آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
قضية فلسطين بين العروبة والإسلام / صحيفة تشرين

قضية فلسطين بين العروبة والإسلام / صحيفة تشرين

تاريخ الإضافة: 2005/07/10 | عدد المشاهدات: 3449

نشرت صحيفة تشرين الصادرة في دمشق بتاريخ : الأحد 10 تموز 2005 وضمن صفحة مدارات المقال التالي : قضية فلسطين بين العروبة والإسلام :
 

اضغط هنا لتقرأ نص المقال من الصحيفة

قضية فلسطين بين العروبة والإسلام


 أولاً ـ مَنْ أصحاب القضية ؟
لاشكّ في أن لكل قضية صاحباً أو أصحاباً، وإذا كان ثمة قضية فلسطينية فمن هم أصحابها؟ وللجواب على هذا السؤال لابدّ في البداية من تحديد المعنيين بهذه القضية، وبالتالي فالمعنيون بها إلى حدّ التبني هم أهلها وأصحابها. ‏
كما لابدّ أيضاً من تبيان أمر مهم يتعلق بالدراسة وهو: أنّ هذه القضية سميت ودعيت قضية فلسطين شكلاً وعنونة، لأنّ المضمون ليس «فلسطين» باعتبارها قطعة ارض جغرافية، وإنما المضمون فلسطين من حيث كونها حاضناً «للقدس الشريف» والقدس مدينة مقدّسة لدى المسلمين، كمكةَ المكرّمة والمدينة المنوّرة، فهي تضمّ المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجه الى السموات العلى. ‏
بيدَ أنّ هذا لا يعني إبعاد خط الجغرافيا والعِرق من أن يكون أربابها معنيين بها وأحق بها وأهلها. فها نحن أولاء ـ إذاً ـ أمام ثلاثة امتدادات للمسؤولية عن فلسطين وقضيتها: ‏
فالمسلمون معنيون وهم أولو امتداد القدس عقيدة وشريعة، والعرب الذين بنوها ـ أعني القدس ـ معنيون بالمسؤولية بدافع واجب التاريخ والأصالة والجغرافيا، والفلسطينيون بالذات هم أهل الامتداد الثالث: لأن فلسطين وطنهم الشرعي وأرضهم ومحل امتلاكهم. ‏
فالقدس ـ في النهاية ـ لبّ فلسطين وجوهرها، وهي عربية النشأة إسلامية الهوية، تشكّل مع المدينتين المقدّستين ـ مكة المكرمة والمدينة المنورة ـ محوراً رمزياً يتجاوز قضية الجغرافيا ولا يهملها، بل غدا قضية على مستوى الصراع الحضاري، وقد أريد له أن يكون مجرد حالة دينية ضيقة تتحرك في هامش الخصوصيات الإسلامية الذاتية الغارقة في الصراعات الصغيرة(1)، وأن يُعزل عن كل مواقع القوة، ويُقصى عن مواطن القداسة الروحية المتمثلة في خصوصيته المنفتحة على كل قداسات الديانات الإلهية. ‏
نعم القدس عربية لأنّ الكنعانيين بنوها: وهي إسلامية، وإسلاميتها ممتدة، لأنّ هذه الإسلامية لاتقتصر على خصوصيات المرحلة الإسلامية المنطلقة من نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، بل كانت بدايتها منذ انطلاقة صفتها الدينية المقدّسة في وعي الأنبياء الذين عاشوا فيها وهاجروا إليها وتحرّكوا في رحابها وامتدوا إلى ما حولها، وقد تعاقب على القدس من الأنبياء ما لم يتعاقب على مكة المكرّمة. ‏
وهكذا وبناءً على ما سبق، فليتقدّم الفلسطينيون المواطنون الشرعيون، ومعهم العرب بناة القدس ومشيّدوها وأهل أرضها، ومع هؤلاء وأولئك المسلمون الذين ترتبط القدس لديهم بالعقيدة والشريعة والتاريخ. ‏
ثانياً ـ القدس في نصوص الدين الإسلامي: ‏
قال الله تعالى: ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير‎ ) الإسراء:1. ‏ وقال تعالى : (يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة )‎ المائدة:21. ‏والأرض المقدّسة هي القدس. ‏
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الجنة لتحنُّ شوقاً إلى بيت المقدس، وبيت المقدس من جنة الفردوس وهو سرّة الأرض "(2). ‏
ـ وعن ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : قلت يا رسول الله، أفْتِنَا عن بيت المقدس. قال صلى الله عليه وآله وسلم : " نعم المصلى، هو أرض المحْشَـر، وأرضُ المنْشَـر، إيتوه فصلّوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة " قلت: بأبي وأمي أنت، ومَنْ لم يُطق أن يأتيه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " فَلْيُهْدِ إليه زيتاً يُسرَجُ فيه، فإن من أهدى إليه كمن صلّى فيه " (3). ‏
ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " مَنْ أهلّ بحجة أو بعمرة من المسجد الأقصى غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر "(4). ‏
ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي عن الله تعالى، أنّه عزّ وجل قال : " أنت جنّتي وقُدسي، وصفوتي من بلادي، من سكنك فبرحمة مني، ومن خرج منك فبسخط مني عليه "(5). ‏
ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تزال طائفة من أمّتي على الدين ظاهرين، لعدوّهم قاهرين، لا يضرّهم من خالفهم، ولا ما أصابهم من البلاء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك " . قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: " في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس " (6). ‏
ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى "(7). ‏
