آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
هل أتى على الإنسان حين من الدهر

هل أتى على الإنسان حين من الدهر

تاريخ الإضافة: 2007/07/20 | عدد المشاهدات: 4280

ها نحن أولاء نبتدئ اليوم بسورة الإنسان وهي تأتي بالترتيب المصحفي بعد سورة القيامة، وعدد آياتها إحدى وثلاثون، وهي سورة مدنية، وإن كانت آياتها تشبه بقصرها وقلة عدد كلماتها وطبيعة الخطاب فيها السور المكية إلا أنها مدنية. وتسمى بسورة الدهر وسورة الإنسان وسورة هل أتى وسورة الأمشاج.

بحثت أولاً في سبب نزولها فوجدت ثلاث روايات هي:

1- الرواية الأولى: رواها الطبراني وابن عساكر، عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم – وأحب أن أقول هنا بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه أريحية بعد أن بلغ به الحياء مبلغه. فقال له: سل واستفهم. وهنا أحب أن أقول أيضاً معلقاً: نحن اليوم إذا رأينا أحدهم يريد أن يسأل ويستفهم فإننا سنقول له لا تسل ولا تستفهم وهذا ليس فقط من قبلنا نحن المشايخ أو العلماء بل ينطبق ذلك على كل الناس، فلسان حال الناس أيضاً يقول للشيخ المتكلم لا تتكلم ولا تظهر فهمك علينا... وهكذا، وهذا صحيح لأننا غدونا نقيس المعايير مادياً فربما قلنا للشيخ كفانا كلاماً وماذا سنستفيد منه. وهنا لا شك في أن استفادتنا ستكون معدومةً – أعود للرواية فقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله فضلتم علينا بالألوان والصور والنبوة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به أنني كائن معك في الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نعم، نعم، نعم. والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة، من مسيرة ألف عام ثم قال: من قال لا إله إلا الله كان له عهد عند الله، ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مئة وأربع وعشرون ألف حسنة). قال ثم نزلت هذه السورة ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر .....إلى قوله ملكاً كبيراً﴾. فقال الرجل الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة يا رسول الله ؟ فقال: (نعم). فاشتكى هذا الحبشي حتى فاضت نفسه فرحاً فقال ابن عمر ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدليه في حفرته بيده.

2- الرواية الثانية: أخرجها الإمام أحمد في مسنده أن رجلاً كان يسأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن التسبيح والتهليل فقال عمر بن الخطاب أكثرتَ على رسول الله فقال رسول الله: (مَه يا عمر) ونزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه السورة: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر﴾ حتى إذا أتى على ذكر الجنة زفر الأسودُ زفرةً فخرجت نفسه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (مات شوقاً إلى الجنة).

3- الرواية الثالثة: وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه عن أبي ذر قال قرأ رسول الله ﴿هل أتى على الإنسان﴾ حتى ختمها ثم قال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء – أي أصدرت صوتاً كصوت الأطيط وكأنها ضُغطت كثيراً حتى خرج منها هذا الصوت- وحُقَّ لها أن تئطّ، ما فيها من موضع أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجد لله عز وجل. والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفراش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل).

ولو سألني أحدكم لمَ هذا ؟ أقول الحزن والفرح أمران متقابلان ولا يمكن للإنسان أن يعيش بلا فرح، ولا بفرح دون حزن، فهما جميعاً أمران ضروريان فيك، لكن المشكلة اليوم أننا نحزن بما لا يستحق أن يكون محلَ أو دافعَ حزن، ونفرح بما لا يستحق أن يكون دافع أو سبب فرح، وبالتالي رفضنا الفرح والحزن لا لأنهما ضروريان ولكن لأننا صرفناهما بثمن بخس فحُزنُنا وفَرحنا أصبحا بلا قيمة، ولذلك قد يتساءل أحدكم فيقول: ما هذا الذي رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي يجب علي أن لا أضحك بناءً عليه، بل ويجب علي أن أبكي ولا أتلذذ بالنساء على الفراش وسأصعد إلى الجبل لأجأر إلى الله عز وجل ؟

أقول: أنا لا يمكن أن أتصور هذا الأمر الذي رآه النبي، لأن الصغير لا يمكن أن يتصور ما عند العظيم من مشاكل وهموم فنحن فرحتنا صغيرة وحقيرة، وحزننا كذلك أيضاً فعلى سبيل المثال أنا كشيخ مثلاً أفرح إن كثر حاضروا كلمتي وأتباهى أمام الناس بذلك وسابقاً قالوا: قل لي ما يفرحك أو يحزنك أقل لك من أنت.

أريد أن أقول لكم ختاماً ولعلي ذكرت ذلك من قبل:

 لي صديق مصاب بلوثة عقلية غير أنه أحياناً يبدع بكلامه حِكماً من أنفس ما يكون، قال لي مرة: يا شيخ محمود أنتم وما حولكم من الناس شيءٌ فارغٌ لا معنى ولا قيمة له. فقلت له: ربما نعم، وأنا معك قد أوافقك الرأي. فقال: أريد أن أضرب لك مثالاً على ذلك: لو أن أحدكم مات قريبه فتراه لا يفكر بحسن ختام هذا الميت أو هل كان موته على الإيمان أم لا ولا يهتم لأجل ذلك، وإنما يفكر بهيئة التعزية وكيف ستكون ومن سيخرج في الجنازة ومن سيأتي من المشايخ وهل سيأتي المسؤول الفلاني أم لا... وهكذا. وأنا أقول: قولوا لي بربكم أيها الناس من منا يفكر بغير ذلك ؟ فكلنا يفكر بهذه الطريقة، هذا في حال الحزن وفي حال الفرح كذلك أيضاً قال لي أحدكم لا يفكر بسعادة مثلاً ابنه في فرحة زواجه من حيث انتقاء الزوجة الصالحة، أو تعليمه دعاء يدعوا به في ليلة زفافه، وإنما يهتم بمكان الفرح ومن سيأتي ومن سيدعو من الناس. فالقضية غدت  قضية مظاهر فحسب وهذا جائز لو رافقه بعض المخابر، وقد حدثنا من حدثنا من مشايخنا فقال: اليوم غدا إيمان الناس بأعينهم.

والحقيقة أيها الناس أن الكلمة اليوم لا تأثير لها بشكل عام أو ضعف تأثيرها من حيث الظاهر أيضاً، وأذكر أن الدكتور فتح الله بدران وهو من علمائنا الكبار كان يقول للطلاب في محاضراته: أيها الطالب: اسمع ربع ما أقول، وافهم ربع ما تسمع، واحفظ ربع ما تفهم، واكتب ربع ما تحفظ، فسأعطيك العلامة التامة.

فنحن نرضى إن حصلت في النهاية 1% وهذا هو الواقع ليس لأننا نرضى بالقليل، وإلا فسنجامل بعضنا من غير دليل وسنتحدث عن كان وكان من غير واقع داعم وسنقول كان في سلفنا عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ولكن أين خلفهم فينا الآن وأين نحن منهم.

أسأل الله أن يوفقنا لما فيه خير الدنيا والآخرة.

ألقيت بتاريخ: 20/7/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق