آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024
عكام


بحوث و مقولات

   
الإسلام والموسيقى

الإسلام والموسيقى

تاريخ الإضافة: 1970/01/01 | عدد المشاهدات: 6196

الموسيقى والغناء في التراث الديني

أ. الإسلام والموسيقى :
فالحديث عن الإسلام حديث عن مضمون وأسلوب، فالإسلام بعقيدته وشريعته مضمون صالح أيما صلاح للإنسان ، والموسيقى أسلوب من جملة الأساليب الجميلة التي تؤدى ويقدم بها هذا المضمون .
وإذا كانت الموسيقى تعني النغمات الموزونة التي يترقرق فيها الصوت الحسن الحامل للكلمة الطيبة النافعة المنتجة فما أروعها إذاً من صيغة يتبناها العقل المتدين والدين المتعقل .
لقد حرصت الرسالات السماوية على رعاية الإنسان وفعلت أحاسيسه الناعمة، ليستقبل عطاءها بحب، ومن هنا قال صلّى الله عليه وسلّم: (ما بعث الله نبياً إلا كان حسن الصوت حسن الوجه) [1] .
وكذلك فقد أكد بواقعية ذلك يوم صدر تشريع الأذان، وهو الدعوة إلى الصلاة فقال لعبد الله بن زيد مَن رأى في منامه كيفية الأذان وكلماته وأُقر على ذلك: (لقنها بلالاً فإنه أندى منك صوتاً) [2] .
وتتابع المهمة في قرن المضمون والأسلوب لتتجلى واضحة في دعوة أكيدة وجادة إلى مَوسقة القرآن والتغني به، فقد سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا موسى الأشعري يتلو القرآن بالموزون من النغمات فامتدحه وقال: (يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داوود) [3] .
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي يتغنى بالقرآن)، وفي رواية: (لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن) [4] .
ويقول أيضاً مؤكداً على تزيين القرآن بالصوت واللحن: (زينوا القرآن بأصواتكم) [5] ويقول أيضاً: (حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً) [6].ويصل الأمر إلى حد من أنكر ضرورة هذا القرن والجمع بين الكلمة وتحسين الأداء أعني أداءها غناء وتلحيناً: (ليس منا من لم يتغنى بالقرآن) [7] .
ويدعو النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى لحن يناسب الكلمة في جنسيتها فيقول: (اقرؤوا القرآن بلحون العرب) [8] .
ولعل الأمر لا يقتصر فقط على الكلمة الجادة من أجل تقديمها عبر قناة الموسقة والتغني، بل هناك ممارسات نبوية قدوة تؤكد على تبني الكلمة المسلية والفرِحة لتصاغ في قالب لحني، فتتشكل مساحة فنية ترفيهية ضرورية لهذا الإنسان العامل الساعي، ففي الإسلام فسحة كما يقول صلّى الله عليه وسلّم : (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إنا بعثت بحنيفية سمحة) [9] . والفسحة رئة في جسم الحياة أو بالأحرى متنفس يجدد عبرها الإنسان نشاطه، حتى يتابع المسير والمسيرة بفاعلية وانسجام.
ولذلك أيضاً جاء الحديث العظيم ليقول: (روحوا القلوب ساعة فساعة) [10] .
ويروي البخاري أيضاً عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها، والنبي صلّى الله عليه وسلّم عندها يوم فطر أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان. فقال أبو بكر: مزمار الشيطان (مرتين). فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وإن عيدنا هذا اليوم) [11] .
ويروي البخاري أيضاً عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال لها نبي الله يا عائشة: (ما كان معكم من لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو، وفي رواية فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني)، وفي رواية: (أدركيها بزينب، وزينب امرأة كانت تغني بالمدينة) [12]
وعن عامر بن سعد البجلي وقد دخل على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري وزيد بن ثابت وإذا عندهم جوار يغنين ويضربن بالدف فقلت: أنتم أصحاب رسول الله من أهل بدر يفعل هذا عندكم؟ فقالوا: اجلس معنا إن شئت فاسمع معنا وإن شئت فاذهب، فقد رُخّص لنا في اللهو في العرس) [13] .
أرأيتم إلى اللحن يكتنف الكلمة الجادة ويطلب ليرافق الكلمة المسلية في زمن الفسحة، واللهو المؤدي إلى نشاط في بقية الميادين البناءة.
نعم لقد لحنت كلمة التشريع، وكذلك تلك التي تدعو وتحرض إيجاباً في البناء والحرب، وكلنا يذكر نشيد حفر الخندق في غزوة الخندق، وذلك الذي قيل في استقبال النبي صلّى الله عليه وسلّم المهاجر من مكة إلى المدينة، من قبل النساء والرجال على حد سواء:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

أيها المبعوث فينا

جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة

مرحباً يا خير داع

والعناية التي انصبت على فقه الكلمة، ونحوها وصرفها في صدر الإسلام لم تكن أكثر من تلك التي كانت للحن والموسقة، فقد نقل ابن عبد البر في التمهيد ج10ص115، وعبد الحي الكتاني في التراتيب الإدارية ج2ص134: "أن علم الموسيقى كان في الصدر الأول عند من يعلم مقداره من أجلّ العلوم ولم يكن يتناوله سوى أعيان العلماء وأشرافهم".
وينقل الأدفوي في "الإمتاع بأحكام السماع" ص 117 عن الإمام البخاري قوله: "لم يختلف النقلة في نسبة الضرب بالعود إلى أشهر المحدثين وأوثقهم وأكثرهم رواية بالمدينة".
ويقول الإمام الغزالي في الإحياء ج2ص248 : "ولم يزل الحجازيون عندنا بمكة يسمعون السماع في أفضل أيام السنة، ثم قال ولم يزل أهل المدينة مواظبين كأهل مكة على السماع إلى زماننا هذا ".
على أن الكلمة المسلية أو تلك التي كانت في أي ميدان ينبغي ألا تنقطع عن الكلمة الأصل أو الكلمة الأم، أو الكلمة المكون، أو الكلمة الإنسان، وألا يكون بينهما تنافر أو تضاد، بل الانسجام مطلوب بين كل ما يصدر عن الإنسان في كل المجالات والصعد.
" أخرج منك ليصدر عنك ما يليق. وإياك وما لا يليق" فالذي يؤمن بالله عبر الكلمة المعبرة المصدقة ، لا يتغنى بكلمة ملحدة ،والذي يدندن حول الفضيلة في وجوده ورسالته، لا يتهاوى في عبارات الرذيلة غناء أو شعراً ….
والذي يحب الوطن أساساً يعيش عليه، وحقيقة يحيا بها وينافح عنها لا يصدر عبر غنائه ما يرمي هذا الأساس بالنقض.
و الذي يجد في تكوين الأسرة وسلامتها وطيب علاقات أفرادها لا يموسق كلمات تنقض هذه الخلية الأهم في تكوين المجتمع. وهكذا…
يا ناس : الألحان و الأنغام هي هي ، فلم لا تكون الكلمة هي هي؟!! والمطلوب من الإنسان – يا سادة – إنسانية في كل حال، فلماذا لا ننادي بالكلمة المطابقة والموافقة لإنسانية الإنسان في كل حال أيضاً؟!!
الموسيقا علم، وعلم هام، وقد صنفت تحت ما يسمى بعلوم الأدوات، والإسلام معها ، كما هو مع بقية العلوم يحض عليها وينادي إليها، ويروضها مقودة لقيمة "الخير" فالخير قيمة أعلى تحكم كل العلوم والفنون ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) كما جاء في القرآن الكريم.

ب . مساهمة في خدمة " الأغنية السورية التي أريد لها إغناء التراث":

لقد رفع شعار في هذا المهرجان " من أجل أغنية سورية تغني التراث" وهو شعار طيب، والتراث المراد إغناؤه عربي الشخصية، إسلامي الهوية، والإسلامية المعنية هنا واسعة سعة التاريخ الممتد إلى عمق اتصال الإنسان بالسماء، وسعة الجغرافيا المكتنفة لكل المتعايشين في ظلال رسالات السماء المتعاقبة (ووصى إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و انتم مسلمون ).
وإذا كانت الأغنية تقوم على ثلاثة أركان هي اللحن والكلمة والأداء، فما أحرانا أن ندعو إلى لقاء مع التراث لهذه الأركان، وذلك بما يلي: فاللحن إنساني ، والكلمة سماوية، والأداء حيوي، والمجموع حضارة، والمتبني سورية الغالية مهد الحضارات ومأمل السعادة إلى الإنسان الحضاري الأنموذج.
اللحن الإنساني: لأن الموسيقا لازمة إنسانية هي فيه أصلية، وهو لا ينفك عنها، في تعبيرات الوجود وتجلياته، نبض قلب، ورفة عين، وإيقاع مسير، وعزف فم في حركة آسرة على وتر الحرف، فالكلمة سيمفونية الحياة أو هي –والعياذ بالله – النشاز والإبادة.
والكلمة سماوية المصدر: عُلوية المعنى، سامقة الاتجاه، عصيّة على التدني والسفاهة، قالبها عربي فصيح، سواء أكان من عالم الفصحى أو من استراحة المفصح.
عتبي على أرباب الكلمة في عالم الأغنية ثوباً ومضموناً، فأين جزالة اللغة العربية وتصويرها؟ وأين المضمون الزاحف على كل الزوايا الإنسانية: اجتماعيو واقتصادية وسياسية ووطنية وبيئية وغزلية؟
والأداء حيوي: يفيض بالتعبير الداعم للكلمة الواعية البناءة وعتبي على بعض المؤدين من المغنين ذكوراً وإناثاً إذ يجعلون من المستمعين مشاهدين على حساب الاستماع، ومشوّشين في إرواء الرغبات على حساب المشاهدة… وهكذا إلى أن تتلاشى الأغنية وتتناسخ إلى شئ آخر فهل يجوز هذا؟
وطني: سورية -أيها الحبيب- عاشت أغنياتك التي تُرى فيها قوياً خيّراً معطاءً إنسانياً منظماً مرتباً أميناً، وسقط ما سوى ذلك.
فإن تكلمت لم أشد بغيركم وإن سكت فشغلي عنكم بكم.


[1] رواه الترمذي في سننه.
[2] رواه مسلم في صحيحه، وأبو داوود في سننه.
[3] رواه البخاري جزء 6صفحة 241.
[4] رواه البخاري ج 6 ص236. ومسلم ج1ص545.
[5] رواه الدارمي في سننه ج2 ص240.
[6] رواه الدارمي في سننه ج2 ص 240
[7] رواه البخاري في صحيحه ج 9 ص 188
[8] رواه الطبراني في الأوسط . انظر مجمع الزوائد ج7ص169
[9] رواه أحمد في مسنده.
[10] رواه الإمام مسلم.
[11] رواه البخاري في صحيحه ج7ص265
[12] رواه البخاري ج7 ص28
[13] رواه النسائي 6/135، والحاكم 1/102

التعليقات

شاركنا بتعليق