آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
الدكتور عكام يستقبل وفداً نمساوياً

الدكتور عكام يستقبل وفداً نمساوياً

تاريخ الإضافة: 2007/09/01 | عدد المشاهدات: 2620

استقبل الدكتور الشيخ محمود عكام في مكتبه بدار الإفتاء بحلب يوم السبت: 1/9/2007 وفداً نمساوياً مؤلفاً من خوري ومجموعة من رعاياه الكاثوليك، وقد دار الحوار التالي:

الدكتور عكام: تشرفنا بكم في حلب، وأنتم ضيوفٌ أعزاء علينا، وبمجرد سماعنا بزيارتكم لنا سعدنا لأننا سنُغنى بما تقدمونه من أفكار ومعطيات إنسانية وسنحاول أن نغنيكم أيضاً.

الوفد النمساوي: نحن محظوظون لوجود وقت لديكم تستقبلوننا فيه، وهذا مكسبٌ لنا. لقد زرنا خلال اليومين الماضيين مدناً مهمة، ونحن قادمون من جنوب النمسا، نحن نتألف من خوري ومعه مجموعة من رعاياه الكاثوليك، ونحن سعداء للقائنا، معكم سماحة المفتي، وسماعنا منه أفكاركم وآراءكم حول حلب ورؤيتكم لخارج نطاق سورية.

الدكتور عكام: كلامي بدون تكلف وأكرر التحية لكم، وأنا سعيد لأني ألتقي مع أناسٍ بعيدون عني جغرافياً، وأحاول أن أمتحن وأمحِّص أفكاري، هل هي توليد محلي لا تصلح للمنطقة التي يعيش هو فيها ؟ هذه غايتي من اللقاء مع أمثال هؤلاء الضيوف.

المنطلق الأول في حديثي، أقول: ما دامت المشتركات بيننا في الشكل إلى حد كبير، أبدأ منها وأقول: لا بد من أن يكون هناك مشتركات بالمضامين بعد أن آمنت بالمشتركات الشكلية، وهذا ما يجعلني أبحث عن المشتركات الشكلية، وأرى اللغة التي تعرفني على المضامين المشتركة هي اللغة الإنسانية، فإذا استطعنا أن نتكلم بلغة إنسانية تنبثق من الشكل الذي اتفقنا عليه، من الشكل المتشابه أرى هذا أَوْلى من أن أتحدث عنك مسيحي أو كاثوليكي أو إنجيلي... لغة تجمعنا أكثر. فتعالَ لنلتقي في ساحتها ثم نتكلم عن الأمور التي تدعم لقاءنا، فإن كانت ستفرق بيننا لا مرحباً بها أياً كانت هذه اللغة. لذلك أنا أبحث عن دستورٍ بدلاً من بحث الناس عن دستور لوحدة عربية، أو وحدة أوروبية، أنا أبحث عن دستورٍ، عن ميثاقٍ للوحدة إنسانية، ولن أضع غاياتٍ صغيرة، وحدة عربية أو... مباشرة أسعى لوحدة إنسانية. ولقد تكلمت مع أمثالكم، وكنت أبحث عن مفردات هذا الميثاق، وما وصلتُ إليه أن الإنسان أنَّى كان ما يسعى إليه من أجل مقوّمات وحدة إنسانية أمور خمسة هي: العدل، والعلم والمعرفة، والحرية، والأخلاق، والسَّلام.

وكنت أسأل كلَّ الوفود، بغضِّ النظر عن الدين، هذه الأمور ألا نتفق عليها ؟ تعالوا لنحقق هذه الأمور، فسيُرضي المسلم إسلامه والمسيحي مسيحيته.

الوفد النمساوي: هناك تضاربٌ دولي حول تعريف مفاهيم العدل والسلام، فما السبيل إلى تحديد هذه المضامين ؟

الدكتور عكام: عندما يصدق الإنسان في إرادة الوصول إلى تحديد مفهوم العدل فسوف يصل إليه، فالعدل هو: أن لا أَظلِم ولا أُظلَم. وكلنا يعرف نفسه فيما إذا كان ظالماً أم لا، جاء رجل إلى النبي يسأله عن الإثم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطَّلع عليه الناس) نحن اليوم في أزمة. لم نعد نستفتي قلبنا، بل أصبحنا نستفتي الآخر المزيف، ونحن عندما نصدُق مع ذواتنا نصل إلى العدل. ونحن في التصور متفقين لكننا قد نسيء في التطبيق، لذا نريد حواراً صادقاً مع بعضنا لنصل، وإلا سيكون الأمر وبالاً علينا، وتلاعبٌ بالكلام فقط.

الوفد النمساوي: هناك في المجتمع الغربي مفاهيم لحقوق الإنسان من الذي يحدد فيما إذا كانت هذه المنظومة مقبولة لديكم، هل هي السلطة الدينية أم الحكومة ؟

الدكتور عكام: أعتقد أن الإنسان الباحث أو المتعلم أو الباحث عن العلم والحقيقة، هذا الإنسان، سواء أكان في السلطة الدينية أو السياسية، المهم الإنسان الصادق هو الذي يقول للمجتمع أن هذه المنظومة التي أفرزتها المجتمعات الغربية جيدة أو غير جيدة، وما أعتقد أن أحداً في العالم العربي قال عن حقوق الإنسان التي أصدرتها المجتمعات الغربية غير جيدة وإنما المشكلة في مرجعيتها بالسلوك.

