آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
والسماء والطارق -2

والسماء والطارق -2

تاريخ الإضافة: | عدد المشاهدات: 3083

بدأنا الأسبوع الماضي الحديث عن سورة الطارق، وقد تكلمنا عن قول الله تعالى: ﴿والسماء والطارق* وما أدراك ما الطارق* النجم الثاقب* إن كل نفسٍ لمّا عليها حافظ﴾. وبيّنا أن معنى الآية الأخيرة هو: ما كل نفس إلا عليها حافظ، لا تُستثنى من ذلك نفس واحدة.

ووصلنا اليوم إلى قوله تعالى: ﴿فلينظر الإنسان ممّ خلق* خُلق من ماء دافق* يخرج من بين الصلب والترائب﴾.

وقبل الحديث عن الصلة ما بين قوله تعالى: ﴿إن كل نفس لمّا عليها حافظ﴾ وقوله: ﴿فلينظر الإنسان مم خلق﴾ نذكر ما ورد في سبب نزول هذه الآيات، وهو أن رجلاً مشركاً يُدعى أبا الأشدّ بن كلدة الجمحي - وكان رجلاً قوياً يقف على الأديم، وهو الجلد، فيقول: من أزالني عنه فله كذا وكذا - قال: يا معشر قريش، إن محمدا يزعم أن خزنة جهنم تسعة عشر، فأنا أكفيكم عشرة وحدي، واكفوني أنتم تسعة. فأنزل الله تعالى قوله: ﴿إن كل نفس لمّا عليها حافظ* فلينظر الإنسان ممّ خلق* خُلق من ماء دافق* يخرج من بين الصلب والترائب﴾.

أما عن الصلة بين الآيات فإن السامع أو القارئ لقوله تعالى ﴿إن كل نفس لمّا عليها حافظ﴾ قد يسأل: كيف يكون الدليل على أن كل نفس عليها حافظ ؟

وهنا يأتي قوله تعالى: ﴿فلينظر الإنسان مم خلق ... ﴾. فهذه الفاء التي في قوله (فلينظر) يسميها النحويون (الفاء الفصيحة)، وهي التي تُفصح عن وجود شرط محذوف يُفهم من السياق، كقولنا: الكلمة اسم وفعل وحرف، فالاسم ما دل على المعنى في نفسه ولم يقترن بزمن. والتقدير: إذا أردت أن تعرف ما هو الاسم فهو ما دل على....

وعليه يكون تقدير الكلام في الآية: إذا عرفت أن كل نفس عليها حافظ، وأردت أن تعرف قدرة ذلك الحافظ، فانظر أيها الإنسان ممّ خُلقت.

ولا شك في أن الإنسان سيقول عند سماعه لقوله تعالى ﴿فلينظر الإنسان ممّ خلق﴾: ممّ خلق ؟ وهنا يأتي الجواب من الله تعالى: ﴿خلق من ماء دافق* يخرج من بين الصلب والترائب﴾.

وقد قال المفسرون الأوائل: إن الصلب من الرجل والترائب من المرأة، ولا أريد الخوض في تفاصيل ذلك، فعلماء التشريح والطب أقدر على بيان هذه المسألة. ولكن أقول بشكل مجمل:

الصلب هو الظهر، والترائب هي الضلوع التي في الصدر، ومفردها (تريبة) وهي الواحدة من عظام الصدر أو الأعضاء.

وهنا يرد سؤال: لم قال الله تعالى: ﴿من ماء﴾، ولم يقل: (من ماءين) مع أن الإنسان يخلق من ماء الرجل والمرأة معاً.

والجواب: إنما عبر عنهما باسم الواحد لأن الإنسان يتكون من حصيلة اجتماعهما، فهو يتكلم عن الحصيلة، عن الماءين عندما اجتمعا، فهو ماء تجمّع من ماءين.

دافق: أي ذو دفق تدفق جزئياته بعضها بعضاً. فصيغة كلمة (دافق) تسمى صيغة النسب. نقول: فلان لابنٌ تامر، أي ذو لبن وذو تمر. ويقال: دارع وفارس، أي ذو درع وفرس. وعليه يكون معنى دافق: المتدفق بشدة. وهذا رأي سيبويه.

وقال آخرون من علماء اللغة: ماء دافق أي مدفوق، كما قالوا: (سر كاتم) أي مكتوم، لأنه من قولك: (دُفق الماء) على ما بني للمجهول فلم يُسم فاعله. فماء دافق: أي مصبوب في الرحم.

والخلاصة: إن الله تعالى يجيب عمن قال: ما دليلك على أن كل نفس عليها حافظ ؟ فيقول له: أو ليس الذي يخبرك من أي شيء خلق جديراً وقادراً على أن يكون حافظاً عليك ؟!

التعليقات

شاركنا بتعليق