آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
عناوين المسلم

عناوين المسلم

تاريخ الإضافة: 2007/04/06 | عدد المشاهدات: 3211

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

لكل شيء حتى الإنسان عنوان أو عناوين يعرف بها، ولكلٍ منا بينه وبين نفسه شعار يرفعه لا ليدعيه، ولكن من أجل أن يتحول هذا الشعار إلى عنوان صادق، يعبِّر عن هذا الإنسان الذي يرفع هذا الشعار وبناءً على ذلك فللمسلم عنوان وللمسلم شعار وهذا الشعار يَسوقُه ويُسوِّقه ليس من أجل الادعاء والظاهر والتمظهر، ولكن من أجل أن يكون متحققاً بهذا الشعار الذي تحول إلى عنوان.

بعبارة أخرى: اليوم ترون أولئك الذين يتقدمون للترشيح لمجلس الشعب على سبيل المثال كلٌ منهم يحاول أن يرفع شعاراً، وهذا حقٌ له ويريد ويجهد ويجتهد في أن يحول هذا الشعار إلى عنوان، والشعار يتحول إلى عنوان عندما يسعى الإنسان صادقاً للتحقق بمضمون هذا الشعار، وأنا أنظر إلى هذه الشعارات المرفوعة ذكرت في  نفسي وقلت أليس للمسلم شعار حوَّله من خلال السعي الصادق إلى عنوان.

 فلو أنك وُجدت أيها المسلم في بلد غير مسلم وقلت لهم عندما سئلت عن دينك: بأنك مسلم، فما الملخص الذي يلخّص حالتك التي تريد أن تتقدم بها وتتمظهر بها أمامهم  والذي ستقدمه إليهم و سيكون بمثابة شعار تحول إلى عنوان ؟

فكرت في هذا الأمر وإذ بي أجدني أمام عناوين هي التالية:

قلت من أجل أن يلخص المسلم نفسه إذا ما سئل عن ذلك مل عليه إلا أن يقول ما يلي والأمر معروضٌ عليكم فهل توافقون:

العنوان الأول: الله قصدنا، وإنا منه وإليه راجعون: وأحب أن أذكر أولاً بأن عليك أيها الأخ المسلم ومن أجل أن تكون خطبة الجمعة نافعةً معلمةً دافعةً لسلوك طرق الخير أن تحاول التعلم والتلخيص والاستماع والإنصات والتخزين الواعي ومن ثم لك أن تطرح هذا الأمر الذي سمعته على نفسك فإن وافقت عليه فأريدك أن تتبناه و إلا فالقضية مطروحةٌ للنقاش.

إذاً العنوان الأول: الله قصدنا وإنا منه وإليه راجعون: والله عز وجل قال : ﴿قل إن  صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين الله قصدنا عنوانٌ أولٌ لنا وأسأل الله أن نكون متحققين بذلك.

روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) والقلب محل القصد وليس القصد بالكلام.

العنوان الثاني: الرسول أسوتنا ونحن له منتسبون وباتباعه معروفون : يا شبابنا ويا أيها المثقفون أريدكم وأريد من نفسي أن نعي هذا الذي نتحدث به فلقد ذكرت وأنا صاعدٌُ المنبر بأننا نتكلم كثيراً لكنني رجوت الله وأنا أصعد المنبر أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وإلا فسينقلب الكلام علينا وسيكون حجة علينا، اللهم اجعل كلا منا الذي نقول ابتغاء مرضاتك حجةً لنا يا رب،  واجعل كلامنا موافقاً لما أردت أن نتكلم به يا رب العالمين.

إذاً الرسول أسوتنا، والله عز وجل قال ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقد حسم الله هذا الأمر فالرسول أسوتك وقدوتك ولا تقولنَّ  إن الرسول مات فهذا صحيح لأن الرسول مات جسمه لكن سنته الطاهرة النظيفة الرائعة المعلمة المؤدبة لا زالت بيننا، وقد غاب الجسم لكن المعنى باقٍ، أوليس الله قد قال: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله فهو حيٌ من حيث المعنى من خلال سنته وسيرته وعطائه.

