آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
والسماء والطارق

والسماء والطارق

تاريخ الإضافة: 2006/05/05 | عدد المشاهدات: 3549

موضوع لطيفتنا لهذا اليوم من قوله تعالى في بداية سورة الطارق: ﴿والسماء والطارق* وما أدراك ما الطارق* النجم الثاقب* إن كل نفس لمّا عليها حافظ﴾.

أولاً: ما علاقة هذه السورة بالسورة التي قبلها، وهي سورة البروج ؟

لقد اختتمت سورة البروج بقوله تعالى: ﴿بل الذين كفروا في تكذيب* والله من ورائهم محيط* بل هو قرآن مجيد* في لوح محفوظ﴾.

فالذين كفروا يكذبون، وتكذيبهم واقع على يوم القيامة، وما فيه من حساب وثواب وعقاب، فكأنهم يقولون: أين يوم القيامة الذي تعدنا ؟ ومن الذي سيُحصي علينا أعمالنا يومذاك ؟ وعبّر القرآن عن تكذيبهم بقوله: ﴿في تكذيب﴾ ولم يقل (يكذبون) ليعبر عن استغراقهم في هذا التكذيب، وإحاطته بهم حتى أغلق عليهم أبواب التفكير والتعقل.

ثم قال تعالى: ﴿والله من ورائهم محيط﴾. فعلمه محيط بما فعلوه صغيراً كان أم كبيراً. ولما قال تعالى: ﴿والله من ورائهم محيط﴾، أكّد بعدها إحاطةَ علمه هذا بكل شيء فقال بعدها: ﴿والسماء والطارق* وما أدراك ما الطارق* النجم الثاقب* إن كل نفس لمّا عليها حافظ﴾.

ثانياً: لِمَ أقسم الله تعالى بالسماء ولم يقسم بالأرض هنا ؟ بل إن القرآن الكريم يقسم بالسماء مستقلة عن الأرض، ولا يقسم بالأرض إلا على سبيل التابع للسماء واللاحق بها. فالله تعالى يقسم بالسماء دون ذكر الأرض كما في قوله تعالى: ﴿والسماء ذات البروج﴾. وقوله: ﴿والسماء والطارق﴾ وقوله في سورة الذاريات: ﴿فورب السماء والأرض﴾. لكنه لا يقسم بالأرض إلا بالاقتران مع قَسَمه بالسماء، كما في قوله تعالى في سورة الطارق أيضاً: ﴿والسماء ذات الرجع* والأرض ذات الصدع﴾. وكما في قوله تعالى في سورة الشمس: ﴿والسماء وما بناها* والأرض وما طحاها﴾. ولعل السر في ذلك يكمن في أن السماء إبداع خالص لله تعالى في أصل وجودها واستمرار هذا الوجود. وأما الأرض فقد يخطر ببال الإنسان أنه يشارك الله تعالى – ولو ظاهراً -  في تطوير هذه الأرض وعمارتها، لذلك لم يقسم بها الله تعالى منفردة.

ثالثاً: ما هو الطارق ؟ الطارق هو الآتي بليل.

لذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ من شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير. وما دام هذا النجم الثاقب يظهر للعيان ليلاً، فيثقب الظلام بنوره ويطرق العين بضوئه، لذلك سمي طارقاً.

رابعاً: ما الفرق بي قوله تعالى ﴿وما أدراك﴾ وقوله تعالى: ﴿وما يدريك﴾ ؟

لعل الفرق بين هذين التعبيرين أنه كلما ورد قوله تعالى: ﴿وما أدراك﴾ فهذا يشير إلى أن هذا المسؤول عنه سوف تقوم الآيات التالية ببيانه والإجابة عن السؤال. وأما إذا كان السؤال بصيغة ﴿وما يدريك﴾ فهذا يشير إلى أن الآيات التالية لن تتضمن الإجابة، بل يبقى الجواب مضمراً لحكمة يريدها الله تعالى. فالقرآن الكريم يقول، وهي المواطن الوحيدة التي وردت فيها صيغة ﴿وما يدريك﴾:

﴿وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً﴾ الأحزاب:63.

