أما بعد ، أيها الإخوة
المؤمنون :
قلَّبت صفحات كتاب الترغيب والترهيب هذا اليوم وإذ بي أقع على حديثٍ قلت في
نفسي سأجعل من هذا الحديث منطلقاً لحديثي مع الناس ، وبالتالي سأبني عليه خطبة
اليوم ، هذا الحديث حسب ما قال صاحب الترغيب والترهيب " المنذري " روى البيهقي
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب في الناس فقال : " ألا أدلكم على
دائكم ودوائكم ؟! " - كرر ذلك ثلاث مرات - ثم قال : " ألا أن داءكم الذنوب
ودواءكم الاستغفار " تذكرت قوله تعالى وأنا أقرأ هذا الحديث : ﴿ فقلت استغفروا
ربكم إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل
لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ﴾
نوح : 10-12
قلت في نفسي سأكلم نفسي وإياكم عن الاستغفار ، ما دام الداء هو الذنوب فالدواء
هو الاستغفار ، وقرأت حديثاً آخر يرويه الحاكم بإسناد صحيح أن رجلاً جاء إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له : " واذنوباه ، واذنوباه ، واذنوباه ! "
قال ذلك ست مرات يشتكي ذنوبه ، وكأن هناك رابطة بين هذا الحديث وبين الحديث
السابق ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال : " ألا أن داءكم الذنوب
ودواءكم الاستغفار " جاء هذا الرجل يشكو من داء وبيل " واذنوباه " فقال له
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل : " اللهم مغفرتك أوسع لي من ذنوبي ، ورحمتك
أرجى عندي من عملي " قالها الرجل . فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "
عد إلى قولها " فعاد الرجل فقالها ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "
قلها ثانية " فقالها الرجل ثانية وثالثة ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله
وسلم : " قم فقد غفر الله لك " وقرأت حديثاً آخر في الاستغفار يرويه أبو داوود
في سند صحيح يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم : " من لزم الاستغفار جعل الله
له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب " أنادي نفسي
وشبابنا ، وأنادي أمتنا بأن يلزموا الاستغفار فنحن في همٍّ ، محاصرون بالهم ،
محاطون بالضيق ، في كل بيت هم ، في كل شارع ضيق ، في كل دولة إسلامية هم وضيق ،
في كل مدينة عربية وإسلامية تتقاطر أمطار السخط ، أمطار القلق ، ما أكثر همنا
وما أشد ضيقنا ! ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمداداً من قول الله عز
وجل : ﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً ﴾
نوح : 10-11
استمداداً من هذه الآية
يقول لنا : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً
ورزقه من حيث لا يحتسب " لمَ لا يكون لك ورد أيها الشاب ، أيها التاجر ، وخذها
بدءاً من الآن . لمَ لا يكون لك وِرْدٌ كل يوم كما كان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وكما ورد في سنن ابن ماجه عن سيدنا عبد الله بن عمر قال : " كنا
نَعُدُّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله في المجلس الواحد يقول : "
رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " مائة مرة والنبي صلى الله عليه
وآله وسلم كما جاء في البخاري : " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في
اليوم أكثر من سبعين مرة " وفي رواية : " سبعين مرة " وفي رواية " مائة مرة "
رواه البخاري ومسلم . لم لا يكون لك ورد في الصباح وفي المساء تقول فيه : " رب
اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " فهذا دواؤنا أو بعض دوائنا حتى لا
نلخص الدواء بكلمة استغفار ، لكننا نقول هذا من بعض دوائنا . لم يا أخي الطالب
، لم يا أخي التاجر ، لم يا أخي القاضي ؟ وأنت تشكو من ضيق ألم بك ، وكلنا يشكو
من هم وقع علينا وأصبحنا ننوء تحته لثقله ولكبره ، لم يا أخي لما لا تكثر من
الاستغفار ، لم لا تعلم ولدك - وولدك في ضيق حتى وإن تبدى مسروراً فكما قلت لكم
: إن سحب الضيق ملبدة في سمائنا اليوم ، وإن سحب الهم لا تكاد تفارق ساحاتنا
التي نراها صباح مساء فوق رؤوسنا بقليل - لم يا إخوتي لم لا نستغفر ربنا عز وجل
، لم لا يكون لنا ورد هو استغفار ؟! يقول عليه وآله الصلاة والسلام في حديث
يرويه البخاري أيضاً : " من قال حين يصبح سيد الاستغفار اللهم أنت ربي لا إله
إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر
ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت " من قال حين يصبح موقناً بها فمات فهو من أهل الجنة ومن قال ذلك في
مسائه - من قال سيد الاستغفار موقناً بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة "
يروي أيضاً ابن ماجه والبيهقي قال : " من أراد أن تسرَّه صحيفته يوم القيامة
فليكثر من الاستغفار " وليس في السند مجروح هكذا يقول من علَّق على الترغيب
والترهيب ، أكثروا من الاستغفار ﴿ إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً
. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ﴾
نوح : 10-12 .
أيها الشاب في الجامعة ليكن
لك ورد استغفار ، فقد ورد أيضاً في حديث حسن أن الملائكة لا تكتب الذنب إلا بعد
ثلاث ساعات تنظر هل يستغفر هذا الذي أذنب ، فإن استغفر طوي أمره ، وإن لم
يستغفر سجلت سيئات ما عمل ﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ﴾
الأعراف : 201
قال ابن مسعود : تذكروا أي استغفروا ﴿ فإذا هم مبصرون ﴾
الأعراف : 201
استغفَروا فغَفَر الله لهم . يا أخوتي في أواخر أيام عيد الفطر أتوجه إلى نفسي
وإلى أمتي بأن يوفقنا ربي عز وجل لنكون من المستغفرين ، لنكون من الأوابين ،
لنكون من الحليمين . أتوجه بعد ذلك إلى ربي لأطلب منه أن يُفرِّج على أمتي ،
ويجعل بلادنا في عنايته وأمانه وحفظه ، اللهم إنا نسألك بحق من قبلت صيامه
وقبلت قيامه وقبلت عيده ، أسألك يا ربنا أن تفرج عن المسلمين ، وأن توحد
المسلمين ، وأن تحفظ بلادنا ، وأن تحفظ شعوبنا ، وأن تحفظ ديننا ، وأن تردنا
جميعاً إلى دينك رداً جميلاً ، وأن تصرف عنا السوء وأهله ، والشر وأهله ، نعم
من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول
وأستغفر الله .
التعليقات