وقد حدثتكم فيما مضى عن الفرق بين الأسوة والقدوة وها أنا أختصر فأقول: مَن  تقتنع به قائداً عبر العقل والمنطق فهو قدوة، وأما مَن  تقتنع به قائداً عبر العقل والمنطق وتحبه عبر القلب فهو أسوة، ورسول الله اقتنعنا به قائداً عبر العقل والمنطق وها هي قلوبنا تحبه فهو أسوة لنا، وأقول تعرفوا على هذا النبي وقد قلت لكم ذلك في أكثر من مناسبة، واسمع يا من تريد أن تتعرف على هذا النبي الأسوة  يروي البخاري ومسلم بألفاظ متقاربة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف أمام  أصحابه فقال: (أنا محمد، أنا أحمد، أنا الماحي يمحو الله بي الكفر، أنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، أنا العاقب الذي لا نبي بعدي) أتريدون أقوى وأفضل وأعظم من هذه الأسوة، ومن الذي يستطيع أن يقول أمامكم وبكل قوة ومصداقية هذا الذي قاله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الذي يستطيع أن يقول(أنا نبي التوبة، أنا نبي الرحمة، أنا نبي الملحمة) ومن الذي يستطيع أن يقول: (أنا سيد ولد آدم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، أنا أول شافع، وأنا أول مشفّع). يا سيدي يا رسول الله يا أيها الشافع يا أيها العاقب يا أيها الماحي أنت أسوتنا وهذا عنوانٌ ثانٍ لنا.

العنوان الثالث: القرآن شرعتنا وبهدية ملتزمون ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وليس للتي هي أفشل وحاشا فهذا القرآن هدى أولئك الذين خرجوا من الصحراء لا يعرفون شيئاً وإذ بهم تصل الرفعة إلى إعلان اتباعها لهم، فنسب المجد إليهم ولم ينسبوا له فرضي الله عنهم وأرضاهم. إذاً القرآن شرعتنا ونحن بهديه مستديمون، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما روى الإمام مسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) أتريدون الرفعة ؟ هيا إلى الكتاب وإلى هدي الكتاب وإلى الاهتداء به، أم تريدون الوضاعة والحقارة ؟ فبالإعراض عن الكتاب هذه الكلمة ليست بلاغية أيها الأحبة لكنها تحمل ورب الكعبة الإبلاغ مع البلاغة وليست من الكلمات الإنشائية التي نخطّها لنعلقها على لوحات الجدران، لا... وإنما هي كلماتٌ تشكل عنواناً لنا.

العنوان الرابع: العمل الصالح العام موضوع حركتنا وعلى تحقيقه خالصاً لوجه الله عازمون: فنحن نتحرك ويجب أن يكون موضوع حركتنا عملاً صالحاً عاماً وأعني بالعمل الصالح العام أن لا يقتصر العمل على الصلاة والصيام والزكاة والحج فحسب بل يتناول كل مرافق الحياة اقتصاداً وصناعةً وزراعةً وتعلماً وتعليماً وتحكيماً وحكماً ومسؤوليةً وتمثيلاً في مجلس الشعب أو مجلس الوزراء أو في الحكومة أو القيادة أو الإدارة أو الجيش... يا هؤلاء يا مَن يحمل عنوان جيش: عليكم أن تسعوا من أجل أن يكون العمل الصالح موضوع حركتكم التي تتحركونها والتي تعبر عن حياتكم، فالحركة رمز الحياة وتعبيرٌ عنها، فما موضوع حركتك أيها الإنسان ؟ موضوع حركتك عمل صالح ولذلك قال ربي عز وجل: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً وقال أيضاً: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا أي عملوا عملاً صالحاً في كل شؤونهم وتحركاتهم وكانوا مستقيمين على ما أمرهم به ربهم فالتزموه وما نهاهم عنه فاجتنبوه، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم فقال: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك ؟ قال: (قل آمنت بالله ثم استقم).

العنوان الخامس: الذكر غذاؤنا وبه للسلوك والعاطفة مدعمون،أريدكم يا شبابنا ذاكرين، هل تذكر ربك يا هذا ؟

وقد قلت منذ أكثر من عشرين سنة على هذا المنبر نحن بحاجة إلى أذكار من نوعين اثنين: أذكار سميتها أذكار المناسبات، وأذكار سميتها أذكار العامة، فأما بالنسبة لأذكار المناسبات فعليك أيها الطالب أن تحفظ الذكر الذي أمرت أن تقوله عندما تخرج من بيتك إلى جامعتك أو إلى مدرستك وأنت أيها الذاكر أن تقوله عندما تذهب إلى متجرك وأنت أيها العامل والحاكم والمدير والوزير، فهذه أذكارٌ للمناسبات تدعم سلوكك وعواطفك، قل وأنت خارجٌ من بيتك: اللهم إني أعوذ بك من أن أَزِلّ أو أُزَل أو أضلّ أو أُضل أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يُجهل علي، وقل في نهاية مجلسك: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وقل.... وقل... وهكذا في كل مكان خاص له ذكر للمناسبة التي أنت فيها. روى الإمام مسلم أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سبق المُفرِّدون) فقالوا يا رسول الله وما المفردون ؟ قال: (الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) فأنت تتغذى بالطعام والشراب من أجل جسمك ولكن هل تبحث عن غذاء لروحك التي تشكلك أصلاً والتي تكون بها إذ لا يمكن أن تكون بالجسم فقط، أولست تصدق قول من قال:

أقبل على النفس واستكمل فضائلها               فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

يروي الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) أتريد أن تكون ميتاً فإن قطعت الطعام عن جسمك مات جسمك وإن قطعت الذكر عن روحك ماتت روحك.