﴿وما يدريك لعل الساعة قريب﴾ الشورى:17.

﴿عبس وتولى* أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزّكى﴾ عبس:1-3.

وأما صيغ ﴿وما أدراك﴾ فقد وردت ثلاث عشر مرة، منها مرتان في سياق سؤال واحد هي قوله تعالى: ﴿وما أدراك ما يوم الدين* ثم ما أدراك ما يوم الدين* يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله﴾ الانفطار:17-19.

ومن المواطن الأخرى التي وردت فيها هذه الصيغة، وقد أعقبها كلها جواب عن السؤال:

﴿الحاقة* ما الحاقة* وما أدراك ما الحاقة* كذبت ثمود وعاد بالقارعة﴾ الحاقة: 1- 4.

﴿وما أدراك ما سجين* كتاب مرقوم﴾ المطففين:8-9.

﴿وما أدراك ما العقبة* فكّ رقبة﴾ البلد:12-13.

خامساً: ما هو المقسَم عليه ؟

لقد أقسم الله تعالى بالسماء والطارق فما هو المقسَم عليه ؟

هنا يأتي موطن التعلق بآخر السورة التي قبلها، فبما أن الكفار يكذبون بيوم القيامة، وبما يمكن أن يكون فيه من الحساب الدقيق، فإن الله تعالى يقسم فيقول: ﴿إن كل نفس لما عليها حافظ﴾ يحصي أعمالها صغيرها وكبيرها، وسوف تجازى بها يوم الدين.

سادساً: قوله تعالى ﴿إن كل نفس لمّا عليها حافظ﴾. ولننظر إلى تركيب هذه الآية وصياغتها:

إنْ: حرف نفي، فهي بمعنى ما النافية.

لَمّا: بمعنى إلا، فهي حرف استثناء، وبما أنها جاءت بعد نفي فقد أفادت الحصر، وبذلك يصبح معنى الآية: ما من نفس إلا وعليها حافظ. فلا استثناء في موضوع حفظ الأعمال والإحاطة بها وتدوينها ثم المجازاة عليها. لذا ينبغي عليكم ألا تكونوا في تكذيب. فالله تعالى من ورائكم محيط، وكل نفس عليها حافظ.

ولقد استفدنا هذه الإحاطة في الحفظ وعدم استثناء أية نفس من تركيب الآية وصيغتها. كما بينا المعنى قبل قليل، ويتضح ذلك أكثر باستعراض إعراب الآية:

إن: حرف نفي.

كل: مبتدأ.

نفس: مضاف إليه.

لمّا: حرف استثناء يفيد الحصر لأنه جاء بعد نفي.

عليها: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدّم مقدّر للمبتدأ "حافظ".

حافظ: مبتدأ مؤخر.

والجملة من المبتدأ المؤخر والخبر المقدم المحذوف في محل رفع خبر للمبتدأ "كل".

ولو أن الله تعالى قال: "إنّ كلَّ نفس عليها حافظ" لما أفادت هذه الصيغة القوة والعموم الذي أفادته صيغة الآية: ﴿إن كل نفس لما عليها حافظ﴾، ولكان هناك احتمال استثناء، لأن الكلام مثبت، والمثبت يحتمل التخصيص والتقييد والاستثناء.

لكن النفي والاستثناء الحاصر في صيغة الآية ينفيان احتمال خروج أحد عن القاعدة التي تقررها الآية.

ومثال هذا الأسلوب في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من أحد إلا سيخلو به ربه).

فلا تنتظر أيها السامع احتمال الاستثناء والتخصيص -  فكل النفوس – على سبيل الإحاطة والتأكيد – عليها حافظ.

والله تعالى أعلم.

التعليقات

شاركنا بتعليق