وتمر سنة على تواري
برجين كبيرين في الدولة العظمى عن الأنظار ، ولو قُدِّر لنا أن نتخيل الأمر
إذا كان ما حدث لم يقع لقلنا إن أمريكا قادرة على إعادة بناء مئة برج لو
أنها هدمت - لا سمح الجبروت الأمريكي - في أقل من شهر ، فأمريكا أمريكا .
لكن هذا المتخيّل باء بالفشل حينما لامس الواقع ، فالبرجان أو برجا التجارة
العالمية المهدمان لم يعودا للوجود وقد مرت سنة كاملة ، ربما قال الواهمون
المعظمون : أمريكا قادرة على ولكنها لحكمة لا يعلمها إلا البيت البيضاوي لم
تبنِ هذين البرجين وآمل من هؤلاء أن يستيقظوا من وهمهم ، وأن يتجنبوا
التقديس لمن ولما لا يستحق ، ويجتنبوا قول الزور ، فأمريكا من خلال ما حدث
في أيلول استبانت أبعاض من حقيقتها ، فهي تقول بحالها الراهنة : ما أنا إلا
دولة عادية ولست الذي لا يقهر ولست الذي لا يُختَرق .
نعم أمريكا ليست ذاك " السوبرمان " المنتصر باستمرار ولكنها كـ " فرعون "
استخفت بنا فأطعناها ، واستهانت بنا فعظمناها ، ولو أننا قمنا إليها قومة
رجل واحد فردعناها لكان خيراً لنا ولها .
على كلٍ : دعونا من هذا كله واسمحوا لي أن أنصح أمريكا حكومة وشعباً وإدارة
وجيشاً ببضع كلمات ولن أزيد ، ومن ثم سأنتقل بنفس الغاية لأنصح عالمي الذي
أنتسب إليه ، وأخيراً لن أنسى الإنسان بشكل عام من بضع عبارات .
فيا أمريكا ، يا دولة القوة المثقوبة والقدرة المهتوكة ، انتبهي لمستقبل
أطفالك وإياك والاستهتار بهم ، إياك أن تجعليهم في شرنقة الكراهية والرفض
جراء تصرفك الأرعن مع من حولك من الدول والأفراد ، ثوري على من يبغي إبادتك
معنى ومبنى ، وأظن - وظنِّي قريب من الاعتقاد - أن حاكمك الحالي " بوش "
وإدارته يقودونك بغباء - وقد أحسنا الظن فلم نقل بإجرام - إلى الهاوية ،
هاويةِ الرفض والنبذ والبغضاء ، فضجر العالم يتنامى وتتسع رقعته من سياسة
تفتقد الإنسانية في نسيجها ، أما سمعت أيتها الدولة العظمى ما قاله الناقد
الأمريكي " هارولد " ورئيسك الأسبق " كارتر" فقد أعلنا بصيغتين مختلفتين
وبفحوى متحدة أن أمريكا لن تكون ولن تبقى الدولة العظمى إلا إذا احترمت
الإنسان وحقوقه وصانت القيم ورعتها ، وطبقت العدالة وحفظتها ، وإلا
فالتهديد والوعيد والترعيد والتزبيد لن يجعل منها إلا دولة مبغوضة مشؤومة ،
والتكنولوجيا المتقدمة غير كافية وحدها ، وقد رغم أنفها غضباً وقهراً بفعل
أناس ما عهد عنهم ظاهراً إلا التخلف ، وما يوم البرجين عنك ببعيد ولا يوم
أوكلاهوما أيضاً ، ولا يوم فيتنام ببعيد ، وهكذا سائر أيام القهر .
أما أنت يا عالمي العربي ـ والإسلامي : فما عليك إلا البحث عن أسوة في عالم
الدول والأمم ، واجتنب في البحث أمريكا ، فما هي بتلك التي تصلح ، وهل
الظالم أو من يعين الظالم والآثم والمعتدي يؤتى به ، وليس من باب الفرض أو
العرض قولي : لعلك يا عالمي أنت في ماضيك تكون أسوة لذاتك في حاضرك ، فقد
كنت - حسب التاريخ - منارة يستضاء بك ، أجل ولعل وقد تنفع لعل : (
إني آنست ناراً لعلي
آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ) .
وأما أنت أيها الإنسان في كل مكان : فلا تتجرد عن إنسانيتك ، أناشدك وأرجوك
، وإنسانيتك تتلخص بثلاث كلمات ، فهي إسلام وإيمان وإحسان ، أما الإسلام
فسلامة الآخرين من أذاك ، والإيمان أمنهم وتأمينهم إياك على أموالهم
وأعراضهم ودمائهم ، وأما الإحسان فعطاء منك لهم بلا حدود وبلا مقابل إلا من
الله الكريم الرحيم (
فستذكرون ما أقول لكم
وأفوض أمري إلى الله ) .
بقلم : د. محمود عكام
حلب : 11/9/2002
التعليقات