آخر تحديث: الإثنين 15 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
بل الإنسان على نفسه بصيرة

بل الإنسان على نفسه بصيرة

تاريخ الإضافة: 2007/04/28 | عدد المشاهدات: 8073

 وصلنا إلى قوله تعالى: ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة* ولو ألقى معاذيره﴾. وقد شرحنا قوله تعالى في الآية السابقة﴿ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر﴾ وقلنا بأن المقصود: ﴿بما قدّم﴾ أي بما قاله أو فعله في حياته، ﴿وأخّر﴾ أي بما قاله أو فعله بعد حياته لسبب في حياته.

وعندما ينبأ الإنسان يوم القيامة بما قدّم وأخّر، ويقال له: فعلت كذا وكذا.. كذا قدمت وكذا أخرت يقول هذا الإنسان لربه بلسان حاله: ومَنْ سيشهد على هذا الإنباء ؟

يجيبه الله عز وجل: ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة﴾ أي أنت الذي ستشهد على نفسك.

في الآية محذوف مُقدَّر، فيكون المعنى: بل الإنسان على أعمال نفسه وأقوالها شاهد وحُجّة بصيرة. فشهادتنا في الدنيا تختلف عن شهادتنا في الآخرة، ففي الدنيا أقول لك: مَنْ يشهد على هذا الكلام ؟ تقول لي: سآتيك بشاهد.. أما في الآخرة يقول الإنسان: مَنْ يشهد على هذا الكلام ؟ يأتيه الجواب: أنت الشاهد والمشهود عليه ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة. ولو ألقى معاذيره﴾ كلمة (معاذير) اسم جمع لـ (معذرة) مثل (مناكير) اسم جمع  لـ (منكر). أي أن الإنسان سيقدم أعذار يوم القيامة.

فيصبح معنى الآيتين: بل الإنسان على أعمال نفسه وأقوالها حُجّة بصيرة، وهو حُجّة حتى بعد تقديم الأعذار، لأنه يعلم في داخله أن ما يقدمه إنما هو أعذار وليس أمراً واقعياً وحقيقياً.

لماذا وصفت بـ ﴿بصيرة﴾ ؟ الجواب: لأنه حال إلقائه المعاذير يُبصر أن هذه معاذير وليست حقائق. لذلك أغلب علماء التفسير النحويين يقولون: إن الآية: ﴿ولو ألقى معاذيره﴾ هي جملة حالية. يعني هو حال تقديمه بالأعذار هو على نفسه بصير، فهو يبصر ويعلم أن هذه الأعذار ليست صحيحة وغير مقبولة.

فيصبح معنى الآيتين: بل الإنسان على أعمال نفسه وأقوالها حجة بصيرة حال كونه يأتي بالأعذار، لأنه يعلم ويبصر بأن هذا الذي يقدمه هو أعذار وليست حقائق ووقائع.

قرأت في كتب اللغة: أن كلمة (معاذير) إما أن تكون اسم جمع لـ (معذرة) وإما أن تكون اسم جمع لـ (مِعْذار) ، وكلمة (معذار) في لغة اليمن تعني: السِّتر. وجمعها ستائر. فيكون المعنى: بل الإنسان على أعمال نفسه وأقوالها حجة بصيرة حتى في حال إلقائه الستور ليخفي ما كان قد عمله وهو يعلم بذلك.

 فـ (المِعذار) هو السِّتر. ما الفرق بين كلمة (السِّـتر) وكلمة (السَّـتر) ؟

(السَّـتر) اسم مصدر، أما (السِّـتر) فهو الشيء الذي نستر به.

﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة* ولو ألقى معاذيره﴾ أي بل الإنسان على أعمال نفسه حجة بصيرة حتى في حال إلقائه وتقديمه المعاذير. و كلمة (معاذير) هي جمع (معذرة) أو هي جمع (مِعذار)، و(المِعذار) هو السِّتر.

فمن الشاهد عليك أيها الإنسان إذاً ؟ الشاهد هو أنت. أنت شاهد على نفسك في أن ما تقدمه ليست أموراً واقعية وإنما هي أعذار لا أكثر ولا أقل.

وهناك بيتان من الشعر لعالم نحوي قد ألفهما عندما قرأ هذه الآية وقد أعجباني وهما:

كأن على ذي العقل عيناً بصيرة           بمجلسه أو منظر هو ناظره

يحاذر حتى يحسب الناس كلهم             من الخوف لا يخفى عليه سرائره

انتبه أيها الإنسان: في الدنيا هناك عين بصيرة عليك سواء أكنت لوحدك أم كنت مع جمع، وهذه العين هي عينك أنت، وهي تراقبك وتعلم ما تفعله وستنقل يوم القيامة ما فعلته وستشهد عليك، فانتبه من نفسك على نفسك، لأن نفسك ستشهد على نفسك وسيقول لك الله عز وجل: ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة﴾.

فهو يحذر الناس ويخاف منهم، ولكن هناك من يجب أن يخاف منه أكثر من الناس والذي هو أنت، فيجب أن تخاف من نفسك، لأنك أنت الشاهد.

فالإنسان عندما يريد أن يسرق أو يغش يبتعد عن الناس، حتى لا يكون ثمة شاهد عليه، ولكن الشاهد عليك هو أنت بنفسك، فكيف ستبتعد عن نفسك ؟ فأنت الشاهد الذي ستدعى يوم القيامة لتكون شاهداً على نفسك أنت.

فأنت يجب أن تحذر من نفسك، لأن سرائرك لا تخفى عليك، فلماذا تحاذر الناس ولا تحاذر نفسك؟ لماذا تحسب حساباً للناس حتى لا يروك ويشهدوا عليك، ولم تحسب حساباً لنفسك التي ستكون هي الشاهد عليك: ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة* ولو ألقى معاذيره﴾.

ثم جاء قوله تعالى: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به* إن علينا جمعه وقرآنه).

السؤال: ما العلاقة بين الحديث عن يوم القيامة ثم بعد ذلك هذا الالتفات القوي إلى موضوع آخر، وهو خطاب الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به﴾ ولماذا جاء هذا الفاصل ؟ سنتحدث عن هذا في الأسبوع القادم إن شاء الله.

التعليقات

نزار يوسف العميان

تاريخ :2007/04/03

لست بموقع او بمركز لأعلق على كلام من هم اعلم مني وبالدليل القاطع وهو القرآن الكريم وايضا شخصكم الكريم فجزاكم الله خيرا عنا وافدنا بما ينفعنا وشكرا لك

شاركنا بتعليق