فلنفعل دور الإسلام
في الغرب
بتبيان الخير الذي يحمله الإسلام للإنسان في الغرب و الشرق
يقوم التفعيل على
دعامتين :
الدعامة الأولى :
تتعلق بفهم الغرب، ومعرفة حاجاته ومراميه، وتبيُّن ما يصبو إليه، والاطلاع
على أسراره وخباياه، وفي مقدمتها سرُّ رفضه للدين في الزمن الماضي القريب
.
ومن المحتم علينا، حين ننظر إلى الغرب، أن نعمد إلى التفريق بي الحكومات
والشعوب التي تنتمي إلي ، وأن نطرح عليه الأسئلة الجادة والمحرجة، التي
تحفِّزه على التفكير السليم المعطاء، والمتوازي مع تفوقه التقني، وتقدمه
الحضاري، وإذا أردنا أن نجمل التساؤلات و نكثِّفها قلنا :
أيها الغربي :
هل استوفيت حاجاتك ؟
هل لبيت نداءك ؟
هل نظَّمت وجودك ؟
هل استقرَّ داخلك ؟
هل فكرت في نهايتك ومآلك ؟
وماذا أعددت لما بعد الموت وأنت تؤمن به وتراه ؟
وماذا فعلت بصدد واجباتك حيال خالقك ؟
هل أدَّيت حقوقه عليك ؟
ثم هل قمت بواجبك تجاه أخيك الإنسان ؟
وما هو الخير الذي أوصلته إليه ؟
وما مدى استيعابك لغيرك ؟
بيد أني أود طرح بعض الأسئلة المحدودة والهامة عليك بشيء من التفصيل،
وكلِّي أمل في أن نسهم في دعوتك إلى التعرف على الإسلام عن كثب، وجمع
المعلومات الوثيقة عنه من أهل الذكر والفكر، لا من أناس عزلوا أنفسهم عن
العلم ، وقطعوا كلَّ صلة به !
1 - أين العقيدة في الغرب ؟
وكلنا يعلم ما للعقيدة من أهمية . فهي التي تغطي تصورات الإنسان ، وهي التي
تركز الأخلاق في ثوابت الإنسان ،
وتفصلها عن المادة المتأرجحة .
2 - أين العبادة لديكم ؟
أين حقُّ الخالق الصِّرف في تصرفاتكم، وأنتم من ينادي بإعطاء الحقوق إلى
أربابها ،ومَنْ أولى من الخالق بأن تؤدَّي حقوقه إليه ؟
أنتم مقصِّرون في عبادة الخالق، فالتمسوا منهاجاً صادراً عنه، يبين لكم
حقوقه عليكم .
أنتم مخلوقون وهو الخالق ، فهل أدَّيتم حقوقه فيما يصدر عنكم من سلوك
وتصرفات مختلفة ؟ لأن السلوك والتصرفات ينبغي أن تُوجَّه إليه، اعترافاً
بخالقيته، وشكراناً على ما أنعم وتفضَّل ، ( و لا تطع من أغفلنا قلبه عن
ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطاً ) الكهف / 7 .
3 - أين أثرة الآخرة في الحياة الدنيا ؟
والإنسان من غير آخرة، إنسان منفصم، جبان، متردد، ( وللآخرة خير لك من
الأولى ) الضحى / 4 .
الآخرة ملطِّفة للأولى وحاكمة عليها، ولا تقولوا : ( إن هي إلا حياتنا
الدنيا نموت و نحيا و ما نحن بمبعوثين ) المؤمنين / 27
أنتم تتقنون الدنيا، ولكنكم لا تتقنون امتدادها، وقد غاب عن أذهانكم أنها
قسيم لحياة أخرى هي الحيوان .
نعم، من أيقن بالآخرة أنتج في الأولى، وضحَّى فيها، ومن آمن بواحدة منهما،
دون الأخرى، أعرض عن تكاملٍ وتقابلٍ حقٍّ
4 - أين التوازن في الحضارة عندكم ؟
إن الحضارة ليست مادة صرفة، وإنما هي حضور لكلِّ الإنسان، بكل أبعاده
وأقسامه ، والتوازن بين الروح والجسم، بين المبنى والمعنى، بين الظاهر و
الباطن .
أيها الإنسان، أنت مرتكز الحضارة، وموضوعها الأهم، ومحورها، من خلال تكوينك
كلك، وهاأنت ذا أمام مثال منتخب رائع : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة ) الأحزاب / 21. أُمِرَ بالاستقامة : ( فاستقم كما أمرت ) هود / 112
والاستقامة توازن .
ودُعي للسير على الصراط المستقيم : ( اهدنا الصراط المستقيم ) الفاتحة / 6
. والصراط المستقيم توازن. ووُصِفَ مع أمته بالوسطية : ( و كذلك جعلناكم
أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ) البقرة / 142 والوسطية توازن، فهل
فُكِّر في التوازن، ولُحظ، إن عندنا، أو عندكم الآن ؟
5 - أين رعاية المرأة في الغرب ؟
والرعاية عناية، والعناية شاملة، والشمول يتناول الجسد والخلق، والغاية
والهدف، فهاهو ذا الجسد يُهتَمَّ به، والخلق يُعتنى بظاهره فقط، ولكن
الغاية غائبة ! والهدف رهين وحبيس بين جُدُر الدنيا الضيقة ! فالمرأة ليست
جمالاً بمساحيق ، و إنما طهرٌ بفعال، وعفاف بأدب، وحبٌّ بنظافة وطهارة .
الدعامة الثانية :
فهم الإسلام فهماً كاملاً من قبل دعاته، وامتلاك ناصية ثوابته، والقدرة على
تبيان ملامحه، وأهم ما يجب تبيانه من الإسلام في الغرب سعته ويسره ودعمه
للإسلام، وحرصه على حقن الدماء، وتكريمه للمرأة، ومتانة عقيدته وتماسكها،
وشمول تشريعه وتمامه، وحثُّه على الخير عامة، وصحة كتابه الكريم، وصدق
النسبة لله عز وجل، وعظمة شخصية الرسول محمد صلى الله عليه سلم ، وتحديد
معاني وفقه بعض الفرائض التي يخافها الغرب ويخشاها، كالجهاد والحجاب .
لكلِّ ذلك ينبغي أن نقدِّم إسلاماً واحداً، عاماً متكاملاً، دون إسلاميات
متعددة، ولنسعَ من أجل أن نجعل هذه الإسلاميات المتعددة مدارس ضمن الإسلام
الواحد؛ فالصوفية والسلفية والشيعة والمعتزلة عنوان ثراء وغناء .
ولنكن نحن الأفراد، نماذج مقنعة على المستويات كافة، لا سيما من يعيش منا
هناك .
لقد قال الله تعالى: ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه،
فيه رجال ) التوبة / 108، فلنكن رجالاً مقنعين في عملنا وأسرنا و مهننا
ولعبنا وجدِّنا وهزلنا، ولندعم هذا الإقناع بعرض أمثلة واقعية عملية متنوعة
بانورامية، من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبُ السيرة ملأى و طافحة،
فلنعد إليها، ولنعِد عليها .
ثم لنُشِر بعد المثال المقنع إلى واقع داعم، تقدمه مجتمعاتنا في مجالات
الإنسان كافة، فأفضل الإقناع ما استُقبل عبر الفرد
والمجتمع، وأضعفه ما صُدِّر عبر السطور والحروف فحسب .
ومن هنا تكامل الإسلام في العصر الأول، بقرآن قويم، ومثال مستقيم، ومجتمع
سليم، حتى وصل أثره إلى حيث لم يُتوقع آنذاك، ويوم فقدنا هذا التكامل،
تقاصر أثر الإسلام إلى حيث لا يُتوقع أيضاً، فخِلْتَنَا على مَن هم من بني
جلدتنا من الارتداد خائفين !
و يمكن أن نُلحق بالدعامتين السالفتين الأثرين التاليين :
الأول: تعرية المتستِّرين بالإسلام : المسيئين له عمداً، المشوهين تعاليمه
قصداً، من المسلمين أنفسهم، والإشارة إلى بعض أبنائه الجاهلين به، من أجل
أن لا يتخذوا رؤوساً، سكن فيها الضلال، فأرادت أن يتسرب هذا الضلال إلى
غيرها، حتى غدت ضالَّة مضلة، وقد كثر هؤلاء للأسف .
وإزاء هذا الأثر السَّيءِّ، لا يمكن لنا أن نكون محبِّين مجاملين .
الثاني: كشف القناع عن وجوه في الغرب مريبة : من الغربيين أنفسهم، أو من
أبنائهم، معادية لأبناء جنسها، ولا تريد لهم الخير، تشوه كل وافد ووارد،
بأساليب وقحة ودعايات آثمة. فكم قُدِّم الإسلام من قِبل هؤلاء على أنه دين
بدائي لا يوائم مدنية الغرب ولا يناسبها !
وكم استُهزئ برجاله الأفاضل ! وكم رُوِّجت ضده نفثاتٌ حاقدة، أُودعت في
كتاب، أو صُوِّرت على شريط، أو سُجلت في إذاعة، وما أظن أن هناك عاقلاً في
الغرب، لا يعرف الكثير من هؤلاء الآثمين .
نعم ، لقد ساءنا فيلم، وأزعجنا كتاب، وآلمنا تحقيق، وما يخيفنا أن يتخذ
الفيلمُ الحاقد مصدرَ اطلاع على الإسلام، بعد سترِ نقائه، وإخفاءِ صفائه،
بأيد خبيثة مجرمة.
كما إن من دواعي رعبنا و فزعنا، أن تتحول نفثات العداء الحاقدة، إلى أسطر
يُرجع إليها عند الحاجة إلى دليل معاد للإسلام ، من قِبَل من يتربصون به
الدوائر، وما يرهبنا هو أن يؤخذ التحقيق المتحامل الطائش عينةً يتداولها
الغرب، حين يودُّون التعرف على هذا الدين الحنيف.