الأمور الخمسة التي تكلمت عنها تحتاج إلى عمل مع المهتمين بالأمور الإنسانية وكيف يضعون هذه الصفات في التفعيل، وهنا العاملون في المجال الديني أقدر من غيرهم على مخاطبة الناس وإقناعهم بها، لأنهم يتعاملون مع وجدان الناس الذي يدفع للسلوك، وأتمنى من الغرب الذي قرأ حقوق الإنسان، أن لا ينظر إلى ما لدينا من سلوكيات مخالفة، أن ينظر إلى الإسلام وإلى المسيحية وإلى حقوق الإنسان فسيرى تطابقاً، فحقوق الإنسان في الغرب خلاصتها كما أظن هذه الأمور الخمسة التي ذكرتها ولا تتعدى ذلك.

الوفد النمساوي: انفصلت الكنيسة عن الدولة في أوروبا، وبالتالي فقدت شيئاً من تأثيرها على المجتمع، كيف يمكن للأفكار التي تفضلتم بها أن تأخذ دورها هنا في الشرق وأن تنتشر بشكل قناعات وتصبح منهاج عمل ؟

الدكتور عكام: أنا أرى أن انفصال الدولة عن الدين أمر جيد، وأتمنى هنا أن ينفصل الدِّين عن السياسة، لأن هذا الانفصال للدين عن السياسة يحقق للدين وجوداً قوياً بذاته، وبالتالي عندما تنفصل السياسة عنه تفصل كل وساخاتها، فإذا ما اتصل الدين بالسياسة لن تأخذ السياسة منه الفضائل بل على العكس ستحمِّله وساخاتها، وستجعله خادماً عندها، فسيصدر المسؤول فتوى بكل أمرٍ يريده، أما إذا انفصل فستكون شخصيته مستقلة، فإذا ما حصل اعتداء من جانب على آخر فسيكون واضحاً أمام الناس كلهم، فدعنا أيها السياسي بحالنا واشتغل بحالك.

ونحن نسعى اليوم من أجل أن يكون هذا الفصل متكافئاً ومعتدلاً، وأنا أتوقع لو أنني كنت مسيحياً في الغرب فلن أعدل عن فصل الكنيسة عن الدولة، بل سأطالب به، وكنت سأشتغل شغلاً هو من أروع ما يكون، لأنني اليوم أنا أشتغل هنا تحت سلطة الدولة، حتى مركز الإفتاء هذا هو كذلك، ولئن أتاني الوزير إلى هنا فسأقول له... احترامي وهكذا.

والذي أراه في الغرب أن السياسيين بعد أن حصلَ فصل الدّين عن الدولة، يريدون أن يعيدوا الدين من أجل خدمتهم، وهم يعلمون بأنهم – أي السياسيين – ليس لهم تأثير على قلوب الناس فيحركوا النواحي الدينية، فالرئيس (بوش) على سبيل المثال لما غزا العراق قال: "هذه حرب صليبية"، أي حرّك النواحي الدينية لأنه يعلم أنه لا يحرك الأمر بعنف إلا الدين سلباً أو إيجاباً.

 فالسياسة الغربية اليوم تحاول أن تعدل عن فصل الدين ولكن من أجل منفعتها، وهي وتريد أن تستغل الدين لأن سلطته قوية على الناس.

وقد قلتُ من قبل لوفد أمريكي: أناشدكم الله أن تُبقوا على الفصل، وقولوا لبوش: عندما يحكي عبارة دينية بأنه لا علاقة لك بهذا الكلام. فلا تتكلم باللغة المسيحية ولا الإنجيلية، ولا علاقة لك باللغة الدينية. فأبقوا أنفسكم في السياسة، ولا تستعيروا عبارات من عندنا من أجل أن تحركونا وتأججوا الأمر عندنا، وكذلك نحن نقول لمن عندنا اليوم من إخوتنا: لا تقولوا عن الإسلام بأنه يُعتَدى عليه إلى ما هنالك من كلام بل قولوا يعتدى على السياسة.

الوفد النمساوي: كناظرٍ من الغرب إلى الشرق يرى أن الإسلام مرتبط بالسياسة، وهل يشارككم هذه الأفكار آخرون على المستوى الديني من مدينة أخرى أو من بلد آخر عربي أو مسلم أم أنها أفكار خاصة بكم لا صدى لها عند آخرين ؟

الدكتور عكام: هناك من يشاركني هذه الأفكار وأنا أعرف من يشاطرني هذا الرأي، ومنذ فترة كنت أبحث عن حل لهذا الوضع المتأزم في بلادنا العربية والإسلامية ووصلت إلى حل من خلال دراستي للقرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدت أن هذا هو الحل، وقلتُهُ في أكثر من لقاء على مستوى عالمي أو إقليمي. التجربة التركية على سبيل المثال، لم ينجح (غول) إلا لما قال: أنا لست إسلامياً، أنا رجل علماني. هكذا صرح في خطابه، (غول) له شخصيته الدينية لما يذهب إلى بيته، ولا تداخل بين الأمرين، وهي تجربة ناجحة، ولما صرح سلفه (نجم الدين أربكان) بالإسلامية بالحكم فشل، ولما زار (غول) إسرائيل وهو وزير خارجية لم تحدث احتجاجات لأنه زارهم بصفته السياسية، لكننا خلطنا اليوم السياسة مع الدين، فإذا أراد وزير خارجية السعودية زيارة إسرائيل ستحدث كارثة... لكن لما ذهب (غول) وصافح وزيرة الخارجية لم يعترض أحد من الإسلاميين، أما حين خلط (أربكان) بين السياسة والدين صافح (تشيلر) فقالوا صافح المرأة، وهو إسلامي... يشاركني في هذا الرأي أشخاصٌ أعلمهم، وعددهم جيد، ويشاركني كل المسلمين في دواخلهم، لكنهم يخافون ولا يجرؤون، وأنا أعتقد أن كل العلماء هنا يعتقدون هذا الذي أعتقد، لكنهم يريدون أن يرددوا ما يردده اليهودي المتطرف والمسيحي المتطرف لأننا اليوم أصبحنا متخلفين، والقاعدة تقول: "في المجتمعات المتخلفة ينتصر التطرف وتنتصر اليمينية".

الوفد النمساوي: كيف تنظرون إلى خطاب البابا حول الإسلام والتعصب ؟

الدكتور عكام: ليقل من شاء ما يريد، لكن أشترط عليه شرطاً واحداً وهو أن يكون الأسلوب الذي يُقدم من خلاله القول أسلوباً مناسباً مُغلَّفاً بالإنسانية والآداب المتفق عليها بين الناس، انتقد من شئت، واعترض على ما تشاء، ولكن اختر الأسلوب المناسب الجيد. نحن نقبل أناساً لا يُقرّون بوجود الله أصلاً، لكننا نطلب منهم أن يُعبروا بأدبٍ واحترام عما يعتقدون، فالخلافات موجودة وقائمة حتى ضمن الدين الواحد، ولكن لا تحولوا الخلاف العلمي إلى سِجالٍ وقتال من خلال إهمال الشكليات، فالآداب الإنسانية مطلوبة وهي الأسلوب الجيد لتقول ما تريد.

الوفد النمساوي: لدى الفاتيكان برنامجٌ لحوار الأديان بهدف التلاقي ونزع الخصام، كمفتٍ أين أنتم من هذا الحوار ؟

الدكتور عكام: لقد فكرتُ في هذه القضية فلم أجد قَبولاً لمفهوم الحوار الديني، ولم أحب تلك الكلمة. هدفُ الحوار الديني تعايش، ونحن متعايشون مع بعضنا كأديان منذ فترات طويلة. فطبيبي مسيحي... وجدتُ أني كلما تجاوزت الحوار الإنساني إلى حوار أصغر منه أكون قد صغَّرت نفسي.

الحوار الديني له سلبية، ومن سلبياته أن الحوار الديني الديني عبارة عن شكلية يستغلها السياسي ويلعب بها كيفما يريد من أجل تحسين صورته، وإذا كان لا بد من حوار فليتفق أهل الدين مع بعضهم على السياسي، وليقولوا له: استَشِرنا ولا تخالفنا. الحوار الديني الديني من أجل أن يجتمع الدينيون مع بعضهم لاستقطاب السياسي فيما يعود على الوطن بالنفع.

الوفد النمساوي: الأفكار الخمسة مقبولة لدى الأديان كلها، لذا نؤكد على أن اللقاء الديني هو مثل للأجيال القادمة، ورؤية رجل الدين المسلم مع المسيحي يشعرنا بالأمان.

الدكتور عكام: لقد قلت إن هدف الحوار هو التعايش، وعندنا يوجد تعايش، فإذا قمنا بالحوار سوف نشكك الأجيال إذا كنتم متعايشين فلمَ التحاور ؟ أنا لا أدعو إلى عدم لقاء بل إلى عدم تحويل الحوار إلى عوامل تثير الفرقة.

الوفد النمساوي: هل ستبقى سورية بعيدة عن حركات التعصب ؟

الدكتور عكام: هذا ما أرجوه، فقد غدا هناك وعيٌ يشرفني أن كنت أحد صانعيه، هذا الوعي يمنع من عودة مثل هذا التعصب، لكن ما أخافه أن يؤثر التعصب في الغرب فيحرّض المتعصبين عندنا، لأن الفعلة غير الجيدة من الغرب ستهيج المتعصبين عندنا، ومثال ذلك ما نشرته صحيفة سويدية منذ يومين من صورة مسيئة للرسول. نقول للغرب: أنتم أساتذتنا فابقوا كذلك، والأستاذ أخلاقه أن يكون واسعاً متحملاً للأذى.

الوفد النمساوي: شكراً لسماحتكم على إعطائنا من وقتكم، وقد شرفنا بالاستماع إليكم.

التعليقات

شاركنا بتعليق