آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
الدكتور عكام يستقبل وفد مجموعة كونفرونتي الإيطالية

الدكتور عكام يستقبل وفد مجموعة كونفرونتي الإيطالية

تاريخ الإضافة: 2006/01/07 | عدد المشاهدات: 2564

استقبل سماحة مفتي حلب الدكتور الشيخ محمود عكام يوم الأحد 7/1/2006 في قاعة الاستقبال بجامع التوحيد الكبير بحلب وفداً يمثل مجموعة كونفرونتي الإيطالية، ويتألف من خمسة وثلاثين باحثاً وباحثة، برئاسة السيد لويجي ساندري.
وقد عبر السيد ساندري في بداية اللقاء عن شكره للدكتور عكام، الذي يستقبل وفد الجمعية اليوم، كما استقبل الوفد الأول العام الماضي.
وبيّن السيد ساندري أن الوفد يهتم بالبحث فيما يتعلق بموضوع الحوار الديني بين الطوائف والأديان في منطقة الشرق الأوسط وعلاقة ذلك بالصدام العربي الإسرائيلي والتوترات المذهبية والدينية التي قد تحصل أحياناً.
كما رحّب الدكتور بالوفد الزائر، راجياً لهم تحصيل الفائدة من لقاءاتهم التي يجرونها.
وبيّن للوفد الضيف أنه لا يرى شخصياً أهمية ترجى لإطلاق مبادرات بعنوان (حوار الأديان)، وأنه مقتنع بأن الحوار يجب أن يكون ما بين الإنسان والإنسان، فالأديان لا يجب أن تتحاور، وإنما يجب أن تدفع الإنسان للقاء مع أخيه الإنسان، ونحن نرجو من الأديان أن تقوم بوظيفتين:
أن تثبت في الإنسان إنسانيته، بأن تجعله إنساناً بالمعنى الخير... أي أن تثبت خير الإنسان في الإنسان.
أن تجعل الإنسان يقوم حيال الإنسان بالتعارف والتعاون... أن يتعارف الإنسان مع الإنسان، وأن يتعاون الإنسان مع الإنسان، وهذا ما فصله القرآن في آيات كثيرة منها: ﴿وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا﴾.
ثم دار حوار بين الدكتور عكام وأعضاء الوفد طرحوا فيه عدة أسئلة تتعلق بالعلاقة بين الأديان والصراع العربي الإسرائيلي وواجب المثقفين والمؤمنين تجاه الإنسانية.

وفيما يلي نص الحوار
 

رئيس الوفد الإيطالي: هذه هي المرة الثانية التي نزور فيها سورية ونلتقي حضرتكم، ونحن سعيدون جداً لأن اللقاء الأخير في برنامجنا هو معكم.

لقد قمنا بزيارة إلى تركيا وفلسطين ونحن الآن في سورية، وكان محور اللقاءات هو الحوار الديني ما بين الطوائف الدينية في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الصدام الموجود فيها، ونريد من وراء ذلك تقديم رسالة تشجع على التعارف والسلام والصداقة والمحبة بين هذه الأديان.

الدكتور محمود عكام: بسم الله الرحمن الرحيم، يسعدني أن ألتقي بكم ثانية أيضاً هنا في المسجد الذي أقوم بخطبة الجمعة فيه، كان بودي أن أستقبلكم في بيتي لأن الاستقبال في البيت يعني حميمية أكثر، لكن العدد الكبير حال بين ذلك، وهذا هو سبب استقبالي لكم هنا، وآمل أن لا تكون هذه الزيارة الأخيرة، وأرجو أن تكون هناك زيارة ثالثة ورابعة حتى نصل إلى تحقيق ما نريد أن نحققه من تعاون أو تآلف أو تقارب، سمّوه ما شئتم، فالمهم أن نلتقي على سلام.

أرحب بكم وأتمنى أن تكون الحصيلة التي خرجتم بها بعد زيارة البلاد التي ذكرتموها جيدة ونافعة، وأرجو أن توظّف من أجل لقاء الإنسان مع الإنسان.

كما قلت في مرة سابقة، وأؤكد هذا الكلام هنا، أنا لا أقول بحوار الأديان، وهذه الفكرة مستقرة في ذهني، ولكني أقول بحوار الإنسان مع الإنسان، فالأديان يجب ألا تتحاور، وإنما يجب أن تدفع الإنسان من أجل أن يلتقي أخاه الإنسان.

وأفصِّل القول في هذه الفكرة:

الإنسان قبل الأديان، وليست الأديان قبل الإنسان، وإذا كان الإنسان قبل الأديان فنحن نريد من الأديان ونرجو من الأديان أن تقوم بوظيفتين:

المهمة الأولى: أن تثبِّت على الإنسان إنسانيته، بأن تجعله إنساناً بالمعنى الخيّر. أي أن تثبت خير الإنسان في الإنسان.

والمهمة الثانية: أن تجعل الإنسان يتعاون ويتعارف مع الإنسان الآخر، هذه المهمة هي التي شرحتها الآيات القرآنية عندما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا﴾.

على هذا أقول وأؤكد: الدين عامل لقاء، فإن لم يكن كذلك فعلينا أن نعيد النظر، لا في الدين لأنني أعتقد كما قلت لكم أن الدين في أصله عامل لقاء، ولكن علينا أن نعيد النظر في فهمنا للدين، لأننا إن لم نفهمه على أنه عامل لقاء فسيكون فهمنا له خطأً.

ولا أريد من الناس الذين لا يدينون بدين أن يسبقوا أهل الدين في ميدان اللقاء والتعرف والتعاون، لأننا صرنا نتمنى الآن، نتيجة لما نراه من صِدام ومن خلاف بين أهل الأديان، صرنا نتمنى أن نعود إلى فترة ما قبل هذه الأديان، لأننا نرى أن الإنسان كان قبلها في حالة خلافية أقل مما عليه الآن. وحتى نتحقق بما نقول به، فيما يخص أن الدين عامل لقاء وتعارف فنحن نرحب بكم هنا في سورية ونعتبركم ضيوفاً أعزاء وإخوة في الإنسانية أجلاء.

الوفد: ما عمل الدكتور محمود عكام ؟

الدكتور محمود عكام: العمل الذي يقوم به الدكتور محمود عكام أنه يقدم أجوبة للناس فيما يخص حياتهم وفي ما يخص علاقاتهم مع بعضهم ومع غيرهم حتى تكون هذه العلاقات مُرضية لله عز وجل.

الوفد: من الذي يعيّن الدكتور محمود عكام ؟

الدكتور محمود عكام: الدولة أو الحكومة هي التي تعين الدكتور محمود عكام في الوقت الحالي، أما قديماً فكان الدكتور محمود عكام ينتخب انتخاباً من قبل علماء البلد. من قبل الفقهاء في البلد.

الوفد: ما الذي تفكر به تجاه الحروب والاضطرابات التي تحدث في الوقت الحاضر ؟

الدكتور محمود عكام: أنا كإنسان أولاً أكره الحرب وأرفض الحرب، وكذلك أرفضها كمسلم، فالله والرسول والإسلام كرَّهوني بالحرب أيضاً.

الحرب حالة مَرَضية طارئة عارضة، لا نريدها ونكرهها، حتى أن الله عزَّ وجلَّ قدّم نفسه في القرآن الكريم على أنه إطفائية للحرب فقال: ﴿كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله﴾.

معركة الحرب يُحسنها كل إنسان لكن معركة السلام لا يطالها إلا المصلحون، لذلك أنا أعدّ نفسي مصلحاً ولا أعد نفسي إنساناً عادياً، والله عزَّ وجلَّ قال أيضاً في القرآن فيما يخص الحرب: ﴿كتب عليكم القتال وهو كُره لكم﴾، فهو يقول لنا: أنا أعرف أنكم تكرهونه.

الوفد: في الكنائس عندنا يوجد راهبات فما الموجود المقابل لهذا في دينكم ؟

الدكتور محمود عكام: ليس هناك في الإسلام ما يقابل الراهبة، لكن ما تفعله الراهبة من عمل نبيل مدعوّة إلى عمله وفعله كل امرأة في الإسلام، وهو خدمة الإنسان وخدمة الدين وخدمة المجتمع، فليس في الإسلام هذه الطبقية أو الشريحة المتخصصة لخدمة الدين أو الرب.

الوفد: ما الحل برأيكم في مسألة الصدام بين العرب وإسرائيل ؟

الدكتور محمود عكام: يكمن الحل دائماً بالنسبة للصراع العربي الإسلامي الإسرائيلي في أن يَرعوي وأن يرجع الظالم عن ظلمه، ولن تمشي الإنسانية بشكل سوي إلا إذا انتفى الظلم فيها.

مَن ظلم في هذا الصراع عليه أن يرجع عن ظلمه، ونحن جاهزون من أجل حوار مطول حول تحديد الظالم، فإذا ثبت أننا ظالمون فسننزاح عن ظلمنا، وإذا ثبت أن الآخرين هم الظالمون فيجب أن يرجعوا عن ظلمهم، وهذا ما ندعو العالم كله من أجل أن يخاطبوا إسرائيل به، فإذا ثبت أنها ظالمة، وأعتقد أنه قد ثبت فعلاً أنها ظالمة، لذا ينبغي على العالم الغربي والشرقي أن يخاطب إسرائيل في ضرورة الرجوع عن ظلمها، وإلا فإن حدث ما لا تريده هي فلا تعتب إلا على نفسها.

ولذلك نحن نطلب - من باب التأكيد على الجواب - من أمثالكم من المثقفين، نطلب منكم أن تكونوا عوناً للإنسان المظلوم حيثما كان المظلوم، وهناك رسالة ملقاة على عاتق المثقفين وأنتم منهم، وهي أن يبيّنوا الظلم حيثما كانوا، سواء أكانوا إيطاليين أو عرباً أو بريطانيين أو أمريكيين.

هذه الرسالة هي رسالة إنسانية، ونحن كمثقفين نشترك معهم فيها، وهي أن نبين للعالم وللسلطة وللسياسيين فظاعة الظلم وأن الظلم مرفوض، وعلينا أن نحث السياسيين والحكام على ضرورة رفع الظلم عن المظلومين حيثما كان، وهذه الرسالة توحّدنا بغض النظر عن أدياننا، لأن الإنسانية في النهاية لا تقوم إلا على العدل ونفي الظلم، فإما أن نحمل نحن هذه الرسالة بأمانة وقوة، وإما أن نستقيل من هذا المنصب الذي نحن فيه وهو منصب الثقافة، نحن التقينا وأعتقد أن القاسم المشترك بيننا هو هذه الرسالة التي ذكرتها.

خلاصة ما نلتقي عليه: نريد العدل ونرفض الظلم، على مستوى الأسرة وعلى مستوى الدولة وعلى مستوى العالم كله.

الوفد: ما قولكم في الصوفية ؟

الدكتور محمود عكام: في الإسلام، أعني في بعض مساراته وطرقه هناك من يسمون بالصوفيين،هناك فئة شريحة أو حالة تسمى الصوفية، ونحن ندعو إلى الصوفية، لأن الصوفية كما أفهمها باختصار: تعمق وتدعم الحب فيما بين الإنسان وربه وبين الإنسان والآخر، فالصوفي هو من صفا في علاقاته مع الله ومع الناس، وهناك ثلاث كلمات محبوبة عند الصوفية هي القلب والرب والحب، وهم أيضاً يكرهون الحرب.

الوفد: كيف ننزع الخوف من أنفسنا، هذا الخوف الذي سرى في المسلمين وفي الغرب إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر ؟

الدكتور محمود عكام: نرفع الخوف من قلوبنا عندما نستحضر أهدافنا النبيلة وغاياتنا الإنسانية الجيدة، فالأمور الأخرى التي يحاول من خلالها هؤلاء أن يجعلونا مذعنين، فعندما نستحضر غايتنا النبيلة وهي إرضاء الله وخدمة الإنسان، ويرى الطغاة – مَن كانوا - تمسكنا بهذه الغايات والأهداف النبيلة عندها سننزع من أنفسنا الخوف من هؤلاء، لأن هؤلاء زائلون، أما من ارتبطنا به فلن يزول.

الوفد: تكلمت عن العدالة في العائلة والعدالة في الدولة والعدالة في العالم. ما الذي يمكن أن تقوله عن العدالة في العائلة ؟

الدكتور محمود عكام: عدالة العائلة باختصار أن يعرف كل إنسان واجباته وحقوقه، فالإنسان حيثما كان عليه واجب وله حق.

نحن نقول لكل فرد من أفراد العائلة: طالب بحقك. ولكن قبل أن تطالب بحقك قُم بواجبك، وواجب كل فرد من أفراد العائلة وحقه يعرفه كل إنسان، لكن الدين جاء فوضح هذا الذي يعرفه الإنسان، وبيَّنه حتى لا يحتج الإنسان بالنسيان أو بالغفلة.

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  يقول لنا: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن)، ويقول في مكان آخر: (استفتِ قلبك وإن أفتوك وأفتوك). أنت تعرف ما الذي لك وما الذي عليك.

الوفد: في الوقت الحالي يعيش الشعب الفلسطيني مرحلة وحالة صعبة جداً ومن المفروض أن تتغير هذه الحالة، فما الذي قدمه العالم الإسلامي، وما الذي يمكن تقديمه للشعب الفلسطيني ؟

الدكتور محمود عكام: نحن لا نطالب العالم الإسلامي وحده اليوم لأنه غارق في المشاكل الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكننا نطالب العالم كله في أن يكون - كما قلتُ - عوناً للمظلوم في وجه الظالم، وكلٌ في موقعه. المثقف من ثقافته، والاقتصادي من اقتصاده، والسياسي من سياسته، وإلا فلن يكون هنالك لقاء ولن تكون هنالك إنسانية، ونأمل من العالم كله، لا سيما الشعوب الغربية والمثقفين منهم أن لا يتعامل مع المظلوم منّا على أساس قريبِ هذا المظلوم. بمعنى ألا يقولوا: إذا كان هذا المسلم لا يتعاون مع المسلم الآخر فنحن من باب أولى لن نتعاون معهم.

آمل ألا يكون هكذا حالهم، وبعبارة أخرى: لا نريد من المثقفين الغربيين ومن الشعوب الغربية أن يكون موقفهم موقف المتفرج فقط، لأن الأمر في رأيهم لا يعنيهم لأن الأمر يعنيهم كما يعنينا، فالإنسانية كلها معنية ببعضها، ولا نريد من عالم الحيوان أن يكون أكثر تطوراً من عالم الإنسان، لأن عالم الحيوان يُعنى كلُّه بكله في الغابة.

بل على الإنسانية أن تُعنى بكلها، وألا يكون الدين أو العرق حاجزاً للإنسانية أمام تعاونها مع بعضها، فمشكلة فلسطين مشكلة إنسانية، والمشكلة التي تحدث في إيطاليا مشكلة إنسانية أيضاً، على الأقل نحن المثقفين يجب أن نتعامل بهذه اللغة.

نحن تأثرنا عندما حدثت التفجيرات وفي إسبانيا وفي لندن، وعندما حدث إعصار كاترينا أو تسونامي، واعتبرنا أن المشكلة مشكلتنا، حيثما وجدت مشكلة تأثَّرنا، والإنسان الذي لا يشعر بظلم المظلوم لأنه يخالفه في دينه، فهذا الإنسان ناقص أو مشلول... أنا أرى هذا.

الوفد: نحن نرى في إيطاليا أن العالم المسلم يعيش في تزمت وأن الشباب الصاعد أو الناشئ في الوقت الحاضر يعيش في تزمت ديني. هل يستطيع المسلم أن يعيش بعيون منفتحة ويمارس حياته بشكل عادي بغض النظر عن التزمت الديني ؟

الدكتور محمود عكام: أنا أرى أن التزمت ليس مرضاً دينياً بل مرض إنساني، الإنسان المتسامح عندما يأتيه الدين سيجد أن الدين يوسّع تسامحه ويجعله كبيراً، والإنسان المتزمت يأتي إلى الدين ليأخذ من الدين تبريراً لتزمته فهو ليس وفياً مع الدين، ويريد أن يغطي هذا المرض بالدين، لذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشكل صريح: (لم أبعث معنتاً ولا متعنتاً وإنما بعثت رحمة)، أي لم أبعث متزمتاً، ولذلك قلت مرة: الحضارة الإنسانية - وبغض النظر عن كون الحضارة إسلامية أو مسيحية - الحضارة سَعة. من يسع منا الآخر هو الحضاري، عندما نعمق هذه المفاهيم عند طلابنا وفي مدارسنا أعتقد أننا سنقضي إلى حد ما على التزمت الذي ينبت على أساس من دين.

الوفد: ما الذي تفكر به حول البرنامج النووي الإيراني ؟

الدكتور محمود عكام: أنا لا أريد أن أتحدث أو أدافع لا عن البرنامج الإيراني ولا عن البرنامج الأمريكي، ولكني أؤكد: نحن لا نحب الحرب ولا نريد الحرب فإن كانت البرامج في أمريكا أوفي إسرائيل أوفي إيران من أجل الحرب، وإن كانت ستؤذي الإنسان فنحن نرفضها ونلعن فاعليها، ونأمل من أصحاب البرامج النووية في الهند وفي إسرائيل وفي باكستان وفي إيران أن يحولوا الميزانيات التي يضعونها في البرامج النووية إلى برنامج صحي... إلى برنامج تعليمي... إلى برنامج معرفي، فهذا أولى ونحن نناشدهم ذلك.

نحن نشعر بالخوف فعلاً، ونتصور أن العالم كله يقف رهين ضغطة زر، وأنا أذكر أنه لما دخل الرئيس الروسي السابق يلتسين في غيبوبة وأعطى حقيبته السوداء التي تضم شيفرة السلاح النووي إلى خلفه، كنت أدعو الله بيني وبين نفسي ألا يخطئ هذا ويلعب بالأزرار فيدمر الدنيا، وهناك أفلام عن عابثين يدخلون إلى الشيفرة ويدمرون العالم، وهذه مشكلة، لذا نحن ضد البرامج النووية كلها.

التعليقات

شاركنا بتعليق