آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقرّ

كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقرّ

تاريخ الإضافة: 2007/03/30 | عدد المشاهدات: 4294

نعود إلى ما كنا قد بدأناه حول لطائف مستوحاة من سورة القيامة، نذكركم بالآيات الأولى: ﴿لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنفس اللوامة* أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه* بلى قادرين على أن نسوّي بنانه* بل يريد الإنسان ليفجر أمامه* يسأل أيّان يوم القيامة* فإذا برِق البصر* وخسَف القمر* وجُمع الشمس والقمر* يقول الإنسان يومئذ أين المفَرّ﴾.

إلى هنا وصلنا في ذكرنا اللطائف المستوحاة الأسبوع قبل الماضي، وقلنا أن هنالك قراءتان:

(أين المفَََرّ ) مصدر ميمي تعني: أين الفرار.

(أين المفِرّ) اسم مكان تعني: أين المكان الذي سأفرّ إليه.

الله عز وجل يجيبه:( كلا لا وَزر) ما الذي يمكن أن نفهمه من هذه الكلمات العظيمات ؟

نحن نفهم كلمة الـ (وَزر) من الـ " وِزر "  أي: حِمل. وهذا غير صحيح.

( لا وَزر) تعني هنا: لا ملجأ ولا منعة ولا حصن يمكن أن تلجأ إليه ولا ملاذ يمكن أن تلوذ به.

أصل كلمة الـ (وَزر) في اللغة تعني: المكان المنفتح الغير محدد، وإذا عكسنا الكلمة فستصبح

" رزو" وهي في اللغة تعني: المكان المحدد. كما في جدلية الحرف العربي.

( كلا لا وَزر) أي لن ترَ مكاناً يستوعب هروبك وفرارك على الرغم من اتساع الأمكنة.

وهذا التعبير كان دارجاً عند العرب، لأن العرب كانوا إذا ما خافوا أمراً تحصنوا في الجبال، باعتبارها تحوي كهوفاً وأمكنة وتعرجات يمكن أن يختبئ فيها الإنسان. وكانوا يطلقون على هذه الجبال التي يتحصنون فيها: " الوَزر".

لذلك الله عز وجل سيقول لهم يوم القيامة:( كلا لا وَزر ) أي يمكن في الدنيا أن تتحصنوا في الجبال أما في الآخرة فليس هنالك أي مكان يمكن أن تتحصنوا فيه.

وقد قرأت بيتاً من الشعر وفيه:

لعمري ما للفتى من وَزر                  من الموت يدركه والكِبر

 فالموت سيأتي الإنسان وليس منه وَزر: ﴿أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة﴾، و: ﴿قال يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين* قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم... ﴾ وكذلك الكبر سيأتي الإنسان أيضاً.

(إلى ربك يومئذٍ المستقر) أي إلى حيث أراد ربك سيكون مستقرّك.

والسؤال هنا: لماذا عبّر عن المكان الذي سيؤول إليه هذا الإنسان بأمر ربه بـ( المستقرّ ) ؟  

الجواب: لأن (المستقرّ) هو المكان الذي تحلّ فيه من غير أن يكون بعده رحيل.

فأنت إذا حللت في مكان ما وليس بعده رحيل فهذا المكان نقول عنه (مستقرّ) أي قرر قراره. وكلمة (مستقرّ) هي اسم مكان من "استقرّ " وهو زائد على الثلاثي.

(إلى ربك يومئذٍ المستقر) أي إلى حيث أراد الله أن يكون استقرارك فيه. أي في هذا المكان. و "حيث" هنا من باب الظرفية المكانية.

(يُنبأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر) والسؤال هنا: لماذا قال الله عز وجل( يُنبأ الإنسان) ولم يقل: "يُخبر الإنسان" ؟ وما الفرق بين النبأ والخبر ؟

الجواب: إما أن يكون "النبأ" حديث عما سيأتي و "الخبر" عما مضى. وهذه دلالة معتبرة في اللغة العربية: ﴿سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً﴾.

وإما أن يكون "النبأ"هو كل خبر يتعلق بك وله أثر عليك وينتج أثراً فيك. كأن أقول لك: أُنبئك بقدوم أخيك. فهذا الخبر له تأثير عليك وسينتج أثراً سلوكياً فيك.

وأقول أيضاً: أنبئت بنجاح ولدي، ولا أقول: أخبرت بنجاح ولدي. لأن نجاح ولدي له أثر عليّ ولكن يمكن أن أقول: أخبرت بنجاح فلان. لأنه ليس له أثر سلوكي عليّ. فالأخبار المتعلقة بك أنباء والمتعلقة بغيرك أخبار. لذلك "يُنبأ النبي" أي يعلم برسالة الله إليه وبالتالي هذه الرسالة لها أثر على هذا النبي لأنه سيقوم بالتبليغ والأداء. فلذلك الله عز وجل قال: (يُنبأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر) أي سيخبر هذا الإنسان بالأخبار التي تهمه والتي على أساسها سيكون مصيره إما في الجنة وإما في النار.

و"النبأ" هنا ليس "نبأ حقيقياً" وإنما "صورة نبأ" لأن الله عز وجل سينبئ هذا الإنسان بأخبار هو يعرفها ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة﴾، ونحن نعلم أن "النبأ" هو الإخبار عن شيء لا علم لي به. فالله سينبئ الإنسان بخبر عنده علم به لكنه يتظاهر بأنه لا علم له به.

وذلك كما ورد أن الله عز وجل سينبأ الإنسان ويقول له: أما عملت كذا في يوم كذا في ساعة كذا؟ فإن أنكر هذا الإنسان وتظاهر بعدم المعرفة، ختم الله على فمه وشهدت عليه أعضاؤه: ﴿اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون﴾.

وقد قرأت حديثاً حسناً عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "سمعت من نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم عندما قرأ هذه الآية: ﴿يومئذ تحدث أخبارها* بأن ربك أوحى لها﴾ أي تحدث بما فُعل عليها يوم كذا ساعة كذا.

نسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا من أولئك الذين يقولون يوم القيامة: ﴿أين المفرّ﴾ ويُقال لهم: ﴿كلا لا وزر﴾ اللهم اجعلنا ممن يُقال لهم يوم القيامة: ﴿ادخلوها بسلام آمنين﴾.

التعليقات

شاركنا بتعليق