- بدعوة من جامعة حلب - المكتب الاداري للإتحاد الوطني لطلبة سورية فرع جامعة حلب وبرعاية الاستاذ الدكتور محمد نزار عقيل رئيس جامعة حلب شارك الدكتور الشيخ محمود عكام في ندوة : شباب جامعتنا والتدخين في ضوء الأرقام والوقائع ، وقد ألقى محاضرة بعنوان : التدخين ممنوع بأمر من الدين والعقل والمجتمع وذلك على مدرج كلية الطب في جامعة حلب بتاريخ : الثلاثاء23 / 11 / 2004 م .
التدخين ممنوع بأمر من الدين والعقل والمجتمع
ما من شك في أن هناك مقاصد أساسية تجب
المحافظة عليها ورعايتها ، وفعل ما يدعمها وهجر ما يسئ إليها وينتقصها ، وقد اتفقت
الأديان السماوية والمذاهب الأرضية جميعاً على ضرورة الحفاظ عليها والعناية بها ،
لأنها - أي المقاصد - في النهاية مضمون الإنسانية المنشودة وحقيقتها السوية ،
والمقاصد هي : النفس ، العقل ، المال ، النسل ، الدين الذي هو مجموعة قيم نبيلة
وفضائل حميدة من صدق وإلفة اجتماعية وحرية وعدالة وأمانة .
وحين ننظر التدخين فإننا نجده في مواجه هذه المقاصد ضاراً بها :
فأما ضرره على النفس :
فبيِّن واضح ، وقد أكد وأثبت العلماء أن المادة المدخنة تحوي مواد مسرطنة ، وأخرى
رافعة للضغط ، وثالثة مهيجة للسعال ومضيقة للقصبات ، ورابعة مثبطة للدم من أجل نقل
الأكسجين ، وخامسة تحوي عناصر سمية ذات أثر سلبي على النطاف ، والله يقول : ( ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) والصحة الجسدية ما هي إلا أمانة عندك أيها الإنسان ،
فارعها وكن وفياً لها ، ولا تؤذها ، وستسأل عنها في الدنيا والآخرة ، قال صلى الله
عليه وآله وسلم : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع : عن جسده فيما
أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعما عمل فيما
علم " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : " من تحسَّى سماً فقتل نفسه فسمه في يده
يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " .
وأما ضرره على العقل :
فلا شك في أن الجسم السليم في العقل السليم ، فإذا مرض الجسم – كما عرفنا – مرض
العقل ، هذا بالإضافة إلى أثر التدخين في إضعاف التفكير ، وتثبيط حركة الدماغ
الإيجابية ، ودوره في إيجاد الإدمان ، والإدمان يؤدي إلى تحجيم العقل ، وإلى جعله
يدور في فلك هذا الذي أدمن عليه لتحصيله وتأمينه وكل المعاني وردت هادفة إعماله
وتنشيطه ، فما بالنا نشتغل بما يثبطه ويهدمه ؟!
وأما أذيته للمال :
فالمال أمانة ومسؤولية وهو محور الاقتصاد ومحله ، والأصل فيه أن يكتسب بالطرق
المشروعة وينفق بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع ، وعلى الإنسان والإنسانية .
وإلا أي إذا صرف فيما يعود بالضرر ، كان فتكاً وقتلاً وتدميراً للإنسان ، وتضييعاً
للأمانة . قال صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله ينهاكم عن قيل وقال ، وكثرة
السؤال ، وإضاعة المال " . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تزول قدما عبد يوم
القيامة حتى يسأل عن أربع : ... وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه " . فهل يجوز
لك أيها المدخن أن تنفق في اليوم خمسين ليرة سورية على الأقل فتضر بها نفسك وتمنعها
عمن تعيل ، أو عن فقراء عائلتك وفقراء وطنك ، أو عن دعم أراضينا وأوطاننا المحتلة
لإزالة الاعتداء عنها .
أين الإحساس بالمسؤولية والشعور بها ، وأين رعايتك لأمانة نعمة المال !
وأما ضرره على النسل :
فالأمر جد ، والبحث مؤكد ، فالدخان يضعف القدرة الجنسية ويشوه الأجنة ، ويضر بالرضع
، وعلى كل فالأطفال الآن والأطفال القادمون يناشدون المدخنين من أن يقلعوا عما يضر
بالمجتمع وبالبيئة ، فهم يريدون مساحات في الحياة نظيفة طاهرة يرتعون فيها ،
ويعيشون في مناخاتها الطيبة حتى يؤدوا رسالة الخير للإنسانية خير أداء .
وضرره على الدين :
الذي هو مجموعة قيم – كما أسلفنا – أكيد .
فالصدق قيمة نبيلة تشكل جزءاً مهماً من الدين يفترسها الدخان ، ويمزقها شر ممزق ،
ولطالما لجأ المدخن الشاب والطالب والكبير إلى الكذب ليخفي عن موجهه وأبيه ومربيه
هذه الفعلة الشنيعة ، وقد شعر بها كذلك .
وأما الإلفة الاجتماعية :
فأجدر بالدخان أن يفسدها ويقضي عليها ، لأن المدخن يضر بمن حوله ويؤذيهم ، وقد قال
صلى الله عليه وآله وسلم : " إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ،
الموطؤون أكنافاً الذين يؤلفون ويؤلفون ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " والمدخن
ما هو إلا جليس سوء إذ يدخن مشبهاً به فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : " مثل
الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن
تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن
تجد منه ريحاً خبيثة " .
ومن القيم الجميلة التي يشوهها التدخين " الحرية " فالمدخن أسير وعبد لإدمانه ، وكم
من مدخن باع قيماً بدخان ، وكذلك كم من مدخن هجر المبادئ ليحصل على دخان :
عدت لأهوائك عبداً وكم تستعبد الأهواء أربابها
وما أظن في نهاية المطاف ان أحداً منا ينكر ضرورة استبعاد الدخان من محافل ومجالس
الجد والبحث والتقدير والإكبار والرقي ، واستفت قلبك أيها المدخن وإن أفتوك وأفتوك
.
أخيراً : لنكن نحن من نوجه متماسكين :
1- بالتزامنا بما نقول : ( لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا
ما لا تفعلون ) ولنكن مثلاً طيباً يحتذى به ونموذجاً خيراً لهم .
2- بتوثيقنا إذ نتكلم ونعلم رقماً وحكماً وزماناً ، فنحن إن لم نوثق فلن يثق سامعنا
وطالبنا بنا .
3- بمتابعة التحذير من الدخان وما يشابه الدخان من مواد وتصرفات وسلوكيات كالسرعة
في القيادة ، والإسراف في الطعام ، والإمعان في العناية باللباس ، واللانظافة ،
والإهمال ..... .
أملي أن نقلع عن كل سيء ، ونفعل كل حسن في عالم لا دخان فيه ولا نار ، ولا فساد ولا
إيذاء ولتكن تلك الأبيات ختاماً طيباً :
إياك من عادة تلقيك في محن ولا سيما ما فشى في الناس من تتن
مفتر الجسم لا نفع به أبداً ويورث الضر والسقام في البدن
أفتى بحرمته جمع بلا شطط فاحذر مقالة من يرميك بالفتن
فلا يغرنك من في الناس يشربه فالناس في غفلة عن واضح السنن
يا ويح زوجته من نتن ريحته فكم تقاسي عناء طيلة الزمن
يسر شاربه ما ضر صاحبه لا مرحباً بسرور عاد بالحزن
يقضي على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
والسلام عليكم
التعليقات