آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
آيات فيها اعتبار

آيات فيها اعتبار

تاريخ الإضافة: 2002/05/03 | عدد المشاهدات: 3550

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون : 
لا أريد أن أجعل من هذا المنبر الشريف محطة أخبار ، لكنني أريد أن يكون هذا المنبر مصدر اعتبار . نسمع الأحداث ، وتقع الحوادث ، نَسْتَخلِص منها ما يعود علينا في ديننا ودنيانا بالنفع والخير ، نَتَّعِظ ونعتبر لتكون حياتنا مرضية ربنا . والاعتبار - كما قلت لكم - هو أهمُّ ما يجب على الإنسان أن يسعى إليه ، ترسله - الاعتبار - الحوادث أو الأمور الحالة الراهنة ، وكذلك الوقائع السابقة ، وأيضاً ما يُستَشفُّ من أمور ستحدث في المستقبل ، والاعتبار اليوم سيكون في صيغٍ قرآنية ، وحديثية نبوية ، وأقوال مأثورة ، ولن أعلِّقَ على الآيات والأحاديث والأقوال ، لكنني أترك التعليق والربط والتناسب لكم . 
تعلمون ما جرى في الأسبوع الفائت ، وأول ما أحببت أن أقولَ على لسان القضية الفلسطينية ، مقتبساً قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أي كأن القضية الفلسطينية هي التي تتكلم مقتبسة كلامها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم قال قوله المعروف المشهور : " إلى من تكلني ؟! إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب مَلَّكته أمري ، إن لم يكن بك غضي علي فلا أبالي " ، ولا أريد أن أفصل أو أن أعلق ، بل أترك الأمر لكم من أجل أن تربطوا بين هذا الذي قلت وبين الذي وقع . إلى من تكلني ؟ هذا لسان حال القضية الفلسطينية وهي تقتبس من كلام المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، لكن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنورك الذي أشرقت له الظلمات ، وصَلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك " . وبعد هذا القول قرأت القرآن الكريم ووجدت فيه آيات يمكن أن تدخل تحت قنطرة الاعتبار فيما يناسب ما نحن فيه ، وفيما يناسب الأحداث التي تتوالى علينا ، فقسمت هذه الآيات إلى ثلاثة عناوين : 
العنوان الأول : آيات تحمل الحقيقة التي نحاول أن نهرب منها أحياناً ، لكنها تحمل الحقيقة القاسية ، وهي قاسية حسب الظاهر ، لكنها رحمة ، والرحمة أن تكون صادقاُ وفاهماً لما يجري . 
العنوان الثاني : آيات جعلتها تحت عنوان الثمن ، الذي يجب أن ندفعه . 
العنوان الثالث : آيات جعلتها تحت عنوان الأمل ، لأننا أمة لا تحب اليأس ، بل اليأس في ديننا كفر أو أخو الكفر ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) . لن أُعلِّق ولكن ربما أشير وأدلي بدلو الإشارة من بعيد . 
العنوان الأول هو الحقيقة التي يجب أن لا تنازع : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) وليسمع من يسمع ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) حقيقة لا تجانبوها ولا تجافوها ، وأنتم أدرى بتنزيلها على الواقع ، وأدرى بالربط بينها وبين ما أريد أن أقول ، بَيدَ أني لم أقل الذي أريد لأننا في زمن ربما حُكم على من يتكلم بأنه لا يفقه شيئاً حينما يقول الحقيقة ، لكنه حينما ينافق أو يداهن ربما يُمتَدح ، ولذلك لا أقول ما أريد وأترك الفهم الذي كنت أريد أن أقوله لكم أنتم . ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) اسمعوا الحقيقة من كتاب الله وليس من كلامي أيها الحكام ، أيتها الشعوب ، أيها السياسيون ، أيها المثقفون ، أيها الضائعون التائهون ، ( وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ) قل يا محمد وليقل أتباعك ، لا يهودية ولا نصرانية ، بل ملة إبراهيم حنيفاً . 
أما العنوان الثاني وهو الثمن : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين . ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون . ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) الثمن : لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات . ثمن يجب أن يدفع ، وما كانت الأيام وما كانت الدنيا لِتُأخذ هكذا ببساطة :

ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

تؤخذ الدنيا بثمن ، تؤخذ العزة بثمن ، تؤخذ الرفعة بثمن ، ولا يؤخذ شيء من هذا ببرود أعصاب من غير عمل ، وباستهانة بعمل الآخرين المجاهدين . 
أيتها الدماء التي أريقت حول القدس والأقصى أنتِ بعض الثمن ، فلله درك ، أيتها النساء الثكالى ، أيها الأطفال الذين أُرديتم على الأرض برصاصٍ غاشمٍ أنتم بعض الثمن ، لن أبكيكم بكاء الإنسان المُستسلم ، إن بكيتكم فبكاء الصابر الذي يقول : ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، إنا لله وإنا إليه راجعون . أنتم بعض الثمن ، والثمن ليس مفاوضات على حساب العزة ، وليس مساومات على حساب الكرامة ، ليس اجتماعاً مع الرئيس الأمريكي أو الرئيس الأوروبي ، ليس هذا الثمن ، الثمن دمٌ وشهيدٌ ، الثمن : وبشر الصابرين ، ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ، فلنعرف الثمن من أجل أن نجمعه لنصرفه حتى نأخذ المقابل ، ليس الثمن مفاوضات . يا أمة المسلمين ، يا أمة العرب ، ولا أريد أن يفهم كلامي على أنه اندفاع وعاطفة ، لكنه من معين الاعتبار يستقي ، فلننظر التاريخ ولننظر الأعزاء وللنظر أولئك الذين تسلموا سدة المجد كيف دفعوا الثمن سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ، هل رأيتم عزة من غير شهيد ، هل رأيتم استقلالاً من غير دماء طاهرة ؟! هل رأيتم علواً بعدل في الأرض بغير نقص من الأنفس والأموال والثمرات ، هل رأيتم ؟! أنا واثق بأن الجواب لا ، إذاً علام نغير مجرى التاريخ ولن يتغير ، علام نُغيِّر واقع الحياة ولن يتغير ( ولن تجد لسنة الله تبديلاً ) ذلك أمر الله وسنته في أرضه وكونه . الثمن ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) إنه الثمن ، نصر الله قريب لمن دفع الثمن ، أما من استبدل بالثمن الصحيح ثمناً باطلاً فلا يمكن أن نقول له ( ألا إن نصر الله قريب ) ولا أن نقول له ( وبشر الصابرين ) . 
أما الأمل : وأحب أن يرتسم الأمل حتى في تلك الدور المخربة في جينين ، ونابلس ، وطولكرم ، وورفح وقلقيلية ، والقدس ورام الله وغزة وفي كل القطاع ، وفي مناطق فلسطين المحتلة عام 48 ، في كل المناطق ، نريد أن يرتسم على التراب كما تصدر وجوه الأطفال الذين نراهم وهم واقفون على الخراب ، لكننا نرى فيهم عنفواناً ومستقبلاً وأملاً ، نرى فيهم إصراراً على أن يتابعوا مسيرة التحرير ، متابعة واستمراراً وقسماً وعهداً على النضال والجهاد حتى يعود الحق بكامله من غير نقصان ، لأننا لا نريد نِصفَ حقٍ أو ربع حق ، ولا نريد خلط الحق بالباطل ، ولا نريد أن نتقاسم مع المبطلين الحق والباطل ، لأنه إذا اختلط الحق بالباطل شاعا ، لامس الحق كل الباطل ، ولامس الباطل كل الحق ، فلا بد لأهل الحق أن يقولوا نريد الحق كاملاً ، وعلى أهل الباطل أن يدركوا أنهم لا علاقة لهم بالحق ، والنتيجة للحق وأهله إذا عمل أهل الحق واشتغلوا . ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد . قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) إنه الأمل ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم ليرشدون ) فاوضوا مع الله ، اجلسوا وبادروا مع الله ، أريد اجتماعات منكم يا حكامنا ويا سياسيينا مع الله ، ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إن كان عليماً قديراً ) ، ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً ) الأمل مرسوم أمام أعيننا ، ولكن هذا الأمل سيبقى مرسوماً أمامنا إذا كنا نلحقه العمل ، وسيغيب من أمامنا إذا كنا قد ألحقناه الكسل ، الأمل مربوط بالعمل ، ولا يمكن أن يبقى أمل مع كسل أو مع تراجع أو مع إرادة وإرادات لأنصاف الحلول . أقول ما قاله سيدنا عمر ، وأغتنم هذه الكلمة لأقول وأسائل نفسي وإياكم : ألسنا على الحق ؟! أليسوا على الباطل ؟! بلى ، لكن أنعمل كما يريد الحق منا أن نعمل ، الجواب لا . أيعملون ؟ نعم . وهذا هو حل لغز المعادلة . لماذا لا ينتصر أصحاب الحق ؟ لأن أصحاب الحق تكاسلوا ، وأصحاب الباطل عملوا ويعملون . ألم تُحَلَّ لجنة تقصي الحقائق ؟! من الذي حلها ؟ لقد قابلها العدو بالرفض فاستجاب الغرب الملحد وقال : نعم ، سنحل هذه اللجنة التي سترسل بناء على قرار من مجلس الأمن ، وستحل إن شكلت مرة ثانية . ألم تسمعوا اللعين الرئيس الأمريكي يقول : إن إسرائيل دولة عادلة ؟! ما سر هذا ؟ اتفقوا معاً بالباطل ، لكننا تفرقنا بالحق ، فالدولة العربية الفلانية تعادي الدولة الفلانية العربية ، يا أيتها الدول ولا أريد أن أذكر الأسماء لأنني أخاف من أن تتركز هذه الأسماء في أذهان أطفالنا حتى إذا ذكرت فيما بعد اقترن بها الخنوع والذل ، لذلك أعدل عن ذكر الأسماء لأنها لا تستحق أن يقرن بها الذل والخنوع ، العروبة شهامة ، العروبة عزة ، العروبة حضارة توجها الإسلام بعطاء إنساني ، بأحقية الكرامة والعزة . أين هذه ؟ نذكر التاريخ لكننا نقف خجلين أمامه ، هل نحن ننتسب إلى أولئك المسلمين العرب ، إنني لأرى بوناً شاسعاً وفرقاً سحيقاً بيننا وبين أولئك . 
أيها الإخوة : أريد الوقوف مع الحق ، ولكن القرآن لن يكون لأولئك الذين يقولون نريد الباطل ، ونحن نعلم أننا كلنا في بلادنا نبغي الحق ، وأنا أقول في النهاية أخص سوريا بالشكر وأقول : فلتتابع طريق الحق - لا أقول وصلت إلى الحق ، ولكنها تسير في هذا الطريق إن شاء الله - لذلك أنادي كل المسؤولين : عودوا إلى قرآنكم ، فنحن نريد حكماً بالقرآن ، عودوا إلى سنة نبينا ، فنحن نريد رسول الله أسوة ، تابعوا المسير ما دمتم ترفضون الذل والخنوع وترفعون راية المقاومة والجهاد ، فلا مقاومة إلا عبر هذا القرآن الكريم ، ولا حق إلا عبر هذا الكتاب العظيم ، لن نصل إلى الحق وأيم الحق إلا من خلال القرآن وسنة النبي العدنان ، فيا أمتي في دولتي هذه وفي سائر دول العالم العربي ، أناديكم ، ونطلب منكم بكل قوة أن نكون معاً مجتمعين متحدين ، فالحق يجمعنا ، ونحن حين نتكلم بما نتكلم به لا نريد إلا الحق ولا نبغي إلا الحق وندعو صباح مساء اللهم أرنا الحق حقاً وحببنا فيه ، وأرنا الباطل باطلاً وكرهنا فيه ، نعم من يسأل أ،ت ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

د محمد الجندي

تاريخ :2007/05/03

كلام طيب يكشف عن مخطط العدو الخبيث

شاركنا بتعليق