أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:
يأتيني غيرُ مُسلم ليُسلم فيقولُ لي: ما المطلوبُ مني ؟ أقول له: قل: (أشهد أن لا إلهَ إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله)، ثم قل: (آمنتُ باللهِ ربَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبالقرآنِ كِتاباً مُنزَّلاً من عند الله، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نَبيَّاً ورسولاً). يقول لي: ها قد أصبحتُ مسلماً ؟ أقولُ له نعم. يقولُ لي: وما علاقتي مع المسلمين ؟ أقولُ له: أصبحتَ فَرْداً مُعتَبراً في جماعةِ المسلمين، وأصبحتَ أخاً لسائرِ المسلمين من أقصَى العالمِ إلى أقصاه، ومن أدناهُ إلى أدناه، فأنتَ الآنَ فردٌ في جَماعة، وأخٌ لسائرِ المسلمين، بعبارةٍ أخرى: أنتَ الآنَ بين الأُخوة والانتماء، أنتَ أخٌ ومُنتَمٍ لجماعةِ المسلمين. أفترضُ أنَّه سيسألني: ما الذي تقتضيه الأخوة والانتماء ؟ أقول له: الأخوة والانتماء تقتضي: كَفَّاً وفِعلاً، نَهياً وأمراً.
أما الكَفُّ، فـ: (المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلِمه، ولا يَخذُله، ولا يَحقِره، ولا يُسلِمه، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حَرامٌ: دَمُه ومَالُه وعِرضُه)، يقتضي: (لا تَدَابرُوا ولا تَحاسدُوا ولا تَباغضوا ولا يَغتبْ بَعضُكم بَعضاً)، يَقتضي من حيثُ الكَفُّ: (ولا تَنازَعُوا فتَفشلوا)، لا تتقاتلوا، لا تقتلوا، فكُلُّكم مسلمون، لا تَقتُلوا بعضَكم ولا تقتُلوا غيرَكم إذا كان جاراً أو مُواطناً أو مُعاهداً، (لا تُؤذُوا المسلمين ولا تَتَبَّعُوا عَوراتهم فإنَّ مَن تَتَبَّعَ عوراتِ المسلمين يَفضحُه اللهُ عَزَّ وجل). قال لي: وهل هذا مُطَبَّقٌ من قِبلِ المسلمين ومُنَفَّذ ؟ وهُنا تَلعثمتُ وتَردَّدْتُ، ومَن كالمسلمين اليوم في قَتلِهم بعضَهم ؟! مَن أَشدُّ ضَراوةً من المسلمين في اعتداءاتِهم على بَعضِهم وفي مُراعاتهم عَدوَّهم ؟! سؤالٌ أطرحُه على نفسي وأنا أجيبُ هذا الذي أسلم. أصبحَ لونُنا أحمر من خِلال الدَّمِ الذي سَفَكناهُ فيما بيننا، ولذلك، لا تَفرَحُوا بكثرةِ الاحتفالات، فأنتم تَحتفلون باللسان ولا تَحتفلون بالفِعل ولا بالسُّلوك والقلب، طبعاً أنا لا أُخاطِبكم أنتم، ولكن أخاطبُ المسلمين بشكلٍ عام، القضيةُ جِدُّ حَرِجة أمامَ الله، (أوَّل ما يُحاسَبُ عليه المسلم الدِّماء)، احقنوا دماءكَم، ما لَكُم تَسفِكونَ دِماءَكم فيما بينكم وتُريحون دماءَ الأعداء، وتجعلونَ دِماءَ الأعداءِ آمنةً مُطْمَئنة ؟! أينَ هَجماتكم على إسرائيل ؟! أين هجماتكم على أمريكا ؟! تلكَ التي تعتدي على العالَم بأسره، وتلك التي تَؤُزُّكم أَزَّاً مِن أجلِ أن يَقتُلَ الأخُ أخاه تحتَ مُبرِّراتٍ كثيرة ما أنزلَ الله بها من سُلطان، ولكنَّها أضحَت مُبرِّراتٍ لأننا أصبحنا شَرِهين في رُؤيةِ دِمائنا المسفوحة على أرضنا. تقولُ لك أمريكا، وتقولُ لك الصُّهيونية: هذا الذي بجانبك لا يُصلِّي مثلَ صَلاتك فهذا عَدُوُّك، أمَّا هي أمريكا فلا تُصلِّي ولا تصوم ولا تَرعى ذِمَّةً لإنسان، وترعَى المثليين وترعَى الشَّواذ وترعى الفساد وترعى الضَّلال، ولا تنظر إليها أنت، وهكذا تفعل الصُّهيونية في أمريكا وفي غير أمريكا، في الغرب وفي الشرق، لكنَّها تأتي إليك وتقول: هذا الذي بجانبك يُصلِّي، انظر كيف يقول، يقول: (اللهمَّ صَلِّ على سيدنا محمَّد)، ويجب أن يقول: (اللهمَّ صَلِّ على محمَّد) إنه عَدوُّك، وتُصَدِّق أنت وتبدأُ مرحلةُ المعاداة التي تنتهي بالقتال والقتل، فيا بُؤسَنا. نعم يا إخوتي: الأخوةُ والانتماء تقتضي الكفَّ عن هذا الذي ذكرنا، وتقتضي الفعل، وأنا الآنَ أستحي أن أتحدَّثَ عمَّا تقتضيه الأخوة والانتماء من فِعل، تقتَضي التَّعاون، فهل نحنُ نَتعاون على البِرِّ والتَّقوى ؟! نحن نتعاونُ على الإثم والعدوان، نتعاونُ على بعضِنا، على عُزَّل، على مدنيين، على عسكريين... أنتم تعرفونَ أكثر مما أعرف وتُشاهدون على وسائلِ الإعلام أكثرَ ممَّا أُشاهد، ولا حاجةَ لأتكلَّم، لكنَّني من أفواهكم أُدينكم، أنتم الذين تقولونَ بأنَّكم مُسلمون، فأينَ الإسلام ؟! هذا الذي جاءني ليُسلِم أقفُ أمامَه خَجِلاً من واقعٍ لا يَمُتُّ إلى ما كان عليه سيدُ الناسِ عليه الصَّلاة والسَّلام وصَحابته الكرام بِصِلةٍ على الإطلاق، نحنُ في واقعٍ يجبُ أن نتنبه ونُنبِّه إلى هذا، الوضعُ لا يَمُتُّ إلى وضعِ النبيِّ عليه الصَّلاة والسلام الذي تُحبُّونه وتُجِلُّونه وتَحتفلون بميلاده، لا يَمُتُّ إليه بِصِلة من حيثُ التَّشابه والتَّماثل والتَّقارب، بل إن وضعنا هو الذي نهانا عنه النبي عليه الصلاة والسلام أن نكون: (لا تَرجِعوا بعدي كُفَّاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض) نحنُ كُفَّار بدلالة هذا الحديث يضربُ بعضُنا رقابَ بعض. أين التَّعاون، أين التَّضامن، أين التَّناصح، أين التَّناصر، أين هذا كله في حياتنا السلوكية ؟ القضيةُ تحتاج إلى تفكيرٍ جادّ في وضعِنا، أعلنوها بصراحة، إما أنَّكم مُسلمون أو أنكم غير مسلمين، لماذا نحنُ أصبحنا عِبئاً على دِيننا، مَن أرادَ أن يُسلِم أصبحَ يُسلِمُ بقوَّة الإسلام الذاتية، لكنَّه إن رآنا فسيكادُ يكفر، لكن قوةَ الإسلام الذَّاتية أقوى من ضَعفنا وعداوتنا، لأن عداوتنا باطلة وقوة الإسلام الذاتية حق، أَعينوا هذا الذي أسلمَ على أن يُعمِّقَ إسلامه من خِلال رُؤيةِ نماذجَ تطبيقية رائعة تقتدي بمحمد عليه الصلاة والسلام الذي هو أُسوة وقُدوة. الرسولُ الأعظم عليه الصَّلاة والسَّلام حذَّرَ تَحذيراً شَديداً جِدَّاً، وأنتم تَعلمون، فأنا أُذكِّر ولا أُعلِّم، حَذَّرَ من القَتلِ والاقتتال وسفكِ الدِّماء، وثمة أحاديث في البخاري ومسلم وأبي داود والنَّسائي ومالك والدَّارمي وابن ماجه، اقرؤوا الأحاديث التي تُحرِّم القتلَ، فمَنْ قرأَ هذه الأحاديث حَسبُه (مَنْ أعانَ على القتلِ ولو بِشِقِّ كلمة جاءَ يومَ القيامةِ مَكتوبٌ على جَبينه آيِسٌ من رحمة الله).
أيها الإخوة: حَسبي أنَّني أُنبِّهُ نفسي وأنبِّهكم، وأسألُ الله عَزَّ وجَلَّ أن يحفظَ هذا البلدَ مِن كُلِّ مَكروه، أن يحفظَ هذا البلدَ وأبناءَه وشَبابَه، أن يَرُدَّنا إلى دِينِه رَدَّاً جَميلاً، وأن يجعلَنا في عَينِ العِنايةِ الإلهية، أَنْ يُعيدَنا إلى ما أرادَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أن نكون عليه: (مَثَلُ المؤمنين) أقولُ هذا الكلام والقلبُ يبكي، (مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم) أين تَوادُّنا، (وتَراحُمهم وتَعاطُفهم) هل هذا الذي ترونَه بأعينكم في حلب وحماة وحمص والسويداء ودرعا والحسكة والقامشلي (مَثَلُ المؤمنين في تَوادِّهم وتَراحمهم وتَعاطفهم كمثلِ الجَسد الواحد) أضحَينا أشلاء مُبعثَرة (كمثلِ الجَسد الواحد إذا اشتكى منه عُضوٌ تَداعى له سائرُ الجَسَدِ بالسَّهر والحُمَّى)، اللهم رُدَّنا إلى دِينِكَ رَدَّاً جميلاً، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 6/10/2023
ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
التعليقات