أما بعد ، أيها الأخوة المسلمون
المؤمنون :
لعلنا إذا سألنا عن مزية أكيدة كبيرة في المسلم لقلنا إن مزية المسلم الوضوح ،
الوضوح والسطوح والعلنية وعدم المخاتلة وعدم الخيانة وعدم اللمز وعدم الهمز .
المسلم واضح ، المسلم جليّ ، المسلم ساطع ، المسلم نقيّ ، ولذلك يا أخوتي وقف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم واضحاً ساطعاً أمام الناس يوم قال له ربه عز وجل
﴿
فاصدع بما تؤمر ﴾
الحجر : 15
وقف على الصفوة على ربوة على جبيل قال : أيها الناس أرأيتكم لو إني أخبرتكم أن
جيشاً خلف هذا الوادي يريد أن يغير عليكم أكنتم مصدقيّ ؟ قالوا : ما جربنا عليك
كذباً . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " واضح المكان ، عالٍ ،
اللهجة واضحة ، الإدانة واضحة ، ننادي المؤمنين اليوم إلى الدخول إلى ساحة
الوضوح فيما بيننا وبين بعضنا ، فيما بيننا وبين أعدائنا ، فيما بيننا وبين
وأنفسنا ، فيما بيننا وبين أقرب الناس إلينا ، وقد قلت مرة ومنذ أكثر من خمسة
عشرة عاماً : ( الواضح رابح ) وإذا لم تكن واضحاً فلا تلومنَّ إلا نفسك إذ لم
تربح ، والوضوح يتجلى في أمور : يتجلى في الارتباط ويتجلى في المنهاج ويتجلى في
الأسلوب ويتجلى في المواقف والعلاقات .
يتجلى في الارتباط : بمن ترتبط أنت ؟ وما كُنْهُ وجودك الارتباطي
؟ المسلم يقول بكل وضوح كما جاء في الحديث الصحيح ارتبط بالله رباً وبالإسلام
ديناً وبالقرآن كتاباً وبمحمد نبياً ، جاء في الحديث الصحيح من قال : " آمنت
بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم
نبياً ورسولاً فقد استكمل الإيمان " وفي رواية : " فقد وجبت له الجنة "
ارتباطنا واضح ، ولا يجوز أن تدين إنساناً مسلماً من غير أقواله ، عليك أن تسمع
أقواله لتدينه أو لتحكم عليه ، وعلى المسلمين أن يقولوا من حيث ارتباطهم إننا
نؤمن بالله وإننا نؤكد على أن محمد رسول الله وعلى أن القرآن كلام الله وعلى أن
الإسلام دين الله الذي ارتضاه لنا :
﴿
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً
﴾
المائدة : 3
وضوح في الارتباط .
وضوح في المنهاج : ما منهاجك أيها الإنسان المسلم ، أيها الطالب
؟ أيها الأستاذ ، أيها المسلم حيث كنت : ما منهاجك ؟ كلنا يقول وأعتقد إذا سئل
هذا السؤال سيقول : منهاجي كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً : كتاب الله وسنتي "
وفي رواية : " كتاب الله وعترتي " الذين يحملون السنة والذين يفقهونكم في السنة
وفي الكتاب ، وضوحٌ في المنهاج ، كتاب الله بيدنا اليمنى وسنة رسول الله بيدنا
اليسرى ، ونحن ماشون ساعون سائرون في هذه الحياة الدنيا ، قولوا يا شبابنا ، يا
طلابنا ، يا أبنائنا ، يا مسؤولينا : إذا ما سئلتم من أي إنسان من غير تردد
إننا اتخذنا كتاب الله منهاجاً ، وسنة رسول الله الموضحة لكتاب الله منهاجاً ،
أيضاً واتخذنا رسول الله معياراً ، المنهاج كتاب الله ، والسنة والمعيار رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته وأصحابه .
أما الوضوح في الأسلوب : نحن دعاة ولسنا قضاة :
﴿
ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
﴾
النحل : 125
أنت داعٍ إلى الله عز وجل ، الأسلوب هو الدعوة ، والأسلوب هو المجادلة مع أهل
الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة ، الأسلوب هو الدعوة والأسلوب ، أنت داعٍ إلى
الله عز وجل ، والأسلوب هو المجادلة بما هو أحسن :
﴿
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
﴾
العنكبوت : 46
الأسلوب هو دعوة تتجلى مجادلة مع أهل الكتاب وتتجلى دعوة . أسلوبنا دعوة
بالحكمة ، بالموعظة الحسنة ومجادلة مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، وهذه الدعوة
على بصيرة : ﴿
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة
﴾
يوسف : 108
ونناقش الدعاة اليوم في العالم الإسلامي الدعاة في أن يكونوا دعاةً لا قضاة ،
وفي أن يدعوا لله على بصيرة . إياك والحديث الضعيف ، إياك والحديث الذي لم تفهم
دلالته ، إياك والمقولة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ، إياك والمعنى الذي لا
يحتمله كتاب الله ، إياك والشرود عن ساحة الدلالات الحقيقية لكتاب الله أو لسنة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إياك وعدم التأكد من صحة الحديث متناً أو
سنداً ، فالأسلوب ﴿
على بصيرة ﴾
ولقد ذكر صاحب كتاب إعلام الموقعين ابن قيم الجوزية قال : " إن أناساً منا
سَطوا على غير حقوقهم فتكلموا باسم الله غير مفوضين ، وقالوا عما أحل الله حرام
، وعما حرم الله إنه حلال ، فيا ويلهم إذ يوقِّعون من غير تفويض عن الله عز وجل
. على بصيرة ، وضوح في الارتباط ، ووضوح في المنهاج والمعيار ، ووضوح في
الأسلوب .
ووضوح في العلاقات رابعاً ، في المواقف: ما موقفك باختصار مع
الله ؟ ثلاثة أمور : إيمان بالله ، توحيد ، عبودية . الموقف واضح . ما موقفك ؟
ما علاقتك مع رسول الله ؟ ثلاثة أمور واضحة بيِّنه : تعرف ، إتباع ، حب . ما
موقفك مع القرآن الكريم ؟ ثلاثة أمور : تلاوة تتوجه للفظ بالعناية ، وقراءة
تتوجه للمعنى ، وتدبر يتوجه إلى التطبيق . ما علاقتك بالناس ؟
﴿
وقولوا للناس حسناً
﴾
البقرة : 83
فإن كانوا مؤمنين فهم إخوتنا نحبهم
وننصحهم ، وإن كانوا مسالمين وغير مؤمنين فسبيلنا معهم دعوة بالتي هي أحسن ،
بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإن كانوا معتدين مقاتلين سبيلنا معهم قتال ،
فقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم . ما موقفك مع المال : كسبٌ وإنفاق ؟ أما
الكسب فمِن حلال ، والإنفاق ففيما يرضي الله ، العلاقة واضحة . ما علاقتك مع
الوطن الذي تعيش فيه : حماية ورعاية ، أحميه من كل مكروه وأطوره . ما موقفك
أيها الإنسان مع الأنبياء ؟ لا نفرق بين أحد من رسله ، نؤمن بهم جميعاً . ما
موقفك أيها الإنسان مع كل هذا الكون ؟ هذا الكون سخره الله لي من أجل أن أكون
لله عبداً ، حينما أستخدمه حينما أسخره . القضية واضحة في العلاقات والمواقف ،
ويوم كانت المواقف غائبة وغامضة وغير واضحة حينها ابتعدنا عن سُدَّة النجاح
وقمة السيادة ، وأصبحنا تبعاً رعاعاً ، وأصبحنا همجاً لا قيمة لنا ، نحن في
حقنا لسنا واضحين ، وهم في باطلهم واضحون ، أفلا يجدر بنا أن نثقف أنفسنا لنكون
واضحين !
ما موقفك مع المقدسات ؟
﴿
ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب
﴾
الحج : 32
المسجد الأقصى مقدس وبالتالي يجب أن يكون معظماً ، وعلينا حين نسمع دولة ما
تسعى لتهدميه كما تسمعون اليوم أو تسعى لتقويضه أو تسعى لتخريبه فعلينا أن نسعى
جميعاً مسؤولين وشعوباً وحكاماً ومحكومين للدفاع عن مقدساتنا ، لأنها رموز ،
والإنسان يحتاج إلى رمز ، ولا تستهين برمز من رموزك ، فالاستهانة بالرمز سيؤدي
بك على أن تستهين بالمرموز ، إلى أن تستهين بالمعاني ، إلى أن تستهين بالقيم ،
قال ربي عز وجل عن بيت المقدس :
﴿
سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله ﴾
الإسراء : 1
وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة
مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى " علينا أن نحمي المقدسات
يا أبناء الإسلام ، يا أبناء المسجد الحرام ، يا أبناء المسجد النبوي ، يا
أبناء المسجد الأقصى . قال الإمام علي كرم الله وجهه عن المسجد الأقصى قال : "
نعم المسكن بيت المقدس ، القائم فيه كالمجاهد في سبيل الله ، وليأتين زمانٌ على
أحدكم يقول : ليتني كنت تبن في لَبِنة من لبنات بيت المقدس " لأن هذا المكان
موعد الخلافة المنتظرة ومحلها ، لأنه جاء في الأثر : " من أراد أن ينظر إلى
بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس " . موقفنا مع الشعائر حماية وتعظيم ،
ولذلك نستنفر الأمة بقضِّها وقضيضها ، بكل قدراتها وإمكانيتها لتقف سداً منيعاً
من أجل أمرين :
الأول : أن تمنع أعداء الله من أجل أن يقتربوا إلى المسجد الأقصى ، من أجل أن
يَمَسُّوا المسجد الأقصى والبيت المقدس بسوء .
والأمر الثاني : أن يسعى الناس المسلمون جميعاً إلى تحرير بيت المقدس من أعداء
الإنسان ومن أعداء الإسلام ومن أعداء القيم ومن أعداء الفضيلة ومن أعداء
الطهارة ومن أعداء الخير . موقفنا واضح لذلك يا شبابنا تمتعوا بالوضوح ، إن
سئلتم من أنتم ؟ فقولوا بوضوح من أنتم ، من تحبون ؟ حياة لا تنسجها خيوط الوضوح
تستحق لا أن تكون حياة وأن لا توصف بالحياة . جاء في ما كتبه أبو يعلى أن رجلاً
حكيماً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُدعَى أكثم بن صيفي قال لجماعته
وفي رواية لأولاده : إن رجلاً ظهر هناك في مكة فاذهبوا إليه واسألوه مايلي : ما
أنت ، ومن أنت ، وما الذي جئت به ؟ ثم أخبروني . فذهبوا إليه وقالوا له : من
أنت ، وما أنت ، وما الذي جئت به ؟ تعلموا يا شبابنا من تلك القصة وضوحكم في
الإجابة على هُويتكم وشخصيتكم منهاجكم . من أنت يا محمد ؟ قال : وهذا أعده
سؤالاً شخصياً قال : " أما من أنا فأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم
بن عبد مناف ... " إلى آخر النسب الشريف ، " وأما ما أنا - وهو سؤال الهوية -
فأنا رسول الله وأنا عبده ، وأما الذي جئت به قرأ عليهم صلى الله عليه وآله
وسلم : ﴿
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر
والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
﴾
النحل : 90
وطلبوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعيد هذه الآيات حتى حفظوها ثم
عادوا إلى أكثم وقالوا له : هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب من حيث الشخصية
، وهو عبد الله ورسوله من حيث الهوية ، وأسمعوه الآيه التي ذكرها النبي لهم ،
وقف أكثم ثم قال : ارجعوا فآمنوا في هذا النبي وكونوا في هذا الدين رؤؤساً ولا
تكونوا فيه أذناباً ، فإنه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن سفاسفها " عما لايليق
بالإنسان أن يتخلق به . ارجعوا فآمنوا . هل نحن في هذا الدين رؤوساً أم أذناباً
؟! وأريد ان يسأل كل واحد منا نفسه ، ولعلنا إذا أجبنا أنفسنا وقلنا إننا أذناب
سنسأل أنفسنا السؤال التالي : لماذا أصبحنا أذناباً ولم نكن رؤؤساً ؟ لأننا
جهلنا ديننا ، لأننا لم نكن واضحين ، لأنني لا آمن منك أنت أخي في الجامع ولا
تأمن مني أنت الذي تدخل إلى الجامع ، لأنك تحقد علي وأحقد عليك ، لأننا وفرنا
الحقد على أن نوجهه لأعداء الله فجعلناه فيما بيننا ، من أجل هذا أصبحنا
أذناباً ولم نكن رؤؤساً . يا أبناء أمتي : إلى الوضوح في المنهاج والمعيار ،
إلى الوضوح في الأسلوب ، إلى الوضوح في المواقف . عند ذلك سنعيش في أمان وسنكون
في الدين رؤؤساً . إلى الوضوح في المواقف قبل أن يستغل غيرنا عدم الوضوح فيما
بيننا فينسب لبعضنا قتالَ بعضنا ، تدمير بعضنا ، وسنصدقه لأنك مشروع من مشاريع
الحقد علي ولأني مشروع من مشاريع الحقد عليك ، وبالتالي يتدخل العدو لينفذ
مآربه ، وينسب هذا الذي نفذه لأخيه ما دام تصرف أخيك يحتمل هذا . انظروا إلى ما
يحدث في العراق ، انظروا إلى ما يحدث في فلسطين من اختلافات بين المله الواحدة
، أصبح الأخ يهدد أخاه ، وأصبح الأخ يعتدي على أخيه ، ويأتي عدونا ليتستغل هذا
الأمر وإذ به ينشب أظفاره بيننا وينسب هذه الأظفار إلى بعضنا والوضع يتحمل .
بئسما نعمل وبئسما ما نتصرف . على الوضوح يا أمة الوضوح ، يا أتباع النبي الشمس
الساطع الضياء : ﴿
قد جاءكم من الله نور
﴾
المائدة : 15
وجُلّ المفسرين على أن النور محمد
﴿
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام
﴾
المائدة : 15-16
.
اللهم إنا نسألك وضوحاً في ارتباطنا ، ووضوحاً في منهاجنا ، ووضوحاً في أسلوبنا
، ووضوحاً في علاقاتنا ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول
واستغفر الله .
التعليقات