آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سُبُل العز

سُبُل العز

تاريخ الإضافة: 2004/12/17 | عدد المشاهدات: 3130

أما بعد ، أيها الأخوة المؤمنون :
لا شك أن للإسلام أعداء ، ولا شك في أن هؤلاء الأعداء يعملون ليل نهار من أجل أن لا تقوم للإسلام ولا للمسلمين قائمة . والسؤال الذي يطرح نفسه : ما الذي يفعله هؤلاء حتى لا تقوم للإسلام والمسلمين قائمة ؟ ما الذي يفعله هؤلاء الأعداء حتى يبقى ويستمر المسلمون أذلاء ؟ ما الذي يفعله هؤلاء الأعداء حتى يبقى الأعداء محتلين ، مستعمرين ، يسومون المسلمين سوء العذاب ؟
أقول وبكل بساطة : إن أعداء الإسلام والمسلمين على اختلاف مظاهرهم ، واختلاف أشكالهم ، واختلاف توضعاتهم الجغرافية ، واختلاف ما يمكن أن يتجلببوا به من مبادئ أو مذاهب كل هؤلاء يسعون من أجل استمرار كونهم مستعمِرين من أجل أن يبقى المسلمين مستعمَرين أذلاء إلى بذر ثلاثة أمراض أسميها الأمراض القاسية الصعبة السرطانية ، الأمراض القاتلة ، هذه الأمراض – بكل اختصار – هي الفرقة فيما بيننا ، والمرض الثاني هو الضعف ، والمرض الثالث هو الجهل . لا أريد أن أتحدث عن هذه الأمراض ولا أن أفصل فيها ، ويكفي لمن أراد معرفة تفاصيل لها أن ينظر وضع المسلمين ، وأن يدرس حالهم ليتبين الفرقة وقد ضربت أطنابها فيهم ، ويتبين الضعف وقد حل ساحاتهم ، ويتبين الجهل وقد خيمت غيمته السوداء الداكنة الحاملة للعذاب في سمائنا ، في سماء المسلمين . لكنني وأنا أرفض الحديث عن الأمراض أريد أن أوجه كلامي وحديثي من أجل أن نتشارك في الحديث عما يجب أن نواجه به هذه الأمراض ، عن أضداد هذه الأمراض ، وهي معالم صحة لا شك في ذلك ولا ريب ، فما علينا إلا أن نقابل الفرقة بالوحدة والاعتصاد والتعاون ، وما علينا إلا أن نقابل الضعف بالقوة والمنعة ، وما علينا إلا أن نقابل الجهل بالعلم والمعرفة . لذلك هي أمور ثلاثة يا أمة الإسلام في كل مكان ، يا أيها المسلمون الساعون إلى خلاص من وهدة الذل والهوان والاستعمار ، يا أيها المسلمون الذين تبغون النجاة من واقع أليم ، من واقع مرير ، هيا إلى الوحدة والاعتصام بحبل الله جميعاً ، هيا إلى القوة ، هيا إلى العلم والمعرفة ، هيا من أجل أن نمتثل أمر الله عز وجل إذ قال لنا فيما يخص الوحدة والتعاون :
  ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا آل عمران : 103 هيا من أجل أن نمتثل قوله تعالى :       ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان المائدة : 2 من أجل وحدة مفروضة فرضها الله عز وجل علينا . هيا من أجل أن نمتثل ومن أجل أن نهتدي ، ومن أجل أن نقتدي بقول الله عز وجل الذي وصف به رسوله وصحابة رسوله رضي الله عنهم : ﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم الفتح : 29 أين نحن فيما يخص الوحدة والتعاون من قول نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال كما جاء في البخاري ومسلم : " ترى المؤمنين في توداهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " أين نحن من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري ومسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً " ثم شبك بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم . أين نحن منه أيها الحكام للعالم الإسلامي ، أيها الحكام بعالم العرب ، أيتها الشعوب الإسلامية والعربية ، أيها المثقفون ، أيها العاملون ، اين نحن من سعيٍ جاد وأكيد من وحدة طلبها الله عز وجل منا ، من تعاون طلبه ربنا منا ، وطلبها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم منا ، أوما تسمعون بالاتحاد الأوروبي كيف يتحد ويتعاون أعضاؤه ودوله ؟! ألم تسمعوا بسعي جاد في دولة مسلمة تدعى تركيا تريد الدخول في هذا الاتحاد ! الاتحاد قوة هكذا تعلمنا وهكذا طلب منا أن نكون ، وهكذا يسعى الغرب الذي شئنا أم أبينا هو أقرب إلى المستعمر البغيض منه إلينا ، لأن القضية في النهاية قضية دين أو لا دين ، قضية إسلام أو لا إسلام ، قصية إيمان لهذا الكتاب الكريم أو لا إيمان بالقرآن الكريم . الاتحاد الأوروبي يجتمع في هذه الأيام من أجل أن تزداد رقعته والمسلمون حتى في البلد الواحد يختلفون ، حتى في المدينة الواحدة يختلفون ، حتى في البلد الذي يحتله الأمريكيون يختلفون ، ويتعادون ، وهذا يشتم هذا ، وهذا يقتل ذاك ، وذاك يفجر الآخر ، ولا تعاون ولا وحدة ولا ائتلاف ولا تضامن . اجتمع الأعداء على تفرقنا فاستجبنا لاجتماع الأعداء على تفرقنا . في إسرائيل ، في الكيان الصهيوني يتعاون حزبا الليكود والعمل والفصائل الفلسطينية لا تتعاون ولا تجتمع ولا تتحد ، والعجيب في كل هذا أن التعاون والوحدة كما قلت لكم فريضة من الله عز وجل علينا ، فأين قيامنا بهذه الفريضة يا أيها المسلمون ، أين قيامنا بهذا الأمر في مواجهة الفرقة التي يسعى أعداؤنا والمستعمر البغيض من أجل زرعها بيننا في أراضينا ، في بيوتاتنا الصغيرة ، في أقطارنا ، في بلادنا . نحن نعدُّ في الوطن العربي مائتي مليون لكننا في نفس الوقت نعد أكثر من اثنتين وعشرين دولة ، حتى إن بعض الدول لا يتجاوز عدد سكانها مائتي ألف . حتى إذا ما رأينا دولة يَعُدُّ سكانها عشرين مليون قلنا إن هذه الدولة كبيرة ، ذلك أننا عهدنا وتعودنا أن نرى دويلاتنا صغيرة يقسمها المستعمر وفق قانون يسمى بـ " فرق تسد " الفرقة ضربت أطنابها فينا ونحن مستسلمون لها ، ونحن جاهزون للفرقة إن على أساس المذهب فأهلاً وسهلاً ، فها نحن متفرقون ، هذا صوفي وذاك سلفي ، وثالث سني ، ورابع شيعي ، وخامس على أساس العرق كردي ، وسادس عربي ، وسابع تركماني ، وثامن وتاسع على أساس من أمور يريد أعداؤنا أن تكون فياصل ، أو أن تكون فيصيلاً في التفرقة ما بيننا ، ونحن مستسلمون وسادرون . أين سعينا في مواجهة سعي الاتحاد الأوروبي ، وقد سَعَت قبله الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تكون اتحاداً وولايات متحدة ، وقد اتحدت منذ زمن غير قصير ، فهي كما تعلمون أكثر من خمسين ولاية اجتمعت ، وهذا هو الاتحاد الأوروبي أو هذه بلدان أوروبا تجتمع اليوم لتشكل اتحاداً كبيراً ، أما العالم الإسلامي فممزق ، والعالم العربي ممزق على أساس من دين أو على أساس من مذهب أو على أساس من عرق ، حتى البلد الواحد يراد له أن يُمَزَّق وأن يقسم ونحن نستجيب من خلال فعلنا ومن خلال سلوكنا . لا أريد أن أحدثكم عن تفاصيل ، فربما كان بعضكم أدرى مني بذلك ، لكنني أذكركم من على هذا المنبر أذكر بفريضة الوحدة وفريضة التعاون في مواجهة الفرقة التي يريد أعداء الله زرعَها في بلادنا وقلوبنا وعقولنا وأجسامنا . فلنواجه هذا المرض القاتل بصحة وعافية من خلال الوحدة والتعاون .
فلنواجه الضعف الذي يريد أعداء الله تكريسه فينا بقوة . ومن الذي قال : إن الإسلام لا يدعو إلى قوة ؟! من الذي قال : إن الإسلام لا يريد من أتباعه أن يكونوا أقوياء ؟! أليس سيدنا النبي محمد عليه وآله الصلاة والسلام قال كما في البخاري ومسلم : " المسلم القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍ خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجِز " استعن بالله ولا تكن عاجزاً ، ولا تكن ضعيفاً ، نريد ان نكون أقوياء ، نريد أن نتقوى بالوحدة ، ونريد أن نتقوى بامتلاك ما يساعدنا على دعم الحق ، وعلينا أن لا نخاف من اتهاماتٍ تكال وتقال ونُرمى بها . هذه الاتهامات هي الإرهاب . لا . من الذي قال بأننا إرهابيون ؟! ونحن نقوي أنفسنا في مواجهة الضعف الذي يراد لنا حتى نبقى أذلاء وحتى يبقى الخير الذي ندعو إليه وهو الإسلام حتى يبقى الخير ضعيفاً لا ينتشر بل يُراد لشرٍ أن ينتشر في العالم . وهذا ما تسعى إليه صهيونيةٌ غاشمة ، وأمريكية وتبشيرية مسيحية متطرفة ، يتعاونان من أجل القضاء على خير يحمله الإسلام في طياته وثناياه ، في مصادره ، في قرآنه وسنة نبيه عليه وآله الصلاة والسلام .
المرض الثالث : الجهل فلنواجهه بالعلم . إلى العلم يا شباب ، إلى العلم يا أبناءنا ، إلى التعلم ، إلى المعرفة ، أوليس نبيكم عليه وآله الصلاة والسلام قال كما جاء في سنن ابن ماجه : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " ألم يقل النبي ذلك ؟! أين سعينا للتعلم ؟! لقد قضينا أوقاتاً كثيرة في اللهو ، في التمتع الفارغ ، وأعتقد أن الأوان منذ زمن قد آن من أجل أن نعوّض هذا الجهل الذي خيم علينا واستشرى بنا ، والذي دخل كل خلايانا ، أن نستعيض عنه بالعلم والمعرفة ، فجامعاتنا مسؤولة ، ومدارسنا مسؤولة ، ووسائل إعلامنا مسؤولة عن تعليم أبنائنا وبناتنا ونسائنا ورجالنا وشبابنا ونسائنا ، كل ذلك مسؤول ، وأنت أيها الشاب ، أيها المسلم في أي سنٍ كنت مسؤول عن علقك من أجل أن تعلمه ، من أجل أن تعمله في ما يعود عليك بالخير ، ولا عمل للعقل إلا بالعلم والمعرفة . فتعلم ولا تضعن نفسك في مصافِّ الأميين . أنت تقول بأنك تركت المدرسة وبالتالي فلستُ معنياً ، ولست مخاطباً بالخطاب الذي ينادي للعلم . لا يا أيها الرجل ، لا يا أيتها المرأة . طلب العلم فريضة على كل مسلم سواءٌ أكان في المدرسة أم كان خارج المدرسة . تعلم . ولو أن كل واحد منا سأل نفسه مساء كل يوم عما تعلم فيما إذا كان قد تعلم ، أو إذا لم يكن قد تعلم فكان قاسياً على ذاته إذ لم يتعلم وعاهد ربه على العلم والتعلم ، فأعتقد أنه في اليوم الثاني سيوجهه من أجل أن يكون متعلماً .
أيها الإخوة :لأننا جاهلون يستعمرنا المتعلمون ، ولأننا جاهلون نتقاتل فيما بيننا ، ولأننا جاهلون لا عز لنا ، وقديماً كنا نتعلم في المدرسة :
العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والكرم
وأصبحت بيوتنا – والحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه – أصبحت مهدومة ومهدمة بفعلنا .
يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في سنن الترمذي وقال حديث حسن : " إن الله وملائكته وأهلَ السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير " وفي رواية : " حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير " فأين معلمو الخير فينا ، وأين متعلمو الخير في أمتنا ، في بلدنا. يا وسائل الإعلام في بلادنا : كوني من الذين يصلي عليكِ الله وملائكته وأهل السموات من خلال تعليمكِ الناس الخير . نريد لوسائل الإعلام أن تكون مساهِمة مساهَمة جادة في ذلك ، في رفع الجهل عنا ، وفي إنزال وابل العلم والمعرفة على قلوب وعقول أبنائنا ، فاللهم نسألك يا رب أن تعلمنا ، نسألك يا رب أن توفقنا للعلم والمعرفة ، للقوة والمنعة ، أن توفقنا للوحدة والتعاون . لا أريد أن أعدد أكثر من هذا ، لكنني أريد أن أؤكد بدلاً من أن أعدد ، أن أؤكد على أنه لا خلاص لنا من وضع ذليل نعيشه ، ومن وضع قاسٍ نعيش رحابه وأرضه وساحته ، لا خلاص لنا إلا بالوحدة والتعاون في مواجهة الفرقة ، في مواجهة التمزق ، ولا خلاص لنا إلا بالقوة في مواجهة الضعف ، ولا خلاص لنا إلا بالعلم والمعرفة في مواجهة الجهل الذي استشرى وضرب أطنابه فينا . يا أيها الشباب : هي أمور ثلاثة ، لا نريد أن نغادرها ونحن نعمل ، ونحن ندرس ، ونحن نشتغل بالوحدة والتعاون ، القوة والمنعة ، العلم والمعرفة ، أمور ثلاثة ضعوها نصب أعينكم واشتغلوا بها ، ومن رأيتم منا يواجهها وينقضها فانبذوه واتركوه ، ولا تتعاملوا معه . نحن نريد من يعمل لهذه الأمور التي تخرجنا من واقع الضعف الذي ألمَّ بنا ، فاسعَوا إلى وحدة ، إلى قوة ، إلى علم ، ثلاثية ما أظن أن سبل العز تتجانبها أو تجتنبها ، وما أظن أنس سبل المكانة اللائقة باللإنسان تغادرها ، فهيا إليها ، وأملي كبير في أن نوفق في سورية لهذا ، وفي العراق ، وفي فلسطين ، وفي السعودية ، وفي مصر ، وفي ليبيا ، وفي المغرب ، وفي الخليج ، وفي باكستان ، وفي أفغانستان ، وفي تركيا ، وفي كل بلد مسلم ، وفي كل بلد عربي . أملي كبير .
اللهم إنا نسألك يا ربنا لأمتنا الوحدة ، ونسألك لأمتنا يا ربنا القوة ، ونسألك لأمتنا العلم والمعرفة ، اللهم إنك على كل شيء قدير ، نعمَ من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول واستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق