آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
التَّكوين الذاتي للشَّخصية

التَّكوين الذاتي للشَّخصية

تاريخ الإضافة: 2021/10/01 | عدد المشاهدات: 759

 

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

بدأتكم الأسبوع الفائت إذ قلتُ لكم: إن إنساناً يبحث في بناء الشخصية الإنسانية قال لي: هل من مقولاتٍ تدعم ما أنا مُنكَبٌّ عليه في بحثي، فالشَّخصية من حيثُ بناؤها لها اتجاهان: بناءٌ ينصبُّ على ذاته، وبناء ينصبُّ على علاقاتها مع مَنْ حولها ومع ما حولها، وهذا الصديق يشتغلُ على بناء الشخصية، على بناء ذاتيتها، على تكوينها الذاتي، وقلت لكم الأسبوع الفائت: كلمتُه وزوَّدته بحديثين شريفين عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يَصُبَّان في هذا المصبِّ. الحديث الأول: (حفظُ أمانة، وصدقُ حديث، وحسنُ خليقة، وعِفَّة في طعمة)، والحديث الآخر: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) ووعدتُكم أن أزيدكم من هذه الأحاديث كما زدتُ أخي ذاك الذي يبحث في بناء الشخصية.

أما الحديث الثالث الذي يصبُّ في بناء الشخصية ذاتياً "في التكوين الذاتي للشخصية" فحديثٌ معروف يرويه الصحابي سُفيان بن عبد الله الثقفي يقول: جئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقلت له: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك ؟ وفي رواية: لا أسأل عنه أحداً غيرك ؟ ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن نتحدَّث عن التكوين الذاتي للشخصية. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنتُ بالله ثم استقم).

أيها الإنسان، أيها الشاب، أيها الرجل، أيتها المرأة: ما أنتَ إلا قلب وجوارح، وطبعاً هنالك العقل الذي يأتمر بأمر القلب وبحسب ما يتجه القلب إليه، أنت قلب وجوارح، قل آمنت بالله: املأ قلبك بالإيمان بما يناسب قلبك، لا يناسب قلبك إلا الإيمان، انطلق من الإيمان بالله عز وجل، واجعل غايتك أيضاً الإيمان بالله عز وجل، فمن إيمان بالله جل شأنه إلى إيمان بالله عز شأنه، من إيمان تنطلق منه إلى إيمان هو غايتك: (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا) هكذا قال الله عز وجل يا أيها الذين آمَنوا في انطلاقتهم آمِنوا في غايتكم، فلتنطلقوا في أعمالكم من إيمان بالله عز وجل، ولتكن هذه الأعمال في النهاية تستقيم مع الإيمان وتصبُّ في الإيمان وتقوِّي الإيمان، فإذا سألتُ الآن سؤالاً: إذا انطلقتَ من إيمان بالله في عملك، فسيكونُ عملك وفق شرع الله الذي آمنتَ به، وبالتالي يؤدِّي إلى تعزيز وتقوية الإيمان بالله. أنت أيها البائع على سبيل المثال آمنتَ بالله، انطلقتَ في عملك من الإيمان بالله، وعلى عملك أن يكون موافقاً لشرع الله، فإذا غششتَ وإذا احتكرتَ وإذا أسأتَ وإذا خاصمتَ فإنك انجرفت عن الإيمان الذي انطلقت منه وما عاد هذا العمل يصبُّ في مَصَبِّ تقوية الإيمان، وإن الإيمان ليرتفع عنك وقد خالفت في عملك هذا شرع الله الذي انطلقتَ منه، لذلك كان الحديثُ واضحاً: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) حاشا أن ينطلق المؤمن من إيمان بالله ليقوم بعمل فاحش، لا يمكن أن تنطلق من إيمان بالله ولا يمكن لتلك الجوارح وهي تزني أن تنطلق من إيمان بالله، ولا يمكن لهذه الفعلة أن تكون غايتها الإيمان بالله عزَّ وجل، لذلك (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، قل آمنتُ بالله ثم استقم منطَلِقاً من حيث الانطلاق ومن حيث الغاية، مُنطَلَقاً وغاية وليكن الخط بين المنطلق والغاية مستقيماً لا اعوجاج ولا انحراف. أرأيتم يا إخوتي إلى ما يجب أن نكون عليه يا أيها الشباب والمدرسون والمسؤولون والباعة والتجار. في كل يوم وفي كل صباح قل: اللهم إني آمنت بك، آمنتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن كتاباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ومن قال ذلك فقد استجمع عُرى الإيمان، هكذا قال رسولنا صلى الله عليه وسلم، إذا أصبحتَ فقُل هذا وانطلق من هذا الذي قلت واستقر في قلبك، انطلق من إيمانك بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أساس هذا الانطلاق سيكون عملك موافقاً لما أمرك به ربك عز وجل، ولما جاء عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

خلاصة الأمر: عليك في كلِّ صباح أن تمحِّص قلبك، وأن تفحص أعمالك وسلوكك الذي يصدر عن داخلك فهل يصدُر هذا السلوك عن إيمان بالله أم يصدُر عن انحراف عن هذا الإيمان، لذلك يا إخوتي ليست القضية قضية عمل، وليست قضية ادعاء ولا لسان، القضية قضية إيمان، والإيمان ينبغي أن يُتَرجَم إلى سلوك وتحقيق غاية، وكما قلت لكم: (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا) ما معنى أن يقول لنا ربنا هذا الكلام؟ أنتم تنطلقون من الإيمان فهل هذه الانطلاقة بما يصدُر عنها من سلوك وأعمال تؤكد الإيمان الذي انطلقتم منه، أم أنها تنحرف عن هذا الإيمان الذي انطلقتم منه لتصبَّ في مصب عدم الإيمان، ولا أقول الكفر. هذا حديث ثالث.

أما الحديث الرابع فأقوله مختَصراً:  من مكوِّنات الشخصية ذاتياً الشعور بالمسؤولية، أنت تشعر بالمسؤولية أنت ذو شخصية إنسانية تسعى للكمال عن طريق التكامل، هل تشعر بالمسؤولية لأن الله سيسألك: (وقِفوهم إنهم مسؤولون) ستُسأل عاجلاً أو آجلاً، سيسألك الله، ستسألك الأجيال القادمة، سيسألك التاريخ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الذي سأقوله وهو الذي حدثت به صديقي: (إن اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه أحفظ أم ضيع) لقد استرعاك الله على جوارحك فهل حفظت هذه الجوارح أم ضيَّعتها، لقد استرعاكَ الله على أولادك، فهل حفظتَ أم ضيعت، إن الله استرعاك على طلابك أيها المعلم، فهل حفظتَ أم ضيعت، إن الله استرعاك على بضاعتك، فهل تمارس البيع والشراء وفق شرع الله عز وجل: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع) في المساء بينك وبين نفسك اتجه إلى ربك وقل: هل ضيعتُ، سيسألني ربي: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعمَّا عَمِل فيما عَلِم).

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا يا ربنا من الذين يعملون لبناء شخصيتهم وفق شرعك المجيد، وفق العقيدة السَّديدة، والأخلاق الرشيدة، والشريعة الحميدة، نِعمَ من يُسأل ربنا ونِعمَ النَّصير إلهنا، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 1/10/2021

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/8mZqtGmFY6 /

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق