آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
وجوه يومئذٍ ناضرة

وجوه يومئذٍ ناضرة

تاريخ الإضافة: 2007/05/11 | عدد المشاهدات: 5370

وصلنا إلى قوله تعالى: ﴿كلا بل تحبون العاجلة* وتذرون الآخرة* وجوه يومئذٍ ناضرة* إلى ربها ناظرة* ووجوه يومئذٍ باسرة* تظن أن يفعل بها فاقرة﴾

وأعتقد أننا تحدثنا عن هذه الآية ﴿كلا بل تحبون العاجلة* وتذرون الآخرة﴾ حديثاً مستفيضاً، وبيّنا ما عليه الإنسان من عجلةٍ تُنسب للفطرة، وبيّنا أن هذه العجلة هي أمر طارئ. فالإنسان العاقل يبقيها على أنها أمر طارئ، أما الإنسان -والعياذ بالله- الذي يريد أن يشوّه إنسانيته فإنه يحوّل الطارئ إلى حال دائمة... تحدثنا عن هذا.

بعد هذه الآية يأتي التفصيل: ما الحال الذي سيؤول إليها أولئك الذين جعلوا العجلة طارئة، وتأنوا في حياتهم بشكل دائم، فكانت النتيجة لهذا الوضع: أن آمنوا بالله وبالرسول وبالقرآن ؟ وهذا حال رسول الله باعتبار أنه قدوة.

وما الحال الذي سيؤول إليها أولئك الذين حوّلوا العجلة من حال طارئة إلى حال دائمة، وجعلوا هذه العجلة تتخذ موضعاً لها هو ابتعاد عن ربها جلت قدرته، لأنهم عندما سمعوا رجلاً يقول: (أنا النذير العريان). استعجلوا وقالوا: أرجل منا يأتينا ليكون نذيراً ؟ لِمَ ما يكون فلاناً بدلاً منه... فهم استعجلوا وأنكروا. وحوّلوا الحالة الطارئة إلى حال دائمة، وهذه الحال الدائمة المستعجلة جعلت أجوبتهم مجافية للصواب.

فما حال هاتين الفئتين يوم القيامة ؟

حال الفئة الأولى يوم القيامة: والتي يأتي على رأسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة* إلى ربها ناظرة﴾.

وحال الفئة الثانية يوم القيامة: ﴿وجوه يومئذٍ باسرة* تظن أن يفعل بها فاقرة﴾.

﴿وجوه يومئذٍ ناضرة* إلى ربها ناظرة﴾:

كلمة )وجوه( إعرابها في اللغة: مبتدأ. لكن نحن نعلم في علم النحو أن المبتدأ لا يمكن أن يكون نكرة فيجب أن يكون المبتدأ معرفة، فكيف جاز الابتداء بالنكرة ؟

الجواب: هناك قاعدة في علم النحو تقول: إذا كان الأمر على التفصيل والتبريع جاز الابتداء بالنكرة.

مثلاً: عندما أقول:أريد رجلين: رجل يتكلم الفرنسية ورجل يتكلم الإنكليزية.

رجل: إعرابها مبتدأ، كيف ابتدأت بالنكرة ؟ أقول: عندما يكون الأمر للتفصيل والتبريع يجوز الابتداء بالنكرة.

)ناضرة(: ما معنى هذه الكلمة ؟

الجواب: )ناضرة( من (النضارة) ومعنى (النضارة) في أصل اللغة: الصفاء الذي يبدي الأمر على ما يحب الإنسان أن يبدي به هذا الأمر. مثلاً: المرآة: إما أن تكون (ناضرة) وإما أن تكون( باسرة)، فعندما تكون ناضرة: فإنها ستكون صافية وتريك وجهك على ما هو عليه فعلاً.

الوجوه الناضرة -وهي وجوه المؤمنين- هي وجوه صافية، تُظّهِر بأمانة ما عليه الإنسان من حسن تقويم ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ فنحن عندما نمدح وجه إنسان ما على المستوى المادي نقول: هذا وجهه صافٍ.

﴿وجوه يومئذٍ ناضرة﴾ أي وجوه صافية تبدي حسن تقويم ربها الذي خلقه عليها، لأن يوم القيامة سيظهر الإنسان على الشكل الذي خلقه الله عز وجل عليه في الأصل عندما قال: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ وهذا الوجه سيعبّر عن حسن التقويم الذي خلقك ربي عليه بصفاء.

فـ(النضارة) هي الصفاء المعبّرة عن حسن تقويم التي خلق عليه الإنسان أصلاً.

﴿إلى ربها ناظرة﴾ أي أن الله عز وجل هيأ هذه الوجوه وجعلها صافية لمهمة... فمثلاً عندما أقول لولدي: اغسل وجهك، لأنك ستخرج لترى فلان صاحب المستوى الكبير. فيوم القيامة الله عز وجل يهيئ وجه الإنسان المؤمن من أجل أن ينظر إليه، ليكون على مستوى المنظور إلى الله عز وجل، وهل هناك أعظم مستوى من الله عز وجل ؟

لذلك ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة﴾ لماذا يا رب هذه النضارة الكبيرة ؟ لأنها ﴿إلى ربها ناظرة﴾ أي تتهيأ من أجل أن تنظر إلى ربها.

السؤال هنا: هل سينظر الإنسان المؤمن إلى ربه كما تنظر عينه الآن ؟! نعم. لكن طبعاً على قواعد وأسس غير القواعد والأسس التي نحن عليها اليوم.

وقد ورد في الحديث الذي يرويه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنكم سترون ربكم عياناً) أي بالعين ولكن على مستوى يوم القيامة.

وورد حديث آخر يرويه الشيخان: (أن أناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال: هل تضارّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا: لا. قال: فإنكم سترون ربكم كذلك).

لكن على الرغم من هذه الأحاديث هناك بعض العلماء يقولون: ﴿إلى ربها ناظرة﴾ ليس المراد من الآية النظر، وإنما النظر هنا بمعنى الانتظار... وهذا التفسير غير مقبول في اللغة. لأن الفرق بين النظر بمعنى الانتظار وبين النظر بمعنى المعاينة بالعين: أن النظر حينما يأتي بمعنى الانتظار فإن الفعل يتعدى بنفسه فأقول لك: نظرتك أي انتظرتك. لكن حينما أعني بالنظر المعاينة فإن الفعل يتعدى بـ إلى فأقول لك: نظرت إليك. أي عاينتك بعيني.

لذلك ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة* إلى ربها ناظرة﴾ هذه حال ونتيجة أولئك الذين تأنوا وعلى رأسهم -كما قلنا- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت نتيجة هذا التأني أن آمنوا وأن اعتقدوا وأن أفلحوا وأن وأن... الخ.

أما الذين استعجلوا وأحبوا العاجلة وتركوا الآخرة، هؤلاء الذين يلقون المعاذير... فهؤلاء لهم شكلية أخرى ربما تحدثنا عنها في الأسبوع القادم إن شاء الله.

التعليقات

محمود بدران

تاريخ :2007/04/23

ليس لدي اي تعليق الا الشكر وجزاك الله خير

شاركنا بتعليق