أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
سألني أحد الإخوة الحاضرين الأسبوع الفائت، قال لي: هلَّا حدَّثتنا عن التاجر، وكيف يجب أن يكون ؟ قلت له: سأجعل ذلك خطبة الأسبوع القادم، وها أنذا أحدثك يا أخي عن التجارة التي هي نوعٌ طيِّب من انواع الكسب، فقد جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم قال له: يا رسول الله أي الكسب أفضل ? فقال صلى الله عليه وسلم: (عملُ الرجل بيده، وكُلُّ بيعٍ مبرور)، والبيع المبرور تجارة، والبيع بشكلٍ عامٍ تجارة، والبيع المبرور تجارة طيبة، أما أنت أيها التاجر فما عليكَ إلا أن تتحلَّى بأربع، وتتخلَّى عن أربع.
أما ما يجب التحلِّي به بالنسبة لك: الصِّدق والأمانة. والرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام يقول: (التاجر الصَّدوق الأمين مع النبيِّين والصدِّيقين والشُّهداء)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن التُّجار يُبعَثون يوم القيامة فجاراً إلا مَن بَرَّ وصدق). أما الصِّفتان التاليتان حتى تكتمل الصفات الأربع: فالسَّماحة والرحمة. كُن سَمحاً، أي اجعل هذا الذي أمامك يشعر بالأمان، (رحم الله امرءاً سَمحاً إذا باع، سَمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قَضَى، سَمحاً إذا اقتضى)، السَّماحة يعني اللُّطف والتأنِّي والذوق والمعاملة الحسنة. وأما الرحمة: فـ: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمُكم مَنْ في السماء)، أو: (يَرحَمْكم مَن في السماء)، أيها التاجر: ارحَم تُرحَم، و: (مَن لا يَرحَم لا يُرحَم).
وأما يجب أن تتخلَّى عنه: فالغِشُّ والاحتكار، وسأتبعهما بصفتين تاليتين. الغِشُّ والاحتكار، (مَنْ غَشَّ)، وفي روايةٍ: (مَنْ غَشَّنا) هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (مَنْ غَشَّنا)، (مَنْ غَشَّ فليسَ مَنَّا)، ليس من أمة محمد عليه الصَّلاةُ والسَّلام. وأما الاحتكار فيقول عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم: (مَن احتكَر فهو خاطئ) وليس مخطئاً، فهو خاطئٌ من الخطيئة، فقد ارتكب خَطيئةً كبيرة، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (المحتكر مَلعُون، والجَالِب مَرزوق)، و: (مَن احتكَر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله، وبرئ اللهُ منه). وأما الصِّفتان التاليتان لتكونَ الصِّفاتُ أربعاً: فالحلف والكذب. تحلف أنت من أجل أن تُثبت للمشتري أو للبائع أو للمتعامل معك، والنبي عليه الصَّلاة والسلام قال: (إياكم وكثرة الحلف، فإنَّه يُنفِق ثم يَمحق)، وفي حديث آخر: (الحلفُ منفقةٌ للسلعة، ممحقة للبركة)، ويقول عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (أربعة يُبغضهم الله: البيَّاعُ الحلَّاف، والفقيرُ المختال، والشَّيخُ الزَّاني، والإمام الجائر). أما الكذب، وما أدراك ما الكذب ? و: (إنَّ الرجلَ ليكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَبَ عند الله كذَّاباً)، وليسَ من يكذب من المؤمنين، (إنَّما يَفتري الكذبَ الذين لا يؤمنون).
تحلَّ بأربع، وتخلَّ عن أربع، وتَوِّج هذا كُلَّه بالإنفاق في سبيل الله، أنفق يُنفّق عليك، (إنَّ في المالِ لحقاً سِوى الزكاة)، (إنَّ الله عز وجل وكَّل مَلَكين في كل صباح يقولُ أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفِقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهمَّ أعطِ مُمسِكاً تَلَفاً).
هذه نصيحتي للتجَّار، وأسألُ اللهَ عَزَّ وجَل أن يكونوا من التجار المستثنيين من الفجار من خلال البِرِّ والصِّدق، اللهمَّ عَلِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا عِلماً وعَمَلاً وفِقهاً في الدِّين، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 9/8/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
التعليقات