آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
الدكتور عكام يستقبل وفد الكنائس البريطانية

الدكتور عكام يستقبل وفد الكنائس البريطانية

تاريخ الإضافة: 2006/09/14 | عدد المشاهدات: 5209

استقبل الدكتور محمود عكام صباح الخميس: 21 شعبان 1427 الموافق: 14 أيلول 2006 وفداً يمثل الكنائس البريطانية، وقد ضم الوفد عدداً من رجال الدين والباحثين الذين ينتمون إلى مختلف الطوائف المسيحية في بريطانيا.

وكان الوفد البريطاني قد التقى خلال زيارته دمشق شخصيات إسلامية ومسيحية مختلفة، وجاء حلب ليستمع إلى رؤية الدكتور عكام عن العلاقات الإسلامية المسيحية في سورية خاصة والعالم بشكل عام.

وقد رحب الدكتور محمود عكام في بداية اللقاء بالضيوف في سورية وفي حلب وأبدى سروره بزيارتهم وقال:

أعتقد كمسلم أنه لا مشكلة بين الإنسان والإنسان، مهما اختلف دين هذا الإنسان أو مجتمعه أو عرقه، فالتعاليم الإسلامية تصب في مصب دعم التعارف واللقاء بين الإنسان والإنسان. وأظن أن كل التعاليم الدينية السماوية، ومنها المسيحية، تصب في خدمة الغاية نفسها. فإذا كانت الأديان تعتبر التعارف مهمة كبرى وغاية يسعى إليها الإنسان فلا أظن أن المسلم ولا أظن أن المسيحي يمكنهما أن يتكلما عن مشكلة بينهما إذا كانا مؤمنين حقاً. ولكني أقول من باب الصراحة:

يخطر ببالي أن السياسة هي التي أربكتنا، أربكت المسيحية والمسيحيين فيما بينهم، كما أربكت الإسلام والمسلمين فيما بينهم، وأربكت كل واحد من الطرفين في علاقته مع الآخر. لذا أقول علينا أن نضع حداً للسياسة من أجل ألا تعبث بنا، فإذا فعلنا ذلك تفرغنا لتنفيذ التعاليم السماوية، تفرغ المسيحي لتنفيذ تعاليم المسيحية، وتفرغ المسلم لتنفيذ تعاليم الإسلام، التي تطلب منا جميعاً أن نعيش فيما بيننا على أساس من علاقة طيبة، على أساس من إنسانية، على أساس من قول حسن.

كنت منذ يومين في محاضرة فقلت: إن التاريخ السياسي للإنسانية يشكل عبئاً على الإنسانية، كما يشكل التاريخ السياسي للمسيحية عبئاً عليها، وكما يشكل التاريخ السياسي للإسلام عبئاً على الإسلام والمسلمين. لقد جعلَنا هذا التاريخ نترك المسير في خط البناء وتحقيق التعارف الذي أمرت به الأديان لنتحول إلى مبررين ولنكون مدافعين عن التاريخ السياسي وتوجهات أصحابه.

مثلاً أنا مسلم، وأنت مسيحي... وبدلاً من أن نسعى لتنفيذ تعاليمنا في التوادّ والتعارف صرنا ندافع عن حقبة معينة أفرزتها السياسة، دون أن تكون لها علاقة بالدين؛ أنت تتهمني وأنا أدافع، وأنا اتهمك وأنت تدافع... تحول المسار من البناء إلى الدفاع.

ومن أجل التوضيح أكثر: أنا ألتق الآن معك وأراك، فلا أتخيل المسيحية الصافية، ولا أتخيل سيدنا عيسى عليه السلام، ولا أتخيل ما ورد في القرآن الكريم عنك من أشياء جميلة، بل أتخيل الحروب الصليبية مثلاً. وكذلك أنت، تلتقي بي فلا تتخيل إلا ما جرى من حروب لم يكن الإسلام باعثاً عليها ولم تكن له علاقة حقيقية بها.

وإن شئتم إجابة مباشرة عن العلاقة بين الإسلام والمسيحية في سورية فإني أقول لكم، ومن خلال تاريخ هذا البلد الذي أعرفه بشكل جيد، ومن خلال تجربتي الشخصية التي عشتها على مدار العمر... أقول:

إنني لم أجد مشكلة أو اضطراباً في العلاقة ما بين المسلمين والمسيحيين، وإذا أردنا أن نحافظ على هذه العلاقة سليمة من المشكلات فلنبعد السياسة عنها، وعندها ستكون العلاقة وطيدة وجميلة فيما بيننا. ولكن السياسيّ قد يقوم ليدعونا إلى وحدة وطنية، ... دعوة تصب في مصلحته هو.

أنا أقول - على سبيل المثال - للمطارنة الذين ألتقي بهم:

لا مشكلة فيما بيننا، ولكن السياسي يريد أن يستغل صورتنا ليظهرها على التلفزيون ليكسب من خلالها دعماً ما، وكأنه يقول لنا: افتعلوا مشكلة فيما بينكم ثم حلّوها، لأكتسب بذلك نقطة إيجابية أمام العالم.

أنا أسأل: ما الغاية من الحوار المطلوب بين المسلمين والمسيحيين ؟

عندما أتبنى خط الحوار يجب علي أن أتابع هذا الخط إلى نهايته، وعندها سأنتقل من الحوار الإسلامي المسيحي إلى الحوار الإسلامي الإسلامي، ومنه إلى الحوار المذهبي المذهبي، وهكذا إلى ما لا نهاية... تصور أن أدعو ولدي الذي أعيش معه بانسجام في البيت نفسه إلى إقامة حوار بيني وبينه !

في النهاية: ربما قيل لي: ما الذي تريده أنت من المسيحيين ؟ وما الذي تريدهم أن يريدوه منك ؟

أقول: أريد أن نبحث عما ينفع الإنسان... هذا هو المطلوب. تعالوا نتفق على مثل هذا العمل، وعندها سنحقق ثمرة الحوار؛ ولو دعونا إلى الحوار وأقمنا الحوار دون عمل فسوف يؤدي بنا هذا الحوار إلى الخلاف.

عندما نعمل لخير الإنسان فسوف يحصل الحوار والتعارف المطلوب ضمناً. وعندما نلتقي على حوار دون عمل فسوف نكون كمن يلتقي مع الآخر فيمضيان لقاءهما تحية وسلاماً وتحية وسلاماً، دون أن يتكلما في شيء نافع، ليخرجا بعدها من هذا اللقاء دون ثمرة !

 

الوفد البريطاني:

لقد قابلنا البطريرك أغناطيوس وقال لنا: يجب أن نضع حداً أمام الماضين فأمامنا وقت طويل للحوار حول المبادئ، وأن نلتفت لكي نعيش المبادئ. وأظن أن هذا الكلام يتفق مع رؤيتكم للموضوع.

الدكتور محمود: أنا أعتقد أن العمل يبطل الجدل، ومن انشغل بالجدل فلن يتفرغ للعمل...﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾.

الوفد البريطاني: بصراحة دكتور محمود. أنت أول إنسان نلتقي به خلال جولتنا هذه يقول بوضوح: إن العمل أولى من الكلام !

الدكتور محمود: إنه وضوح أفدته من وضوح الله تعالى مع عباده، ومن وضوح الرسل مع أتباعهم. ولا زلت أقول: تعالوا نخرج من حيّز المجاملة التي لا تفضي إلى شيء إلى حيز العمل النافع.

كنت أضرب مثلاً تصويرياً فأقول: تخيلوا أربعة أو خمسة أشخاص ينتمي كل واحد منهم إلى دين أو حزب أو معتقد، هذا مسلم وذاك مسيحي والثالث شيوعي وآخر بعثي وهكذا... وقد وقفوا جميعاً أمام إنسان ميت، وهم يختلفون، فالمسلم يريد أن يقرأ شيئاً من القرآن، والمسيحي يريد الإنجيل، وكل واحد من الآخرين يريد شيئاً يعبر عن فئته التي ينتمي إليها، والميت مرمي على الأرض ولا احد يلتفت إليه... حتى إذا طال الجدال وبدأت رائحة الجثة تظهر، وضع كل واحد منهم يده على أنفه وهو يرفع الأخرى معلناً رفضه لأي شيء يقال إلا ما يريده هو... !

الميت يحتاج إلى من يغسله ويدفنه، ونحن نختلف حول ما يجب أن يقال فوق رأسه !

ولو أن إنساناً بادر ليقوم بالتغسيل والتكفين والدفن لقطع الجدل العقيم الذي لا يفضي إلى خير. فإذا كان العمل مع الميت يقطع الجدل فما بالك بالحي ؟!

أمامنا إنسان جائع وآخر مريض وعاطل عن العمل وجاهل يحتاج إلى المعرفة، ونحن نقول له: الإسلام سيعطيك... المسيحية ستعطيك، دون أن نبادر لتقديم ما يحتاجه هذا الإنسان لكي يكون حاملاً لرسالة الإنسانية.

كل دين لا يسعى للعمل مع الحي ونفعه وخدمته فهو دين أناني !

الوفد البريطاني: دكتور محمود. هل أنت متفائل بشأن المستقبل ؟

الدكتور محمود: أنا متفائل دائماً، وإن لم يوجد على الأرض ما يدعو للتفاؤل.

بالنسبة لي هناك محوران أنظر إليهما: محور الأرض ومحور السماء، وأنا أعتمد على محور السماء أولاً، فالسماء تعطينا الأمل، وإن أعطتنا الأرض التشاؤم فأنا أغلّب السماء على الأرض.

وفي النهاية: أنا لا أظن أن هناك فترة أرضية فيها معطيات للتفاؤل أكثر من فترة، كل الفترات متساوية من هذه الناحية، وعلى الإنسان حين يعمل ألا ينظر إلى المواطن التي ترسل رياح التشاؤم. وما أظن أن الأنبياء والمصلحين قد حفّتهم ظروف هي أفضل من الظروف التي حفّت غيرهم، ومع ذلك عملوا واشتغلوا.

ولعلي أذكر هنا بيتاً من الشعر يقول:

أيها الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً

الوفد البريطاني: لقد قرأنا عن بعض الوفود التي ذهبت إلى خارج سورية لتتكلم في موضوع الحوار. ويبدو أن لغَطاً أثير من خلال الصحافة حول الموضع فما رأيكم أنتم ؟

الدكتور محمود: أعود إلى أول الكلام. أنا لست معنياً بشيء فُعل تحت قنطرة السياسة. السياسة مصالح والدين مبادئ، وإذا سيَّرت المصالحُ المبادئَ ضاع الاثنان، وإن سيَّرت المبادئُ المصالحَ نجح الاثنان. القضية واضحة ولا تحتاج إلى كثير تفكير، لكننا ننساق وراء مصالحنا أحياناً ونعطي ذلك تغطية من الدين.

إذا كنا مع السياسيين على أرضية المصالح فسوف يغلبوننا، وإذا كنا معهم على أرضية المبادئ فسوف ننجح جميعاً.

أنا لست ضد السياسة، ولكني ضد توسعها على حساب المجالات الأخرى، فالسياسة هي تصنع الحرب والمبادئ هي التي تصنع السلام، فلنختر التبعية لمن يصنع الحرب

في نهاية اللقاء قدم الدكتور الشيخ محمود عكام لكلٍّ من أعضاء الوفد البريطاني نسخة من كتابه]الإسلام والإنسان[، كما قدم لهم كتابه الأخير ]فماذا بعد ؟ تعليقات على الحرب والسلام والمقاومة والإرهاب[.

وقد أعرب أعضاء الوفد عن اهتمامهم بكتاب ]الإسلام والإنسان[ نظراً لأهمية موضوعه وجاذبية عنوانه. وأبدوا رغبتهم في ترجمته إلى اللغة الإنكليزية.

كما أثنوا على مواكبة الدكتور محمود للأحداث والقضايا الهامة، واهتمامه بالكتابة حول المسائل الحساسة الجديدة، وهو ما يتجلى في سرعة إصداره للكتاب الأخير [فماذا بعد ؟ تعليقات على الحرب والسلام والمقاومة والإرهاب[.أو لمن يصنع السلام.

التعليقات

شاركنا بتعليق