أمَّا بَعدُ، فيَا أَيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنونَ إِن شَاءَ الله:
كانَ سيِّدُنا الحسنُ البصري جالساً مع أصحابه وإذ برجلٍ يدخُل عليهم، فيسألُ سيدَنا الحسن: يا أبا سَعيد، وسيدنا الحسن البصري كُنيته أبو سعيد، فقال يا أبا سعيد انقطع المطر، وأجدبتِ الأرض، فماذا نصنع ? فقال: استغفروا ربكم، وأكثروا من الاستغفار . ثم جاء رجلٌ آخر - في نفس المجلس - فقال له: يا مولانا، يا شيخنا: انقطعَتْ منِّي الذُّرية، ولم أُرزَق بولد، فماذا أصنع من أجل أن يرزقني ربي عَزَّ وجَل الذرية ؟ فقال الحسن البصري رضي الله عنه: استغفر الله، وأكثر من الاستغفار. ثم جاءَ رجلٌ آخر قال: يا سيدي أنا فقير، ولا مالَ عندي يكفيني ويكفي عيالي، فماذا أفعل ? قال: استغفرِ اللهَ عزَّ وجَل، وأكثر من الاستغفار. فقال له جلساؤه: يا إمامنا: الأسئلة مُتعدِّدة، والجوابُ واحد. فقال لهم: نعم، اسمعوا قولَ اللهِ عَزَّ وجل: (فقلتُ استغفِروا ربَّكم إنَّه كانَ غَفَّاراً. يُرسِل السَّماءَ عَليكُم مِدراراً. ويُمدِدكُم بأموالٍ وبَنين ويَجعَل لَكُم جَنَّاتٍ ويجعَل لَكُم أنهاراً) فابتسم الحاضرون واستبشروا خيراً.
وها أنذا أقولُ لكم ما قالَه الحسن البصري لهؤلاء: استغفِروا ربَّكم، وأكثروا من الاستغفار، وها هو ذا سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن لَزِمَ الاستغفار جَعَلَ اللهُ لَه مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجاً، ورَزَقه مِن حيثُ لا يَحتسب). أكثروا من الاستغفار، مَن منكم، مَن منا يستغفرُ الله في اليوم مئة مرة ? الرسولُ عليه الصَّلاة والسلام مَنْ غُفِرَ ذنبُه، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: (والذي نفسِي بيده إني لأستغفرُ اللهَ في اليومِ أكثرَ مِن سَبعينَ مَرَّة)، (إني لأتوب إلى الله عز وجل في اليومِ مئة مرة)، يروي الصحابة الكرام: (كُنَّا نَعُدُّ على رسول الله في المجلسِ الواحد: "رَبِّ اغفر لي وتُب عليَّ إنَّك أنتَ التَّوابُ الرَّحيم" مئة مرة في مجلسٍ واحد)، انظروا مجالسكم هل تستغفرون ربَّكم في مجلسكم الذي يطولُ ساعاتٍ مئة مرة، هل تقولونَ: (أستغفرُ الله) في كل يوم أكثر من سبعين مرة، يا إخوتي ولا يستهينَنَّ أحد منكم بالاستغفار، فواللهِ إنه لَسبيلٌ من أجل أن تكونَ عند الله من التَّوابين ومن الصالحين ومن السُّعداء، ومن الذين لجؤوا إلى الله فاستقرَّت ضمائرهم وقلوبهم وأفئدتهم. ولعلَّك تسألُني عن صِيغ الاستغفار فإني قائلٌ لك وأنا أردِّد عقب كُلِّ صَلاةِ جُمعة سَيِّدَ الاستغفار: (اللهم أنتَ رَبِّي لا إله إلا أنت، خَلقتني وأنا عَبدُك، وأنا على عَهدك ووعدك ما استطعت، أعوذُ بِك مِن شَرِّ ما صَنعت، أبوءُ لكَ بنعمتك عَليَّ وأبوءُ بذنبي فاغفر لي، إنه لا يغفرُ الذُّنوبَ إلا أنت)، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديثِ الصَّحيح: (من قال هذا سيد الاستغفار حين يُصبح فمات في يومه دخل الجنة، ومن قال هذا حين يمسي وهو مُوقنٌ بذلك في ليلته دخل الجنة) صيغة من صيغ الاستغفار. أيُّها المتعَبون، أيُّها الحزينون، يا أيُّها الذين تَبغُونَ انفراجاً، يا أيها السائلون عن سَعادة: هيا إلى الاستغفار، (استغفِروا ربَّكم إنه كان غفاراً. يُرسِل السَّماءَ عَليكُم مِدْراراً). ثمةَ صيغةٌ أخرى يقولها عليه الصلاة والسلام: (مَن قال أستغفرُ الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيُّ القَيُّوم وأتوبُ إليه غَفَرَ اللهُ له وإن كانَ فَارَّاً مِن الزَّحف)، أيها الباحثون عن راحة، أيها الباحثون عن طُمأنينة، أيها الباحثون عن استقرار، أيها الباحثون عن سَعةٍ في الرِّزق، أيها الباحثونَ عن أمنٍ وأمان وطمأنينة في بلدنا: استغفروا ربكم، وأكثروا من الاستغفار، وليكن لكم وِرْد، من جملة هذا الورد أن تستغفروا ربَّكم على الأقل مئة مرة، باستحضارٍ وحُضور قلب وخُشوع. مَن منكم يا شبابنا له خَلوةٌ مع الله في ليله أو في نهاره، في هذه الخَلوة يُسبِّحُ، يُهلِّل، يُكبِّر، يُصلِّي على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، يستغفرُ الله، ولا سيما بأننا نحتاجُ إلى استغفار، قلتُ لكم إن من غُفِر له ما تقدم من ذنبه يستغفر ربَّه في اليوم أكثر من سبعين مرة فما بالنا بأناسٍ يُذنبون ويذنبون ثم إنهم لا يستغفرون، استغفروا ربكم أيها المسلمون، وليكن لنا حِصَّةٌ كَبيرة من الاستغفار الذي يُرفَعُ من الأرض إلى السماء، ورجاؤنا من وراء الاستغفار أن يُفرِّج الله عنا كُلَّ هَمٍّ، وأن يجعلنا في مَأمَنٍ مِن كُلِّ مَكروه، وأن يَنصُرنَا عَلى عَدُوِّنا في فلسطين وفي غير فلسطين، نِعْمَ مَنْ يُسْأَلُ أَنتَ، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 23/8/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.
التعليقات