آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
والعصر إن  الإنسان لفي خسر

والعصر إن  الإنسان لفي خسر

تاريخ الإضافة: 2006/04/07 | عدد المشاهدات: 5934

استجابة لطلب أخ كريم فإن اللطيفة القرآنية لهذا الأسبوع تتعلق بسورة العصر، التي يقول فيها الله عزَّ وجلَّ: ﴿والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾.

لقد أقسم الله عزَّ وجلَّ بالعصر: ﴿والعصر﴾، وهناك مرادفات لهذه الكلمة، كالزمن والوقت، فما الفرق بين العصر والزمن والوقت ؟

الزمن: هو الظرف مطلقاً... نحن نقول: جاء فلان ليلاً. ليلاً: ظرف زمان. في مواجهة ظرف المكان، وكأن الزمن هو المادة الخام الأساس للوقت والعصر.

الوقت: هو زمن عمل ما. فزمن أي عمل يسمى وقتاً. هناك زمن للصلاة، هذا الزمن الذي هو ظرف أدائها وعملها يسمى "وقت الصلاة".

زمن عمل شيء ما هو وقته، فوقت الامتحان هو زمن عمل الامتحان.

هناك عبارة لابن عطاء الله السكندري يقول فيها: "حقوق في الأوقات يمكن قضاؤها، وحقوق الأوقات كيف يمكن قضاؤها".

وأضرب مثلاً قريباً لشرح هذه الحكمة لعله يكون تذكرة لنا:

وقت هذه اللطيفة - وهو زمن أدائها كما قلنا – له حق، هذا الحق هو إرسالها وأداؤها بالنسبة لي، والاستماع إليها أو استقبالها بالنسبة لكم.

الاستماع حق الوقت، بينما الصلاة – أعني صلاة السنة التي يترك بعض منا الاستماع من أجل أدائها – حق في الوقت، والحق الذي في الوقت يمكن قضاؤه بعد أداء حق الوقت، لأن الوقت يتسع للاستماع للطيفة ثم لأداء السنة. أما حق الوقت فلا يمكن قضاؤه، لأن من فوّت الاستماع فقد فاتته اللطيفة، وهذا المثل يذكرني بما يروى عن الإمام مالك أنه قال لرجل من أصحابه ترك مجلس العلم لأداء الصلاة:  "ما قمت عنه خير مما قمت إليه"، لأن الوقت الفاضل بعد انتهاء مجلس العلم كافٍ لأداء الصلاة وزيادة.

مما يؤسف له أننا غدونا لا ننضبط إلا بالقوة، فلو كنا في مدرسة وأذن لصلاة الظهر فهل نترك الدرس لأداء الصلاة ؟ لا طبعاً، ولكننا نؤدي الصلاة بعد انتهاء الدرس، فهناك زمن الدرس وزمن للدرس.

والصلاة التي هي حق في الوقت تصبح حقاً للوقت إذا ضاق الوقت فلم يعد يتسع إلا لأدائها.

الخلاصة: زمن عمل ما إما حق وقت أو حق في الوقت.

العصر: هو زمني أنا، فزمن كل واحد منا هو عصره. زمني أو ظرفي الخاص الذي أملؤه هو عصري. أي إن الوعاء بما فيه هو العصر.

نحن نقول مثلاً: "عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، ونعني به ذلك الوعاء الزمني الذي عبأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأعماله، ولقد عبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم زمنه تعبئة ممتازة، لذا غدا الزمن الذي عاش فيه منسوباً إليه، فنسبة العصر تكون إلى الزمن أو الوعاء الأكبر والأنفع، مع أنه كانت هناك عصور أخرى معه في الزمن نفسه.

ولذلك قيل: إن العصور تتصارع، لأن العصور أوعية والوعاء الأكبر هو الغالب، وهو الذي ينتسب الزمن إليه. وبناء عليه نسأل: هل نحن في عصر العرب والمسلمين ؟ لا أظن ذلك.

إذن: الزمن أو الوعاء بما فيه من مودعات هو الذي يسمى عصراً، ومن لا عصر له فهو في خسر: ﴿ن الإنسان لفي خسر﴾.

﴿والعصر﴾: قسمٌ بعصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه – في اعتقادنا – أرقى العصور، فهو أكبر الأوعية الزمنية وأنظفها وأرقاها.

﴿والعصر﴾: عصرك أنت يا محمد. فإن "ال" هنا هي "ال العهدية" التي تشير إلى مقصود محدد معروف يتصف بالكمال في موضوعه، كما نقول: "من الرجل ؟" أي: من هو صاحب الرجولة الكاملة المطلوبة.

وربما قال بعض المفسرين: العصر هو عصر كل واحد من المخاطبين، أي عصر الإنسان عامة، وهذا أمر محتمل، لكني لا أظن القرآن يعدل عن القسم بأزهى العصور ليقسم بعصورنا نحن.

﴿إن الإنسان لفي خسر﴾: إذا لم يكن له عصر. إن لم يملأ وعاء زمنه بما هو مناسب. فهل نملك اليوم عصراً ؟

نحن نلتمس عصوراً من التاريخ وننسبها إلينا، كأولئك الذين قال الله عزَّ وجلَّ عنهم: ﴿ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا﴾ آل عمران: 188.

نحن نقول عندما نسأل عن عصرنا: المسلمون فتحوا العالم، اخترعوا الصفر، أسسوا علم الجبر، فعلوا كذا وكذا، ونبتسم وكأننا نحن الذين حققنا هذه الإنجازات مع أننا لا علاقة لنا بها في الحقيقة.

في أحسن أحوالنا اليوم نحن كمن يمسك بدراهم ودنانير من الدولة الأموية أو العباسية ويريد أن يدخل بها البورصة العالمية. هذا في أحسن أحوالنا، فربما كنا حاملين لوهم دراهم، لأننا لا نعرف العصر الذي ننتسب إليه.

﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾: هل تريد أن يكون لك عصر ؟ هناك أربعة أمور:

آمنوا: الإيمان تعبير عن داخل مطمئن متين.

وعملوا الصالحات: تعبير عن ظاهر منضبط منتج نافع.

وتواصوا بالحق: تواصوا فيما بينهم على الإيمان.

وتواصوا بالصبر: على الصبر على العمل النافع.

هناك في هذه الآية " لَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتَّب " كما يقول المناطقة: آمنوا وتواصوا بالحق الذي هو الإيمان.

عملوا الصالحات وتواصوا بالصبر على هذا العمل.

هل أنت مؤمن ؟ نعم.

هل تعمل الصالحات ؟ نعم.

أرني هذه الصالحات. ها هي: صلاة وصيام وحج.

ولكن هل صيامك وصلاتك وحجك هو الصيام والصلاة والحج التي أمر الله بها.

هل تغش في عملك ؟ نعم !

هل تؤدي الأمانة المنوطة بك في وظيفتك ؟ لا !

هل تصدق في حديثك ؟ لا !

أين الأعمال الصالحة إذن ؟!

لكننا نجيب فنقول: إن الله كريم عفو غفور، ولن يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحداً من المسلمين دون أن يشفع له !

نحن نتحدث عن المغفرة والشفاعة حديثاً على هوانا، حديثاً يرضينا، لكنه لا يبني الإنسان.

لقد كان الصحابة يتواصون فيما بينهم، كانوا يدعون بعضهم فيقولون: تعالوا نؤمن ساعةً.

ونحن نخوض مع الخائضين.

كانوا يتواصون بالصبر: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) فعلامَ نتواصَ بالصبر عليه ؟

نحن نتواصى بالصبر على أمور صغيرة.

الخلاصة:

﴿والعصر﴾: عصرك أنت يا محمد. صلى الله عليه وآله وسلم. العصر عصر محمد لأنه أكثر العصور عطاء نافعاً للإنسانية. وقد شهد بذلك رجال كثر من الشرق والغرب، وقد قال ول ديورانت: "لو كانت العظمة تقاس بما للعظيم من آثار نافعة، فلا شك في أن محمداً هو أعظم العظماء".

وإن صرنا نستحي من مثل هذه الكلمات، لأننا نبدو عند ذكرها أقزاماً بجانب عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولا يكفي ادعاء الانتساب إليه – كما قلنا – ليكون لنا الحق فيه، فما مثلنا إلا كرجل دخل سوقاً فقال لمن معه: تفضلوا فخذوا من هذه الدكان ما شئتم فقد كانت الدكان لجدّي.

ولكن: هل تملك أنت ما كان يملكه جدك ؟

﴿إن الإنسان لفي خسر﴾: إن لم يكن له عصر.

كيف يكون له عصر ؟ بأربعة أمور.

هذه السورة تعني الكثير لي، وقد كانت تعني الكثير للصحابة رضوان الله عليهم، لذا كانوا يقرؤونها باستمرار، وكانوا يتلونها كلما التقوا ببعضهم وكلما افترقوا، ليذكروا بعضهم بما فيها.

التعليقات

شاركنا بتعليق