وأخيراً ، تعرُّفٌ وتعايش :
أ - لقد انطلقت من أفواه الكثيرين اليوم عبارات تدل على إرادة التعايش في
أنحاء العالم كافة، بعد أن أضحى عالمنا قريةً صغيرة، ولابد قبل التعايش من
تعرُّف، فتعرَّف علينا أيها الغرب وفق الأسس الموضوعية، وأهم هذه الأسس على
الإطلاق أن تتعرف علينا منَّا، و على ديننا منَّا، ولكن أكثر ما يؤسفنا أن
تتعرفوا علينا من أعدائنا، أو ممن يجهلون كل شيء عنا، و عن ديننا.
لقد قدِّر لي منذ أكثر من عشر سنين أن أشاهد التلفاز الفرنسي، وكان
البرنامج يومها عن أنواع الزواج في العالم، ولمَّا وصل الأمر للحديث عن
الزواج الإسلامي، كان المسؤول عن ذلك قسَّاً ! فهل يجوز أن يقع مثل هذا ؟!
ولمَّا تحدَّث قال: يتزوج الرجل في الإسلام أربعاً، واحدة من أجل الجمال،
وثانية من أجل المال، وثالثة من أجل الحسب والنسب، ورابعة من أجل الدين،
وينبغي أن يحب ذات الدين أكثر !
فأين هذا من حقيقة الإسلام ؟! إذ يقول رسول الإسلام المصطفى صلى الله عليه
وسلم: تنكح المرأة لأربع: لجمالها، ولمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات
الدين تربت يداك .
ب - وبعد التعرف فلتكن المناصرة للحق، إذا تبين لكم، وإياكم والإحجام، جرياً
وراء تقليد أعمى، أو اتباعاً لهوى، أو سعياً خلف منفعة عاجلة .
وأيمُ الحق، مَن لم يكن مع الإسلام فهو الخاسر المبين، وإن أصاب علواً في
الدنيا، فالعلو الظاهر، ليس بدليل على أحقيَّة من على أو اعتلى، والآخرة
خير وأبقى .
لقد ناصر الإسلام الروم، لأنهم كانوا أصحاب حق، وفرح المسلمون بوعد الله
لهم بالغلبة والنصر، وسعوا إلى مناصرتهم، على الرغم من مخالفتهم لهم في
الدين، ولكن الحقَّّ أحقُّ بأن يُتَّبع : ( اّ لم غلبت الروم في أدنى الأرض
وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد و يومئذ
يفرح المؤمنون بنصر الله ) الروم / 1 _ 5 نطلب ونلح على المواطن الغربي، أن
يكون موضوعياً في طلب التعايش، ومن متطلبات الموضوعية ومقتضياتها، أن يتعرف
على الإسلام من مصادره الأصلية الصحيحة، وأن يطلع على تاريخ الإسلام من
مناهله الموثوقة، وأن يقرأ آيات الإنسان في القرآن الكريم والحديث الشريف
الصحيح، توصيفاً وتوظيفاً، وأن يسمح لنا أن نقدم له أنفسنا :
فعنواننا وشعارنا :( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) هود / 88.
وسياستنا :( و قولوا للناس حسناً ) البقرة / 83 .
وقدوتنا :( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب / 21 .
وحركتنا :( و افعلوا الخير لعلكم تفلحون ) الحج / 77 .
وغايتنا :( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) الذاريات / 56 .
وهدفنا :( ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار )
البقرة / 201 .
لا نحمل عداوة، ولكننا نخاطب ونحاور، ولا داعي لرفضنا سلفاً لأننا ضعفاء
على المستوى المادي، وعلينا جميعاً شرقاً وغرباً أن نسعى لخدمة الإنسان من
أجل التعرف عليه، وتقديم مضامين الخير لأبعاده، والابتعاد عن المجالات التي
تخلّف عداوات يحصدها الأبناء دماءً، وكفانا ما أوصلتنا إليه التحاملات،
والعصبيات، والتقليدات الفاسدة.
وختاماً إن الإسلام منظومة معروضة لبناء الإنسان، ضمن منظومات أخرى تسعى
لذلك، وأهم صفتين نطلبهما في المنظومة المقبولة:
1_ صدق نسبة للخالق العليم الحكيم، فهو أعلم بمَن خَلق، واصطفى، وسوّى،
وعدَل .
2_ شمولٌ يضم التمام نوعاً، والكمال كماً، في التصور و التشريع .
ومن هنا يعظم دور الإسلام في بقاع الأرض لامتلاكه هاتين الصفتين .
( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني ) يوسف / 108 .
و الحمد لله رب العالمين
(1) ألقيت عبر الهاتف على رواد منتدى الفكر والثقافة في ديترويت - الولايات المتحدة الأمريكية 1996
التعليقات