العنوان السادس: الموت على الإسلام والإيمان بغيتنا وإنا إلى الديان ماضون: ألم تسمعوا من أجدادكم وأكابركم دعاءً بسيطاً حيث يقولون: اللهم أحسن ختامنا، فلو كنت مهما كنت حسب اعتقادنا وديننا ومهما حصلت في الدنيا رئيساً كنت أو وزيراً أو عظيماً أو غنياً أو... أو ...  وضع في ذهنك المراتب التي تريد والتي تنشد ثم إن لم يكن الختام على الإسلام والإيمان قل لي بربك فمالذي ينفعك، وأنا أقول هذا لأننا نؤمن بالدنيا والآخرة ونؤمن بأن العاقبة في الآخرة هي الأهم، ونؤمن بأن العاقبة في الدنيا لمن مات على الإسلام والإيمان، ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ولم يقل أغنياء أو مسؤولون أو كذا وكذا مما تريدون، ﴿ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بَني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون

إلى الديّان يوم الدين نمضي                       وعند الله تجتمع الخصوم

ستلقى ربك أيها الإنسان وما من شكّ أو ريب في ذلك فهذا حقٌ، والساعةُ حق، ولقاءُ الله حقٌ، والحساب حق،وجاء في البخاري ومسلم أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما منكم من أحد إلا سيكلّمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدّم وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة).

خزنوا أعمالاً في دنياكم لآخرتكم، خزنوا أعمالاً صالحة وخزنوا ذكراً خالصاً وخزنوا خبتاً لربكم وخزنوا اتباعا لنبيكم وخزنوا عملاً طيباً بين الإنسان والإنسان رعاية وبناءً وخدمةً للكون والحياة، خزنوا هذا في مخازنكم وفي صناديقكم التي ستفتح يوم القيامة، ﴿مالِ هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً وسيعرض كتاب حياتك ولم تغادر فيه صغيرة ولا كبيرة إلا أُحصيت.

قل لي مالذي فعلته من البارحة إلى اليوم ولا أقصد ما يخص الصلاة والصيام فحسب وإنما أريد ما يخص عملك وإتقانك عملك وسعيك وما يخص دراستك أيها الطالب فهل درست وتجارتك أيها التاجر فهل تاجرت بأمانة ورعاية لتعاليم دينك ؟                                       

أنت يا من ترشح نفسك هل فكرت في مسؤولية تريد أن تنهض بها أم أنك تفكر في جمع الأصوات حتى ولو لم تكن أهلاً لهذا ؟ أريدك أن تفكر لأن كل ذلك مخزن في صناديق ستفتح كما قلت لك يوم القيامة أمام عينيك وستقرؤها معنونةً ومبرمجة ومكتوبة بحروف دقيقة لا تغادر معنىً من المعاني أو كلمةً من الكلمات أو فعلاً من الأفعال أو حالاً من الأحوال، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما روى لنا ابن مسعود عندما تلا  قول الله عز وجل: ﴿يومئذ تحدث أخبارها ثم قال سمعت من نبيكم أنها تكلم ربها ما فعل عليها يوم كذا ساعة كذا.

 فيا رب هذه عناوين ارتضيناها لأنفسنا بناءً على أمرك النافع لنا: الله قصدنا، الرسول أسوتنا، القرآن شرعتنا، العمل الصالح العام موضوع حركتنا، الذكر غذاؤنا، وفي النهاية الموت على الإسلام والإيمان بغيتنا، هذه عناوينكم يا شبابنا لا ألزمكموها ولكنني أعرضها عليكم ففكروا بها اليوم وإن كنتم عليها موافقين فتابعوا العمل من أجل تحقيقها وحولوها من شعار إلى عنوان، وأما إن كنتم غير موافقين فالقضية جاهزة للنقاش والحوار لعلكم تمتلكون إضافاتٍ على ذلك فأنا جاهزٌ للسماع منكم لأننا أمة أمرت أن تداول فيما بينها حديثاً ينفعها، فاللهم وفقنا من أجل أن نتحلى بهذه العناوين وحققنا بذلك، نعم من يسأل ربنا، ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 6/4/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق