آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
وجوه يومئذ باسرة

وجوه يومئذ باسرة

تاريخ الإضافة: 2007/05/18 | عدد المشاهدات: 8448
نحن في سورة القيامة، وقد وصلنا إلى قوله تعالى: ﴿ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة * كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق* والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق﴾. ﴿ووجوه يومئذ باسرة﴾ وجوه: مبتدأ. يومئذ: ظرفية متعلقة بالخبر وهو كلمة (باسرة) لأن الخبر مشتق، أي وجوه باسرة يومئذ. نحن تحدثنا عن معنى كلمة (ناضرة) في شرحنا لقوله تعالى﴿وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة﴾، فما معنى كلمة (باسرة) ؟ كلمة (باسرة) عكس كلمة (ناضرة)، لكن دعونا ندخل إلى المعنى من خلال الحروف: (باسرة) أصلها: بَسَرَ، و بَسَرَ عكسها رَسَبَ، و رَسَبَ تعني: استقرَّ. لذلك (باسرة) تعني: الحركة غير المستقرة أو غير المتوازنة. ﴿ووجوه يومئذ باسرة ﴾ أي وجوه هؤلاء متحركة مضطربة منفعلة قلقة. فعندما ينتظر الإنسان مصيره ومستقبله أو أمراً بالنسبة له خطير جداً جداً... وعندما ينتظر عذاباً شديداً مريراً....كيف سيكون وجهه ؟ طبعاً هو ينتظر بناء على فعله الذي فعله. مثلاً: عندما يُقبض على سارق، والسارق يعرف بأنه سارق وأنه قد سرق وقتل و.. و.... فعندما يقبض عليه ويقاد إلى العدالة... كيف سيكون وجهه ؟ سيكون وجهه باسراً قلقاً مضطرباً كالحاً... لأنه سيلقى العذاب والعقوبة، وقد فعل ما يستأهل هذه العقوبة... لماذا وجوه هؤلاء باسرة ؟ جاء الجواب الإلهي: ﴿تظن أن يفعل بها فاقرة﴾ أي تنتظر داهية ستنزل عليها. ﴿تظن﴾ أي تعتقد. لماذا عبّر الله عز وجل عن كلمة (تعتقد) بـ)تظن﴾  ؟ الجواب: لأنها تريد أن تدفع هذا الاعتقاد، فهي لا تريد، ولكن سيُفعل بها، لذلك عبّر الله عز وجل عن حالتهم فقال: ﴿تظن أن يفعل بها فاقرة﴾  هم في الحقيقة يعتقدون ولكن حالهم كحال السارق، فنقول عن السارق: يظن أنه سيعاقب. أي هو يعتقد أنه سيعاقب، ولكنه في داخله يريد أن تدفع عنه العقوبة ولكن لن تدفع عنه. ﴿فاقرة﴾ ما الذي تعنيه هذه الكلمة ؟ كلمة(فاقرة) تعني: داهية  كبيرة تكسر فقرات ظهره. فنحن نعبّر عن هذا المعنى عندما نقول: فلان جاءته مصيبة كسرت ظهره. لذلك سمي: الفقير فقيراً، لأن فقرات ظهره كسرت معنوياً من خلال ما يعيش به من ضنك وشدة وبؤس وعسر..... إلخ وفقرات الظهر يقال لها: فِقرة و فقارة، وجمع فَقارة: فَقَار، مثل سحابة وجمعها سحاب، فنقول: فاقرة تكسر فقاره. أي داهية وعقوبة تكسر فَقَاره. ويقال لها أيضاً: فِقْرة، وفقرة تجمع على فِقَر وفِقْرات، مثل سدرة تجمع على سدر وسدرات.... وهناك أكثر من جمع بصيغ وأوزان مختلفة لا حاجة لنا الآن إلى  سردها.. إذاً: ﴿ووجوه يومئذ باسرة﴾ أي وجوه هؤلاء مضطربة وقلقة ومنفعلة وغير متوازنة وكالحة. )تظن أن يفعل بها فاقرة﴾ أي تعتقد أنه سيأتيها عذاب قاس يكسر فقرات ظهرها. ﴿كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق﴾. ﴿كلا﴾ ردع وزجر لهؤلاء الذين أحبوا العاجلة وتركوا الآخرة، والذين ستكون وجوههم يوم القيامة باسرة وتظن أن يفعل بها فاقرة. فالقرآن الكريم يردعهم ويزجرهم عن هذه الحالة التي هم فيها ويقول لهم: هذه الحالة التي أنتم عليها يوم القيامة كانت نتيجة ما كنتم عليه في الدنيا، لذلك ارتدعوا و انزجروا الآن يا هؤلاء، لأنه لازال في القوس منزع ولازال في الأمر متسع.  ﴿كلا﴾ أي أزجركم بقوة من أجل أن ترجعوا عما يوصلكم إلى أن تكون وجوهكم يوم القيامة باسرة فمآلكم غير مرضٍ، أما الآن فلازال في الوقت متسع ومجال من أجل أن تتراجعوا وأن تتوبوا.. متى يضيق المجال ؟ الجواب : ﴿كلا إذا بلغت التراقي﴾ أي عندما تبلغ الروح التراقي.  فالقرآن يزجر هؤلاء وينهاهم من أجل أن يرجعوا وأن يتوبوا لأنه لازال هناك مجال ومتسع، ولكن إذا بلغت الروح التراقي فلا مجال عندئذ ولا متسع. ﴿كلا إذا بلغت التراقي﴾ أي بلغت الروح التراقي، فالفاعل لفعل(بلغت) المقصود بها الروح،                و ﴿التراقي﴾ جمع ترقوة: وهي العظام التي في أعلى الصدر.   هنا أريد أن أعود من أجل تبيان معنى الروح والنفس والجسم، وقد وضحت هذا في أكثر من مرة ولكن سأعيد الكرة من أجل أن نستوعب كيف تخرج هذه الروح من جسم الإنسان. سأضرب لذلك مثالاً على هذا (المكبر): فالحديد (المكونات المادية): هو الجسم، والوظيفة (تكبير الصوت): هذه النفس، أما الروح: فهي الكهرباء التي بها تقوم الوظيفة. فعندما تسحب الروح من الإنسان فإن وظيفته سوف تموت، وأيضاً عندما نطفأ الكهرباء فلن يعود هنالك وظيفة للمكبر، فالروح هي الكهرباء بالنسبة للإنسان وهذا من باب التمثيل. ﴿كلا إذا بلغت التراقي﴾ فعندما يموت الإنسان تسحب الروح من جسمه شيئاً فشيئاً من الأقدام فتفقد وظيفتها وهي المشي ثم إلى أن تبلغ أعلى الصدر وهي التراقي التي ذكرها ربنا بقوله: )كلا إذا بلغت التراقي﴾.  ﴿وقيل من راق﴾ أي وقف منْ وقف حول هذا المريض الذي وصلت روحه إلى أعلى صدره وقالوا: منْ الذي يستطيع أن يرقيه أو أن يشفيه أو أن يعالجه..؟ لم يعد هنالك أحد. لذلك ورد أن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان في النزع ووصلت الروح منه إلى التراقي، فوقفت ابنته السيدة عائشة رضي الله عنها وقالت :       لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى             إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر فالتفت إليها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا عائشة لا تقولي هذا ولكن قولي: ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد﴾.    ﴿وقيل من راق﴾ أي التمسوا له الأطباء كما قال قتادة ، لكن الحال يقول: لم يعد الطبيب يجدي، و هذا من باب الانفعال أمام هذا الإنسان الذي وصل إلى الموت. وكما قال الشاعر:        هل للفتى من بنات الدهر من واقي           أم هل له من حمام الموت من راقي فإذا بلغت الروح التراقي لم تنفع الرقية، ولم يعد هناك مجال للتوبة؟ وقال آخر:                   وإذا المنية أنشبت أظفارها                      ألفيت كل تميمة لا تنفع ﴿وقيل من راق﴾ تعرفون أن في قراءة حفص هنا سكتة بين ﴿وقيل من ـ راق﴾ وهذه السكتة ليست وقفاً، لأنه لا يجوز الفصل بين المبتدأ والخبر، وليست إدغاماً...لماذا هذه السكتة ؟  قالوا: لصعوبة إخراج النون مدغومة في الراء وبعدها حرف استعلاء في حالة قلقلة كبرى،فهناك مشقة في لفظها فكانت السكتة من أجل التخفيف وديننا دين التيسير. هل من معالج هل من شافٍ هل من طبيب... لا. وانتهى الأمر.   نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين سيكونون يوم القيامة ﴿وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة﴾ وأن لا نكون من الذين سيكونون يوم القيامة ﴿ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة﴾.

التعليقات

ياسر عبدالعال

تاريخ :2007/09/02

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يادكتور محمود عكام متعك الله بالصحة والعافية وراحة البال رضي الله عنك وأرضاك. هذه أول مره أدخل في موقعك المتميز. لا فضَّ لك فوهاً، وأكثر الله من أمثالك. ندمت علي مافاتني من الأيام، ولكن أقول قدر الله وما شاء الله فعل.

شاركنا بتعليق