لا تعجب هكذا نادى شعب العراق
إخوانَ أعراقهم ، وقد تذكروهم في الأزمة القاسية التي حلَّت بفنائهم ، وهكذا
قالت بغداد عشية السقوط في يد الأمريكان والحلفاء .
ولكن العرب صمتوا فلم يجيبوا ، وسكتوا فلم يتكلموا ، وخجلوا فلم تنبذ شفاههم
كلمة ، واحتاروا ، أيجيبون النداء باعتذار ذليل ! أم يسكتون فيُرضون العتاة
الطغاة المحتلين ! فهم قد سمعوا منهم أن أية إجابة تحمل نجدة العربي أو مروءة
المسلم تعني إرهاباً ، فلا تكونوا يا بني يعرب إرهابيين في نظر الأمريكيين .
يا عرب – ويتابع العراقيون نداءهم – إن " صدام " رحل أو رُحِّل ، ولكننا
عوَّضناه بأناس كنا نعدهم من الأشرار ، فهل أنتم واعون ؟
يا عرب :
لقد كنا مظلومين فها نحن أولاء اليوم مطعونون محتلون ، فهل أنتم عما حدث راضون
؟ أجيبونا .
ويصمت الجميع ولسان حالهم يقول :
يا أهل بغداد ، على نفسها جنت براقش ، وأنتم أدرى بشعاب دياركم ، ولستم بأفضل
من أهل مكة الذين يقال عنهم : أهل مكة أدرى بشعابها .
يا عرب :
لقد غدونا نُذكر على ألسنتكم مع الفلسطينيين ، فقد أصبحنا الدولة الثانية في
القرن الحادي والعشرين في قائمة المستعمَرين ، فبماذا – بالله عليكم – تفكرون
؟! أتراكم تقدّرون لأنفسكم متى سيدور الدور عليكم ؟ ومن منكم سيكون ثالثاً
بعدنا ؟ ولهذا أنتم تائهون .
يا عرب :
نحن شعب العراق ، والعراق عريقة في العروبة ومتجذرة في قيمها ، وأنتم عرب مثلنا
، والعربي أولى بالعربي في سرائه وضرائه ، ودخولكم علينا زيارة ، وأخذكم ما
عندنا من ثروات " مَوَانة " ولا جناح عليكم فيها ، لكن من دخل علينا اليوم
زيارتُه احتلال وعداوة ، وأخذه الذي نملك نهب وطمع ، فتعالوا وخلِّصونا ولكم ما
لنا ، والمهم ألا تحرمونا من إطلالتكم التي نجد فيها صورنا وشخوصنا .
تعالوا يا عرب ، فقد سبقكم إلينا " غارنر " الأمريكي ، ومواطنه " بريمر " ،
وراح بعضٌ منا يكلمه بلغته الأمريكية ، وربما غازله ووعده بسهرات حتى الصباح
على ضفاف الرافدين ، يعاقران فيها خمرة التاريخ ليجعلا منه نشوة محرمة ونزوة
طائشة ليس إلا ، وليسدلا الستار عليه ، فما هو إلا سراب !
تعالوا يا عرب ، فنحن على مثل جمر الغضا ننتظركم ، لقد أوذينا ومُزِّقنا ،
وغدونا محل سخرية البيت الأبيض والبنتاغون وموضع تسليتهم .
أتصدقون ؟! لقد فرح " بوش " لنا ولتحررنا ، وابتسم " رامسفيلد " لما وصلنا إليه
من حرية !
أتصدقون ؟! لقد هنأنا " بلير " وبارك لنا " باول " ونأمل ألا تستعجلوا يا عرب
في إغاثتنا لأننا مشغولون بتقبل التهاني من قبل الأمريكان والبريطانيين ، فإذا
جئتمونا فيما بعد فسنأتيكم – وهذا عهد – لنردَّ لكم الزيارة ، ولكن بعد انتهاء
مراسم التهنئة من قبل من يهنئنا الآن .
أوَ ما تعرفون بأن أمريكا قررت أن تفرِّح العالم على طريقتها ، وبدأت بنا نحن
العرب لأننا نفرح بسرعة وبأرخص أسعار سوق الذل والمهانة !
ومعادلة التفريح على الطريقة الأمريكية : " منكم يا عرب البترول والأرض والشعب
والثروات والخيانة ، ومنا نحن الأمريكيين السياسة والقيادة إلى أن تصبحوا أرقاء
أذلاء من الطراز الأول في سوق نخاستنا الكبير " فكونوا معنا قبل فاصل الحرب
وبعده .
يا عرب – ويتابع أهل بغداد النداء – أجيبونا وإلا فسجلونا عندكم من المفقودين ،
واكتبوا ملاحظة بجانبنا :
لقد توقف البحث عن أحياء تحت الأنقاض لانعدام القدرة على متابعة البحث ، وإلى
اللقاء في يوم الخلود ، وهناك إن سئلنا عن رابطة بيننا وبينكم فالجواب : "
وتقطعت بيننا الأسباب ، فسنتبرؤ منكم كما تبرأتم منا "
ولله الفاتحة – الآن – فقد أعلن وفاة العرب .
1 حزيران 2003
د. محمود عكام
التعليقات