ما أكثرَ ما يبحثُ الإنسانُ عن الاطمئنانِ، إذ الاطمئنانُ يكادُ يكونُ حياةَ الإنسانِ ولا حياةَ لهذا الإنسانِ إلا بهذا الاطمئنان المتكامل. هذا الاطمئنانُ يأتي من أمرين اثنين:
الأول: الإيمان بمرجعيةٍ موثوقةٍ فاعلةٍ قويَّةٍ قادرةٍ عليمةٍ حكيمةٍ، وأن تكونَ هذه المرجعيَّةُ في قلبِ وعلى لسانِ من يَبغِي الاطمئنان: (الذينَ آمنوا وتطمئنُّ قلوبهم بذكرِ الله ألا بذكرِ اللهِ تطمئنُّ القلوب) وإلى هذه المرجعيَّة يُسلِّم الإنسانُ زِمامه، ومعَ الزِّمام القياد: (فلا وربِّكَ لا يُؤمنونَ حتى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهم ثمَّ لا يجدُوا في أنفسِهِم حَرَجاً مما قضيتَ ويُسلِّمُوا تَسليماً).
والأمرُ الثاني الذي يأتي من خلاله الاطمئنان: الإيمانُ بالقَدَرِ المكتوب مِنْ قِبَلِ عَلَّامِ الغُيوب وأَنَّهُ جَلَّ وعَلا وحده بيدِه مقاليدُ السَّمواتِ والأرضِ وبيدهِ مقاليدُ الأمور، وما الآخرونَ في هذا الأمرِ إلا صُوَرٌ وأسبابٌ ظاهرة لا تَمتُّ إلى تحقيقِ حقيقةِ الأشياء وواقعِها بصِلة: (ليسَ لكَ من الأمرِ شيءٌ)، "واعلَمْ أَنَّ الأمةَ لو اجتمعَت على أن ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتَبَهُ اللهُ لك، وإن اجتمعُوا على أن يَضرُّوك بشيءٍ لم يضرُّوكَ إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ عليك، رُفِعت الأقلامُ وجَفَّت الصُّحُف"
أخيراً: هي رَجعةٌ أكيدةٌ إلى المولى الحقِّ، إلى هذا الذي خلقَ ابتداءً، إلى هذا الذي منه انطلقتَ أيها الإنسانُ فإليه ستعود وترجع، إليه المآب وإليه المصير، هذا الذي ستؤولُ إليه وسترجعُ إليه عند ظَننا، و: "أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي" أما المؤمنُ فلا يظنُّ بالذي خَلَقَه والذي إليه مَصيره إلا الرحمة والمغفرة، وأما غيرُ المؤمن فمضطَّربٌ وقَلِق من حيثُ أصلُ الرَّجعة، ومن حيثُ طبيعةُ الرَّجعة. يا أيتها النفس المطمئنة، يا أيتها النفس المؤمنة بالمرجعية ومؤمنة بالقَدَر، ومؤمنة من أنَّ لكِ انتهاء كما أن لك ابتداء ستعودين إلى ربك. هَيَّا فارجعي إلى ربك الذي آمنتِ به، هيا ارجعي إلى الإله الذي توجهت إليه قائلة: أنا منك وإليك يا ربنا، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، راضية بهذا الإيمان، بهذا الرجوع، بهذا القدر، مرضية من قِبَله لأنك آمنتِ حقَّ الإيمان، راضيةً مَرضية، فادخلي في عبادي الرَّاضين المرضيين، وادخُلي جَنَّتي حتى أنظرَ إليك: (للذينَ أحسَنُوا الحُسنَى وزِيادة)، اللهمَّ نسألك طُمأتيتةَ نفسٍ في الحياةِ ويوم البعث ويوم النُّشور وإذ نلقاكَ يا ربَّ العالمين.
حلب
10/7/2020
محمود عكام
التعليقات