الصيغة المثلى لتجاوز الخلاف والتخلف
لسنا في معركة، وحاشا
لكننا نريد إمعان النظر وإعادة الفكر في قضية العروبة والإسلام .
وما الإمعان ولا الإعادة إلا لتكريس وتعميق الربط والارتباط، أما الربط
فبين الإسلام والعروبة، وأما الارتباط فالعربي بالإسلام والمسلم بالعروبة،
فالإسلام دين لمن يؤمن به وثقافة لمن لا يؤمن به، والعروبة أصالة لأهلها
ومشاركة في الحضارة العالمية لغير أهلها، وها نحن نتابع بعض القواعد في هذا
الشأن ليصار إلى رسم مشروع جادٍّ يصب في ثقافة المسلمين عن العروبة، وثقافة
العرب عن الإسلام، ويُعتمد المشروع ميثاقاً، ويغدو الميثاق مصدَّقاً، لأن
المواجهة الكبرى بدأت، وبدايتها تعني الاستعداد للترشيح لطرفي هذه المواجهة
.
والترشيح لا يرد على مفكَّك الذات، مبعثَر الصفات، صغير الإطار، مستوعَب
الثقافة، وإنما المؤهَّل للطرفية، متماسك مستجمع واسع المحيط، عالمي
اللهجة، واثق التاريخ، فاهم المستقبل .
ولذا فإني أرجو أن أسجل هنا بنود فكر ساعٍ إلى النهضة، وحريص على الإنسانية
متجلية في صيغ تعايشية بناءة، قائمة على نواة الإسلام العام في ثوب العروبة
الهام. قد أكون حالما ًولكن بداية الحقيقة حلم ، أوَليست النبوة بدأت برؤيا
؟!
1. قوميتنا العربية طبيعية ، وحقيقة راهنة ، وواقعية استوت على فكرة
الإنسان ترعاه السماء .
لها أهداف هي في مجملها سعادة الإنسان في الدنيا المرئية والآخرة اللامرئية،
ولها حقوق هي حقوق الإنسان كما هو، وقد رأت في ذاتها قدرة التعبير والإعراب
عن هذه الحقوق ، فهي والبيان صنوان ، وهي والفصاحة عشيقان.
2. العروبة مكاناً ولساناً ورسولاً ، اختيار إلهي مقنع ، وواقع أرضي يستمد
موثوقيته من السماء ، فلا تجاوز لهذا الاختيار ولا مجانبة لهذا الواقع (
الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ، ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً ) .
3. لم تكن قضية العروبة والإسلام مشكلة في يوم من الأيام السابقة ، لكنها
أضحت كذلك حين جَدَّ الانفصاليون في التاريخ ، والى أيامنا الآن ، في فصل
الروح عن الجسد ، وإشاعة العداوة بينهما ، وفصل الشخصية عن الهوية ، وإذاعة
الشائعات المعادية بينهما ، فنبَّه هذا بدوره ذوي الوسطية ورأوا في
الاستعمار الأوروبي المشفوع بتبشير ديني ، وفي ضعف الدولة العثمانية وعدم
قدرتها علة حماية الدول والشعوب العربية ، وفي خيانة الاتحاد والترقي
لعهوده التي قطعها مع العرب ، ما دفعهم إلى يقظة بعد نوم ، والى تجديد
الوعي بعد ضياعه ، فتنادوا إلى ساح الإسلام ، والعروبة قرينين لا ينفكان ،
وزوجين لا تطالق بينهما .
4. لقد تحركت أوروبا قومياً فقدمنا في مواجهة هذا التحرك قومية جامعة
منفتحة لا تقوم على العرق والتعصب ، وإنما قوامها لسان سهل ، ولغة قادرة
على العولمة والاستيعاب .
واليوم تتحرك من حيث المبدأ ، فلنتحرك كذلك غير مهملين الإطار القومي ،
الذي لا ينفصل عن المبدأ أبداً، وعلينا أن نعلم أن المستعمر قديمه وحديثه
ما دعانا يوماً ما إلى تمسك بعروبة أو دين ، بل دعا في أحسن أحواله إلى
التمسك بإقليميات متعادية متناحرة لتنفيذ خطته : " فرِّق تسد " .
5. القومية العربية انتخاب طبيعي ، يعني سير الطبيعة بنا ، وسيرنا بها
بانسجام ودونما اعتداء .
أما الصهيونية فانتخاب صناعي يقوم على قسر الطبيعة وعلى الفتك والعنف .
ولذا فالطبيعة تنتقم منه وتهدمه ، والصهيونية على هذا زائلة بحكم الطبيعة ،
وآثار السنن الكونية لا محالة . وزوالها مرهون بتماسك أُولي الانتخاب
الطبيعي .
6. إذا كان الإنسان بين شخصية تُجَلِّيه ، وهويَّة تُحقِّقه ، فالشخصية
عربية ، والهوية إسلامية .
والإسلامية واسعة المعنى كما ألمحنا ، مترامية المساحة ، كما أكدنا لا تخرج
من إطارها ومحيطها ، من أراد الدخول فيها . وإرادة ا لدخول انتساب ثقافة
ومعاصرة، ومشاركة عن قناعة في بناء حضارة .
لقد أجاب محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم عن سؤال وجه إليه يتعلق بالشخصية
: " مَن أنت ؟ " بقوله : " أنا محمد بن عبد الله بن عبد الطلب … "
ثم أجاب عن آخر يتعلق بالهُوية : " ما أنت ؟ " بقوله : " أنا عبد الله
ورسوله "
العربية هي الرداء الأصل للإسلام ، فمن خلعه فليستبدل به شبيهه ، ومن لم
يكن يملكه فليجهد في تملكه لأنه في مُكنة التكليف .
7. القومية العربية : تُصطنع إيماناً من القلب إلى العقل ، وتكون مرنة لا
تصدم بالعقل ، بل تتسع له تفكيراً وتعليلاً ، وهي في ذات الوقت عميقة قادرة
على الاستهواء ، لها شفافيتها ومصداقيتها .
لا تحكي في ظهورها أحداً لأنها فريدة متحولة ، تتطلب تقليداً واتباعاً . هي
في خير الإنسان وإن لم يكن الإنسان في خيرها أحياناً . والفرق نوعي بينها
وبين الإقليمية ، لأن الثانية لملمة لآثار ، وتحديد لتراب ، وفرز لجثث ،
ومخالفة لتطلع السعة لدى الإنسان ، ومعارضة لطُلْعَته فيما يخص اللقاء
والجوار .
8. إلى العرب أبناء الخلود عبر رسالة السماء التي اختارتهم ، والى بناة
المجد في التاريخ القديم المؤسس . إلى من يجب أن تسري فيهم روح الشهداء
لتكون لهم حافزاً على الجد والعمل .
9. أخيراً : هي كلمة إلى المختلفين من العرب مع المسلمين والمسيحيين ، والى
المختلفين من المسلمين والمسيحيين مع العرب :
إن من يتبرا من دينه ، مسلما كان أو مسيحيا ، لنصرة عروبته ، ما أوشكه أن
يتبرأ من عروبته نصرة لدينه ، إذا تبدل حال بحال .
التعليقات