلات توضيح الواضحات، وأنا ما رأيت في حياتي أمراً ما يسمى بالعيش المشترك، الله فطرنا على أن نعيش مع بعضنا، مَن قال بأن الله فطرنا على غير ذلك ؟ العيش المشترك تحصيل حاصل وقلت في أكثر من مرة: لا أريد لهذا التعايش المشترك أن يكون موضوع تسابق في انتخابات أو في اجتماعات وإنما أريد لهذا الأمر أن يحوَّل إلى مؤسسة، ثم بعد ذلك ألا يُتكلم عنه كثيراً من باب الدعاية، فأنا لا أرى في فرنسا على سبيل المثال من يتحدث عن العيش المشترك، فالله خلق فيك الاستعداد للعيش مع الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم ولغاتهم، وعليك أن تُنمِّي هذا الاستعداد من خلال دينك ومبادئك وأخلاقك، فالدين رافد، والأخلاق رافدة من أجل أن تنمي هذا الاستعداد الذي خلقه الله فيك، فعليك أن تدعم هذا الأمر بالدين والمبادئ والأخلاق، وهنا تكمن المشكلة، فالمشكلة أن كل واحد منا يريد أن يكون هو سيد العيش المشترك وأن يكون الآخرون معه رعايا، ونحن قلنا بأننا في هذا الوطن مواطنون وليس ثمة رعايا.

العيش المشترك أن يعيش الجميع بالتساوي من حيث الحقوق والواجبات لا فرق بين كردي ولا عربي، ولا مسيحي ولا مسلم، ولا شيعي ولا سني، ولا أرثوذكسي ولا كاثوليكي... هذه الفروقات شخصية أُريد منها في الأصل أن تُغني العلاقة مع الآخر وتقويها، لكن المشكلة أننا جعلنا هذه الروافد تؤتي عكس ثمارها، تؤتي ثمار التشاجر، وقد سمعت كلمة تقول: "شواجر الأرماح قطعت شواجر الأرحام".

أخيراً:

أنا متفائل وليس هذا التفاؤل مجانياً، أنا متفائل على ما يسمى بالعيش المشترك، لأنني أعرف نفسي ويكفي أن أعرف نفسي، لأن المتفائل يجب أن ينطلق من نفسه أولاً، ولا يمكن أن تأتي الثقة من غيري مهما كان غيري أقوى مني، لا بد من أن أنطلق من نفسي، وأنا من خلال نفسي واثقٌ ومتفائل لأن الله مع التعارف والتآلف والتعاون، ولأن الدين الذي أفهم مع التعارف والتآلف والتعاون، ولأن العروبة وهي أصالة لأهلها ومساهمة في حضارة عالمية لغير أهلها، فالعروبة مع التعارف والتآلف والتعاون بلا شك، والطفولة أيضاً مع التعارف، وقد كتبتُ مقالة في يوم الأيام عنونتها: (عودوا إلى الطفولة، لتتعلموا منها درس الرجولة)، فالطفولة درس نظري والرجولة عملي، تصوّروا روضة أطفال، هل تتوقعون أن هذا الطفل لا يتكلم مع طفل آخر لأن والده قال له هذا الطفل الآخر مسيحي، أو شيعي، أو سني، أو درزي، أو شركسي، أو عربي... ما أظن، الطفولة التأسيس النظري لرجولة نبتغيها، فإذا ما بقي منا بعضٌ يريد أن يكون ضد هذا أو ضد الله، لأن ثمة فرقاً بين المؤمن وبين المتزمت، المؤمن هو من يستخدمه الله، أما المتزمِّت هو من يستخدم الله. فإذا ما بقي بعضٌ منا ضد هذا فلن يؤثر على تفاؤلنا، آمل أن نبقى متفائلين، وأختم الحديث بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن أبي داود فقد كان يقف في الليل ويدعو ربه ويقول: (اللهم رب كلِّ شيء، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

محمد

تاريخ :2011/10/18

أكيد رح نحضرها لهالندوة لأنو أكيد رح تكون رائعة بوجود صاحب الكلام الواضح المفهوم ....... كلامه يدخل إلى القلب والوجدان وحتى من دون استئذان إنه فضيلة الشيخ الدكتور محمود عكام.

حسين

تاريخ :2011/10/22

كلام رائع وجميل ... كل الشكر للدكتور عكام وللقائمين على هذا الموقع.

ديمة

تاريخ :2011/10/23

حفظك الله يا دكتور محمود وحفظكم الله يا آل عكام .

شاركنا بتعليق