آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حب الحسين

حب الحسين

تاريخ الإضافة: 2024/04/25 | عدد المشاهدات: 3796

أمَّا بعد، أيُّها الإخوة المؤمنون :
باجتنابِ المعاصي تُدفع النَّارُ، وبفعلِ الفرائض تُنال الجنَّة، وبالحبِّ نحظى بالقرب، ومَنْ حظيَ بالقرب كان موضع عنايةٍ إلهيةٍ ورعايةٍ ربانية. "فإذا أحببته - هكذا يقول الله جلَّ وعلا في الحديث القدسي الصحيح - فإذا أحببته كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، ولئنْ سألني لأعطينَّه ، ولئن استعاذني لأعِيذنَّه ". نعم بالحبِّ تحظى - أخي المسلم - بالقربِ منَ الله عزَّ وجلَّ، ولعلك تسألني عن موضع الحبَّ وعن موضوعه، فإنَّي أقول له :
والحبُّ إنْ لمْ يكنْ لله أعظمُـه لا خيرَ فيه، فلولا الله ما عُـرفَـا
فإنَّي قائل لك: أحبَّ الله، أحبَّ رسوله، أحبَّ آل بيتِ رسوله، أحبَّ الصحابة، أحبَّ الأنبياء، أحبَّ الصالحين، فإنَّك بذلك ستصل إلى القرب بفضل الله وعطائه ومَنِّه وغفرانه ورضوانه ومحبَّته.
مِنْ بين هؤلاء الذين أمِرنا أنْ نحبَّهم، اخترتُ واحدا ًمنهم فعساي ، عسايَ أنْ أنْـقل حبَّه لقلبي ، وأنْ أثبِّته فيه، وأنْ أنقل حبَّه لقلوبكم وإنَّي أعلم بأنَّكم تحبُّون، وأنْ أثبِّـته فيكم، إنَّه حبُّ الحسين رضي الله عنه وأرضاه، ولقد اخترتُـه لسببين اثنين:
أمَّا السبب الأول: فلأنَّني تشرَّفت بزيارة روضهِ في القاهرة ، والحسينُ هناك رضي الله عنه وأرضاه.
وأمَّا السبب الثاني: فلأنَّ ذكرى مولده سيكون خلال أيام الأسبوع القادم.
إنَّهما سببان منْ أجل الحديث عن حبِّ الحسين رضوان الله عليه، وسلاماته عليهم جميعاً.
أيُّها المحبُّون لرسول الله وآلِ بيته:
ما أروع أنْ نبدأ حبَّه - حبَّ الحسين - بحبِّ آل البيت، لنذكر الحديث الذي يُروى في الصحاح ، يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه عباءة مرجَّـلة منْ شعرٍ أسود، فجاءه الحسن فأدخله فيها، وجاءه الحسين فأدخله فيها، وجاءه عليٌ فأدخله فيها، وجاءته الزهراء فأدخلها فيها، وقال: " اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي، أذهب عنهم الرجسَ وطهِّرهم تطهيرا ". ( إنَّما يُريد الله ليُذهبَ عنكم الرِّجس أهلَ البيتِ ويطهِّركم تطهيراً ). إنَّه الحبُّ لآل بيت رسول الله عليهم السلام. وبعد ذلك إذ ننتقل إلى ضرورةِ الحبِّ فلقد أمِرنا بذلك. وها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " أحبُّوا الله لما يغذوكم منْ نِعَمه ، وأحبُّوني لحبِّ الله ، وأحبُّوا آل بيتي لحبِّي ". إنَّه حديثٌ في الترمذي. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: " والذي نفسي بيده ، لا يدخل قلبَ رجلٍ الإيمانُ حتَّى يحبَّـكم - يعني أهل البيت - لله ورسوله ". إنَّـها دعوةٌ منْ أجل أنْ ننفيَ عن أنفسنا النفاقَ والكفر والبغضاء، حتى ننظرَ قلوبنا منْ أجل أنْ نوجِّهها لحبِّ آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم وعليهم سلاماته. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي: " مَنْ أحبَّـني، وأحبَّ هذين، وأباهما، وأمَّهما؛ كان معي في درجتي يوم القيامة ". إنَّها مسيرةُ الحبِّ الظافرة ، فمنْ لم يَعشْ الحبَّ لربِّه ، ولرسوله ولآل بيته ، وللأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين ، فلا يمكن أنْ يكون ظافرَ المسيرة. 
أمَّا أنت أيُّها الإمام ، يا أبا عبد الله يا سيِّد الشهداء ، فما أروع المقالات فيك، مقالاتِ المصطفى جدِّك صلى الله عليه وآله وسلم يوم قال عنك وعن أخيك الحسن رضي الله عنكما: " إنَّ الحسن والحسين هما رَيحانتاي من الدنيا " وإنَّه لحديث في البخاري. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: " الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة ". وأمَّا عنك بالذات، يا أيُّها الإمام، يا أبا عبد الله، يا سيِّد الشهداء، فإنَّه يقول صلى الله عليه وآله وسلم ، كما في النسائي ومسند الإمام أحمد: "منْ سرَّه أنْ ينظرَ إلى سيِّدِ شباب أهل الجنة ؛ فلينظر إلى الحسين ". ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يرويه النسائي والترمذي: " حسينُ منِّي، وأنا منْ حسين "، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن والحسين ، كما في مسند الإمام أحمد: " اللهمَّ إنَّي أحبُّهما فأحبَّهما وأحبَّ منْ يُـحبُّهما ". ولقد كان الحسين رضي الله عنه وأرضاه مدللاً عند المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فلقد كان يأتي النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو صغيرٌ ليجلسه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في حِجره ، وتدخل أصابعُ الحسين لحيةَ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ويقوم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيفتح فمَ الحسين، ويضع فمَه في فم الحسين ، ويقول: " حسينُ منِّي وأنا من حسين، أحبَّ الله منْ أحبَّ حسيناً، حسينُ سبطٌ من الأسباط ". إنَّه الإمام الشهيد سيِّد الشهداء ، إنَّه أبو عبد الله ، ناصر الحق والدَّاعي إليه، إنَّه الإمام الذي ينبغي أنْ يكون قدوةً أمام شبابنا في عالمٍ يحتاج إلى الاقتداء بالحسين، وإنَّ شباباً لا يلتفتون إلى سيِّد شباب أهل الجنة، إلى مَنْ حُّبه فرضٌ علينا؛ شبابٌ ينبغي أنْ يُنبَّهوا في كلِّ وقتٍ وفي كلِّ آن. 
يا أيُّها الشباب: إنَّ قدوةً تعني الحسين هي قدوةٌ رائعة، إنَّ التأسِّي حينما يعني تأسياً بالحسين هو تأسٍ رائع. يا شبابنا: الحسين كان سيداً في هذه الحياة الدنيا، وسيؤول إلى مقام الشهادة في الجنة. 
يا شبابنا : نحتاج إلى قراءةِ قدوتنا ، إلى قراءةِ الأسوة ، إلى قراءةِ مَنْ أمرنا الله أنْ نسير على دربهم ، وأنْ نحبَّهم. 
يا شبابنا : إنَّ أبا بكر الصديـق رضي الله عنه وأرضاه قال كما في البخاري: " اُرْقبوا محمَّداً في أهل بيته "، ويقول رضوان الله عليه:" والله إنَّ قرابةَ رسول الله أحبُّ إليَّ مِنْ قرابتي ". إنَّه أبو بكر رضي الله عنه الفاهم العاقل. 
يا شبابنا : إنَّ أردتم البطولة ففي صفحات سيرة الحسين، إنْ أردتم الرجولة ففي صفحات سيرة الحسين، إن أردتم يا شبابنا أن تعلموا كيف تكون الثورة منْ أجل الله عزَّ وجلَّ، ومن أجل الانتصار لكرامة الإنسان ؛ ففي صفحات سيرة الحسين. 
يا شبابنا : إنْ أردتم المثالية في مسيرةِ الشباب، والتضحيةَ منْ أجل المبدأ، منْ أجل الحقِّ، منْ أجل الخير، منْ أجل الفضيلة، ففي صفحات سيرة الحسين. " حسين منِّي وأنا مِنْ حسين "، هكذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم. حسين منِّي نسلاً واتِّـباعا ًوالتزاما ًوذريةً، وأنا مِنْ حسين ولاءً ورعايةً، أنا مِنْ حسين مكانةً وتقديراً، أنا مِنْ حسين مِنْ أجل أنْ يكون امتدادا ً لخطي الذي تركتُ الأمةَ عليه: " وأنا تاركٌ فيكم الثقلين أوَّلهما كتابُ الله وعِترتي أهلُ بيتي ". 
أيُّها الشباب : هل منْ عودةٍ منْ أجل حبٍ ظافر ، منْ أجل مسيرةِ حبٍ فاعل ؟ هل منْ عودةٍ منْ أجل أنْ نضع في أذهاننا أولئك الرجال الذين سطّروا أروع الأمثلة في كلِّ مجالات الخير، فكانوا السَّادةَ في الدنيا، وكانوا السَّادة في الآخرة ؟ 
أيُّها الشباب : هل منْ عودةٍ منْ أجل أنْ نقرأ سيرة أولئك، حتى نعيش وأذهانُـنا ملأى بأولئك الذين صنعوا لنا التاريخ المنوَّر ؟ 
إنَّ أذهان شبابنا تحتاج في كلِّ عصر، وفي كلِّ أوان إلى اتِّقاد، تحتاج إلى نورانية، تحتاج إلى ضياء، وذلك مِنْ خلال مَلْئِها - يا شبابنا - بسيرة أولئك الذين ارتضاهم الله عزَّ وجلَّ لنا أسوةً وقدوة، ودعانا إلى حبِّهم، ودعانا إلى السَّير على دربهم وطريقهم. 
أيُّها الشباب : الحسين سيبقى رائداً، فهيَّـا على طريق الحسين. 
أيُّها الشباب : إنَّ الحسين رضي الله عنه وأرضاه سـيبقى النموذجَ لشبابنا، لن نعدل عنه ولن نرضى به بدلاً. 
أيُّها الإخوة ، أيُّها الشباب : إلى قراءةِ سـيرة أولئك، إلى قراءة سـيرة أولئك الذين نوَّروا لنا التاريخ، بأروعِ السجلات وأجمل الصفحات، إلى قراءة سيرة أولئك منْ أجل أنْ ننهضَ مِنْ وهدتنا، فقلوبنا غطت عليها كثافةُ المادة، فلم نَعدْ نشعر بالحبِّ، ولم نعدْ إلا مِنْ أولئك الذين يسعون لتدبير شؤون الحياة بمعزلٍ عن الآخرة، وإنَّ الآخرة قريبةٌ منَّا وإنْ لم نتفكَّر بها، ونحن نعيش ذكرى أولئك، فإنَّ الأمر قاسٍ - ورب الكعبة - وإنَّ الأمر شديد. 
ألا أيُّها الإخوة ، يا شبابنا : فلنستيقظ بعد أنْ كدنا نموت. فلنستيقظ يا شبابنا على التضحية والفداء. فلنستيقظ يا شبابنا على الحبِّ والوفاء. فلنستيقظ يا شبابنا على القرآن والسُّـنة. فلنستيقظ يا شبابنا على بناء الوطن، مِنْ خلال محبَّـتنا لربِّـنا ولرسوله ولآل بيته ولصحابته وللصالحين. فلنستيقظ يا شبابنا قبل أنْ يأتي غيرنا ليمارس علينا كلَّ ما تدفعه إليه المادةُ الطاغية. 
أيُّها الشباب : إنَّ الحسين لا يرضى منَّا أبدا ً أنْ نطأطئ الرأس لأولئك الذين يعتدون علينا، إنَّ الحسين لا يرضى منا استسلاماً، إنَّ الحسين لا يرضى منَّا أنْ نكون مخاتِلين في حياتنا، إنَّ الحسين يريد منَّا وضوحا ًفي الحق لنقول لكلِّ الدنيا : لا تنازلَ عن حقٍ ولا استسلام، ونحن نستمسك بعروة الحق. إنَّ الحسين يدفعنا منْ أجل أنْ نقول للمعتدين - لإسرائيل - لكلِّ منْ يعتدي على أراضينا : أيَّتها الباغية، أنتِ باغيةٌ في أراضينا، أيَّتها الفاجرة، أنت فاجرةٌ في سلوكك، أيَّتها المعتدية، أنت معتدية في مكانك هناك، ولا يمكن أبدا ً أنْ نعيش ونحن نرفع راياتِ الذلِّ معك، وإنَّما عَيْشُنا معك جهادٌ، رسم معالمه لنا سيِّدُ الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم، وطبَّـقه وسار عليه إمامنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه. أيُّها الإخوة : إنْ سئِلنا إلى مَنْ ننتمي، فنحن منتمُون لديننا. وإنْ سئِلنا عنْ كتابنا، فنحن منتمون للقرآن الكريم. وإنْ سئِلنا عن رجالنا، فنحن منتمون لأبي بكر وعمر ولعليٍّ والحسين والحسن، نحن منتمون لهؤلاء، لزين العابدين. نحن منتمون لأولئك الذين كانوا قناديل الدنيا، كانوا الشمسَ في سماء هذه البسيطة، كانوا الضياء، وإنَّهم ليقدِّمون المثال تلوَ المثال، حتى تمضيَ هذه الأمة، وهي ظاهرةٌ على الحق لتلقى الله وهو عنها راضٍ. 
يا أيُّها الإخوة : تذكَّروا ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحسين، وهو يخاطب الدنيا بأسرها : " اللهمَّ إنَّي أحبُّ الحسين فأحبَّه، وأحبَّ مَنْ يحبُّـه ". 
اللهمَّ إنَّا نُـشهدك أنَّا نحبُّك، ونحبُّ رسولك، ونحبُّ آل بيته، ونحبُّ الصحابة، ونحبُّ التابعين، ونحبُّ الحسين صاحبَ الذكرى.
اللهمَّ اشهدْ بأنَّنا نحبُّ الحسين، اللهم اجعلنا كما قال رسولك، ممَّن يموت على حبِّ آل بيته حتى نكون شهداء. 
نِعْمَ مَنْ يُـسأل ربُّـنا ، ونِعْمَ النَّصير إلهنا. 
والحمد لله ربِّ العالمين

التعليقات

شاركنا بتعليق