آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
بقلبٍ سليم

بقلبٍ سليم

تاريخ الإضافة: 2024/01/06 | عدد المشاهدات: 175

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

العاقلُ فينا مَن يتفقَّد صِحَّته الجسمية، وأهمُّ ما في الجسم هو القلب، فأنتَ بينَ الفَينة والفَينة تتفقَّد صِحَّة قلبك المادي من خلالِ علامات وإشارات، فإن كانت هذه العلاماتُ إيجابية اطمأنَنْت على صحة قلبك، وإن كانت - لا سمح الله - سَلبية هُرعتَ إلى الطبيب من أجل أن يداويك وأن يعالجك، هذا ما يتعلَّق بالقلب الصنوبري المادي الجسمي. العاقل من يتفقَّدُ صِحَّته المادية الجسمية، ولكن العاقل المؤمن هو الذي يتفقَّد صِحَّته الجسدية وصحته المعنوية، وأهم ما في الصحة المعنوية القلب، فهل تتفقَّدُ قلبَك ? هل تتفقَّدُ قلبَك من أجلِ أن يَبقى سَليماً (يومَ لا ينفعُ مَالٌ ولا بَنون. إلا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سَليم) العِبرة بالقلب، هل تتفقَّدُ قلبك ? أتريد علامات أجل أن تستدلَّ بها على صحة قلبك الإيماني المعنوي فإليكها:

العلامة الأولى: العبادة بحب: إن كُنتَ تُطيع اللهَ عَزَّ وجَلّ بحب، إن كنت تعبدُ الله عَزَّ وجَلّ بحب، إن كنت تُسارع إلى العبادة الصِّرقة من صلاةٍ وصيام، وإلى العبادة العامة من التزامٍ بأوامر الله عَزَّ وجَلّ بحُب فقلبُك سليم، (ولا يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّه) قلبُك سليم، علامة أولى على سلامة قلبك.

العلامة الثانية: عدم التعلُّق بالدنيا: هل قلبُك هذا متعلِّقٌ بالدنيا أم أنَّك زاهدٌ فيها ? ومعنى الزُّهد أن يكون قلبك غير متعلق بالدنيا، أنَّ قلبَك مُعلَّقٌ بربك، أنَّ قلبَك يسكُنه ربك جَلَّت قدرته، (ازهد في الدُّنيا يُحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس) هكذا قال عليه الصَّلاة والسلام، وقال أيضاً: (إذا أحبَّ اللهُ عبداً حَماه من الدُّنيا مِن أن يتعلَّقَ قلبُه بها وفيها، كما يَظَلُّ أحدُكم يَحمي سقيمَه من الماء) فإذا كانَ قلبُك مُتعلِّقاً بالدنيا، تُحبُّ الدنيا فلا يَجتمعُ في القلب حُبَّان، حُبُّ الله وحُبُّ الدُّنيا، وأنا لا أقول لك بأن تهجر الدنيا لا، ولكن، قرأتُ عبارة لسيِّدنا عبدالقادر الجيلاني، يقول رضي الله عنه: "أخرج الدُّنيا من قلبك، وضَعْها في يدك"، أنا لا أقول أعرض عن الدنيا، ولكن لا تُعلِّق قلبك بالدنيا، أخرج الدُّنيا من قلبك وضعها على كَفِّك، فإن هي ذهبت فالله عندك، والله يُغنيك عن كل شيء، وإن هي بقيت فلستَ بمتعلقٍ بها، وإنما تعلقك بربك جلت قدرته، الدنيا بيدنا، الإخلاص كما قال سيدنا عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه: "الإخلاص أن تقول (الله) وليسَ في قلبك سِواه" إذا كنتَ غير متعلق بالدُّنيا، وإذا كان قلبك يسكنه ربك فاعلم بأنَّ قلبك سليم.

العلامة الثالثة: الصَّبر على الابتلاء، وما أقلَّ الصابرين، (إذا أحَبَّ اللهُ عبداً ابتلاه) هكذا قال عليه الصَّلاة والسلام، وفي روايةٍ: (إذا أحب اللهُ عبداً ابتلاه ليسمعَ تَضُرَّعه إليه) سَلْ نفسَك: هل أنت صابر، هل أنت مُحتسب، هل أنت رَضِيٌّ بقضاءِ الله عَزَّ وجَلّ وقَدَره، أم أنك تشكو وتشكو وتشكو، تشكو رَبَّ العِباد إلى العباد.

إنْ جَلَّ خَطْبٌ قُمْ لَهُ سَحَراً              ونَادِهِ بِعَظيمِ لُطفِكَ يَا هُو

نَـاجِ الإلـهَ بمُقلَةٍ فَـيَّـاضَــةٍ                  مـا خَـابَ وايمُ الحَـقِّ مَن ناجَاهُ

في الليلِ قُم، اشكُ أمرك لربك، اصبر، لأنَّ الصابر يَدخُل الجنةَ بغيرِ حِساب، (إنما يُوفَّى الصَّابرون أجرهم بغير حساب) اصبر، فهذا دليلٌ على سَلامةِ قلبك، (الذينَ قالَ لهمُ النَّاسُ إنَّ الناسَ قد جَمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل. فانقلبوا بنعمةٍ من اللهِ وفَضلٍ لم يَمْسَسهم سُوءٌ واتَّبعوا رِضوانَ الله) اصبر ففي الصَّبر مَنجاة، اصبر ففي الصَّبر دخولٌ للجنة من غير حساب، اصبر وابقَ على العمل وكأنَّ الذي تنتظره حَصل، أريدك أن تبقى على العمل مُتابعاً ومُثابراً وإياك واليأسَ والقُنوط، (واصبِر وما صَبرُك إلا بالله)، (أتصبرون ؟) نعم نُريدُ أن نصبر، وهنا أتوجَّهُ إلى إخواننا في فلسطين، وإلى إخواننا في كل مَكانٍ يُقاتَلون فيه بغيرِ حَق، أقولُ لهم: (اصبِروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله) والنصرُ حليفُ الصَّابر، اتقِ الله يا مؤمن، (واعلم أنَّ النَّصرَ مع الصبر) هكذا قال مُعلِّم البشرية عليه الصَّلاة والسلام، (اصبروا وصابروا)، اصبر وعَلِّم الصبرَ مَنْ حَولك، اصبر وصَبِّر غيرَك، اصبر وصَبِّر جَارك، وقُل لهذا الذي تُصبِّره ويصبرك: النصرُ آتٍ بفضلِ الله عَزَّ وجَلّ، واللهُ سيأتي بالنَّصر من خلالِ رحمته وحِكمته، إذا صبرتَ - حَسْبَ ما ذكرنا - فقلبُك سليم.

العلامة الرابعة والأخيرة: انظر محبتك ربَّك ومحبَّتك أهلَ ربِّك، انظر محبَّتك نبيَّك، محبَّتك آلَ بيتِ نبيِّك، انظر قلبَك هَل يُحبُّ قلبك ربَّك، وهل يحبُّ قلبك أنبياءَ الله، وهل يحبُّ قلبك الأولياءَ والصَّالحين، وآلَ بيتِ رسول الله، جاءَ رجلٌ إلى الحسن البصري قال له: "يا سيدي، كيفَ أعرفُ مكانتي عند الله ? فقال: انظُر مكانةَ الله عندك" إذا أحبَّ قلبُك ربَّك فقلبك سَليمٌ بامتياز، إذا أحبَّ قلبُك رسولك عليه الصَّلاة والسلام فقلبك سليم، والحبُّ ليسَ ادَّعاءً، وليسَ كلماتٍ نقولُها، وليسَ شِعراً، وليسَ نثراً، الحبُّ الذي يسكُنُ قلبَكذ، الحب تضحية، قِيلَ لزيدِ ابن الدَّثِنَّة وقد وُضِعَ على الصَّليبِ ليُصلَب مِن قِبل مُشركي قريش، قال قائلهم: أتريدُ لو أنَّك في بيتك آمِن، وأنَّ مُحمَّداً مكانَك ? فقال: "واللهِ ما أُحِبُّ لو أنِّي في بيتي آمِن وأنَّ مُحمداً يُشاكُ بشوكة في يده" الحُبُّ تضحية، فهل أنت تُحبُّ فلسطين، هل تضحي من أجلِ فلسطين ? لا أعني من أجل الحجر، ولكن من أجل رَمزيَّة فلسطين، لأنَّ فلسطين تعني بيتَ المقدس، وبيتُ المقدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومُنتهى الإسراء، ومبتدأُ المعراج، لأن فلسطين رمزٌ لهذا الدِّين الحنيف، فلسطين بيتً المقدس، مع الحرمين الشريفين يُشكِّلان خَطَّاً استوائياً تستوي عليه القلوب، الحبُّ تضحية، الحبُّ رحمة، الحب مصابرة، إذا أحببتَ ربَّك فهذا دليلُ سلامةِ قَلبِك، أولى الناس بي أناسٌ يأتونَ بعدي) هكذا قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسلام: (أولى النَّاسِ بي أناسٌ يأتونَ بعدي يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله) هو يُقدِّمُ أهله ومالهَ مُقابلَ أن تقَعَ عَينُه على هذا النُّورِ الوَضَّاء، على المصطفى صلى الله عليه وسلم.

هذه علامات إن كنتم قد أدركتموها فالقلب سليم، وإلا فاجتهدوا، واذهبوا إلى الطبيب، ولا طبيبَ إلا سَيِّدي وسَندي وقُرة عَيني محمد عليه الصلاة والسلام:

أتيناك بالفقرِ يا ذَا الغِنى                  وأنتَ الذي لَم تَزَل مُحسِناً

وَعَوَّدتَنا كُلَّ خَيرٍ عَسَى                   يَدُومُ الذي مِنكَ عَوَّدتَنا

أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 5/1/2024

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/pnEv6-1Nu8/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق