آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الإنسان الكامل

الإنسان الكامل

تاريخ الإضافة: 2005/07/01 | عدد المشاهدات: 2829

أما بعد ، فيا أيها الإخوة المؤمنون : 

يقال في علم النفس : إن لدى الإنسان فضولاً إيجابياً يسعى لإروائه ويتطلع إلى إشباعه. فأنت أيها الإنسان عندما تكون تاجراً ، على سبيل المثال ، فإنك تسعى بدافع الفضول الإيجابي إلى أن تتعرف على من يفوقك في ميدان التجارة ، ويفضلك فيها . وهذا ما يصدق على الأستاذ والعامل والرئيس والوزير ... إلخ . وإذا ما كان الحال كذلك ، فلننتقل إلى الإنسان عموماً لنقول : أيها الإنسان: ألم تفكر في أن تتعرف على إنسان مثلك من حيث الإنسانية ، لكنه يفوقك تحققاً بها وتمثلاً لها ؟ لماذا لا تسعى أيها الإنسان من أجل أن تتعرف على إنسان كامل يفوقك ويفضلك تحققاً بالإنسانية في الإنسانية .
ألم تسعَ بدافع الفضول الإيجابي إلى أن تتعرف على إنسان كامل حتى تتقلد خطاه وتتخذه أسوة وقدوة ! أرى أننا في هذه الناحية مقصرون ، والدليل على ذلك أننا لا نسعى هذا السعي ، ولا نتوجه هذا التوجه . فأنت أيها الشاب ، أيها الرجل هل تسعى للتعرف على الإنسان الكامل لتروي الفضول الإيجابي لديك ! أم أن الفضول هنا يتحول إلى خمول !
وأعتقد أنكم عرفتم المراد من الإنسان الكامل فهو نبينا وقدوتنا وأسوتنا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لذلك قلت في نفسي كم نحن مقصرون في حق إنسانيتنا وأنفسنا وفي حق ما تتطلع إليه دوافعنا الإيجابية والمثالية .
البارحة تناولت كتاب صحيح البخاري ، وقلت في نفسي سأعمق التعرف على النبي حتى ألبي هذا الدافع الإيجابي ، وإذ بي أرى أحاديث كثيرة ما أروعها وأعظمها وهي التي توصلني بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعرفني عليه أكثر وأكثر ، والتي آمل أن تكون مفتاحاً لمتابعة التعرف حتى يكون الفضول الإيجابي قد أروي وأشبع إشباعاً جاداً كاملاً .
إن علاقتك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ذات أربعة محاور:
1 – علاقتك بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم علاقة إنسان ناقص بإنسان كامل ، لذا وجب عليك أن تتعرف عليه .
2 – علاقتك بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم علاقة إنسان متعلم بإنسان معلّم ، لذا وجب عليك أن تتعرف عليه .
3 – علاقتك بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم علاقة إنسان مَقُود بإنسان قائد ، فإن لم يكن هو صلى الله عليه وآله وسلم قائدك فقل لي من الذي تتخذه قائداً كاملاً .
4 – علاقتك بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم علاقة إنسان بمبدأ ، وهاأنت ذا تقول من أجل أن تدلل على إيمانك بالمبدأ إيماناً صحيحاً: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) .
فأين تلك العلاقات بينك وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟! وأين السعي من أجل أن تكون قوية متينة ؟!
لقد أصبحنا في لهو وشغل عن هذا ، ويا ليت أننا كنّا في شغل فاكهين ، ولكننا في شغل ضائعين .
أخذت ثمانية أحاديث من صحيح البخاري ، ووضعت لكل حديث عنواناً ، وقلت لأقرأنها على الناس من أجل أن يزدادوا معرفة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأؤكد من أجل أن يكون هذا مفتاحاً للمعرفة والتعرف .
الحديثان الأول والثاني: (ضرورة الحب): قال صلى الله عليه وآله وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " . أين معرفتك بهذا الحديث ؟! وأين جهدك في تطبيقه ؟!
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " ثلاثة من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يقذف في النار " .
الحديث الثالث : (التواضع) : قال صلى الله عليه وآله وسلم : " ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم . فقال له أصحابه : وأنت يا رسول الله ؟ قال : نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " . كان يرعى الغنم فأضحى يرعى الأمم .
الحديث الرابع : (الشجاعة): يقول أنس " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس وأشجع الناس ، وقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت ، وإذ بهم يستقبلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتياً من جهة الصوت ، وقد استبرأ الخبر ، وهو على فرس عري لأبي طلحة ، وفي عنقه سيف ، وقال: لم تراعوا " .
الحديث الخامس : (العظمة): قال صلى الله عليه وآله وسلم : " لي خمسة أسماء : أنا محمد وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب والعاقب من لا نبي بعده " . نعم ما أعظمك يا رسول الله ! من ذا الذي يستطيع أن يقول ما قلت بكل ثقة وقوة ؟!
الحديث السادس : (التيسير): عن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه ، وما انتقم لرسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها " .
كان صلى الله عليه وآله وسلم داعي تيسير وداعي رحمة ، لكننا اليوم غدونا أمام صور لا تمتّ إلى رسول الرحمة بصلة ! أفنصدّقها على أنها مسلمة ؟ لا ورب الكعبة ... أريد أن أتساءل حول ما وقع يوم أمس في لندن من تفجيرات :
أترون هذه التفجيرات تعبّر عن تيسيرٍ جاء به الإسلام ، وعن رحمة جاء بها الإسلام !
أتراها تعبّر عن أنموذجية جاء بها رسول الإسلام !
أترك الحكم لكم من أجل أن تنقلوا ما في دواخلكم على ألسنتكم .
ما ذنب الأبرياء الذين قتلوا ؟!
نحن نتحدث عن رحمة وعن تيسير فأين هما ؟؟!!
الحديث السابع : (المسؤولية الرحموية) : قال صلى الله عليه وآله وسلم : " إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش يقعن فيها ، فجعل ينزعهنّ ويغلبنه فيقتحمن فيها ، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها " .
رسول الله حريص علينا ، رؤوف بنا ونحن عنيفون على أنفسنا بالمعاصي والآثام وبالتعسير وبالقسوة وبكل مالا يليق بإنسانيتنا .
الحديث الثامن (الإنتاج) : يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً . ولعل قائلاً يقول : ولِمَ البكاء الكثير والضحك القليل أليس في هذا شدة وشيء من الصعوبة ؟! أقول بعدما أمعنت النظر في الحديث وشروحه وصلت إلى ما يلي : (البكاء) عنوان الإنتاج والعمل ، و(الضحك) عنوان الراحة والرفاهية . ونحن أمة تضحك وترتاح ولكنها ترتاح بقدر ... أما البكاء الذي هو عنوان العمل والإنتاج فهو الذي يجب أن يفترش المساحة الأكبر من زماننا . لو تعلمون ما أعلم من أن الآخرة تتطلب عملاً وأن الدنيا تتطلب عملاً وأن السيادة الحقة الرحيمة تتطلب منا عملاً ... لبكيتم كثيراً أي لعملتم كثيراً وأنتجتم كثيراً ، لأن الدموع تعني إفراز ما يستطيع الإنسان إفرازه في مجاله وميدانه أما الضحك فعجز ( صوت يعبر عن رفاهية وراحة ) وقد أضحينا اليوم نقول بحالنا نضحك كثيراً ونبكي قليلاً أو لا نبكي البتة . فنحن أمة ارتاحت حتى الموت ، ونحن أمة رفهت نفسها حتى الضياع ، ونحن في تسلية وفي عدم إنتاج حتى أصبحنا منتوجاً من منتوجات الآخرين ... فنحن في بلادنا العربية والإسلامية نعيش ما أنتجه المستعمر فسورية ولبنان وفلسطين والأردن إنما هي إنتاجات لمستعمر عمل وبكى كثيراً وضحك قليلاً فأفرز بلداناً مقطعة ويحاول أن يفرز عراقاً وعراقات وفلسطين وفلسطينات وبلاداً متشعبة وها هو ينادي بشرق أوسط كبير تكون إسرائيل أكبر دولة فيه . إنه عمل وأنتج وأفرز . أتريدون أن نقابل بكاءه الكثير بضحكنا الكثير ؟ أتريدون أن نقابل ضحكه القليل بضحك كثير ؟ نحن أمة تضحك وتتسلى وترفه نفسها . أتريدون أن نواجه تلك الأمم التي تشتغل لنفسها بتفجيرٍ هنا وتفجير هناك وهل هذا يعيد الأمر إلى نصابه والسيف إلى قرابه ؟! ما أظن الأمر كذلك . وهل تظنون أننا إذ نقف في الجامع في رمضان وفي غير رمضان ندعو الله عز وجل في نصف ساعة أو ساعة ثم نمضي بقية وقتنا في الضحك والتسلية والرفاهية والتلذذ سوف نحقق ما يجب علينا ! ما الذي صنعناه ؟ ما الذي أنتجناه ؟ أين محلنا في الفضاء ، على الماء ، في الصحراء ؟
أعتقد أننا نملك أصواتاً مطربة كثيرة لكننا لا نملك مكبراً ولا نمتلك مسرحاً لكننا نملك مطرباً ماجناً ومطربةًً ماجنة ومطربة عاهرة لا تمت إلى الأخلاق بصلة . أتريدون بهذا أن نواجه أمماً تصنع وتنتج وتسود بمقومات أتريدون في النهاية أن نقطع علاقتنا بنبينا من خلال ثقافة ووسائل إعلامية مغرضة ؟ أروني الإنسان الذي تضعونه أمامكم بدافع الفضول الإيجابي وتتقلدون خطاه أعتقد أن القضية بالكلية غائبة عنا .
اللهم إني أسألك أن تجعل سيدنا محمداً إنساناً أمثل في أعيننا حتى نتقلد خطاه . اللهم إني أسألك أن تجعل سيدنا محمداً معلماً لنا حتى نتعلم منه بجدية . اللهم إني أسألك أن تجعل سيدنا محمداً قائداً لنا حتى نقتدي به بجدية . اللهم إني أسألك أن تجعلنا موصولين بالمبدأ الحق صلة حق وصدق وأمانة لا صلة هوجاء ولا صلة عشوائية لا تعرف ما تريد وإنما تركب الإسلام على هواها . أسألك يا رب أن تجعل حبك وحب نبيك أحب إلينا من كل شيء ، أن ترد شبابنا وحكامنا ونساءنا إلى دينك رداً جميلاً لتعود السيادة الرحيمة العطوفة الرؤوفة لهم إنك على كل شيء قدير .

التعليقات

شاركنا بتعليق