آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
رعاية الجار

رعاية الجار

تاريخ الإضافة: 2001/07/06 | عدد المشاهدات: 4290

أما بعد : أيها الاخوة المؤمنون لعل من الواجب علينا أن نتفقد موافقة أفعالنا أقوالنا ، لأنني أخشى أن نقع في مشكلة المشاكل أو في مشكلة المشكلات . ومشكلة المشكلات هي أن يقول الإنسان الخير ولا يفعله ، وأن يرفض الشر قولاً وان يفعله . بعبارة أخرى : مشكلتنا في أننا في الخير مُدَّعون ، وفي الشر غير مقصرين . وإذ أقول هذا الكلام فلأني أريد أن أبحث معكم أموراً اجتماعية رعاها الإسلام برعايته أيّما رعاية ، وقنَّن لها الإسلام أروع القوانين ، حتى إذا ما سئل الواحد منا عنها - أي عن بعض هذه القضايا الاجتماعية - انهال على الأخر (على السائل ) بالإجابات العظيمة وبالأقوال الكبيرة وبالحكم التي ما بعدها حكم . 
حينما يُسأل الواحد منا - على سبيل المثال - عن النظافة فإنه سيأتي يآيات وأحاديث وكلمات ومقولات عن جيلنا السابق ، وسيقول لك الكثير الكثير . وكذلك حينما يسأل عن الرفق بالحيوان أيضاً سيأتيك بالأخبار من لم تتزود به قبلاً ولا أريد الحديث عن النظافة ولا عن الرفق بالحيوان ، لكنني أريد أيها الإخوة الإشارة - هذه الجمعة - إلى أمر اجتماعي أظن أن كثيراً منا مقصر فيه ، أي في رعايته أو في موافقة أفعاله الأقوال التي يستشهد بها في حياته . هذا الأمر أيها الإخوة هو رعاية الجار . إن سألك إنسان عن الجار وعن رعايته في الإسلام أتيته بأحاديث كما قلت وأتيته بأقوال وأتيته بقصص لكنه وهو يسمع هذا الذي تأتي به من أقوال وأحاديث وآيات يستغرب وينظر إليك وهو في غاية التعجب !! أكُلُّ هذه الأقوال أكُلُّ هذه الأحاديث ؟! أين هي من عالم التطبيق بين المسلمين ؟! أين هذه الأقوال وأين هذه الأحاديث وأين هذه الحكم ؟! هي في وادٍ وواقع المسلمين في واد آخر ( ولا أعمم ولكن أقول واقع المسلمين في أغلبهم أو في جُلِّهم ) . من هنا أحببت يا أخوتي أن أعيد على أسماعكم هذه الآيات أو بعضاً من الآيات وبعضاً من الأحاديث وأريد وأنا أعيد على أسماعكم هذه الأقوال أو هذه الآيات أو هذه الأحاديث أن يراجع كل منا نفسه في موقفه العملي حيال هذه الأقوال ، حيال هذه الآيات ، حيال هذه الأحاديث ، ( وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب ) ، إنها آية في كتاب الله تدعونا إلى أن نكون بالجار رحماء ، إلى أن نكون بالجار كرماء ، إلى أن نكون بالجار لطفاء ، ولكن المشكلة يا أخوتي كما قلت إننا ندعي لكننا في الخير مُدَّعون وفي الشر في معاكسة الخير غير مقصرين ولا نقصر . وأنا قبل أن أُذكر هذه الأحاديث أو الواجبات أحب أن أذكر أمثلة ، والأمثلة معروفة لكنني من باب تشخيص الشر لتعرف فظاعته ، وبالتالي وبعد ذلك نمر على قوانين الخير لنتقبلها ولنجعلها مطبقة معمولاً بها منفذة مجسدة أمامنا . وأنا أقول : كفانا أننا نقدم للآخرين إسلاماً بالقول ونعرض عن الإسلام بالعمل . ولعلنا كما قال بعض الفلاسفة المعاصرين : " إن ما يُقدَّم من الإسلام اليوم إنما يقدم بالقول ولو أن المسلمين اليوم قدَّموا الإسلام بالعمل لكُفوا وهم يقدمون ربع الإسلام ليكون مقبولاً في عالم الغرب والشرق " . اللسان ضعيف بمفرده إذ يكون داعية خير . لكنه مع الجوارح ومع الجَنان يقوى ويؤثر ، ورضي الله عن سيدنا الحسن البصري إذ يقول : يا ذا اللسان لا تنتظر جواباً من الآخر وانتظر الجواب حين تتبع اللسان العمل واليقين بالجنان . أعود فأقول أيها الإخوة : ألا نرى ؟ ألا نسمع ؟ ألا نقوم بإيذاء الجيران ؟ كيف ذلك ؟ بإزعاجهم بأصواتنا ، بإزعاجهم بكلامنا ، بإزعاجهم بسهراتنا ، بإزعاجهم بموالدنا ، بإزعاجهم بإرائتهم أننا نملك الرفاهية وهم لا يملكون ، بإزعاجهم من خلال أشياء كثيرة نفوقهم بها ونحن مقصرون كما قلت في تحويل المقول إلى معمول . كم منا مَن يسهر سهرةً ذات صوت عال على حساب جاره النائم ؟ وكم منا يا إخوتي من لا يبحث عن جاره وعن احتياجاته ؟ كم منا من لا يتفقد ما يريده جاره وما يضطر إليه جاره ؟ وكم منا من يؤذي جاره في أهله ، في بناته ، في زوجته ؟ وكم منا من يؤذي جاره في بنائه ؟ وكم منا من يؤذي جاره بنميمة أو غيبة ؟ كم منا أيها الإخوة من يؤذي جاره في ماله ، في عرضه ؟ كم منا من يؤذي جاره من خلال عدم النظافة التي يُصدِّرها إليه ؟ هذه أمثلة يمكن أن توصف وهي غيض من فيض وقليل من كثير . يروي الإمام مسلم والبخاري أن النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام قال : " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن . قيل مَن يا رسول الله ؟ قال : من لا يأمن جاره بوائقه " . أفعاله الضارة ، ويروي صاحب الجامع الصغير بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من آذى جاره فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله " ، ويروي الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له إن فلانة تكثر من صلاتها ومن صيامها غير إنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " هي في النار " ، صلاتها ذهبت هباء وصيامها ذهب هباء . إيذائها جيرانها جعلها في النار . 
أيها الإخوة : أنا استغرب أو يصيبني كثير من التعجب حينما يسمع المسلمون أو يردد المسلمون على الآخرين مثل هذه الأحاديث التي تتوعد والتي تهدد . من الذي يهدد ؟ الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى . يصيبني كثير تعجب من اؤلئك الذين يسمعون هذا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد السماع يبقى ويستمر الإصرار على إيذاء الجار باللسان ، بأي شيء آخر بالكلام . يصيبني كثير تعجب ولكن ما حيلتي أيها الإخوة وما حيلتكم وما الذي نريده أن نفعل ؟ أغتنمها فرصة لأقول للدولة للقائمين على هذه البلاد عليكم أن لا تكونوا متهاونين في قضية كهذه. على الشرطة أن تكون وَفيَّةً لعملها من أجل أن تسهر حتى إذا ما رأت جاراً يسيء إلى جاره عاقبته . بل أنزلت في حقه أقسى العقوبات . أريدك أن تمشي ليلاً هنا أو هناك في حي فقير أو في آخر غني لترى كيف يسهر الصغار بأصوات عالية ، وبمضامين لأصواتهم لا تمت إلى الإسلام ولا إلى الأخلاق بصلة . أريدك أن تمشي هنا وهناك لتنظر على الشرفات أناساً يصلون ويصومون - كتلك المرأة التي حُدِّث عنها النبي - يصلون ويصومون لكنهم يفتحون مذياعهم على أعلى صوت ، لكنهم يسهرون على التلفاز ، والتلفاز على الشرفة وأولادهم كما نقول يَعُجُّون ويهرجون بأصوات عالية . سوف تمشي في الشوارع لترى أهل السيارات الذين يقفون في معترض الشارع لا يأبهون لأحد ولا بأحد وينادون بزمور السيارة أحد أقربائهم . متى يكون هذا ؟ في منتصف الليل والناس نيام . عليك أن تسير ليلاً لترى هؤلاء المسلمين الذين يقولون نحن أتباع من وصفه الله بقوله ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فهل نحن نستحق هذا الأمر ، هذا الوسام ؟ وسام الاتباع ، أم إننا في اتباعنا مدعون . أيها الإخوة القضايا الاجتماعية هي التي تحبب الآخرين أو تنفر الآخرين بدينك بمبدئك بمذهبك . الناس بحاجة إلى أناس يتعايشون معهم بأخلاق وذوق . قلت لكم أيها الإخوة أني قرأت عبارة للفضيل بن عياض وعلى الجميع أن يسمع مثل هذه العبارة يقول الفضيل : " لأن يصحبني فاسق حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق " . هذه حقيقة ودليلنا على ذلك تلك المرأة تكثر من صلاتها ومن صيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال النبي عليه الصلاة والسلام " هي في النار " يقول صلى الله عليه وآله وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره " اسمعوا أيها المسلمون هذه الدعوة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول : " أحسن إلى جارك تكن مؤمنا " ، والمفهوم المخالف إذا أسأت إلى جارك لم تكن مؤمناً ، ويقول عليه الصلاة والسلام كما يروي الترمذي أيضاً : " خير الجيران عند الله خيرهم لجيرانه " ، ويقول عليه الصلاة والسلام الحديث المعروف الذي يقرأه أولادنا في كل المراحل الدراسية ( في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية ) والذي يستشهد به تجارنا يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " ويروي الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي ذر - ما أعظم هذا التوجه اللطيف - قال : " يا أبا ذر إذا طبخت لحما فأكثر مرقه وتعاهد جيرانك " ، وأنا أقول من الذي يتعاهد جيرانه اليوم ؟!
أيها الاخوة : الإسلام جاء ليغطي النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولكن المسلمين اليوم ظهروا ليبطلوا مفعول الإسلام وليجعلوا الآخرين يتقبلون أو ينظرون إلى الإسلام على أنه مجرد كلام ، فيحسنون إذ يتكلمون لكنهم حين يفعلون ترى الإساءة مرسومة على الفعل . بل تُغطي الفعل كله ، بل لا تجد مجالاً من أجل أن تصف هذا الفعل ببعض الإحسان ، ولا أقول بالإحسان كله . أتوجه إلى المسلمين و أتوجه إلى الدولة من أجل أن تكون حازمة في هذا الأمر وان تكون ساهرة في هذا الأمر . كم من رجل وكم من امرأة جاء هذا أو جاءت تلك يشكو أو تشكو أمامي من سوء معاملة الجيران ؟! كم من رجل وكم من امرأة سمعتها تدعوا على جيرانها لأنهم آذوها . كثيرون - أيها الاخوة - كثيرون وهذا الذي تؤذيه هو مظلوم ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب . اسمحوا لي أيضاً أن أقول هذا الأمر وان أطبقه وان أُعمِّمَه على مستوى الدول أيضاً لأقول نحن - وأقصد الدول العربية والإسلامية - ألا ينطبق علينا هذه الأحاديث ؟! ففلسطين جارتنا فما الذي قمنا به في حق جيراننا من خير ؟ هل أحسَنَّا إلى جيراننا في فلسطين ، إلى جيراننا أطفال العراق ؟! فما الذي قمنا به من أجل أطفال العراق ؟ أخص الأطفال بالذكر ولعل القائمين هناك هم الذين يؤذون أطفالهم . لكنني أتوجه لأقول ما الذي يقدمه الجار للجار على مستوى الدول ؟ النزاع قائم والمشاحنة قائمة والاعتداءات متواصلة وربما أيها الاخوة ربما كنا محسنين لجار ليس بجار وإنما هو عدو لدود وحقه منا القتال ، لم نحسن لأطفالنا في فلسطين وإنما بالعكس أو على العكس أحسنا لمن اعتدى على إخواننا في فلسطين فاعتَرف بالمعتدي بعض منا . أين حقوق الجار حين تعترف بعدوٍ لجارك الحق ؟ أمَّا هذا الإسرائيلي اللعين فليس بجار حتى نطبق عليه رعاية الجوار ، وإنما هو صورة إنسان حقيقته همجية ، شراسة ، عداوة ، اعتداء ، قتل للإنسانية أنيما كان .
أتوجه إلى جميعنا لأقول ألم يحن الوقت من أجل تطبيقٍ وتنفيذٍ لهذا الدين ، لمقولاته العظيمة الرائعة . 
أسأل الله أن يوفقنا إلى هذا . اسأل الله أن يجعلنا ممن يرعى حق الجوار حيثما كنا ، وأن يوفقنا لنكون في خيرنا مدَُّعين ، وأن نكون في شرنا مقصرين ، بل مجتنبين ومبتعدين . نِعمَ من يُسأل ربنا ونعم النصير إلهنا . أقول هذا القول واستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق