آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مَحَطَّاتٌ رَمَضَانيَّة

مَحَطَّاتٌ رَمَضَانيَّة

تاريخ الإضافة: 2023/04/15 | عدد المشاهدات: 274

أمَّا بعد، أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

ها نحن أولاء في الأسبوع الأخير من هذا الشهر الفضيل حديثي ذو محطات.

المحطة الأولى: العشرُ الأواخر من رمضان هي عَشرٌ مباركات، وإذا أردتم أن تكونوا على مُستواها فافعلوا ما كان يفعلُ سيِّدُ الكائنات، قدوتكم وأسوتكم، قدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم، كان في هذا العشر يجتهد في العبادة ما لا يجتهد في غيرها، كان إذا دخل العشر الأواخر شَدَّ مِئزَره وأَحيا ليلَه وأيقظ أهله، إن أردتم أن تكونوا على مستوى العشر الأواخر فعلاً فافعلوا ما فعله النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام.

المحطة الثانية: في هذا العشر ليلةٌ هي خير من ألف شهر، ليلة القدر، وقد قال نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تَحرَّوها في الوتر من العشر الأواخر) في ليلة الواحد والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين والتاسع والعشرين، فعلينا أن نتحرَّاها في هذه الليالي، هِي خيرٌ من ألف شهر، (إنَّا أنزلناه في ليلة القَدر. وما أدراك ما ليلة القَدر. ليلة القَدر خيرٌ من ألف شهر) ربما سألتم: لِمَ كانت خيراً من ألف شهر ؟ أقول: لأنَّ الله عز وجل قال في هذه السورة (إنا أنزلناه في ليلة القدر) هِي خيرٌ من ألف شهر، لأنَّ القرآن نزل فيها، بمعنى أصبح للإنسان دُستور، أصبح للإنسان نَصٌّ مكتوب، وهذا فارقٌ حَضاري، ومن قرأ الحضارات وتاريخَها رأى أنَّ مِن جملة تعاريف الحضارة "أنها نَص"، أتريد أن تعرفَ الحضارة ودِلالتها ؟ "الحضارة نص"، أنت تملك دستور، أنت تملك نصاً ترجع إليه، أنت تملك قوانين تحكمك، وهذه القوانين ثبت - من دون تردُّد - صلاحيتها، إذاً أنت حضاري، الفرق بين الحضارة واللا حضارة أنَّ الحضارة فيها نص، فما بالك إذا كان هذا النص من الله وجل الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، هذا النص الذي فيه نبأ ما قبلنا، وحُكمُ ما بيننا، وخَبَرُ ما بَعدنا، وهو الكتاب الفَصْل، ليسَ بالهَزل، مَن تركه مِن جَبَّارٍ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الصِّراط المستقيم. يا أمة القرآن لعلكم زَهِدتم في القرآن، القرآن نَصٌّ ونَصٌّ صادق، ونَصٌّ حَق، ونَصٌّ فيه كل ما يفيدنا في دنيانا وأخرانا، نَصٌّ إن سِرنا على هديه كُنَّا الأمة الراقية: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس) من خلال هذا القرآن. لعل هذا الكلام تسمعونه كثيراً، لكنني أخاطب المثقفين، وأخاطب القانونيين، وأخاطب أولئك الذين يدرسون الحضارات وهم يعلمون لعلهم أكثر من غيرهم، لعلهم يعلمون أكثر من غيرهم قيمة النص وقيمة المكتوب وقيمة هذا القانون الإلهي الذي يُنظِّم علاقتك أيها الإنسان، ينظم علاقاتك مع نفسك، مع الآخر، مع الكون، مع الحجر، مع الشَّجر، مع المدَر، وينظم أيضاً حياتك الأخروية. في هذا القرآن - كما قلتُ في أكثر من مناسبة - وَصْفَك ووَظيفتك، تَجِدُ في هذا وَصفك، خَلقك، كيف خُلقت ? كيفَ خُلِق الإنسان الأول ? كيف سيتدرج هذا الخلق ? في هذا القرآن تجد صفاتك المادية وصفاتك المعنوية وصفاتك الخِلقية وصفاتك الخُلقية، أدعوكم يا أمة ليلة القدر في هذه الليلة وفي كل ليلة، وأن ننطلق من هذه الليلة كما نزل القرآن في هذه الليلة على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، أدعوكم إلى أن تُنزِّلوا القرآن على قلوبكم قبل أن يَنزِل على أسماعكم وعلى عُقولكم، نَزِّلوا هذا القرآن على قُلوبكم من خِلال تلاوةٍ، ومن خلال قراءة، ومن خلال تَدَبُّر، ومن خلال تطبيق، ليلةٍ هي خيرٌ من ألف شهر.

المحطة الدُّعائية: ماذا أفعل في ليلة القدر ? لا أَقَلَّ من أن تكون أيها الإنسان مُستحضرا عَظَمة هذه الليلة، ليلة القدر، ليلة الشَّرح، ليلة التَّقدير، ليلة قَدَّر الله للإنسانية أن يكون لها كتاب يهديها سَواء السَّبيل في الدُّنيا والآخرة، وسيبقى هذا الكتاب الهادي إلى يوم القيامة، هو الكتاب الخاتم، كما كان النبيُّ هو النبيُّ الخاتم فكذلك هذا الكتاب، ففي هذه الليلة أريدك أن تستحضر هَيبتها، عَظمتها، وأريدك أن تُنزِّل القرآن على قلبك، وأن تنظر قلبك وعلاقته بالقرآن، هل قلبك يحب القرآن ? هل قلبك يعشق القرآن ? لأن القلبَ مَحَل الحب، فهل قلبك دائماً يستدعي القرآن، وهل أنت تطلبُ القرآن من قلبك ومن عقلك ومن ذراتك ? هل تشتاقُ للقرآن الكريم ? إذا مَرَّ يومٌ أو يومان ولم تقرأ القرآن فهل تشتاق أنت كما تشتاقُ لأحد أحبابك، أو لحديثٍ مع أولادك عبر الهاتف أو عبر أيِّ وسيلة كان تنقل الكلام بينكما، إذا مَرَّ يومٌ أو يومان أو ثلاثة ولم تكلم ذاك الذي تُحبه وهو بعيدٌ عنك في بلدٍ آخر أو في دولة أخرى، إنك لتشعر بالشَّوق، فهل تشعر بالشَّوق لكتاب ربك إذا مَرَّ عليك يومٌ من دون قراءة، هذا ما أريد أن نستحضره في ليلة القدر، لا أريد أن تلازم الكتاب مُلازمة مادية، ولكن أريد أن تكون مع الكتاب في ملازمة قلبية روحية، واسمحوا لي إن قلت ملازمة عِشقية، فلنَعشق كتابَ الله عز وجل، وليكن الكتاب الكريم دَيْدَننا نقبس منه لأنه نور، لأنه منبع النور، نَرجَعُ إليه، نتداوله فيما بيننا، نُكلِّم من خلاله أولادنا، نُكلِّم من خلاله أمتنا، نُكلِّم من خلاله الجماد والشجر والناس جميعاً، يا أيها الناس إنَّ القرآنَ كتاب الإنسان إذا كان الإنسان قد التزمه فنِعِمَّ هذا الإنسان، وإن ابتعد عنه وهَجَره فيا بؤسك يا أيها الإنسان. في ليلة القدر افعل هذا، وبعد ذلك قل كما ورد عن النبي الأعظم: (اللهم إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعفُ عني) سَلِ اللهَ العفو، سَلُوا اللهَ العفوَ أيتها الأمة، أيها الناس سَلُوا ربَّكم أن يعفو عنكم، وكَرِّروا، واجعلوا لَكُم وِرداً، سألني منذُ يومين أحد الإخوة، قال لي: هل الوِرد ضروري ? قلت: نعم، الوِردُ هو الذي يُعطيك الوارد الخَيِّر المعطاء، وخيرُ وِردٍ أن تقرأَ كتاب ربك، وخيرُ وِردٍ أن تقول الأدعية التي وَردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيا إخوتي رددوا في هذه الليلة: (اللهم إنك عَفُوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني)، سَلُوا الله العافية وقولوا: اللهم إني أسألك العافية في الدُّنيا والآخرة، قولوا: اللهم إني اسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، التجؤوا إلى ربكم، اطلبوا من ربكم كل شيء، يا أيها المؤمنون: أَلِحُّوا في الدعاء فنحن بحاجة إلى أن يرفع اللهُ عنا الغُمَّة وأن يكشف عنا كل سوء، وأن يكشف عنَّا البَلاء والغَلاء والوَباء.

المحطة الأخيرة: هذه الجُمعة دُعِيت في عالم الإسلام اليوم "بيوم القدس العالمي" فيا أيها المسلمون كما دعوتُكم إلى القرآن أدعوكم إلى أن تَتَبنَّوا بأمانة وبوفاء قضيةَ فلسطين، يوم القدس يومٌ من أجل أن نتذكَّر في هذا اليوم أن لا جهادَ ولا قِتالَ إلا في فلسطين، علينا أن نتذكَّر واجبَنا نحوَ بيت المقدس، فإما أن يكون الجهاد وإما أن يكون إعانة المجاهدين مادياً ومعنوياً، إن لم تستطع أن تقدم للمجاهدين الذين يُجاهدون في فلسطين العدوَّ الاسرائيلي البغيض إذاً فقَدِّم لهم العَون المادي، لا تستطيع أن تقدم لهم العَون المادِّي فقَدِّم لهم العَون المعنوي "اللوجستي"، وهذا العون هو الدُّعاء بصدقٍ وأمانة كما تدعو لولدك الغائب، وكما تدعو لمحبوبك المريض، وكما تدعو لوالدك الذي سيدخل غرفة العمليات، وكما تدعو لنفسك عندما يشتدُّ بك الألم، لِيكن لفلسطين، لبيت المقدس، للقدس، ليكن حَظٌّ في دعائك أنت وبصدق، وليس من باب - كما يقال - رفع العتب.

اللهم إنا نسألك في هذه العشر الأواخر من رمضان، نسألك يا ربِّ بِسِرِّ مُحمد وآل محمد، بسِرِّ أوليائك وأحبابك أن ترفع عنَّا البَلاء والغَلاء والوباء، نسألك أن تجعلنا مِن عُتقائك من النار، ومن عُتقاء شهر رمضان، وأن تُدخِلنا الجنَّة من باب الرَّيان بِسَلام، نسألك يا ربِّ أن تنصرنا على أعدائنا، على أولئك الذين يَقتحمون بيتَ المقدس، يقتحمونَ الأقصى، نسألك أن تنصرَ أهلَ فلسطين والمسلمين على أعداء الدِّين يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَصيرُ أنتأ أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 14/4/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/jVnWoAwhFU/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق