آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حقائق من المصائب

حقائق من المصائب

تاريخ الإضافة: 2002/04/26 | عدد المشاهدات: 3693

في كل محنة منحة

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
حسبي أن أقول في البداية :

الشِّدة أَوْدَت بالمُهَجِ

يا رب فَعَجِّل بالفَرَجِ

جِئناكَ بقلبٍ مُنكَسرٍ

ولسانٍ بالشَّكوى لَهِجِ

يا خالقنا يا رازقنا

قد ضاق الحبلُ على الوَدَجِ

يا ربِّ بهِم وبآلهم

عَجِّل بالنصر وبالفرَجِ

أيها الإخوة المسلمون : وتطول المصيبة ، وتمتد فتراتها وأزمنتها ، ولكن هذا لن يكون سبباً - وحاشا - لليأس ، ولن يكون سبيلاً إلى ذلك ، ولا طريقاً تفضي إلى اضطراب أو إلى حيرة ، ولكن : أليس يقال : إن المصيبة إذا طالت كان ذلك أدعى لزيادة التفكر ولزيادة الاعتبار . إذا طال زمن المصيبة فذاك أدعى للاعتبار ، وتوضيح الحقائق ، ومعرفة ما في فكري من دقائق ، وكان ذلك أدعى إلى كشف اللثام عمن هم كرام وعمن هم لئام . تشتد المصيبة وتعظم ، ويعظم الابتلاء ، ولكن : ( أليس الصبح بقريب ؟! ) " ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟! " يا رب : إلى متى ؟! ولكننا نقول إجابة لكل هؤلاء : إن ذلك خير ، " عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " والصبر ليس خنوعاً ولا استسلاماً ، والصبر ليس ذلاً ولا تضييعاً ، ولكن الصبر زيادةُ عمل ، وزيادةُ تضحية ، وزيادةُ ثبات ، وبذل المزيد من أجل رفعة المبدأ الحق والصدق .
فكرت فيمن فكر ، فقلت : ما هي الحقائق التي أخذت بوادرها بالظهور ، والتي أدت إلى ظهور البوادر هذه المصائب والابتلاءات التي نعيشها ، ما الذي يمكن نلمحه في سُجف غيبٍ آتٍ قريبٍ ، ونحن ننظر المصائب وقد طالت وتكاثرت ، اعتقادي ونظرتي أن بوادر حقائق أخذت بالظهور والوضوح التي ستظهر بشكل أجلى وأوضح ، هي أربع :
الأولى : لقد أثبتت هذه المصائب بعد أن طال زمنها ، وربما يطول أكثر أن الإسلام هو المبدأ الحق ، وأنه ملاذ البشرية كلها ، وأنه ملاذ كل الإنسان ، وكما كنا نردد في مسيراتنا - رحم الله أيام المسيرات الحرة - كنا نردد : لا شرقية ولا غربية ، ولكن إسلامية ، فعلاً : الإسلام هو المبدأ الحق ، ولا نقول هذا للمسلمين فقط ، ولكننا نقول هذا للعالم كله ، لأن الإسلام عدل كله ، رحمة كله ، حق كله ، لأنه سداد كله ، وكرامة كله ، لأنه إحسان كله .
عدل كله : أَوَلستم تقرؤون في كتاب الله عز وجل وجل : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) أوَلستم تقرؤون قول الله عز وجل وجل : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أوَلستم تقرؤون قول الله عز وجل وجل فيما يخص الرحمة : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، أوَلستم تقرؤون قول الله عز وجل وجل : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) لأن الإسلام عزٌ كله ولأن الإسلام صواب كله ، لأن الإسلام رحمة كله ، ولأن الإسلام إحسان كله ، ونحن نعاني من نقائض هذه السمات التي ذكرناها ، نعاني من نقائض العدل ، ونعاني من الظلم ، أمريكا ظالمة ، وإسرائيل ظالمة ، وكذلك بعض حكامنا ظالمون ، بعضٌ من شعوبنا ظالمون . لأننا نعاني من الظلم ، لذلك قلنا الحقيقة الأولى : الإسلام هو الذي سيكون ملاذ البشرية وموئل الإنسانية ، ولقد رأيت فيما مضى مقابلة مُتَلفَزة مع كبير رهبان مدينة جنيف السويسرية منذ أكثر من خمس سنوات : يقول في هذه المقابلة : آمل لشعوب العالم ومن حكومات العالم أن لا تبالغ في عداوتها للإسلام ، لأنني كما أرى من خلال ساعة صفاء بيني وبين نفسي أرى أن لا يبالغوا في عداوتهم للإسلام لأن الإسلام دين البشرية في النهاية ، دين الإنسان حينما يريد أن يكون إنساناً ، حينما يصحو الإنسان على إنسانيته ، حينما ينطلق من فطرته .
الحقيقة الثانية : أن القضية المركزية للعالم كلِّه هي القدس ، رمزاً للبقعة المباركة التي قال الله عز وجل وجل عنها في سورة الإسراء : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) القضية المركزية الأساسية لكل العالم هي القدس ، هي الأقصى بالنسبة لنا نحن الذين نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وهذا أمر مفروغٌ منه حسب ما جاء في الآيات والأحاديث ، وأما بالنسبة للمسيحية فكذلك ، أوَليست كنيسة المهد هي الكنيسة الأهم ، أوَليست القدس وما حولها هي مهد المسيحية ؟! أليست القدس وما حولها هي منطلق المسيحية ، إذاَ هي قضية أساسية بالنسبة للمسيحية وهي قضية مركزية بالنسبة لليهود ، لأن اليهود يقولون إن القدس ، إن فلسطين ، إن الأقصى ، مكانهم المختار والذي وعدهم الله به ، وإن كانوا يقولون - ونحن نعتقد وهم يعتقدون في داخلهم - أن هذا كذب وزور ، لكنهم يَتَمَحوَرون حول ذلك ، ولو أنك قلت لهم : خذوا قطعة من الأرض تساوي أضعافَ أضعافِ ما تساويه فلسطين لما رضوا ولما قبلوا ، ولما عقدوا معك عقداً على هذا الأساس ، لأنهم يريدون فلسطين بالتحديد ، لأن القدس تشكل النواة للخلافة الإسلامية القادمة ، وهم عندما يريدون فلسطين يريدون أن لا تقوم للخلافة الإسلامية قيامة ، وهذا من منطلق العداوة وليس من منطلق طلب الحق ، يصرون على فلسطين لأنهم يعرفون من خلال قراءتهم للتاريخ ومن خلال ما صح في كتبهم أن القدس عاصمة المسلمين الموحدة المنتظرة ، ولذلك يصرون . القضية الفلسطينية أساسية ليس على مستوى الشعوب العربية والإسلامية ، ولكن على مستوى العالم كله ، واقرؤوا ما يقوله المفكرون وعلماء الاجتماع والسكان ، وعلماء استشراف المستقل ، فقد أجمعوا على أن أهم منطقة في العالم اليوم هي فلسطين وما حولها ، الأقصى وما حوله ، لأن الله عز وجل وجل قال : ( باركنا حوله ) هذا لدينا مُسَلَّماً ، أما الآخرون فهم يعتقدون كذلك ، أوَليست هذه الأراضي أراضي أنبياء ومرسلين ، وقد تعاقب على تلك البقعة من الأنبياء ما لم يتعاقب على مكة المكرمة ولا على المدينة المنورة ، وكلنا يعلم ذلك . القضية المركزية الأساسية للعالم هي فلسطين ، ففلسطين لم تعد دولة يَسأَل عنها أبناؤها ، ولم تعد مركزاً لقومية عربية يَسأل عنها العرب ، ولم تعد مكاناً وعاصمة للمسلمين يسأل عنها المسلمون ، لكنها غدت نقطة مركزية ليس لهؤلاء فحسب ، وإنما لكل العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه ، ولذلك عندما نقاتل من أجل فلسطين فإننا نقاتل من أجل قضية فلسطينية عربية إسلامية إنسانية بشرية على مختلف تغيرات الإنسان وتبدلاته .
الحقيقة الثالثة : أ، العدو الأكيد بالنسبة لنا هم الصهيونية ، اليهودية الصهيونية ، والغرب الملحد ، حتى ولو كان هذا الغرب يدعي النصرانية - فَوَالله ليس بنصراني وإنما هو ملحد - ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) للذين آمنوا من المسلمين والمسيحيين ، الصهيونية والغرب الملحد هم العدو الأكيد للإنسانية جمعاء ، وقد تَجَسَّد ذلك في إسرائيل وفي أمريكا ، ونحن نعلم أن إسرائيل ( هذا الكيان ) ليس وحده وإنما هنالك مُتَصَهيِنون من أبناء جلدتنا معه يدعمونه ، ويجب أن نعلم أيضاً أن أمريكا ليست وحدها تمثل الغرب الملحد ولكن هنالك مُتَأَمرِكون من بني جلدتنا أو من غير بني جلدتنا يدعمون أمريكا ، ولذلك نقول إن العدو الأكيد الصهيونية المجرمة والغرب الملحد ، وأنا على يقين بأن المسيحيين في بلادنا - لا سيما المنصفون - يقولون بهذا الكلام الذي قلته ، يقولون عن مسيحية الإدارة الأمريكية بأنها ليست بمسيحية . لا أريد أن أستعرض التاريخ ، ولكنني أقول لكم بأن الشيوعية إنما سُعِي إلى إيجادها في روسيا من أجل القضاء على المسيحية الشرقية ، لأن الغرب الملحد وهو يتلبس لبوس المسيحية إنما هو ضد المسيحية في حقيقته ، وما وجدت الشيوعية إلا للقضاء على المسيحية الشرقية التي لا تعترف على المسيحية الغربية ، لكنها تجاملها ، هذه حقيقة ثالثة ينبغي أن لا تغيب عن ذهننا .
وأما الحقيقة الرابعة : المسلمون هم المؤهلون للقيادة والريادة في هذا العالم ، إذا قلنا إن الإسلام هو المبدأ الحق فإن المسلمين الذين ينتسبون لهذا الإسلام هم المؤهلون للقيادة ، ولا نقول هذا تعصباً ولا اجتراراً للتاريخ ، لكننا نقوله من باب التوصيف والاستنتاج القائم على دراسة مستقيمة صادقة ، الله عز وجل وجل قبل كل شئ يقول : ( ونريد أن نمن على الذين استُضعِفُوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) المسلمون هم المؤهلون ولكن يجب على المسلمين أن يفكروا بشكل جيد ، تُرى هل يصلحون ؟ هل تَصلُح من أجل أن تكون مشروع مسلمٍ رائد على مستوى الإنسانية ؟! هل أنا مؤهل من أجل أن أنتسب حقيقة إلى أولئك الذين قدموا لنا هذه البلاد ، لأبي عبيدة ، لعمار بن ياسر الذي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده رضي الله عنه وأرضاه ، هل نحن على مستوى الانتساب الحق لهؤلاء إذا ما قلنا عنهم بأنهم أجدادنا ، هل نحن حقاً أحفاد .
تطول المصيبة لكن سيؤدي ذلك إلى اعتبار ، إلى اختبار ، إذا كثرت المحن فلا بد أن تكون في داخل المحن مِنَح ، والمنح حقائق تتجلى ، وأعظم منحة أن ترى الحقيقة أمام عينيك ، أن تسمع الحقيقة بأذنك وتراها بعينك وتلمسها بيدك ( لا إله إلا أنا فاعبدني ) رأى الحقيقة موسى فسجد لله وذلك أعظم منحة وأعظم عطاء .
المِحَن التي نمر بها ستؤدي بنا إلى مِنَحٍ إن كنا من أهل الاعتبار والعبرة ، ولكن ستؤدي بنا إلى تقهقر والى ضياع ربما لا نخرج منه إلا بعد آلاف السنين ، بعد أن يأتي من يعتبر ، هذه المحن طريق اعتبار وإلا فهي طريق دمار ، إما الاعتبار وإما الدمار ، وإما بعد الاعتبار سعيٌ وجِدٌ وعمل ، وبعد الدمار ذل وقهر ، بل سيادة ذل وقهر ، وخذوا هذه الكلمات وفكروا فيها ، فكروا في هذه الحقائق الأربع . المسلمون هم المؤهلون - وليعذرني أولئك الذين ينتسبون إلى المسيحية - فأنا لست ضدهم ولكن هذا جاء نتيجة دراسة ، حينما أقول إن المسلمين هم المؤهلون للقيادة والريادة فإنما أعني دعوة مفتوحة من القلب للمسيحيين من أجل أن يكونوا مسيحيين بحق ، وحينما يكونون مسيحيين بحق سيأتون من أجل أن يكونوا مسلمين ، وسيُسَلِّمون بهذا القرآن ، ولذلك من منطلق إرادة الخير أقول إن المسلمين ولكن لا يفهمن أحد أنني أقول عن المسلمين الحاليين كلهم ، ولكني أقول عن المسلمين الذين يتمثلون الإسلام في صيغته المثلى و الصائبة والحقيقية ، عن هؤلاء ، لأننا بحاجة إلى دين وإلى من يتمثل الدين ويعتنق الدين ، لأن الحق من دون حماة له وحاملين له لا يمكن أن يعلو ، بل لا بد للحق من حملة ، وحملة الحق هم المسلمون ، فأسأل الله أن يوفق الكون كُلَّه من أجل أن يسلم لأن في إسلامه العدل والرفعة والرحمة والأمان والاطمئنان ، ولنعم الرب القائل في كتابنا ودستورنا الحكيم : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) اللهم اجعلنا ممن يأخذ أو يُعطَى المنح بعد المحن واجعلنا ممن إذا طالت المصائب بهم يعتبرون ويتعظون ويتخذون دروساً لمستقبل أفضل ومشرق ، إنك على
كل شئ قدير ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق