آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
كلمة الدكتور عكام في الاحتفال بالمولد النبوي في الجامع الأموي الكبير بحلب

كلمة الدكتور عكام في الاحتفال بالمولد النبوي في الجامع الأموي الكبير بحلب

تاريخ الإضافة: 2007/03/31 | عدد المشاهدات: 2927

بحضور فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام مستشار وزير الأوقاف - مفتي حلب وعدد من السادة المسؤولين والعلماء والإخوة المؤمنين، أقامت مديرية أوقاف حلب يوم السبت: 12 ربيع الأول 1428 الموافق: 31 آذار 2007 احتفالاً بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف في الجامع الأموي الكبير بمدينة حلب. وقد ألقى الدكتور الشيخ محمود عكام كلمة المولد في هذه المناسبة.

نص الكلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

يا رب إني في جوارك لائذ         وبحصن عفوك من عذابك عائذ

ولديك جاه المصطفى هو نافذ         فله التجأتُ فلن أرى محروماً

صلوا عليه وسلموا تسليماً

قد كنت قبل أحمد مجرماً         وبه غدوت بحمد ربي مسلماً

فاجعل إلهي منة وتكرماً         أجلي بدين محمد مختوماً

صلوا عليه وسلموا تسليماً

السادة المسؤولون الكرام، سماحة المفتي، الأستاذ مدير الأوقاف، الحضور الأكارم.

البعد الخيِّر للبشرية إنسانية، والبعد الخير للإنسانية هي الرحمة، بشرية ترتقي فتغدو إنسانية، إنسانية ترتقي فتغدو رحمة. سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استنفدت إنسانيته بشريته فتحولت كل بشريته إلى إنسانية، واستنفدت رحمته إنسانيته فتحولت كل إنسانيته إلى رحمة، فهو من بشرية إلى إنسانية إلى رحمة، بل أصبح الرحمةَ عينَها، والرحمة كلها، فكان الرحمة وكانته، أوليس الله قد قال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾.

فسيدي رسول الله كان الرحمة كلها وطالت رحمته العالمين، وإن فسَّرتم العالمين على أنها تعني كل العالمين أو كل الناس لأن كل إنسانٍ يشكل عالماً فذلك أمرٌ عظيم، وإن فسرتم العالمين على أنها تشمل كل العوالم على مختلف أجناسها وأصنافها فذاك أمرٌ عظيم أيضاً، لأننا إن قلنا عن العالمين بأنهم الناس على أن كل إنسان منا يشكل عالماً فإنما نعني به الإنسان وما حوله ومن حوله، ونعني الإنسان الذي يشكل المتحول مع ما يتبعه من جمادات وحيوانات وأشياء أخرى.

والمهم أن نعلم أن رسول الله هو الرحمة عينها وذاتها وقد طالت رحمته الإنسان والحيوان والجماد والأشياء وهذا ما قرره القرآن الكريم يوم قال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يعلن هذا بملء فمه الطاهر كما جاء في سنن الدارمي: (إنما أنا رحمة مهداة) أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال كما جاء في صحيح الإمام مسلم: (أنا نبي التوبة وأنا نبي الرحمة)، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما روى مسلم أيضاً في صحيحه: (إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله وقد قال عنك ربك: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾. رؤوف رحيم بنا، فها أنت تقول وتعلن كما ورد في مسند الإمام أحمد: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك ديناً فعلي ومن ترك مالاً فلورثته).

إنما الرسول رحمة مهداة فلننظر تطبيقات رحموية في حياته عليه وآله الصلاة والسلام واسمعوا مني. يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح البخاري: (إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز – فأسرع – فيها لما أعلم من وجد أمه عليه) تطبيق آخر: من رحمته يدخل عليه الأقرع بن حابس ويراه يقبِّل الحسن والحسين فيقول له: يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم فنظر إليه سيدي رسول الله وقال: (أو أملك لك إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة، من لا يرحم لا يرحم).

يُستشهد عثمان بن مظعون فيضعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجره ويبكي عليه –يبكي الضابط على واحد من جنوده- يضعه النبي في حجره ويبكي عليه، يقول الراوي: رأيت دموع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسيل على خدي عثمان بن مظعون. الرحمة هي التي استغرقت إنسانية النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستغرقت إنسانيته بشريته وفي النهاية استغرقت الرحمة النبي ظاهراً وباطناً قالباً وقلباً.

بعد هذه التطبيقات التي ذكرناها يقف النبي أمام الأمة جميعاً ليقول لها: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

تسألني من أرحم ؟ وما أرحم ؟

أقول لك: أيها المواطن ارحم جارك بعدم إيذائه، ارحم وطنك بحمايته ورعايته، ارحم أباك ببره، ارحم ولدك بالعطف عليه، ارحم زوجتك من خلال حسن الخلق معها، أيتها الزوجة ارحمي زوجك من خلال الطاعة الواعية البناءة المبصرة البصيرة، أيها التلميذ ارحم معلمك من خلال الاحترام، نحن بحاجة إلى أن نتحول من مجتمع نقمة إلى مجتمع رحمة، إني لأرى مخايل مجتمع نقمة فالجار لم يعد يرحم جاره، والتلميذ لم يعد يرحم أستاذه، والوالد لم يعد يرحم ولده... ارحموا كل شيء، ارحموا مياهَكم فالمياه تستنجدكم وتقول لكم اتبعوا وصايا الرحيم بكم محمد عليه وآله الصلاة والسلام فلا تسرفوا، ارحموا أشجاركم، ارحموا بلادكم، ارحموا مساجدكم، ارحموا احترامكم عند الآخرين فلقد وجد لكم عند الآخرين شيء من الاحترام فاسعوا إلى أن يزداد هذا الاحترام وذلك من خلال التطبيق الأمثل لدينكم، أناشدكم الله أن تكونوا رحماء أما سمعتم قول الله عز وجل: ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ ربما قال قائل: وكيف تتحدث عن الرحمة والإسلام ينادي بالجهاد ؟ أقول لك بكل بساطة: الجهاد ورب الكعبة رحمة، نريد أن نرحم القدس من تدنيس المدنس الذي يدنسها، تستصرخنا القدس من أجل أن نرحمها من خلال صد المعتدي عن عدوانه واعتدائه، أنت ترحم ذاك الإنسان الذي يريد أن يظلم عندما تكفه عن ظلمه، ولو تركته ظالماً يتابع في ظلمه فأنت غير رحيم به، هيا إلى رحمة العدو من خلال رده عن غيه ومن خلال كفه عن ظلمه، الجهاد رحمة لأنه رد للمعتدي عن أرضنا، عن أرواحنا، نريد أن نعيد الحق إلى نصابه.

أخيراً: اسمحوا لي أن أذكر أمامكم آية قرآنية تقول: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾. فكّرت أكثر من مرة من هم الصالحون الذين أراد الله أن يرثوا الأرض ؟ تابعت الآيات فوجدتها تقول: ﴿إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ فقلت في نفسي إن الصالحين الذين يستحقون وراثة الأرض هم الرحماء.

أتدرون ماهي الرحمة ؟ إنها بكل بساطة: عطاء نافع برفق.

عندما تعطي الآخرين، عندما تعطي من أو ما، عطاء نافعاً برفق فأنت رحيم وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد من أعطى العطاء النافع برفق وشهد الله له فقال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾. وقال له: ﴿ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾. فهل أنت تعطي عطاءً نافعاً برفق ؟ فأنت رحيم وأنت تستحق أن ترث الأرض وأنت من الصالحين.

أجدد التهنئة بهذه الذكرى العظيمة يا سيادة المحافظ، أهنئكم يا أمين الفرع، أهنئكم يا سماحة المفتي، أهنئكم يا قائد الشرطة، أهنئكم يا مدير الأوقاف، أهنئكم يا رئيس مجلس المدينة، أهنئكم يا أيها المسؤولون جميعاً بهذه الذكرى الطيبة العطرة وأسأل الله أن يجعلنا ممن يتراحمون فيما بينهم، فإذا ما تراحمنا فإن صاحب الذكرى سيرضى علينا وسيكون شفيعنا يوم القيامة، وأسأل الله أن يوفقنا لذلك وأن يجعلنا من الرحماء فيما بيننا، واسمحوا لي في نهاية النهاية أن أخاطب سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقول من قال:

سيدي يا أبا البتول سؤال         من فقير جوابه الإعطاء

هجروني ولست أنكر أني         لم أزل مذنباً وكلي خطاء

غير أني التجأت قدماً إليهم         وعزيز على الكرام التجاء

وطلبت النوال منهم وظني         بل يقيني ألا يخيب الرجاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

شاركنا بتعليق