ـ وعن أبي ذرّ رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل، أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " صلاة في مسجدي هذا خير من أربع صلوات فيه، ولَنِعْمَ المصلى ـ أي بيت المقدس ـ هو أرض المحشر والمنشر، وليأتينَ على الناس زمانٌ ولَقيدُ سوطِ، أو قال: قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له، أو أحبّ إليه من الدنيا جميعاً " (8). ‏
ثالثاً: ـ النصر على الصهيوني المحتل طريقه المقاومة الموحّدة: ‏
1 ـ هاكم كلمة في التمهيد: ‏ وليعلم من يريد أن يعلم: ‏
أ ـ أنّ انتصار الصهيونية في هذه الفترة وتحقيق أهدافها ومخطّطاتها لم يكن انتصار رسالة على رسالة، ولا انتصار أمة على أمة، ولا انتصار دين على دين، ولا حقّ على باطل، فإنّ اليهود ليست لهم أية رسالة في هذا العصر. كما لم يكن هناك معركة بين اليهود والأمة الإسلامية، أو الشعوب العربية. فإنه لم يُسمح لهذه الأمة، ولا لهذه الشعوب أن تخوض هذه المعركة وتبرز جدارتها وكوامنها، ولم يسمح كذلك للإسلام بالخوض في حرب حزيران، بل عزل عن الميدان وأقصي عن ساحة الحرب بتصميم وإرادة. ‏
إنّ جلّ ما هنالك في ذاك الانتصار أنه انتصار أقدر قيادة على أخيب قيادة(9). ‏
ب ـ إن قضية فلسطين سهلة هيّنة، وانتصار العرب مضمون إذا كانوا أحراراً في تصرّفهم. مالكين لزمامهم، مدبّرين لسياساتهم، مغامرين بأرواحهم وجنودهم، محكِّمين لسيوفهم وأسنّتهم، واثقين بنصر الله، معتمدين على سواعدهم فقط، متمرّدين على المادة والشهوات، مصمّمين على الكفاح والجهاد. ‏
وعلى القضية أن تملك علينا المشاعر والتفكير وتغدو الهم الشاغل والهاجس الذي لا يغادر. ‏
يقول القاضي بهاء الدين المعروف بابن شدّاد المتوفى سنة 632هـ عن صلاح الدين محرّر القدس من الصليبيين: «تاب عن المحرمات، وترك الملذات، ورأى أن الله خلقه لأمر عظيم، لا يتفق معه اللهو والترف، ولقد كان حبّه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاءً عظيماً، حيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحثّه عليه، وكان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال)(10). ‏
مسؤولية فلسطين قد قسمت على شعوب كثيرة، ولكن ليس من شعب بأولى من شعب في تحمل كل المسؤولية أو جلّها، فهي في النهاية مسؤولية الجميع. ‏
2 ـ إشارات لها دلالتها: ‏
اليهود الصهيونيون يعيثون فساداً وينفثون السموم، سمّهم عداوة وبغضاء، وحقد وكراهية، ومكر وخداع، وقتل واستباحة وتشريد، وتلفيق وأكاذيب، كالحيّات السامة القاتلة، ومن كان كذلك فحظّه القتل أنّى كان، كالحية الزعفاء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " ما سالمناهنَّ منذ حاربناهنَّ ـ يعني الحيّات ـ ومَنْ ترك قتل شيء منهن خيفة فليس منّا "(11). ‏ ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : " من قتل حيّة فله سبع حسنات " (12). ‏ وقال أيضاً: " اقتلوا الحيات كلّهن "(13). ‏
فاليهود الصهاينة لا يُسالمون على اختلاف أسمائهم وأسماء أحزابهم ، فهم في الإيذاء جميعاً سواء ، قتلوا الأنبياء واعتدوا على الحرمات ، وكذبوا على الله ، وشوهوا صور الملائكة ، ونالوا من الأبرياء ، ولم يسلم منهم الأطفال والنساء العفيفات لقين منهم العنت وما من رذيلة إلا فعلوها . فيا أمة الخير لا لقاء مع الشر ، إلا بمواجهة و مجاهدة ويا أمة الإيمان لا لقاء مع الكفر المعتدي الآثم إلا مضارعة مقاتلِة ، ويا أمة الوفاء لا لقاء مع الغدر الحاقد الظالم إلا مناورة مسالِحة . ‏
3 ـ وللعربي الواعي فارس الخوري رأي : ‏
نصيحتي لكل عربي ولكل مسلم ولكل عامل في الحقل الوطني والسياسي أن لا صلحَ مع اليهود مهما يكن نوع الصلح ومداه ، فإن أي صلح مع اليهود مهما كان نوعه ، ومهما يكن السم الذي يعنون به هو تضحية بالأمة العربية على مذبح الحماقة والجهل والمطامع الوقتية ، وهو عار يلحق مرتكبه على مدى الأزمان ، لأنه سيكون حتماً بداية القضاء على هذه الأمة وعلى جميع مقوماتها المادية والروحية . ‏
ثم إن عقد الصلح مع اليهود سيجعل العرب مسؤولين دولياً عن المحافظة على الوضع الذي سينشأ عن قيامه ويفقدهم حرية العمل ، ويجعل من العسير عليهم القيام في المستقبل بأي عمل يرجى منه صيانة عروبة فلسطين فضلاً عن تحريرها . ‏
ولا يصدقن أحد ما تردده دوائر الاستعمار من أن الصلح مع اليهود سيقر الأمن والسلام في الشرق الأوسط كما تزعم الدول الاستعمارية وستضع حداً للمطامع اليهودية في بقية الأقطار الأخرى ، لأن اليهود سيلجؤون لأساليب أخرى في القضاء على الأمة العربية ـ لو تم صلح ما معهم ـ عن طريق نشر المبادئ والآراء والعقائد والأخلاق التي تجافي آداب العرب وروح الإسلام والمسيحية في هذه الديار، مما يسهل عليهم بمرور الزمان القضاء على الكيان العربي وعلى الروح الإسلامية القضاء المبرم الذي لا نهوض بعده . ‏
فليتدبر المسلمون والعرب أمرهم ، وليقاوموا أشد المقاومة كل فكرة لفرض صلح عليهم مع اليهود ، وليستعدوا دائماً وأبداً للجولة الحاسمة ولو اقتضى الأمر من الصبر قروناً وأجيالاً» (14). ‏

وأخيراً خاتمة : ‏
نفحة من ذكرى القدس ‏
يا أولى القبلتين، يا ثالث الحرمين، يا أيها المسجد الأقصى . ذكراك ذكرى السَّعة والشمول ، إذ كنت القبلة أولاً لصلاة ترفع إلى الله ، ومن أوسع من الله ! ومن أشمل منه إذ يُتوجه إليه؟! ‏
ذكراك ذكرى الحَصانة والحضانة ، فأنت ثالث الحرمين ، وقد جعلك الله حرماً يرمز إلى أمان ، ومكاناً يعبِّر عن اطمئنان ، و مشعراً يشعر بالالتزام بما أمر به الدَيَّان . ذكراك ذكرى الاستيعاب ، فما من حد إلا و أنت بحدودك له أقصى منه ، وبإحاطتك به أكبر منه . زُرتُكَ يا مسجد الصخرة في سنٍ صغيرة ، لكن المعاني التي سكبتها فيَّ كانت كبيرة ، وها أناذا أنهل منها ما يجعلني أُجَدِّد الولاء لشِرعةٍ حكت عنك حكاية الرفعة ، وأسعى لتثبيت دعائم الإيمان في جذور منتفضين ذكَّرونا قصة المَنَعة. ‏
فيا قدسُ : شوقي إليك يزيد ، ويا قدس ها أناذا بين يديك مريد . عهداً أن أعيش معك في سري وإعلاني ، وقسماً أن أبقى أردِّدك نشيداً من أفضل ألحاني . ‏
دمت يا قدس ؛ مسرى الرسالة ، و معراج النبوة ودامت ثقتك بأتباعك ليكونوا على مستوى الرجولة و النبالة .                                                                    

بقلم الدكتور الشيخ محمود عكام
دمشق ، صحيفة تشرين ، مدارات ، الاحد 1 تموز 2005
 

الهوامش :
(1) ـ وتتميز المرحلة على مساحة منتصف القرن العشرين ، وإلى أيامنا بالتقاء الصليبية السياسية الغربية ولا سيما الأمريكية الصهيونية في خطة تتكامل في عناصرها وتتوحد في مصالحها . ‏
(2) ـ أخرجه ابن مندة كما في فضائل القدس لابن الجوزي . ‏
(3) ـ أخرجه أحمد . والزيت هنا يمكن أن يتنزل على البترول العربي والمسلم ، فالبترول زيت ، وبالتالي على بلاد البترول تخصيص جزء من عائداته للأقصى جهاداً وتحريراً وصيانة ورعاية وعناية . ‏
(4) ـ أخرجه أبو داود والبيهقي . ‏
(5) ـ أخرجه ابن الجوزي في فضائل القدس . ‏
(6) ـ أخرجه أحمد . ‏
(7) ـ أخرجه البخاري . ‏
(8) ـ أخرجه البيهقي . وقد ورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء . انظر: حسن الباش ، القدس بين رؤيتين ، دار قتيبة ، دمشق . ‏
(9) ـ انظر المسلمون وقضية فلسطين لأبي الحسن الندوي ، العلامة الداعية ، ط : المجمع الإسلامي في الهند . ‏
(10) ـ النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية ، ص19. ‏
(11) أخرجه أبو داود . ‏
(12) أخرجه أحمد . ‏
(13) ـ أخرجه أبو داود . ‏
(14) ـ فارس الخوري وأيام لا تنسى للأستاذ محمد الفرحاني ، ص/ 304 ـ 305.

التعليقات

شاركنا بتعليق