ألقى الدكتور الشيخ محمود عكام كلمة حلب في الاحتفال الرسمي الذي نظمته مديرية أوقاف حلب بمناسبة ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، يوم الإثنين 12 ربيع الأول 1427، 10 نيسان 2006.
فقد شهد الجامع الكبير في حلب، جامع سيدنا زكريا عليه السلام أو الجامع الأموي، يوم أمس الإثنين تدفق حشودٍ كبيرة من الإخوة المواطنين، نساء ورجالاً، الذين قدموا للمشاركة في أول احتفال يشهده الجامع الكبير بعد افتتاحه الجديد إثر عمليات الترميم التي استغرقت أكثر من ست سنوات، ظل خلالها أشهر مسجد في سورية – بعد الجامع الأموي في دمشق – مغلقاً أمام أهل حلب وزوارها.
نص الكلمة
يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
السلام عليك يا سيدي يا نبي الله زكريا.
ها نحن - وبعد سنوات مضت – نحلّ في رحابك لنحتفل بمولد أخيك سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها الإخوة الأكارم. أيها السادة المسؤولون الأعزاء. السيد المحافظ. والسيد أمين فرع المدينة. والسيد قائد الشرطة. وسماحة مفتي المحافظة الشيخ إبراهيم السلقيني. السيد أمين فرع الجامعة. السيد رئيس الجامعة. السيد مدير الأوقاف:
كلكم إخوة أعزاء، وكلكم أناس جادون تفخر المدينة بكم. فجزاكم الله خيراً.
أيها العلماء الأجلاء، أيها الإخوة الحضور الأكارم، يا شعبنا في حلب؛ المدينة التي أحببنا وعشقنا، وسنبقى نردد: اللهم احفظ حلب، ومن كان في حلب، ومن نزل حلب، ومن رعى حلب، ومن اشتغل من أجل حلب وأهلها ودينها وثقافتها وعلمها وأمنها.
أيها الإخوة:
ونحن نعيش حلب عاصمةً للثقافة الإسلامية...أرفع باسمكم جميعاً الصلاة والسلام لسيد الثقافة الإسلامية، لعظيم الثقافة الإسلامية، لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، لصاحب الذكرى، لمن نحتفل بذكرى ميلاده.
ولئن سألتم أو تساءلتم عن الصلاة والسلام يرسلان إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فإني أطمئنكم أنها ستكون بين يديه، فلقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في جملة أحاديث كثيرة أنه قال: "من صلى عليَّ من قريبٍ سمعته، ومن صلى عليّ من بعيد بُلّغته".
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن لله ملائكة سيّاحين يبلغونني عن أمتي السلام".
فصلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله يا صاحب الذكرى.
أنت أكرم الناس.
أنت أرحم الناس.
أنت أبرّ الناس.
أنت أعظم الناس.
وإني لمطأطئ رأسي استحياء أمام حضرتك يا سيدي يا رسول الله. أيها النبيّ الأمي.
الحمد لله الذي أنعم علينا بك يا سيدي يا رسول الله.
الحمد لله الذي جعلنا من أتباعك، وطوبى لنا إن صدقنا في هذا الاتباع.
أيها الإخوة:
أود في كل مناسبة وذكرى أن أذكر نفسي وإياكم بحقوق المناسبة. وإذ نحتفل اليوم بذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أودّ أن نتذكر حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا.
وعندما نحتفل بعد أيام بذكرى الجلاء سوف نتحدث عن واجباتنا حيال الوطن.
فما دامت الذكرى ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتعالوا نتحدث في واجباتنا حيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو إن شئتم قولوا: حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا. فالواجبات منّا تتحول إلى حقوق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم علينا.
فما هي الواجبات التي يجب أن تكون هذه المناسبة مذكرة لنا بها، من اجل أن نقوم بها بعد هذه المناسبة، بعد أن تعيها آذاننا وقلوبنا الواعية ؟
واجباتنا حيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا هي:
1- التعرف: فلنتعرف على سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلال القرآن الكريم أولاً، ومن خلال السنة النبوية، لأن عدم تعرفنا سيؤدي بنا إلى أن ننكره أحياناً: ]أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون[. تعرفوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا التعرف واجب وفريضة. وبالتالي إن تعرفتم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلتم على الواجب الثاني.
2- الحبّ: يجب أن نحب هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. لأنه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". ولأن ربنا تعالى قال: ]قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين[.
أحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي" هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كيف تحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ تعرفْ عليه. اقرأ سيرة المحبين، وحسبي من هذه السير الكثيرة أن أذكر قصة تلك المرأة العجوز الطاعنة، يوم كانت تنشد في بيتها، فسمعها عمر رضي الله عنها، وهي تقول:
هل تجمعني
ومحمداً الدار
سمعها عمر
تنشد هذه الأبيات، فطرق عليها الباب، وقال لها: أعيدي عليّ ما كنت تقولين يا أماه.
فأعادت عليه قولها:
هل تجمعني
ومحمداً الدار
فقال لها
عمر: أدخليني معكما يا خالة ! فقالت تلك المرأة: وعمر فاغفر له يا غفار.
3- الاتباع:
الواجب الثالث هو الاتباع. فالله تعالى يقول:
]قل
إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[،
ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما
جئت به".
ثلاثة أمور
هي واجباتنا تجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو هي حقوق رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم علينا: تعرّف ومحبة واتباع.
ادعوا ربكم
أيها الإخوة في حركاتكم وفي سكناتكم أن تكونوا من المتبعين الصادقين، فإذا كنتم من
المتبعين الصادقين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن المحبين له؛ إذن سوف
تحبون الوطن، وتحبون العلم، وتحبون الخير، وتحبون الفضيلة.
والاتباع هو
أن نحول هذا الذي عرفناه وعلمناه إلى واقع وسلوك. وهذه هي الثقافة، فالثقافة هي
تحويل العلم والمعطيات المعرفية التي وجدناها في كتاب ربنا وسنة رسولنا صلى الله
عليه وآله وسلم إلى سلوك.
حوّلوا
الفضيلة أيها الإخوة إلى سلوك.
حوّلوا حب
الوطن إلى سلوك.
حوّلوا
التعاون إلى سلوك.
حوّلوا
الأخوّة إلى سلوك.
حوّلوا
الوحدة الوطنية إلى سلوك.
حوّلوا
التضامن إلى سلوك.
حوّلوا
التباذل إلى سلوك.
فالمتضامنون
والمتباذلون في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.
يا وطننا:
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حبّك. لذا ستكون محل إعجابنا ومحل
افتدائنا.
في النهاية
أيها الإخوة: اسمحوا لي أن أسجل هنا شكراً جزيلاً للسيد الرئيس، لأنه أصدر – كما
سمعتم – المرسوم التشريعي القاضي بإحداث كلية للشريعة في حلب. وأرجو الله أن تساهم
هذه الكلية في قيامنا بواجبنا حيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. واسمحوا لي
في هذه المناسبة أيضا أن اشكر السيد رئيس جامعة حلب، والمسؤولين الذين يعملون بجد
ونشاط لخدمة البلد.
في ختام
حديثي: أتوجه إلى سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخاطبه بأبيات سمعتها
وأنا في الثامنة من عمري فحفظتها:
وكل عام
وبلدنا ووطننا وأنتم بألف خير.
اللهم احفظ
علينا بلادنا، واحفظ علينا أمننا، واحفظ علينا سلامنا، واحفظ علينا تضامننا
وتعاوننا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.ياسر الحمداني
تاريخ :$comments_array1.date|date_format:"%Y/%m/%d "}
شاركنا بتعليق
التعليقات